د.مريم المهدي :خطورة النظام التعليمي وأثره على الكيان الاجتماعي للمصريين والدولة

د.مريم المهدي :خطورة النظام التعليمي وأثره على الكيان الاجتماعي للمصريين والدولة
د.مريم المهدي :خطورة النظام التعليمي وأثره على الكيان الاجتماعي للمصريين والدولة
بطبيعة الحال فقد أثرت أزمة التعليم في مصر مباشرة على حياة المواطن وعلى المجتمع ككل، فقد أصبح التعليم مصدراً للاحتقان وتكاليف فوق طاقة الأسر، فالتعليم بسياسته الحالية وإجراءاته لم يستطع أن يبني قدرات التفكير العلمي والابتكاري، ولم يستطع القضاء على الفقر. وقد توصل جهاز الإحصاء بالبحث والارقام  التي اكدت ، أن مستوى التعليم هو أكثر العوامل ارتباطًا بمخاطر الفقر، حيث تتناقص مؤشرات الفقر كلما ارتفع مستوى التعليم . بالتالي لم تستطع خطط الإصلاح فعلياً في القضاء على مشاكل النظام التعليمي وعلى رأسها كمثال مشكلة الدروس الخصوصية، ومازالت إشكاليات النظام التعليمي ينعكس آثارها على المجتمع المصري ككل وعلى الأسر التي تعاني من المصاريف الباهظة للتعليم اذ أصبح التعليم الجيد فقط للصفوة، و المقتدرين.
 
 
* التعليم من المجانية إلى سلعة تعرض في السوق :_
  السبب الجوهري في استمرار أزمة التعليم وأصولها:
ارتبــط مبــدأ مجانيـة التعليــم ارتباطًا وثيقًــا بالفتــرة الناصريــة بعــد ثــورة 1952 في مصــر، وكان مــن أوائــل وأهــم تلــك الاتفاقيــات في تلك الفترة اتفاقية “العهــد الــدولي لحقــوق الاقتصاديـة والاجتماعيـة والثقافيـة” التـي وقعـت عليـها جمهوريـة مصـر العربيـة عـام 1967، و صدقـت عليـه عـام 1982، لكــن اختلفــت الصــورة بعــد حــرب 1967، فانحدرت مخصصات التعليـم في ميزانيـة        الدولـة بالتزامن مـع ارتفــاع الكثافــة الســكانية والتضخــم، لتوضــع مـصـر علــى أول طريــق تفكيك نظــام الرعايـة التعليميـة الذي أقامته الدولة ومـع التغيرات السياسـية و بدايـة حكـم السـادات، تغيرت النظر   إلى منظومة التعليم حيث بـدأت الدولة في تبنـي سياسـة دفـع التكلفة مقابـل الخدمـة، وهـي سياسـة تـرى أن التعليم سلعة تُعـرض في السـوق، وليسـت حقا مكفولا للجميع,,, ثم يأتي عهــد مبــارك في بداية التسعينات حيث كانـت إجـراءات الإصـلاح الاقتصــادي والتي بدأ تطبيقها عــام 1991 بدعــم مــن صنــدوق النقــد الــدولي، والمعروفة باسم “برنامــج التكييف الهيكلي مدخــلاً  رئيســياً للسياسات النيوليبرالية التي اتبعتها الحكومة في رسم سياستها الاقتصادية آنــذاك، حيث تقليص المخصصات المالية الخدمــات العامــة، وعـلـى رأســها الصحــة والتعليــم
وبرغم نص دستور 2014 (3) والذى سبق الإشارة إليه لرفع معدلات الإنفاق على التعليم، وعندما عجزت الحكومة المصرية على تحقيق ذلك، ولتحقيق الالتزام السابق صورياً فقد قام مجلس النواب ومع إقرار الموازنة المعتمدة للعام المالي 2016/2017 في دمج مخصصات قطاع الشئون الثقافية فى الأزهر ودعم اشتراكات الطلبة والمنح الدراسية من وزارة التضامن الاجتماعي ومخصصات الهيئة القومية لضمان جودة التعليم و نصيب القطاع من فوائد خدمة الدين لموازنة قطاع التعليم ، لتدخل كل هذه المخصصات فى ميزانية واحدة ودون زيادة حقيقية في الاستثمار في التعليم  وبذلك دخلت منظومة التعليم في دوامة لا تنتهي من إشكاليات وأزمات يعيشها المجتمع المصري ويتجرع تبعاتها المتتالية , لكن هل هناك بارقة أمل في الخروج من تلك المشكلة ؟ وما هي آراء علماء وخبراء التربية في مصر؟
 
