بهجت العبيدي يكتب : هل عاد أحد من الموت؟! .. العائدون يحكون تجاربهم!

بهجت العبيدي يكتب : هل عاد أحد من الموت؟! .. العائدون يحكون تجاربهم!
بهجت العبيدي يكتب : هل عاد أحد من الموت؟! .. العائدون يحكون تجاربهم!
ربما، بل الأكيد، يكون أكثر ما يشغل الإنسان منذ أن تحصّل على الوعي هو ماذا يحدث بعد الموت؟ وربما أيضا كان هذا المصير المجهول والذي لم يُوقٍنُه أي إنسان منذ بداية الخليقة، وكانت الإجابة عنه من خلال تلك الأخبار التي صدرت عن الأديان المختلفة، والتي لم يتم فيها الاتفاق على مصير واحد ولا شكل واحد ولا طريق واحد، بل قدمت كل ديانة وقدم كل تراث جماعة بشرية تصورا خاصا بها وعلى أتباعها أن يؤمنوا دون دليل على تلك الأخبار، حيث أنها تأتي في باب الأخرويات التي لا يخلو منها دين ولا عقيدة ما، لأن على الأديان والعقائد أن تقدم تصورا شاملا، وإجابات كلية، وخلاص نهائي، منها كان لابد من تقديم تصور على ما بعد الموت، أقول ربما أن مصير ما بعد الموت هو أكثر وأهم وأعقد ما يؤرق الإنسان. 
إن الديانة المصرية القديمة أكثر الديانات على الإطلاق التي اهتمت بما بعد الموت، ولعل تلك المقابر هائلة التجهيز، والتي يأتي على رأسها الأهرامات الثلاثة في الجيزة والتي هي إحدى عجائب ومعجزات الحضارات الإنسانية على مر التاريخ خير دليل على ذلك. 
فلقد اهتم المصريون القدماء بالموت منذ فجر التاريخ، وتصوروه مرحلة من مراحل الحياة، وكان كل شيء وغاية كل فكر هو بلوغ المتوفى حياة جديدة تضمن له الخلود بسلام، بدءا من بناء مقبرته أو بيت الأبدية ونقوش جدرانها، وتحنيطه لضمان حفظ جسده وملامحه، وإقامة شعائر جنائزية خاصة وقراءة نصوص وصلوات، وصولا إلى البعث والخلود. 
بعد بضع دقائق فقط من الموت، يتوقف القلب عن النبض، وبالتالي يتوقف تدفق الدم الذي من المفترض أن ينقل الأكسجين إلى الأعضاء والأنسجة، لذلك بدون دم، فإن الأعضاء والأنسجة الأكثر احتياجاً للأكسجين تنهار أولاً، والنتيجة أنها تصبح جافة لأن الخلايا التي تشكل تلك الأعضاء والأنسجة مكونة من 70٪ ماء، وبدون أكسجين لإبقائها على قيد الحياة، فإنها تنهار. 
ولكن هل عاد أحد من الموت؟! بمعنى آخر: هل بعد أن توقفت الأجهزة بالجسم، وصار الإنسان في عداد الموتى: هل عاد أحد من هذا الموت إلى الحياة؟!. وإن كان قد حدث!، ماذا سرد هؤلاء العائدون من الموت؟! وهل هناك سمات مشتركة بين ما قالوا أنهم قد شاهدوه أو شعروا به؟! 
في البدء فلنتعرف على ظاهرة يطلق عليها علماء الطب: الاقتراب من الموت أو الموت الوشيك: تجربة الاقتراب من الموت بالإنجليزية: Near death experience هي ظاهرة غير طبيعية نادرة الحدوث. تتلخص ماهيتها في أن البعض ممن تعرضوا لحوادث كادت تودي بحياتهم قد مروا بأحداث وأماكن مختلفة. 
وتعالى عزيزي القارئ نتعرف على إحدى تلك الحالات، كما ذكرتها صحيفة "دويتش فيلا الألمانية"، التي يطلق عليها: الاقتراب من الموت ففي يوم 22 من أبريل/ عام 2000، ماتت كريستينا ميتة سريريا لمدة 23 دقيقة وفي الرابع والعشرين من مارس  2020، نشرت مجلة "جولي" النسائية الألمانية تقريرا عن تجربة غريبة عاشتها كريستينا س. حينما كان عمرها 19 عاما، والتي فقدت الوعي بعد حادثة سير، فتوقف قلبها عن الخفقان وعاشت بعدها، على حد قولها "تجربة الاقتراب من الموت". 
هذ الحدث غير حياتها رأسا على عقب. "رأيت جسدي على طاولة العمليات في المستشفى، بصدر مفتوح. حُمْتُ تحت أغطية السرير ونظرت إلى نفسي من الأعلى. سمعت الجراحين يقولون أسرعوا.. سنفقدها. لم أكن أشعر بأي شيء. كنت مندهشة فقط. بعدها رأيت نورا رائعا، وأحسست فجأة بأرضية دافئة وناعمة تحت قدمي العاريتين. جاء جداي إليّ ينادياني باسمي "تينا!" واحتضناني بقوة. لقد مات الاثنان وأنا صغيرة قبل أن أستطيع تذكرهما. آنذاك فهمت أنني مُت بدوري". 
