د.شاهيناز أبوضيف المؤانس تكتب : العربية و التقارب العربي

د.شاهيناز أبوضيف المؤانس تكتب : العربية و التقارب العربي
د.شاهيناز  أبوضيف المؤانس تكتب : العربية و التقارب العربي
 
إن التغيير في التركيبة السكانية ؛سيصبح سمة دائمة يتصف بها هذا الزمان ،وستتداول الثقافات والعادات لتفرز نموذجا وليد هذا الزمان والمكان اللذين تعيشهما الجموع العربية فتتراكم عبر الأيام وتتداخل السلالات وتحدث تحولات اجتماعية في السلوك متناسية أصل العادات العربية والأعراف اللغوية إذا ما تم تجاهل قيمة اللغة العربية في جمع وحدة الصف العربي ولم  الشمل ؛فهذه رؤية ستئول إليها المجتمعات العربية حسب مقتضيات العولمة والتي تسرع في الخصوصيات الثقافية وتحولها إلي نمط عام تختفي فيه الحدود والهويات المتمايزة لتحل محلها هوية ثقافية كونية تقل فيها الانساق الثقافية المحلية علي الافراد ويتراجع دور الموروث الشعبي في تشكيل الإبعاد الفكرية والقيمية والسلوكية للمجتمعات العربية.
في العصر الجاهلي وفي عصر صدر الإسلام،  لم يدرك العرب أنهم الشعب الوحيد القادر على نطق حرف "الضاد" بسهولة ويسر عن غيرهم من الشعوب، ولكن ظهرت أهمية حرف” الضاد” عندما عجز العجم والفرس  عن نطق حرف ” الضاد” أثناء قيام المسلمون بتعليمهم قواعد اللغة، ومن هنا بدأ اهتمام العرب بحرف "الضاد"، وبدأ العرب يجرون دراسات عليه من أجل التعرف على السر وراء عدم قدرة العجم على نطقه. ولا مزايدة إذا قمنا بربط اللغة العربية بالقيم الدينية الاجتماعية   فقول الثعالبي في كتابه فقه اللغة وسر العربية "من أحب الله أحبّ رسوله  ومن أحب النبيّ العربيّ أحبّ العرب، ومن أحبّ العرب أحبّ اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحبّ العربيّة عني بها وثابر عليها، وصرف همّته إليها"
ومما تتفرد  اللغة العربية أنه لا تحتوي أي أي كلمتين بنفس المعنى، بل يوجَد مترادفات، والفرق بين الأمرَين أن "نفس المعنى" يعني "التطابق في المعنى"، أما الترادف فيعني "التجاوُر"، أي إن الكلمتين متقاربتان في المعنى كأنهما متجاورتان على خط المعنى.انظر مثلًا إلى الفعلين "قعد" و"جلس"، قد تظنّ أنهما متطابقان في المعنى، ولكن مصادر اللغة تقول إن "قعد" يعني أنه كان واقفًا قبل قعوده، و"جلس" يعني أنه كان مضطجعًا قبل جلوسه، أي إن القعود يكون بعد علوّ، والجلوس يكون بعد سفل... لهذا يسمى جلوس الصلاة جلوسًا، لأنه لا يكون إلّا بعد سجود، أي من أسفل إلى علو. وسرادقات اللغة العربية  لا تُحصَى، وكلها تؤكّد أنه لا تطابق في المعنى بين لفظين، بل فقط ترادُف.وكل هذا يدل علي مدي استفحال اللغة بالمعاني الفصيحة والدالة علي كثرة الالفاظ مع عدم تكرار المعان .