 
  آراء بعض علماء التربية كمثال للحلول :
يرى الدكتور طلعت عبد الحميد أستاذ أصول التربية بكلية التربية بجامعة عين شمس أن التذبذب الواضح للسياسة التعليمية من الأسباب الرئيسية لفشل منظومة التعليم في مصر، والتي ترتبط بوجود وزير وتنتهى مع وزير آخر لتبدأ خطط جديدة بفكر مخالف عمن سبقه، ولابد من أن تكون هناك خطوات حقيقية لحل إشكالية التعليم أهمها تشكيل مفوضية كهيئة مستقلة غير مدفوعة الأجر، ولا تتأثر بأي تعديل وزاري وتكون مسئولة عن وضع الخطط والاستراتيجيات والسياسات هدفها النفع العام للطلاب، فالعالم يتغير سريعاً والبقاء للأسرع والأكثر إبداعاً ولابد أن نعرف لماذا نعلم؟ وما الهدف من التعليم؟
 كما أكد عبد الحميد على أهمية المنهج التكاملي من منطلق أن العلم قائم على وحدة وتكامل المعرفة، فلا بد من تدريب الطالب على ربط المعرفة وعمل استنتاجات كلية من المعرفة الجزئية، مع الحذر من الهرولة الإلكترونية وخطورة هذا العالم الافتراضي، فالهدف الرئيسي للتعليم هو بناء شخصية الطالب عن طريق عالم حقيقي معاش يتمثل في أنشطة وقدوة ومعلومات وكتب، ولا بد ألا ننساق إلى كل ما هو رقمي، وكل ما هو غربي، وأشار الى وجوب أن تولى الوجوه شرقاً تجاه الصين واليابان. 
 
 
  * خطورة الانظمة التعليمية وأثرها على تماسك الكيان الاجتماعي والنفسي للفرد والدولة  :
     اذ ان تعددية الأنظمة التعليمية في مصر قد خلقت واقع غريب متناقض ومقلق الي اقصي مدي وهي متشعبة , من التعليم الديني والمدني والخاص والأجنبي المتعدد أيضا والعجيب أن ذلك التعدد والتشعب في النظام التعليمي في مصر لا ولن يحقق الهدف ولا السلامه لمستقبل الاجيال الحالية والقادمة ,  بل هو انقلاب اجتماعي يعبر عن ظهور طبقة جديدة ,  مما خلق هوة سحيقة تعبرعن التفاوت في القدرات المادية بين الاسر المصريه  ويصنع انقسام وتفكك كبير بين فئات المجتمع .
    مما ينذر ويحذر من اثاره السلبية في تفكيك وتقسيم الكيان الاجتماعي  والصراع بين طبقات وفئات المصريين , على نحو يفسد وحدة الشعب المصري , اذ ان قراءة التاريخ الاجتماعي تؤكد ان النظام التعليمي هو من دعائم الصعود الطبقي بين طبقة واخرى ,  اما حاليا  سيكون الصعود بين طبقة وطبقات متعددة أخرى بما يفقد المصريين اجمل سماتهم التي عشنا نفخر بها من حيث التجانس السكاني والاندماج الاجتماعي على مدى التاريخ  . وليس أدل على ذلك من رصد ومتابعة أحوال الخريجين من روافد تعليمية مختلفة في مصر الآن , لنرى ما هم عليه من تفاوت فوارق شاسعة في أسلوب التفكير العقلي والعلمي والثقافي والاجتماعي وهذا هو الخطر المحدق بأبنائنا , فالجميع يتكلم عن تطوير التعليم من المسؤولين والنخبة دون ان يعوا , ان التعليم الأساسي  الجيد هو حق وواجب اجباري متبادل لابد من توفيره للمصريين لتحقيق الاندماج الطبقي شأنه في ذلك شأن الخدمة العسكرية الالزامية التي لا تفرق بين طبقات المجتمع وهي واجب وحق متبادل بين الفرد والدولة ,بغرض تحقيق درجة عالية من المساواة بين أبنائنا على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية  ودياناتهم المتجاورة فالجميع في الجندية يقف  أمام العلم المصري سواء , وكما أن خدمة الوطن فرض علي كل شاب مصري قادر كذلك لابد ان يكون أمر التعليم على قدم المساواة دون تمييز بين غني وفقير بسبب فوارق النشأة الاجتماعية او العقيدة الدينية بين أبنائنا  , ولكن التصنيف الجديد المتعدد للنظام التعليمي أصبح وبالا على مصر والمصريين وليس نعمة مثل ماهو في الدول الأخرى لارتباطه حاليا     بالتوزيع  الطبقي والمادي للعائلات المصرية والأفراد .
 
