إبراهيم الديب يكتب : تجربتي مع القراءة

إبراهيم الديب يكتب : تجربتي مع القراءة
إبراهيم الديب يكتب : تجربتي مع القراءة

كانت بداية شغفي بالقراءة مبكرة عندما تعرفت علي كبار الكتاب من خلال الصحف اليومية وخاصة الأهرام والأخبار والجمهورية:  كنت أسير في الشارع أجد ورقة صحيفة ملقاة في الطريق أستجب على الفور لحب الاستطلاع الذي هو جزء أصيل من تكويني فألتقطها وأمعن النظر فيها ولا أتركها حتى أنتهي من قراءتها، ليظل شيئا مما قرأته يدور في عقلي ونفسي ويفتح بابا من المعرفة اكتشف نفسي والدنيا من حولي من خلالها ويظل اسم الكاتب قابعا في مخيلتي، بعدها أشتري طعاما ملفوفا بورقة جريدة فيها شيء يلفت نظري ويغري بالاطلاع عليه لأضع الطعام على الفور جانباً مرجئا تناوله مستمتعا بالقراءة. 
 حتى أصبح هذا السلوك أسلوب حياة وطقسا مقدسا أمارسه  كنت حينها لا أتعدى العاشرة من عمري فكونت من قصاصات الصحف ثروة من المعرفة اعتبرتها أثمن ما أملكه  كونت هذه الثروة المعرفية من مادة أعمدة للصحف اليومية و لكبار الكتاب.  منها "مواقف" لأنيس منصور  "صندوق الدنيا" لأحمد بهجت  الأهرام وفكرة "لمصطفى أمين" ثم بحثت عن كتابات لكل من  ترك أثراً في نفسي من كتاب الأعمدة اليومية فبدأت بأنيس منصور  الذي يكتب حينها في مجلة أكتوبر سلسلة"فى صالون العقاد كانت لنا أيام"والتي أصبحت بعد جمعها كتابه الشهير و بنفس الاسم، وهو أعمق و أجمل كتبه على الإطلاق.
 كانت تلك بداية معرفتي بأنيس منصور وإعجابي الشديد بأسلوبه الذي يستحق أن يقرأ دون أن تكون  هناك قضية يناقشها أو قصة يرويها  ليحجز لنفسه  مكاناً في مدرسة أجمل أساليب السرد في اللغة العربية التي كونت أفرادها  بيني وبين نفسي من: طه حسين, وإبراهيم عبد القادر المازني, ومحمد حسنين هيكل, وإحسان عبد القدوس, وفتحي غانم, ومحمود السعدني .
ثم أخذت في تدبير بعض القروش من مصروفي لأشتري الصحف قرأت فيها: لأحمد بهاء الدين, ومصطفي أمين, وذكي نجيب محمود , وجلال الحمامصي, ومحمود السعدني ومحسن محمد، ومحمد ذكى عبد القادر، وغيرهم الكثير .ثم حدث تحول لعقلي ونفسي شعرت بعده أنه لم يعد يلبي نهمي للمعرفة قراءة الصحف فقط بعد أن استخلصت القراءة أكثر وقتي لها  بدهشة البدايات الأولى والاستمتاع  بما أطلع عليه ، لم أتوقف عن التنقل في حقول المعرفة .ثم بدأت مرحلة قراءة المجلات الأسبوعية والشهرية مثل "الهلال" أدب و نقد" والعربي الكويتية"  و إبداع, وإذا أعجبت بأسلوب كاتب في واحدة من هذه المجلات أبحث عن كتبه مباشرةً لأقتنيها بعد أن تكونت لدي ذائقة للتفريق بين الغث والسمين.
 فلم تعد أعمدة الصحف تلبي حاجة عقلي لتبدأ  مرحلة شراء الكتب متسلحا بذخيرة لا بأس بها من المعرفة مكنتني من الاختيار الصحيح ،أو هذا ما كنت اعتقده ،لما أقرأه مستقبلا من العيار الثقيل.  كنت أثق في ذائقة الكاتب الذي أقرأ له فعندما يثني على مفكر أو أديب أو فيلسوف أبحث عن كتبه لأن من ذكره وأثنى عليه مصدر ثقه. مثل ما أثنى أنيس منصور على العقاد اقتنيت كل ما عثرت عليه من مؤلفاته التي شاركت في جزء منها من تكويني .
   كان دليلي في بداية تكويني ثناء كاتب على غيره من المفكرين أو الأدباء، قبل أن تكون لي القراءة ذائقة أستطيع الحكم بها ومن خلالها  الحكم على النص مباشرة دون تأثير مسبق من أحد، سرت في طريق القراءة التى سلمت لها عقلي ونفسي راضيا ،في رحلة  مستمرة إلى الآن أتجول في عقول الأدباء والمفكرين والفلاسفة والتنزه في حدائق المعرفة وبساتين الفكر في كل حقب التاريخ ، هذه بعض ذكرياتي عن القراءة، كنت أعتقد أن شغفي بالقراءة سينتهي بعد فترة  من الوقت ولكن يحدث العكس تماماً فكل يوم يمر يزداد شغفي بها أكثر من سابقه ، أحب ممارسة هذا الطقس المقدس المتمثل فى فعل القراءة ، فهو بمثابة البوابة السحرية لعوالم شتى من البهجة والمتعة والفرح الذى لا ينتهي.