حسني حنا يكتب : زلازل الساحل السوري... رؤية تاريخية "نتعلم الجيولوجيا، في صباح اليوم التالي للزلزال"

حسني حنا يكتب : زلازل الساحل السوري... رؤية تاريخية "نتعلم الجيولوجيا، في صباح اليوم التالي للزلزال"
حسني حنا يكتب : زلازل الساحل السوري... رؤية تاريخية "نتعلم الجيولوجيا، في صباح اليوم التالي للزلزال"
 زلازل الساحل السوري... رؤية تاريخية
"نتعلم الجيولوجيا، في صباح اليوم التالي للزلزال".
*Ralph A. Emesson
 
عرف الانسان الزلازل، منذ وجد على سطح الأرض وقد اعتقد بعض القدماء أن الزلازل تحدث عند انتقال الأرض من أحد قرني الثور الذي يحملها الى القرن الآخر.
 والزلزال Earthqake أو الهزة الأرضية، هو ظاهرة طبيعية، وسلسلة من الاهتزازات الارتجاجية المتتالية سواء على اليابسة أو في البحر، وهي تحدث لوقت قصير ، وهو ينتج عن حركة الصفائح الصخرية الضخمة في القشرة الأرضية، أو تحركات الصفائح الأرضية،مما يؤدي الى كسرها.وهو أيضاً يمكن أن يحدث نتيجة ضغط واقع على القشرة الأرضية نفسها. وتتحرك الصخور نتيجة هذا الضغط الهائل، وتتحرك معه القشرة الأرضية ويحدث الزلزال.
 كما يمكن للزلزال أن يكون مرافقاً للأنفجار البركاني، والصدع وانزلاق الصخورعليه، يعرف باسم الزلازل التكتونية... Tectonic Earthquake 
 
 
أسباب الحدث الزلزالي
 الأرض التي نعيش عليها هي قشرة الأرض ، وهي في حقيقتها صفائح والواح صلبة، تعوم – إذا جاز التعبير – على طبقة لدنة لزجة مؤلفة من مواد وفلزات منصهرة، بفعل الحرارة العالية جداً في باطن الأرض نحو (6000) درجة مئوية. وهذه الحرارة تولد تيارات، تؤثر على قوة تحركها، على صفائح القشرة الأرضية أي (القارات)، فتسبب تشققها وتدافعها باتجاهات مختلفة، تباعد بينها أحياناً، وتقرب بعضها من بعض في أحيان آخرى، الى درجة تؤدي الى تصادمها، وحركة هذه الصفائح تكون بطيئة جداً.
وعلى نحو مغاير. فمن حركة الصفيحة العربية (شبه جزيرة العرب وبلاد الشام والعراق) نحو الشمال، وتصادمها مع صفيحة الأناضول المتحركة باستمرار نحو الجنوب، وتكون سلسلة جبال طوروس الضخمة، وعلى امتداد نطاقات التصدع في القشرة الأرضية، ونطاقات تباعد أو تصادم الصفائح القارية تحدث الزلازل. 
وبناء عليه تكون سوريا من أكثر البلدان التي ضربتها الزلازل في الماضي –ولاتزال- لوقوعها على طرف أضخم (فالق) أو (كسر) في القشرة الأرضية على سطح الأرض، المعروف باسم (فالق المشرق، الممتد بين خليج العقبة في الجنوب، حتى تخوم جبال طوروس في الشمال، مروراً بغور الاردن وبحيرة طبريا وسهل البقاع وسهل الغاب وسهل العمق.
أما (الشق السوري – الأفريقي) العظيم، فهو صدع جيولوجي يمتد فى شرق أفريقيا الى حدود جبال طوروس الجنوبية بطول نحو (6000) كيلومتر، وعرض (30- 90كم). وهذا الصدع هو المسؤول عن الهزات الأرضية التي تحدث الآن. بسبب تراكم القوى، الذي يؤدي بعد ذلك إلى تحررها.
وهناك عوامل تحفز هذه الحركة أهمها: حركة السدود في ملئها وإفراغها، التي تؤدي الى تحفيز وتسريع التصدعات في القشرة الأرضية في هذه المنطقة، وكان آخر زلزال مدمر قبل زلزال 6شباط/ فبراير (2023)، حدث في مدينة العقبة الأردنية عام (1995).
 
