د . منى حلمي تكتب : " بقرة " هولندا تحرر صديقتى

د . منى حلمي تكتب : " بقرة " هولندا تحرر صديقتى
د . منى حلمي تكتب : " بقرة " هولندا تحرر صديقتى

 

                                    

     تزوجت احدى صديقاتى منذ أربع سنوات ، من مدير الشركة التى تملكها والدتها . أنجبت بعد عامين طفلة ، وهذا عكس ما تمناه الزوج ، الذى يؤمن أن " الولد " ، هو الامتداد الحقيقى للأب ، والوريث 

الشرعى له ،  الذى يستحق أن يفخر به ، وهو منْ  سيقف فى سرادق عمر مكرم ، ويتلقى فيه العزاء . 

       لم تترك صديقتى عملها ، فى احدى الشركات السياحية ، التى وصلت فيها الى منصب مرموق ، ومكانة متميزة . وهذا أيضا عكس

رغبة الزوج . فهو مثل أغلب الرجال ، يريد زوجة تتفرغ لخدمته ، 

وليس لها طموح خارج المطبخ ، والحًمام ، وغرفة النوم . 

         صديقتى لم تتحجب ، ولا تشترى الكتب الدينية ، ولا تسمع 

الشرائط الوهًابية ، التى تزعق بأن المرأة جارية ، ومدنسة ، ونجسة ،

وضرورة الجهاد لاستعادة الخلافة الاسلامية . وهذا يغضب الزوج ، 

ويثير الخناقات مع عائلته ،  التى تتهمه بالعجز عن " تلجيم " زوجته ،

وفرض أوامره عليها . 

        كل هذا كان ينغص على صديقتى حياتها ، ويشعرها بأنها ليست

فى بيت زوجية ، ولكن فى بيت حرب ، تستهلك قوتها ، وطاقتها ، وعلاقتها بالحياة . 

        وصديقتى ، تحبنى ، ولم تقطع علاقتها ، كما كان يريد زوجها . 

فهو يعتبرنى من الأسباب الأساسية ، لعدم رضوخ زوجته ، ورفضها

أن تُساق كالجارية المملوكة ، لأفكاره ، ومزاجه . هذا على الرغم ، 

من أننى لا أكره شيئا قدر التدخل فى شئون الناس ، نساء ، ورجال ، وخاصة من المقربين ، والأصدقاء . وأحب أن أترك الآخرين فى حالهم ،

وأن يتركونى فى حالى . 

      ونصل الى قمة المأساة ، حيث يتعامل معها زوجها ، عند الممارسة الزوجية الحميمة ، على أنها " قطعة لحم " خالية من المشاعر ، جاهزة

تحت الطلب ، فى انتظار سكين الذبح . 

        فى المساء ، كل ليلة ، تهاجمه الغريزة ، فينقض على صديقتى 

انقضاض الذئب الجائع على فريسته . لا يأخذ أجازة أبدا . لا يدع ليلة

تمر ، دون انقضاض ، الا اذا أقعده مرض ما . وعندما يصحو كل صباح ،

تكون " قطعة اللحم " ، هى الفطور الذى يلتهمه بنهم ، وتحية الصباح ،

التى يلقيها على جسد صديقتى ، الذى ما زال يتثائب ، ولم يفق بعد من

هجوم الليلة السابقة . 

      صديقتى ، ليست بهذا النهم الجنسى ، ولا تأتيها الرغبة الا على فترات متباعدة  ، ولها فلسفتها الخاصة فى لذة الجسد ، التى لابد أن تحدث فى جو رومانسى ، مشحون بالعاطفة ، والاشتياق ، والحوار . 

     تحملت هذا التناقض بينها وبين زوجها ، على أمل أنها ستنجح

فى تهذيب غريزته ، وأنسنة نظرته الى الجنس . 

        تقول له : " أنا تعبانة مرهقة .. ملياش مزاج .. معنديش رغبة ..

زهقانة ... مخنوقة .. عايزة أنام فى هدوء ... انت ليه مش قادر تفهمنى

وتحس بيا .. كفاية بقى ... استحملتك كتير وخلاص مش قادرة ... كل ليلة

بالطريقة دى انت ايه متهمدش  ... خلاص يئست من تغييرك .. ارحمنى 

اعتقنى بقى لوجه الله ". 

