د. مريم المهدي تكتب : انفجار النمو السكاني أزمة مصر الوجودية

د. مريم المهدي تكتب : انفجار النمو السكاني أزمة مصر الوجودية
د. مريم المهدي تكتب : انفجار النمو السكاني أزمة مصر الوجودية
تعد الزيادة السكانية في مصر من أخطر القضايا الاجتماعية التي تواجه الدولة , اذ ان معدل النمو السكاني السنوي يصل الي 2.5 مليون مواطن سنويا وهذه الزيادة تمثل ضغطا هائلا وخطرا كبيرا علي التنمية الاقتصادية والمجتمعية في البلاد يقلل من فرص استفادة الفرد من النمو الاقتصادي وتاكل عوائد التنمية , الأمر الذي يجعل الزيادة السكانية كارثة كبيرة تهدد الدولة المصرية حيث أن عدد السكان يزيد بمعدل تجاوز 2.6 في المائة , فمع تخطي تعداد سكانها 102 مليون نسمة تصبح مصر الدولة الأولى عربيا والثالثة إفريقيا والرابعة عشر عالميا . 
المشكلة السكانية في مصر أساسها عدم التوازن بين عدد السكان والموارد الاقتصادية، ولا جدال في أن الزيادة السكانية المتسارعة تعتبر من العقبات الرئيسية أمام جهود التنمية في العديد من المجالات الاقتصادية والصحية والتعليمية والخدمية، كما أنها حجر عثرة في طريق نجاح السياسات الرامية لمكافحة البطالة والفقر، بالإضافة إلى تهديد الاستقرار الاجتماعي والحد من نصيب الفرد من الموارد الطبيعية والدخل القومي. إذ إن معدلات النمو الاقتصادي لا بد أن تعادل ثلاثة إلى أربعة أضعاف معدلات النمو السكاني، حتى يشعر المواطنون بأثر النمو الاقتصادي، وأثر برامج الإصلاح الاقتصادي والتنمية.
ومن أسباب الزيادة السكانية في مصر زيادة عدد المواليد مع ارتفاع الرعاية الطبية، بالإضافة إلى العادات والتقاليد التي تؤيد الزواج المبكر، وانخفاض الوفيات بين المواليد، وعدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة، وعدم الاكتفاء بطفلين، كما أنه ما زالت ثقافة كثرة الإنجاب التي تكونت عبر أزمنة طويلة في المجتمع المصري فاعلة.
 
 
 
جهود الدولة في مواجهة خطر ارتفاع معدل نمو السكان في مصر :
تولي الدولة اهتماماً كبيراً بملف مواجهة الزيادة السكانية، حيث تشكل خطورة كبيرة على المجتمع، وفي ظل توجيهات القيادة السياسية بشأن التصدي للزيادة السكانية، تعمل الحكومة على دراسة ملف القضية لمعالجتها من خلال محاور مختلفة.
ويشدّد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أهمية قضية الزيادة السكانية وتنظيم الإنجاب في مصر، مؤكّداً أن «قضية النمو السكاني في منتهى الخطورة، إذ إن سكّان مصر زادوا  من سنة 2011 إلى اليوم ما يقرب من 20 مليون نسمة، ما يحتم زيادة الأسعار بزيادة الطلب، وفي ظلّ هذه الوتيرة في النمو الاقتصادي كل الجهود التي نبذلها ستضيع».
وفي هذا الصدد، تناولت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام 2021/2022، قضية الزيادة السكانية، وأشارت إلى أن الدولة تسعى لتناول القضية السكانية من منظور شامل لأجل الارتقاء بجودة حياة المواطن، وضمان استدامة عملية التنمية، وذلك بالعمل على ضبط النمو السكاني من ناحية، و الارتقاء بالخصائص السكانية من ناحية أخرى.
 
 
 
الحلول الممكنة للمشكلة السكانية في مصر من خلال السياسات السكانية :
أطلقت مصر سياسات سكانية عديدة خلال العقود الخمسة الأخيرة، وكان آخرها الاستراتيجية القومية للسكان (2015-2030)، وتبنَّت هذه الاستراتيجية المبادئ العامة التالية:
 