 
الزلازل في الساحل السوري
كان الساحل السوري –ولايزال- منطقة تتناوب فيها الزلازل، فتخرب ماتبقيه غائلات الحروب والكوارث الطبيعية، من سيول وفيضانات وأعاصير وغيرها.
وقد تعاقب على سوريا أكثر من (180) زلزال، منذ عام (365 ق.م) حتى عام (1900م) وذلك بموجب دراسة نشرت عام (2005) قام بها فريق عمل، بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. في المجلة العلمية المتخصصة: (Annals Geophsics)
وهذه الزلازل أورثت البلاد الخراب والدمار. وما زالت آثار العديد منها. ، ماثلة للعيان في أطلال المدن والقلاع القديمة وغيرها...
وقد كانت أول إشارة في الوثائق التاريخية الى الحوادث الزلزالية في الساحل السوري، في الرسالة الموجهة من (أبيملكي) ملك صور الى فرعون مصر في القرن (14 ق.م)
ويرجع العالم الفرنسي كلود شيفر Claude Schaeffer تاريخ ذلك الزلزال القوي الذي دمر مدينة أوغاريت Ugarit في ذلك الزمن البعيد إلى عام (1365 ق.م) ويبدو أن هذا الزلزال قد حمل معه موجة بحرية مرتفعة غطت منطقة (مينة البيضا) مرفأ أوغاريت. وأبتلعت على إثرها النيران المدينة. وقد حدث ذلك في عهد ملك أغاريت نقمد الثاني (1370- 1330 ق.م) وقد أشير الى هذه الهزة عرضاً في رسالة (أبيملكي) ملك صور الى فرعون مصر حوالي عام (1360 ق.م) وفيها:
النار قد أبتلعت أوغاريت
نصف المدينة أبتلعته النار
والنصف الآخر لم يمس
الجنود الحثيون ليسوا هنا"
وقد توالت الزلازل على الساحل السوري، ومن أهمها بحسب توالي السنين.
- زلزال عام (115م) الذي ضرب مدينة أنطاكيا بعنف وقد بلغ من قوة إهتزاز جبل (سلبيوس) المطل على المدينة، أن بدت قمته، وكأنها تنحني وتنفصل عنه، وتقع على المدينة ذاتها.
- بين عامي (525م) و (528م) ضربت الزلازل مدينة أنطاكيا ومدن الساحل السوري موقعة العديد من المباني حيث هلك الآلاف. وقد قام الامبراطور البيزنطي جوستنيان برفع الأنقاض وترميم ماتخرب من أسوار وشوارع خاصة في اللاذقية، مما جعلها تستعيد الكثير من أهميتها.
- في التاسع من شهر تموز/ يوليو من عام (551م) ضرب الساحل السوري زلزال كبير دمر مدنه، وبخاصة مدينة بيروت، التي رثاها أحد الشعراء قائلاً: "أنا هنا.. مدينة بائسة واقعة في الخراب. مات رجالي. دمرني إله النار. بعد أن هزني إله البحر". وقد تبع ذلك الزلزال (تسونامي) مدمر تأثرت به مدن الساحل السوري، من صور طرابلس. وقد دمر وأغرق العديد من السفن، وقتل نحواً من (30) ألف انسان، ماتوا في بيروت وحدها.
- في عام (859م) في الآخر شهر كانون الأول وشهر كانون الثاني (860) ضربت الساحل السوري زلازل قوية، جعلت الجبل الأقرع يتقطع، وتسقط منه صخرة هائلة في البحر، تعرف اليوم باسم (جزيرة الحمام) وهي تبعد عن الشاطئ بمقدار مائة متر تقريباً، تأوي إليها طيور النورس وغيرها، وقد أسقطت هذه الزلازل العديد من المباني والأسوار. ولم يبق من المنازل ومن السكان الا القليل، وقد تزامن ذلك مع حدوث عواصف قوية.
- في عام (903م) وقع في الساحل السوري زلزال قوي، قضى على معظم سكان مدينة اللاذقية وقلعة الحصن.
- في عام (983م) حدث زلزال قوي، دمر العديد من مدن الساحل السوري، ومنها اللاذقية وطرابلس وصور.
- زلزال عام (1157) حدث هذا الزلزال يوم (12 آب/ أوغسطس) وقد ضرب بعنف معظم البلاد السورية. وفي الساحل السوري، قذف البحر المراكب الى البر، ومات خلق كثير. والمصدر الأهم عن هذا الزلزال الكبير، يعود الى (ميخائيل السرياني) وهو أحد بطاركة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وأحد قادتها مابين عامي (1160- 1199) وقد عاصر هذا الزلزال في حياته، وكان مما قاله: "في مدينة اللاذقية، الكنيسة الكبرى فقط هي التي ظلت قائمة، وجميع الذين كانوا داخل الكنيسة نجوا من الموت. وفي هذه المدينة تصدعت وانشقت الأرض، وظهر تمثال واقفاً بشكل عمودي".