ثم إهمال التكوين السديد في النشأة الأولي للغة الفرد  في بداياته؛ بالقراءة النافعة يٌسدي لنا طبقة من الغافلين بقيمة اللغة  والمبتذلين بنطقها ولما أهملت القراءة وتنافي دور المدارس وفضي نحب والمعلم في إرساء قواعد القراءة والكتابة شُرع لنا جيلا مبهم اللغة العربية نطقا وفهما ،متبلد العواطف ،يابس الخواطر مقفهر الفكر أو كما قال الجاحظ " إذا ترك الإنسان القول ماتت خواطره، وتبلّدت نفسه وفسدحسّه" ويقصد باللغة قولا وفعلا وايحاءات ،وخلق الله اللغة العربية متضامنة متماسكة خالصة من الشوائب حتي أن ناطقيها جبلتهم الفطرة علي التراص والتماسك والاعتصام ولذا تحتم علي المغرضين والمستشرقين فض الترابط والتماسك بين الدول العربية والناطقين بالعربية بمحاربة لغتهم وتفكيكها  والتوجيه إلي العامية أولا   وقضية الإنحراف اللغوي الأدبي تعني أيضا قضيةُ الارتماءِ في أحضانِ الغرب بدءا بهدم الفصحى التي  هي مناص التفاهم ووسيلة التشارك  بين العرب في كل الأقطار العربية، وفي التقائهم في الدول الأوربية فلا وسيلة للتخاطب بينهم خارج اقطارهم سوي لغتهم الأم  وأن دفع المستشرقون لنشر اللهجات العامية والسعي إلي دعم ناطقيها ما هو إلا سلاح لبتر أوتار الوحدة العربية، ولا سيما نشر واستحسان الفرانكوفونية وهي وإن كانت  قضيةٌ عاديةٌ لدي بعض الحداثيين والعلمانيين، بل ومفتخرٌ بها،ويعمدوا إلي إيجاد  المسوغاتِ، والتماس  أسباب الصلاحيات،  بالمعاني الكلاميةِ، والدلائل التأويلية لإضفاءِ مشروعيةٍ لهذه التبعيةِ حتي يُحسن الرد علي النقاد،ولا شك أن قضية الإنحراف اللغوي عن الفصحي منه للعامية محاربا لها ليست بالحداثة أبدا فقد عاني منها القدماء كما عاني منها المحدثون   فيقول العقاد: " إن في كل أمة لغة كتابة ولغة حديث، وفي كل أمة لهجة تهذيب ولهجة ابتذال، وفي كل أمة كلام له قواعد وأصول وكلام لا قواعد له ولا أصول وسيظل الحال على هذا ما بقيت لغة وما بقي ناس يتمميزون في المدارك والأذواق".
ولا يُكتفي بذلك بل إمتد التجاوز ،أو كما  قال المفكر الجزائري (مالك بن نبي )عن مدي استعداد العرب لإحتواء وتقبل  للاستعمار وأنه مازال ممتد الاحتلال  يدعمه جنوده المفاخرين بالنطق بالأجنبية وفرنجة العربية ،وكأنها عِبء وعارٍ وتخلّف دمارا ربما كان شاملا وطال مجالات التفكير والممارسة السياسية ولم يقف عند  حدّ التخلف اللغوي؟ لنري كيف تجاوزت آثارُ الإنحراف اللغوية عن  دائرةَ الكلام لكي تبرزآثاره العقائدية والسياسية،إذ أن المعول؛هو هدم للشخصية العربية وتمزيق أواصل  الوطنية وطمس للهوية الثقافية والسياسية للعرب قاطبة ، وأنّ الهدم والطمس يتمثل في خروجهم باللحن والزلة والعثرة والغلطة في جل أحاديثهم ولا يغيب عنا أن اللغة العربية مستهدفة منذ القدم ،ومنذ مطلع  القرن العشرين أثار  المستشرقون ،قضية اذواجية اللغة وتعني الخلط  بين الفصحى والعامية، متجهين إلي اعلاء ما يطمس  هوية الفصحي ؛بالتحيزللعامية والتشجيع علي التحدث بها حيث كونها لغة سهولة ويسر بعيده عن التعقيد والتكليف  ، وصعوبة الفصحي  بقواعدها اللغوية ،ولا