1. النظر إلى السكان باعتبارهم أحد عناصر القوة الشاملة للدولة، على ألَّا تتعدى معدلات الزيادة السكانية قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية بالجودة المناسبة، وعلى ألا تؤثر معدلات الزيادة السكانية على متوسط نصيب الفرد من الموارد الطبيعية، لا سيما المياه والطاقة والأرض الزراعية، وعلى أن تتناسب معدلات الزيادة السكانية مع قدرة الاقتصاد الوطني في تحقيق مستوى مرتفع من التنمية البشرية، وتحقيق خفض في معدلات البطالة.
2. حق الأسرة في تحديد عدد أبنائها، مع تأمين حقها في الحصول على المعلومات، وكذلك وسائل تنظيم الأسرة، والصحة الإنجابية التي تمكِّنها من الوصول إلى العدد المرغوب من الأطفال. 
3. مسؤولية الدولة عن توعية أفراد المجتمع بأخطار معدلات الإنجاب المرتفعة على الصعيد الوطني، وأخطار الإنجاب المتكرر والمتقارب على صحة الأم والطفل، ومسؤوليتها عن توفير خدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية بجودة مرتفعة لمن يطلبها مع توفيرها بالمجان للأسر محدودة الدخل. 
4. تلتزم الدولة بإدماج المكون السكاني في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبتحقيق أهداف سكانية من خلال تنفيذ المشروعات القومية، وبتطبيق الحوافز الإيجابية لتشجيع تبنِّي مفهوم الأسرة الصغيرة، من خلال البرامج التي تهدف إلى تمكين الفقراء والتخفيف من حدة الفقر.
5. المشكلة السكانية بأبعادها المختلفة تمثِّل تحديًا يستوجب ضرورة توفير البيئة المحفزة على مشاركة الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص، كما تتطلَّب إذكاء الجهود التطوعية لمواجهتها.   
6. تطبيق اللامركزية في إدارة البرنامج السكاني، بما يزيد من فاعلية المشروعات وكفاءتها، وضمـــان مـراعـاتـهـــــا للخصوصية الثقافية للمجتمع المحلي.
7. ضمان حق المواطن في الهجرة والتنقل داخل البلاد وخارجها، بما لا يتعارض مع القوانين المعمول بها.
 
وارتكزت الاستراتيجية على العناصر التالية:
 
1. تمايز في التناول يراعي التنوع بين الفئات المستهدفة (المناطق الجغرافية والشرائح الاجتماعية).
2. توظيف القوة الكامنة للعمل التطوعي، وتشجيع المجتمع المدني والقطاع الخاص على لعب دور أكبر في تحقيق أهداف البرنامج السكاني.
3. آلية فعالة للتنسيق على المستوى المركزي وكذلك على المستوى المحلي.
4. توظيف للأدوات العصرية، لا سيما الإعلام الاجتماعي.
5. منظومة معلوماتية مُحدَّثَة تسمح بالمتابعة والتقييم على المستوى المحلي.
6. مكون قوي للبحث العلمي الاجتماعي لفهم ومتابعة التحولات في السلوك الإنجابي ومحدداته.
 
اهداف الاستراتيجية السكانية : 
 
1. الارتقاء بنوعية حياة المواطن المصري من خلال خفض معدلات الزيادة السكانية؛ لإحداث التوازن المفقود بين معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات النمو السكاني.  
2. استعادة ريـــادة مصــــــر الإقليمية من خلال تحسين خصائص المواطن المصري المـعـرفـيــــــة والـمـهـاراتـيـــــة والســـلـوكـيـــــة.
3. إعادة رسم الخريطة السكانية في مصر من خلال إعادة توزيع السكان على نحو يحقق الأمن القومي المصري، ويأخذ في الاعتبار تحقيق أهداف سكانية للمشروعات القومية التي يتم التخطيط لها.  
4. تحقيق العدالة الاجتماعية والسلام الاجتماعي من خلال تقليل التباينات في المؤشرات التنموية بين المناطق الجغرافية. 
 
 
 
 * الزيادة السكانية: منحة أم محنة؟
 
بصفة عامة تصبح الزيادة السكانية منحة، إذا ترتَّب عليها زيادة مقابِلة في الإنتاج الحقيقي للدولة، والذي يتحقق بزيادة في أعداد المنتجين والمبدعين وليس في أعداد المتعطلين، وأن يترتَّب على الزيادة السكانية خفض في معدلات الفقر وزيادة في متوسط الدخل بحيث تصاحب الزيادة في حجم السوق زيادة مماثلة في القوة الشرائية، وتصبح دافعًا لتنشيط التصنيع المحلى، وبالتالي يصبح المجتمع قادرًا على خلق فرص عمل منتجة.
 