لقد تمكن الأطباء من إعادتها للحياة. هذه قصة من ملايين القصص من مختلف القارات والأجناس. تجارب كان يُنظر إليها في الماضي على أنها من قبيل الهلوسة، قبل أن تصبح موضوعا للدراسات العلمية. 
أما عالم الجيولوجيا ألبرت هايم، كما ورد في نفس الصحيفة الألمانية السالفة الذكر، فلقد كان له هو الآخر تجربة موت وشيك والتي كانت في العام 1892، في سرده لتفاصيلها في الكتاب السنوي الذي يُصدره "نادي جبال الألب السويسري" تحت عنوان "ملاحظات بشأن الموت خلال السقوط".  وصف هايم بدقة متناهية الثواني التي عاشها وهو يسقط من الجبل، وكيف أعاد مشاهدة شريط حياته في زخم من المشاعر الإيجابية، رغم أنه كان على وشك فقدان حياته. والغريب أن التجربة لم تكن مرتبطة بالخوف من الموت، بل على العكس، فقد أوضح أنه كان يسبح في بحر من سلام داخلي لا يوصف. 
إن ظاهرة الموت الوشيك ينظر لها أصحاب العقائد على أنها تثبت بطريقة عملية وعلمية وجود حياة أخرى بعد الموت، كما تبشر بذلك كل الأديان، تلك الأديان التي تربط حياة ما بعد الموت بعمل الإنسان، فمن كان يعمل عملا صالحا، فإن حياته بعد الموت سوف تكون في سعادة وسرور، أما إن كان من أصحاب الأعمال الشريرة فإن حياته الأخرى تكون تعاسة وشقاء، ولكن الملاحظ فيمن خاضوا تلك التجربة وهم من خلفيات عقائدية ومذهبية مختلفة شعروا بالسعادة والسلام. فكما رأينا في تجربة عالم الجيولوجيا ألبرت هايم فلقد أكد أنه كان يسبح في بحر من سلام داخلي، أما الفتاة كريستينا س فلقد رأت نورا رائعا، وأحسّت فجأة بأرضية دافئة وناعمة، وأكثر من ذلك فإن هناك أحيانا أثناء تجربة الاقتراب من الموت يحدث إدراك لأحداث واقعية بدون استخدام أعضاء الحس كما في بعض الحالات لأشخاص مصابين بالعمي يستعيدون الرؤية أثناء حدوث التجربة معهم ويمكنهم أثناء التجربة إدراك أحداث واقعية جرت حول أجسادهم كما لو كانوا أصحاء، أو إدراك لأحداث واقعية بعيدة عن الحواس والجسم – مثلاً شخص في غرفة الإنعاش يري ويسمع أحداث تجري في مكان خارج غرفة الإنعاش.
وإذا كان  الدليل النقلي لا يعتد به في الأوساط العلمية إلا أنه دائما يظل حافزا للبحث بشكل أكاديمي هذا الذي دفع العلماء لبحث هذه الظاهرة وتفسير ما أخبر به هؤلاء العائدون من الموت الوشيك؛ فوفقًا لدراسة علماء أمريكيين، فإن الدماغ لا يموت مع القلب، بل على العكس، يبدأ العمل بسرعة مضاعفة. يزيد إطلاق الدوبامين، هرمون السعادة الذي يلعب دورًا مهمًا في نظام التعزيز والعمليات الإدراكية، بحوالي 12 مرة. لذلك، قد يشعر الناس بالسلام من ناحية، ومن ناحية أخرى، يشعرون بأنهم يفكرون بسرعة كبيرة. تحدث عن هذا الشعور 65 في المائة ممن نجوا من الموت السريري. بالإضافة إلى ذلك، فإنه في وقت المعاناة، يزيد مستوى السيروتونين "هي أحد الناقلات العصبية وتلعب هذه المادة دورا مهما في تنظيم مزاج الأنسان(لذا يسمى أيضا بهرمون السعادة) والرغبة الجنسية" بحوالي 20 مرة، بسبب تنشيط العديد من المستقبلات في الدماغ. وهي، بدورها، ترتبط بالهلوسة البصرية. الخروج من الجسد، لقاء الملائكة والأرواح، ضوء ساطع في نهاية النفق — كل هذا يمكن أن يكون نتيجة لإفراز هرمون السعادة.   
أما من الناحية الفلسفية، وطالما لم يقدم العلم رأيا حاسما في هذه الظاهرة، فإنها تظل تثير أسئلة حول العلاقة بين العقل والدماغ/الجسم. تم الاقتراح أن نتائج دراسات الوعي أثناء السكتة القلبية تدعم وجهة النظر الفلسفية القائلة بأن العقل أو الوعي هو كيان منفصل يتفاعل مع الدماغ ولكنه غير منتج منه.