       فى كل مرة يأتى رده : " مابهمدتش ؟؟ . انت هاتحسدينى ؟؟. بدل ما تحمدى ربنا ان جوزك صحته بمب كل ليلة ومن غير فياجرا  .. ده فيه ستات بتتطلق عشان اجوازها نايمين جنبهم هم والمخدة واحد .. بقولك

ايه أنا واخدك على قد عقلك فى حاجات كتير .. الا الموضوع ده .. أنا باموت نفسى فى الشركة بتاعة أمك عشان أزود لكم فلوسكم .. 

ودى متعتى الوحيدة .. عايزة تحرمينى منها ... أمال أنا متجوز ليه ؟..

اعملى حسابك أنا مش هاتغير .. وأتغير ليه ؟؟. أنا طبيعى يا ست هانم .. انتى اللى مش طبيعية .. جو رومانسى ايه ، وعواطف ايه ، واشتياق 

ايه اللى عايزاهم ؟؟. احنا متجوزين يا هانم ، مش بنمثل فيلم سيما .. 

وبعدين دى غريزة يا ست يا متعلمة يا مثقفة .. وحقى الشرعى فى أى وقت ،  وبأى طريقة تعجبنى مدام الشرع مش محرمها .. متعرفيش اللى   

تخالف جوزها عالنار حدف ".

         منذ شهرين  زارتنى صديقتى ، وهى فى ذروة الغضب الممتزج 

بالأسى . أخرجت من حقيبتها قصاصة من الورق ، انتزعتها من احدى

الجرائد ، وألقتها أمامى . خبر الجريدة يقول : " ابتدعت بريطانيا نظاما 

جديدا ، يتيح للبقرة أن تحلب نفسها فى الوقت الذى تريد . والفكرة بدأت فى هولندا ، حيث يتم احترام البقرة ، لتختار بحريتها الوقت الذى تنتج فيه

الحليب ، مما يجعلها مستقلة فى ترتيب حياتها ، وخلق التناغم بينها وبين

الأبقار الأخرى . يعمل هذا النظام على توفير الوقت اللازم للبقرة ، للتمشى

فى الخلاء ، من المزرعة الى الحظيرة المجهزة ، حيث يتولد لديها 

الرغبة فى انتاج الحليب . والبقرة تتجه الى مكان الحلب أتوماتيكيا ،

عن طريق كمبيوتر ، وتوجد رقائق مثبتة فى طوق بعنق البقرة ، تتصل

بهذا الكمبيوتر . وهى توضح الحالة الصحية للبقرة ، وتوجد أجهزة حلب

ألية ، تحدد ضرع البقرة . وتساعد على اتمام المهمة ، آشعة الليزر ،

والموجات فوق الصوتية . وقد وافق معهد صحة الحيوان فى بريطانيا ،

بتطبيق هذا النظام فى العديد من المزارع ".

        بعد قراءة الخبر ، نظرت الى صديقتى ، و التزمت الصمت . فكل التعبيرات ، والكلمات ، والايحاءات ، تطل من عينيها . 

       وبالأمس ، جاءنى صوتها عبر الهاتف ، متألقا ، مبتهجا ، مفعما

بالثقة ، مشحونا بالتفاؤل ، تقول : " لازم تكتبى عن البقرة اللى خليتنى

أغير منها ، وخليتنى أصر على القرار اللى كنت مترددة فيه كتير ". 

                                         من بستان قصائدى

                                       ---------------------  

        ما تبقى من الثمار 

-----------------------------                                                             

                                   

         

بحق كل الأشياء العزيزة عليك 

        أرجوك خذنى 

من وطن يعطل أعظم وأجمل طاقاتى

ابعدنى عن سم الثعبان وغدر الزمان

               انتشلنى

من مرارة العيش ومرارة القهوة 

ومرارة الذكرى 

بحق كل الأشياء العزيزة عليك

    أخرجنى من البحر الميت

والقلوب الميتة والضمائر الميتة 

               أرجوك خذنى

فأنا أتصدع مثل بيت قديم عتيق 

                أرجوك أسرع

قبل أن تسقط الحجرة الأخيرة 

         والطابق الأخير  

       والنافذة الأخيرة

خذنى

بالسيارة بالطائرة بالقطار

أو حتى سيرا على الأقدام

سأمشى معك لآخر العُمر 

انتظرتك كثيرا

والانتظار نزف وانتحار 

أعددت حقيبتى وأوراقى

بعت المنزل والملابس والأحزان

وها أنا على ناصية الطريق

أقف أنتظرك 

لا تتأخر .. لا تتأنى .. لا تتردد 

بجرأة الفرسان خذنى 

واقطف ما تبقى من الثمار