يخفي علي الدارسين أن في طيات تلك الدعوة إلي  اللهجات العامية، وهو دحر  للوحدة اللغوية يعقبه تباعد في الوطنية العربية ، وتمزيق شمل العربية  بينهم، والولوج بها  إلى طرق متفرقة، أولها  الأمية، والانسياب نحوالتخلف والجهل ،إذ أن الفصحى هي وسيلة التشارك والتفاهم بين العرب في كل الأقطار العربية، وأن تشجيع وإثارة  الشعوب نحو  اللهجات العامية  على اللغة العربية   الفصحى هو إلا ضغط  من الغرب لتسريح  العرب، عن ماضيهم الماجد ووتراثهم  الأدبي  الغانم  فيستصعبون قراءة كتب الأقدمين ويستعجمون فهم مصطلحات الشعراء الغابرين وقاطبة العلوم بكافة قواسمها ، فإن هجر اللغة العربية هو هجر بكافة العلوم المدونة بها؛ فلم نر من العلوم ما دون بالعامية إذ أن من المعلوم أن العامية لا سبيل لها  فيها استيعاب العلوم المختلفة ولا سيما الأدب والشعر الذي هو أزهي الأنواع الأدبية وأبهاها  وتفننوا في مهاجمة الشعر الموروث ، بنقض الوزن والقافية، والتحلل من الألفاظ الرصينة التي تحوج قارئيها لفتح المعجم  وأصبحت القصيدة ملساء متقرعة لا تحتوي إلا علي التافه الرث وكأن الشاعر يبعثر من فيه حشرات قارضة في آذان المتلقي باعثة  للغثيان فحين  يتحدث الواحد منهم ؛ينم عنه عدم احترامه للشعر العربي ويظهر ضعفه علي عدم القدرة علي  مواكبة النابغين في الشعر من شعراء العصر، إنها  قضية ممنهجة تبناها المستشرقون وسار علي ركابها الشعراء إلا ما رحم ربي  كالشاعر الأبنودي وأحمد عبد المعطي حجازي  وحسن توفيق  رفعت سلام والقيصر  (عزت الطيري) والشاعر الدكتور (مصطفي رجب) ، والمزيد من الشعراء  ناهيك عن اقترافه المزيد من الفضائح   اللغوية التي يرتكبها  في حق قضايا الضبط والإعراب إن مثل هؤلاء المتشاعرين وأدعياء الكتابة فقد تأملوا إلي الكتابة بالأحرف اللاتينية، وهي دعوة لاشك في غرضيتها المحرضة على تحطيم أواصر الثقافة العربية،  ومرتكز هام وتبنته المستشرقون ، كالألماني (اللورد فرين) و(كارل فولرس) والانجليزي (وليم ولكوكس) و (ماسينون) 
(ولهم سبيتا) الألماني ،وتلاميذهم  المستغربون وعلي رأسهم (أحمد لطفي السيد ) و (عيسى المعلوف) و(عبدالعزيز فهمي باشا) و(. طه حسيين ) صاحب قضية التشكيك اذ هو  المسؤول عن كثير من مظاهر الفساد والتحلل التي ينوء بها المجتمع اليوم , ولقد خاض معارك من أجل تسميم الآبارالعربية والقومية بل والإسلامية معتمداً على سياسة المستشرقين في التحول من المهاجمة العلنية للتراث العربي , ولا نجد أصدق من حكم أستاذه المستشرق ماسينيون فقد قال الدكتور زكي مبارك : "" وقف المستشرق ماسينيون , يوم أديت امتحان الدكتوراه فقال : حين أقرأ بحثاً لطه حسين ...  