أعراسنا! بقلم د. علي زين العابدين الحسيني

أعراسنا! بقلم د. علي زين العابدين الحسيني
أعراسنا!   بقلم د. علي زين العابدين الحسيني

 

هل سمعتَ بأناسٍ يرغبون في السعادة ثم يفعلون ما هو ضدها؟!
تلك في أعراسنا المنتشرة في شوارعنا، لقد بدت تلك الأعراس وسيلة لكلّ قبيح، فهي عار علينا في مظاهرها، وبالٌ في سلوكها!
أعرف أنّ مثل هذه الأعراس يجب أن ينتشر فيها السرور، ومن طبيعة السرور -كما قال ابن خلدون- انتشار الروح، فهو أدعى حينئذٍ إلى صنوف من الضحكات، وألوان من الحركات، أتفهم هذا جيداً، لكن أن تتحول هذه الحركات إلى انتشار الروح الحيوانية والنفس الشيطانية في الغناء والرقص غير المعهودين، فهو أمر يستدعي العجب، ويستوجب على أهل النظر ضرورة الالتفات إلى مثل هذه المظاهر التي أصبحت تهديداً مباشراً للتقاليد المجتمعية المألوفة.
لقد باتت هذه الأعراس مكاناً لانتشار بعض القبائح، ووكراً لأهل الفساد في نشر فسادهم بين الشباب خاصة، وفي كثيرٍ من الفيديوهات المنتشرة يمنة ويسرة يتوقف المرء مع نفسه ليتساءل كيف وصل ذوق الناس إلى مثل هذه الأمور التي ترفضها الطباع السليمة وتأباها الفطر الأبية؟! 
وأنا هنا لست ضد انتشار المسرات بصنوفها، لكن أن تتحول هذه المسرات إلى عادات قبيحة يستهويها الخارجون عن الآداب المجتمعية مع مرور الوقت فهو الأمر المرفوض.
فيما مضى من أعراسٍ لا تقاس بأعراسنا التي نحياها اليوم، لا في اتصالها الوثيق بالآداب العامة، ولا في إدراكها الصحيح لتحصيل معنى السعادة، ولا في تأثيرها الروحي والوجداني على حاضريها، ولا في محافظتها على كلّ جميلٍ موروث.
  كيف تغير الحال في سنوات قليلة؟ 
صار الشاب الثلاثينيّ يقول في حسرة نفس وهزة رأس: أين زمن الطيبين؟ 
لا تزال عالقة بذاكرتي وأنا صغير تلك الأغاني الريفية التقليدية المنتشرة في الأعراس!
تجتمع نساء القرية كلهن لإحياء العرس وأداء الواجب الاجتماعي، فتنصب السرادق، وتنتشر الكراسي والدكك، ويقبل "المزين" إلى العريس قبل عرسه بيوم، ليهيئه كأحسن ما يكون، فيخرج إلى أصحابه وأهله بهيّ الصورة بوجهٍ ناضرٍ، ويقبل رجل من أهله بكراسة وقلم، فيتدافع الناس فيما بينهم واحداً تلو الواحد ليقدم له "النقطة"؛ إعانة له على قضاء حوائجه، وقد تكون قضاءً لمثيلاتها.
وفي اليوم التالي يأتي العريس مع عروسه؛ ليجلسا على منصة عالية، وحولهما مجموعة من النساء والصبيان، ويسود جو من المرح، وفي الزاوية البعيدة يجلس الرجال يترقبون الأحوال، ويتبادلون التهنئات في سعادة تامة، ترى الوجوه ضاحكة مستبشرة، تلك الضحكات كاشفة عما في قلوبهم من الصدق والمحبة، حقاً لقد فقدنا الكثير من أجواء السرور، وفي اليوم الذي يليه هناك عدة مهام يقوم بها أهل العروس، من حقها أن تدخل السرور والأنس على العروسين بما لا يخفى على حاضري تلك الحقبة الزمنية الفريدة.
كلّ هذه الصور وغيرها محتها أفراحنا الحديثة، فلا نحن حافظنا على عاداتنا وتقاليدنا، ولا نحن أتينا بأحسن منها، كلّ ما في الأمر أصوات صاخبة، وأغاني هابطة، وكلمات ساقطة، واعتراض على العادات الجميلة!
ها هم أولاء في عصر الأفراح الحديثة قد استبدلوا الكلمات الرقيقة والأغاني الشعبية الجميلة بعبارات وكلمات المهرجانات الدخيلة على مجتمعاتنا!
على يقينٍ أنّك لا تزال تنعم بتلك الذكريات وتتمناها!
قوَّى في نفسي كتابة هذا المقال أنّي أعرف أنّ أصحاب الذوق السليم يحزنهم أن تصل أعراسنا إلى ما وصلت إليه من خروجٍ عن كلّ جميل مألوفٍ وعادة مستحسنة!
ماذا حصل لنا؟ لا أكاد أعي!