الحسين عبد الرازق يكتب : كلام والسلام عن الرضاعة والإلزام!

الحسين عبد الرازق يكتب : كلام والسلام عن الرضاعة والإلزام!
الحسين عبد الرازق يكتب : كلام والسلام عن الرضاعة والإلزام!
 
بمناسبة الحديث الدائر هذه الأيام عن عدم إلزام الأم بإرضاع طفلها .. أنا لست مدين لأمي بدفع أجر إرضاعي، لا أنا مدين لأمي، ولا أبي مدين لشركات ألبان الأطفال بدفع أي شيئ، فقد دأب علي دفع الثمن مقدماً وأحيانا مضاعفاً لكل من كان يأتيه بعلبة من الحليب يسد بها جوع ابنه "الأول"بعد أن شاءت إرادة الله أن تصب والدتي ب"حمي النفاس" عقب الولادة مباشرة، ليتم عزلي في غرفة منفصلة، بعيدة عن غرفتها لفترة طالت كثيراً إلي أن جف لبنها قبل أن أطعمه! ما ألجأ أفراد عائلتي مضطرين لإرضاعي صناعياً، كان والدي يطوف جنبات الأرض بحثاً عن علبة حليب (وأقصد بالأرض هنا بلدتنا ومجموعة القرى المجاورة لها) كانت البلدة لاتزال زراعية ويندر وجود الصيدليات والمحال ومنافذ البيع فيها، فكان يسافر إلي القاهرة ليشتري غذاء ابنه الوحيد الذي رزقه الله به بعد فترة "صبر" امتدت لعشر سنوات أو يزيد، تمسك خلالها بإبنة خاله وزوجته التي أجمع الأطباء علي أنها لن تنجب أبداً، ثم أخلف الله ظنونهم وحدثت المعجزة وحملت! 
(١١) عملية جراحية أجريت لوالدتي خلال عشر سنوات من أجل تشريف جنابي، عدة أمراض مجتمعة أصيبت بها "العظيمة" جراء إجراء تلك العمليات وكل ما سبقها أو أتبعها وتبعها من التحاليل والأشعة(ولم تكن إجراءات التعقيم وقتها مثلما هي عليه الآن) امتدت معاناة أمي الصحية حتي يومنا هذا، ولازالت آخذة في التزايد كلما زاد عمرها، أطال الله لنا في عمر والدي وعمرها وخفف عنها آلامها.
رعتني جدتي"؛كتر خيرها" أثناء فترة عزل أمي، فأرضعتني من النوق، والأبقار والجاموس والماعز، وكانت جميعها متوفرة وبكثرة في حظيرة بيت جدي، ألقمتني أثداء حيوانات أخري لا داعي الآن لذكرها" إعتقاداً منها أنه وبإرضاعها لي من تلك الحيوانات العجيبة، فهي تحصنني ضد العين أو الحسد فلا يخطفني الموت صغيرا، وهنا سأتوقف قليلاً لأروي لكم عن ما فعلته جدتي، ومن أين حصلت علي ألبان تلك الحيوانات " العجيبة " وكيف عثرت عليها وأرضعتني لبنها! 
كانت عائلتنا الكبيرة ولم تزل محبة لساداتنا من آل البيت الكرام، نواظب دائما علي زيارة أضرحتهم وحضور موالدهم والتبرك بهم، ومن بين تلك الأضرحة، ضريح لأحد الأولياء مشيد في بطن الصحراء، تحيطه الجبال من كل مكان، كنا نسافر إليه لنزوره،  وكانت عائلتنا والعائلات الكبيرة الأخري في بلدنا والبلدان المجاورة تذهب إليه في كل عام مرة " تحديداً في شهر صفر"  تعسكر وتقيم هناك لمدة شهركامل، تضرب خلاله الخيام من أجل الإعاشة، وتنصب السرادقات لتقدم الخدمة المجانية من طعام وشراب وضيافة لكل رواد المولد وكانوا بالآلاف يأتون من كل ربوع مصر، في العام الأول لمولدي، التقت جدتي في المولد بعرافة " غجرية" من بتوع نبين زين ونضرب الودع نباااااين، وطلبت منهاجدتي أن ترقني، فأمسكت السيدة برأسي وراحت تتمتم بكلمات غير واضحة أو مفهومة، وبعد أن انتهت، التفتت إلي جدتي و نصحتها بأن ترضعني من أثداء حيوانات كذا وكذا وكذا ...  إذا كانت عاوزاني أعيش، انصاعت جدتي للنصيحة ونفذتها بلا تردد، هذا ما روته لي جدتي عشرات المرات واستمعت اليها صامتاً عشرات المرات، إلي أن حدث و قاطعتها ذات مرة وسألتها، وانتي إيه عرفك يا"نينه" إنها ماكانتش بتغشك وبتجيبلك أي لبن وخلاص؟ ضحكت جدتي كثيراً وقالت لبن إيه اللي كانت بتجيبه؟ هو أنا كنت ءآمن عليك إنها تاخدك وتروح ترضعك لوحدها، أو تجيب هي لينهم وأسقيهولك؟ ده أنا كانت رجلي علي رجلها وكنا بنروح عند قرايبها" الغجر" ويمسكوا الحيوانات دي قدامي ويرضعوك منها ! 
انتهي كلام نينه الحاجة فاطمة الله يرحمها وبقيت لي الآن كلمة لابد أن أقولها  ... بصرف النظر عن الحديث في الرضاعة، وعدم الزام الأمهات بها، وبالإبتعاد عن الكلام الكتير والهري والهرتلة،  إذا كان هناك فائدة واحدة ممكن أ ن نخرج بها من هذا الذي نراه كله، بشأن إلزام الزوج بأشياء، وما ليست به الزوجة ملزمة، فهي تذكيرنا بتقديم الشكر لأمهاتنا علي كل ما قدمنه لنا وكل ما عانينه من أجلنا، صحيح أنا غير مدين لأمي بأجر إرضاعي، ولكني مدين لها بما هو أكثر، مدين لها بكل ما أنا عليه الآن من ستر، وكل ما أنا فيه من عافية، وكل ما يحفني من نعمة، وما أفاء الله به علي من فضل بفضل دعائها، ولو قبلت قدميها في كل يوم ألف مرة لما وفيتها بعضاً من حقوقها، وما أنزلتها منزلتها، بارك لنا الله في عمر أمهاتنا وكافئهن وآبائنا علي كل ما قدموه لنا .