 
      _ وحدة الشعب المصري وتماسكه تبدأ من النظام التعليمي :  
       أن الشرائح الأكثر عددا والاشد فقرا هم المستحقين بما يجب ان يحتويهم التعليم العام ذو المستوى الجيد الذي لا يقل عن غيره مثلما كان الأمر سابقا حيث كانت المدرسة الواحدة تضم أبناء الأغنياء والوزراء والطبقة المتوسطة وابناء الفقراء دون تفرقة او تمييز وهذا ما حفظ وحدة الشعب المصري وتماسكه, وبالمقارنة بين خريجي المدارس والجامعات الأجنبية في مصر وبين خريجي المعاهد الدينية ومدارس الفقراء من أبناء المصريين وهم الاكثرية لأدركنا حجم الهوة  بينهم في مقارنة غير عادلة من حيث أسلوب التفكير وطريقة التعبير وطبيعة المعتقدات والأفكار القابعة في قناعات ومفاهيم  كلا منهم لأدركنا أهمية الإسراع في السعي لإنشاء مفوضية للتعليم العام  لتكون هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية تتبع رئيس الجمهورية  شخصيا ويشارك فيه كل الوزراء المعنيين والخبراء المتخصصين وصولا الي تصور علمي وطني ثابت يضع خطوطا عريضه لمسار التعليم ونوعيته في مصرلان الوضع التعليمي الذي يصنع رجال ونساء المستقبل انحرف عن المسار الصحيح  وابتعد عن هدفه وقيمته الانسانيه والوطنيه فانحدر وانهاروذلك قبل فوات الاوان اذ ان ما يمكن اصلاحه الان قد يصعب بل يستحيل تداركه في المستقبل واضعين في الاعتبار منظومة الارقام المبالغ فيها لمصروفات بعض المدارس والجامعات الاجنبية والذي تسبب في وجود هوة اجتماعية فرقت وقسمت طوائف المجتمع وطبقاته علي اساس القدرة الماديه مما جعل التعليم الجيد مقتصرا علي ابناء الاغنياء وهم الاقليه فالامر بات حطيرا ويحتاج لتكاتف الجميع بالدراسات المتعمقه باشتراك المعنيين من العلماء والخبراء في مختلف مجالات المجتمع  مع الاستماع لاراء الراي العام المصري بمختلف مستوياته بدلا من الاستمرار في التخبط ومحاولات التجارب والخطا لنصل الي دراسه علميه موثقه تصلح المنظومه التعليميه وترتقي بها وتجعلها حق وواجب وطني لكل ابناء المصريين لكي ننهض بمصر ونسير في ركب الحداثه والتنوير الذي يجب ان تكون عليه .
 اذ ان مهام التعليم قبل الجامعي لا يستطيع ان يقوم به فردا واحدا ممثلا في شخص وزير مهما بلغت قدرته وخبراته وخاصة بعد ان انهارت المنظومة التعليمية واصبحت سلعة استثمارية وليست حق خدمي لكل مواطن , وقد اوصي بذلك الكثير من اصحاب الخبرات والنخبة التعليمية والوطنية بمصر.