وتستند الإجابة عن هذا السؤال إلى تحليل تأثير حجم الـسـكـان والـزيــادة السـكـانـيـة على كـل من الجوانــب الأربـعـة التالية:
 
1) القوة الشاملة للدولة :
 
من المؤكد أن التكاثر هو ضرورة للحفاظ على الجنس البشرى، وهو حتمية لوجود الدولة وبقائها؛ لأن التراجع الحاد في أعداد السكان يؤدى بالضرورة إلى تراجع القوة البشرية التي تدافع عن الدولة متمثلة في جيش يدافع عن حدودها، وإلى تراجع القوة البشرية التي تبني اقتصادها متمثلة في قوة العمل التي تدير عجلة الإنتاج وتوفر الخدمات الأساسية لسكان الوطن، وبالتالي فإنه من المنطقي أن تسعى المجتمعات إلى الحفاظ على بقائها من خلال الحفاظ على عدد سكانها باعتباره أحد عناصر القوة الشـــاملة للدولة، إلا أن هذه النظرية أصبحت على المحك في ضوء قناعة راسخة بأن نوعية البشر أكثر أهمية من عددهم، وأن الاستخدام المتنامي للروبوتات، وإدخال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف نواحي الحياة سيقلل الاعتماد على قوة العمل بمواصفاتها الحالية، و سيؤدي إلى اختفاء تدريجي لمهن عديدة؛ مما يؤدي بدوره إلى تحول ملايين العاملين في أرجاء العالم إلى عاطلين.
 
وفي السياق المصري، يؤدي عدم ضبط مستويات الزيادة السكانية إلى زيادة الواردات من السلع الغذائية ومصادر الطاقة، وبالتالي إلى زيادة الاعتماد على الخارج، وهو ما يؤثر بدوره على استقلال القرار الوطني، يضاف إلى ذلك ما ستؤدى إليه الزيادة السكانية من زيادة في حجم الطلب على السلع دون أن يصاحب ذلك زيادة في متوسط دخل الفرد، ومن ثمَّ سيتم إشباع الطلب على السلع من خلال مزيد من الاستيراد الذي يجعل مصر سوقًا واعدة لتصريف السلع التي تنتجها دول أخرى.
 
2) الموارد الطبيعية المـتـــاحـــة والتنميـــة المستدامة :
 
ستؤدى الزيادة السكانية حتمًا إلى زيادة الطلب على المياه وعلى مصادر الطاقة، وستؤدي إلى مزيد من البناء على الأرض الزراعية، وسيشكل ذلك إضرارًا بالبيئة واستنزافًا للموارد الطبيعية، وسيمثِّل ذلك تحديًا لاستدامة التنمية، وسيزيد من هشاشة المجتمع، وسيؤثر سلبًا على قدرته على مواجهة التحديات البيئية وعلى رأسها التغير المناخي، وما يمكن أن ينجم عنه من احتمال ارتفاع مستويات البحار وغرق مساحات من الدلتا المكتظة بالسكان.
3) جودة الحياة وجودة الخدمات المقدَّمة
ستؤدى الزيادة السكانية حتمًا إلى تراجع في نوعية الحياة، وإلى تراجع في إتاحة الخدمات الأساسية، وإلى تدني جودة هذه الخدمات، كما ستؤدى إلى مزيد من التزاحم الذي يؤثر سلبًا على السلوكيات والأخلاق العامة، بالإضافة إلى ما تسببه من ضغط على المرافق العامة والإسكان. 
 
4) رأس المـــال البشـــــري :
 
يتوافق المجتمع المصري على أن الاستثمار في البشر هو السبيل الوحيد حتى تُحدث مصر نقلات نوعية وسريعة في تحقيق تنمية مستدامة، ويعكس هذا التوافق برنامجًا لإصلاح التعليم العام يركز على نوعية التعليم، وعلى تنمية القدرة على التعلم وتحفيز الإبداع لدى الطفل المصري، ويعتمد نجاح هذا البرنامج على عناصر عديدة، من أهمها توفير الموارد المادية والبشرية لتنفيذه، وغني عن البيان أن حجم هذه الموارد يعتمد على عدد التلاميذ الذين سيشملهم البرنامج، وزيادة أو نقص عدد التلاميذ يرتبط بأعداد المواليد أي بمستويات الإنجاب، وكلما تمكَّنت مصر من ضبط مستويات الزيادة السكانية أدى ذلك إلى تخصيص موارد كافية لكل طفل، وإذا لم يتمكَّن هذا البرنامج من تغطية كل أو معظم الأطفال في سن التعليم بموارد كافية، فإن الزيادة السكانية بمستوياتها الحالية لن تؤدى إلى زيادة في أعداد المنتجين والمبدعين وإنما ستضاف إلى رصيد العاطلين.
 