ويؤكد ماذكره هذا البطريرك عدد من المؤرخين منهم (أبو المحاسن عماد الدين بن تغري بردي) حين قال بأنه لم يسلم في اللاذقية إثر هذا الزلزال غير كنيستها الكبرى (كنيسة القديس نيقولاوس) المعروفة اليوم باسم كنيسة (مار نقولا) التى لاتزال قائمة الى اليوم في حي (العوينة) والى جانبها تقوم بطريركية الروم الأرثوذكس، كما الحق هذا الزلزال أضراراً في برج صافيتا.
- زلزال عام (1169) حدث لم يشهد الناس له مثيلاً، عم البلاد السورية، حيث أصاب الخراب والدمار مدن أنطاكيا واللاذقية وجبلة وطرابلس. وقد وصف الكاتب (عماد الدين الأصفهاني) ويلات ذلك الزلزال بقوله:
"لقد زلزلت بسكانها الأرض، وهددت قواعد الأطواد، وخفضت من قلاعها كل عال وأعادت تلاعها كالوهاد...".
- في عام (1183) حدثت زلازل قوية، ضربت الساحل السوري وجزيرة قبرص. وقد تسببت في تشقق بعض الجبال، وحدوث وهاد عميقة. وألحقت هذه الزلازل أضراراً بالغة بسور المدينة، وهدمت معظم برجها المنيع القائم في البحر، الذي يحمي مدخل الميناء، ومنارة كانت تقود السفن ليلاً.
- زلزال عام (1202) زلزال عظيم وقع يوم (20 أيار/ مارس) وقد خلف الكثير من الأبنية المهدمة، وعشرات آلاف القتلى. كما أدى الى أضرار كبيرة في الطابق العلوي. وأجزاء من الزاوية اليسارية في برج صافيتا، مما استدعى القيام بإصلاحات تبدو ظاهرة للعيان الى اليوم.
- في عام (1403) حدثت زلزلة عظيمة في طرابلس هدمت مبان عديدة، وأسقطت جانباً من قلعة المرقب وخربت في اللاذقية وجبلة وثغر بكاس.
- في عام (1790) ذكر المؤرخ عيسى اسكندر المعلوف أنه في (16 نيسان/ أبريل) كانت زلزلة عظيمة في اللاذقية، قوضت أبنية مستودع التبغ قرب المرفأ، وقتلت الكثيرين.
- في عام (1796) وفي يوم الثلاثاء 15 نيسان/ أبريل) حدثت في النهار زلزلة عظيمة في اللاذقية، سمعت أثنائها أصوات مفزعة كالرعد في جوف الأرض، وهدمت منازل عديدة. والذين سلموا هربوا الى البراري وعاشوا أشهراً تحت الخيام.
- في عام (1822) وفي (13 آب/ اوغسطس) وقع زلزال كبير في سوريا، تبعته سلسلة من الهزات الارتدادية، التي دامت لمدة سنتين ونصف، بعضها كانت قوية. وقد دمر هذا الزلزال مدناً كثيرة منها أنطاكية واللاذقية وجبلة وحلب وخان شيخون.
وفي اللاذقية الحق هذا الزلزال بها كارثة فادحة، حيث تقوض برج المرفأ، وتراكمت الأنقاض المتداعية عند المدخل، فبات ضيقاً وعسيراً على دخول السفن. وكالعادة هاجر كثيرون من سكان المدينة واستقروا في مدن أخرى...
ويذكر المؤرخ الياس صالح اللاذقي فى كتابه (آثار الحقب..) أنه في سنة (1822) حدثت زلزلة هائلة هدمت بيوتاً كثيرة، فهرب الناس من البيوت، وأقاموا في خيام في البساتين مدة طويلة.
ويذكر الرحالان الفرنسيان (جوزيف ميشو) و (جان بوجولا) أن هذا الزلزال قلب حارات بأكملها. حتى أن خانها الكبير، لم يتمكن من الثبات، وكذلك تخربت مخازن كثيرة على طريق المرفأ...
- زلزال (1872) حدث في ليلة الاثنين ثاني ليلة الفصح الشرقي في (16 نيسان/ أبريل) من هذا العام، نحو الساعة الرابعة من الليل. زلزال شديد، أرهب قلوب السكان، حيث خرجوا جميعاً إلى البراري والبساتين، في ذلك الليل الدامس مرتاعين. وقد تواصلت الأخبار من مدينة أنطاكية، عن تعاقب حدوث زلازل فيها أكثر شدة. وقد أقام الناس في البراراي والخيام نحو (40 يوماً)...
 
 
وفي الختام نقول:
منذ ذلك الحين، لم يشهد الساحل السوري أي زلزال قوي، غير بعض الهزات الخفيفة، الى أن حدث الزلزال الهائل الأخير في يوم (6 شباط/ فبراير) من هذا العام (2023) الذي يعد من أقوى الزلازل التي ضربت سوريا والساحل السوري وتركيا، ,اشدها عنفاً في تاريخ هذه المنطقة.