أقول : هذه بضاعتنا رُدّت إلينا وهو أيضا الداعي إلى إضافة لاتينيات  للغة العربية كخليط مزدوج ومعه ( عبد العزيز فهمي باشا) والذي قدم مشاريع لاستبدال الحروف العربية باللاتينية، الا إنه وجد من يقف له ويحطم مشروعه كامثال توفيق الحكيم  ومن نهج نهجه ،ولازالت حتي يومنا تعد قضية الفصحي والعامية مثار جدال ولم نجن من وراءها سوي العقم الفكري والثقافي وتثبيت سلوكيات غريبة النهج وبعيدة المفهوم عن المجتمع العربي سواء  في النسيج العاطفي والإجتماعي والفكري ؛حيث أضحى وطننا العربي مفرخة للمصطلحات الأجنبية والتقليعات المستوردة حيث  بدأت بالألفاظ ثم المأكل الغير ملائم لطبيعة أجسامنا ،والمشرب ،والملبس المستهجن من عقائدنا علي مستوي الديانتين الإسلامية والمسيحية،ووضح ذلك من تلاشي روح  الوقوف علي العربية وكثرت دعوي مجانبتها بحجة التطور ومواكبة التقدم وبطء إشعال روح الغيرة على اللغة العربية في نفوس الشعوب،وقِصر التعامل معها لا على أنها مجرد وسيلة للتحدث فقط   وإنما لابد التعامل مع اللغة العربية  باعتبارها اتجاه هويتنا، ووعاء ثقافتنا، وتواصل ماضينا وحاضرنا بمستقبلنا.إذ  إنّها تتكون من بنى ذهنيّة، خلقنا الله عليها إنّها النفس العربيّة وهي المتميّزة بقدم وتنوّع خبراتها ومصادر ثرائها وعمق تاريخها التي تصل حتى التفرّد بين اللغات التي تتعامل بها سلالات الأسر اللغويةالأخري  أطلق علي (النفس) أنها  عربية حيث اللغة والتركيب النفسي  المادي ، وهذا ما أكده ابن خلدون: "الحروف التي تفضي بالأفعال إلى الذوات من غير تكلف ألفاظ أخرى، وليس يوجد ذلك إلاّ في اللغة العربيّة"  
  فاذا كان تعلم اللغات ضروري فيكون ذلك من باب النفع والعودة بالثقافة المشتبهة للوطن ومثل ذلك تعلم اللغات الأخري المشهورة وعندما سئل الداعية الهندي أبو الأعلى المودودي رحمه الله عن مقومات الداعي قال :”لابد أن يشترط فيه شروطا كثيرة أو قل شرطا بشروط كثيرة هو أن يتقن اللغة الإنجليزية  لأنها من اللغات الحية بها  يقرأ الكثير من الكتب ويطلع بها علي واقع كثير من الشعوب ويصلنا بها خبرات وتجارب الآخرين مع اتقان الفصحي  . ومما لا شك فيه أن اللغة العربية هي الإرث الثقافي المشترك بين بلدان الوطن العربي  والروابط الوثيقة التي جمعت هذه اللهجات والتي تصب في قالب لغوي عربي واحد  على مر العصور،  وتشارك  اللغة العربية في تعزيز التآخي الإنساني وتقريب وجهات النظر بين الشعوب لتحقيق التعاون المثمر السلام والتسامح المنشود ونزع فتيل التفرقة الذي لايثمر سوي اتساع الهوة بين بلدان اللغة الواحدة والاعراق المتصلة 
ممما يدفعنا إلي تعزيز دور اللغة العربية في لملمة شتات الفكر وإيقاف زعزعة  التحيز العصبي الذي يعود بنا إلي عصر القبائل فهنا يكمن دور اللغة العربية  كحاجة ملحة إلى تنسيق  لغة الحوار وإحياء أدوات والتفاهم وتجديد دورها الحضاري والتاريخي   للغة التي توفّر الأدوات الضرورية للتواصل الثقافي  والتقارب الفكري المهني  بين الشعوب العربية خاصة  ومنطقة الشرق الأوسط التي هي غنيّة باللغات القديمة، بعضها اندثر والبعض الآخر لا يزال حاضراً في حياتنا .