 وكلما تمكَّنت مصر من ضبط مســـــتويات الزيادة السكانية، أمكنهـا تخصيص موارد كافية لكل طفل، ومن ثمَّ النجاح في برنامج إصلاح التعليم، والذي يـســــــتـهـدف الارتـقــــــاء بنوعية التعليم، وتنمية قدرة الطفل المصري على الإبداع."
 
 
 
 نظرة مستقبلية مقترحة لبرنامج السكاني المصري :
 
الأجندة المقترحة للبرنامج السكاني بمصر يجب أن تنطلق من قراءة نقدية متعمقة لمسار أكثر من نصف قرن من التخطيط السكاني، تمثَّل في عدد من السياسات والاستراتيجيات السكانية، وهذه القراءة النقدية يجب أن: 
تأخذ في اعتبارها النجاحات التي تحققت في التجربة المصرية دون أن تتجاهل الإخفاقات التي وقعت. 
تستفيد من تجارب دول أخرى حققت نجاحات في إحداث تخفيض ملموس في معدلات الزيادة السكانية، ولا تتجاهل أن ما نتج عن ذلك من تغير في التركيبة السكانية يجب أن يؤخذ في الحسبان، دون أن تصبح هذه التغيرات هاجسًا يؤدي إلى تفضيل العمل بالوتيرة نفسها التي لن تحدث تغييرًا جذريًّا في معادلة السكان – الموارد الطبيعية – جودة الحياة.
تتبنَّى مدخلًا محايدًا وموضوعيًّا للإجابة عن السؤال الرئيس «هل الزيادة السكانية منحة أم محنة؟»، وأن تكون الإجابة عن هذا السؤال نابعة من ضرورات الواقع، أخذًا في الاعتبار أنها ليست ثابتة عبر الزمن، وإنما تتغير حسب تغير الواقع الاقتصادي والاجتماعي.
تعيد دراسة مسلمات استقرت في الأذهان دون أن تكون مبنية على القرائن، ولا تستبعد أن هذه المسلمات شكَّلتها مجموعات المصالح أو ساندتها تصورات شخصية غير مبنية على الدراسات الجادة، ويحتاج الأمر إلى إعادة دراسة العلاقة بين السلوك الإنجابي والمعتقد الديني ، وبين مستوى الإنجاب والتعليم ، وبين مستوى الإنجاب والفقر، ومدى قدرة التوسع العمراني على استيعاب الزيادة السكانية.
 
    وبما أن السـيــاســــــــات والاستراتيجيات السكانية المتتابعة لم تنجح في تحقيق كل الأهداف الكمية التي تبنَّتها،  لذلك يجب أن تلتزم كل الجهات الحكومية وغير الحكومية بتبنِّي برنامج سكاني يتسم بالفاعلية في تحقيق الأهداف والكفاءة في استخدام الموارد المحدودة، وتراعي الجوانب التالية:
1. ترجمة الإرادة السياسية المساندة لجهود ضبط الزيادة السكانية على المستوى المركزي إلى المستوى المحلي، والحرص على تكريس الالتزام بها؛ بهدف ضبط الزيادة السكانية فيما يتعلق بصياغة السياسات والتشريعات القطاعية (ومنها الضمان الاجتماعي – التشغيل – التأمين الصحي) وفي اللوائح والقرارات الوزارية. 
2. إدارة الملف السكاني دون إغفال جوانب الاقتصاد السياسي (Political economy) للقضية السكانية، بما في ذلك جماعات المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية، التي تتشابك مصالحها مع محاور العمل الخاصة باستراتيجيات ضبط الزيادة السكانية.
3. استحداث إطار مؤسسي مناسب يراعي تناول القضية السكانية من خلال مدخل متكامل يعالج المحاور المختلفة بشكل متوازٍ، ويضمن تحمُّل كل الشركاء لمسؤولياتهم، على أن يتم ذلك من خلال آليات تتسم بالمرونة، وسرعة الاستجابة، والاستفادة بالتجارب السابقة في هذا الصدد.
4. تطبيق آلية للمتابعة والتقييم على المستوى المحلي، تعتمد على مؤشرات يتم قياسها بواسطة جهات مستقلة (بمعزل عن مقدم الخدمة) وفقًا للقواعد المنهجية المتعارف عليها دوليًّا.