فاطمة مندي تكتب : أين قُبلتي

فاطمة مندي تكتب : أين قُبلتي
فاطمة مندي تكتب : أين قُبلتي


عندما اجتمعت عائلة أبي في حفل زفاف احد أبنائها، نهشتني الذكريات المؤلمة، وحينما سيطرت الذكرى المؤلمة علي مسرح الواقع، جاء شرودي بين الواقع والخيال 
قررت الكتابة في محاولة للخروج من دائرة الصراع الشيزوفريني المستعر في داخلي وبناء جسر يربط بين ضفتي ماضيي حاضري؛ لكن فعل البوح عن مشاعري وعن عائلتي وقناعاتي الحقيقية كان تحدياً جديداً تحتم علي مواجهته .
لعل من أسوأ الأعراض الجانبية التي اختبرتها خلال كتابة قصتي معهم؛ هي الشعور الغامر بالقهر من التفريق في المعاملة، واختفاء العاطفة وتوجيهها لغيرنا الأمر الذي أحزنني تماما ...
ارتجف القلم بين أصابعي عند ملامسته الأولى للصفحة البيضاء أمامي تشقق جدار الصمت السميك مُطلِقا دفقات من الأحداث المؤلمة التي كانت بحاجة الى أن تُروى كي تزيح عن كاهلي الأ لم النفسي .
لكن كتابة الأحداث ليست بالأمر الهيّن خصوصاً عندما تكون عن أشخاص عرفناهم جيداً وأحببناهم،كان علي أيضا توخي الحذر الشديد في اختيار مفرداتي وصياغتها خشية أن أسيئ ترجمة المشاعر الأسرية، وهو ما كان سيتسبب في ظلم بيّن للحكاية برمتها .
 شرد ذهني بعيداً لأيام طفولتي، وانتابني احساس بأني كمن شاهد فيلما صامتا مؤثرا وصار لزاما عليه أن يسرد أدق تفاصيله ..
امام منزل إحدي العمات التي قد اشترته في بلد ساحلي لقضاء أجازة الصيف به، اعتدنا الذهاب إليها للترفيه عدة أيام في أجازة الصيف، كنا ما نزال صغاراً، اعتدنا أنا وابنة العمة التي في مثل سني اللهو بالكرة أمأم المنزل، حينما جرت منا الكرة، توجهنا بأنظارنا إليها، شاهدنا إحدى العمات قادمة من بعيد، اطلقنا لأقدامنا العنان نعدوا نحوها، كنت أتقدم ببضع خطوات ..
فتحت العمة زراعيها استعدادا لمصافحتنا،وصلت أولاً، وفي مشهد جنائزي كان مسماراً آخر في نعش قرابتنا، راحت تتخطاني بزراعيها وراحت تستقبل من تعدوا خلفي، تسمرت في مكاني، لم تلق بالأ لي، تركتني خلفها و اكملت مسيرتها حاملة الطفلة، تلفها بزراعيها و تلثمها بالقبل، تسألت نفسي المنكسرة في براءة أين قُبلتي ؟!!!!
نظرت إلى الشرفة وجت أمي قد شاهدت المشهد، لم نتحدث حينها أنا وأمي عن الواقعة، ولكن عندما يتجدد موقف جديد منهم، تتسلق المواقف جميعاً سور الذاكرة، وتجلدنا المواقف بسياط مؤلمة .
لم تستوعب طفولتي حين ذاك قسوة الحدث، قتلني المشهد واصاب كرامتي بنصل مميت.
كان الألم يزداد بداخلي؛ كلما  تواجدت معهم في مناسبة، واجتاحتني سيول من الصور والأصوات والأحداث اناء الليل وطوال النهار حتى انتبهت الى اتساع الفجوة التي باتت تفصل بين الحيز والزمان الذي أتواجد فيه جسديا معهم؛ وذلك الذي تجول فيه خواطري بين الذكرايات ومختلف المواقف التي تصدر عنهم، وفي كل مرة أتواجد معهم في مناسبة تتساءل طفولتي البريئة : أين قُبلتي.؟!.