د. مريم المهدي تكتب : إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد

د. مريم المهدي تكتب : إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد
د. مريم المهدي تكتب : إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد
 
 
 * هل يعاد رسم خريطة العالم الاقتصادية والسياسية من جديد ؟ :
هذا ما نراه جليا على كافة على الأصعدة الآن .. فما كان من قبل جائحة كورونا ما اعتبرته دول العالم  من بقاء الولايات المتحدة الأمريكية على رأس الكوكب أمراكيد بدون منازعة ، وكذلك اعتبرت أمريكا نفسها وما زالت ترى أنها السيد المطاع فى عالم من الأتباع والحلفاء والخاضعين. والخارجون عليها إما معاقَبون أو مستبعدون أو أعداء. فهل ما زالت الإمبراطورية الأمريكية ترى نفسها اليوم كذلك؟ أو هل يراها العالم  كما كانت؟! 
  والإجابة على السؤال أصبحت واضحة أمام  قادة وخبراء العالم الذي لم  لم تعد تخفى عليهم  الحقائق فى عالم ضاقت فيه المسافات واتضحت وانكشفت فيه دقائق  التفاصيل وسرعة الاحداث  إلى أبعد الحدود .والتي بدأت واتضحت ما بعد كورونا بداية من استيلاء طالبان على الأسلحة الأمريكية بالمليارات، بينما تخرج أمريكا من أزمة كورونا  لتجد نفسها أمام أعاصير وجفاف وزلازل وكوارث طبيعية استنزفت خزائنها، ثم حرب روسية أوكرانية سلبت من احتياطيها  النفطي والنقدى، ثم مؤخرا جاءت أزمتها المالية بعد متواليات من رفع الفائدة على الدولار انهارت على إثرها بعض البنوك الأمريكية الكبري لا فى أمريكا وحدها بل وفي أوروبا أيضا !   
 التي لم تسلم من تلك تغيرات الاحوال البائسة  بل نالت النصيب الأكبر .. وها نري أكبر دول أوروبا تعانى الآن اقتصادياً وسياسياً بل وعسكرياً نتيجة الحرب الأوكرانية والمواجهات المستميتة  للناتو دون أي فائدة !! 
وقبل ذلك عانت أوروبا صيفاً قائظاً جفت فيه الأنهار واختلت موازين الحالة المناخية واستمر نزيف الخسائر الاقتصادية الأوروبية من كورونا إلى الكوارث الطبيعية إلى الحرب. 
 
 * الفرصة السانحة لمن يقتنصها :
   هكذا وجدت بعض الدول الإفريقية الفرصة سانحة لتخلص  نفسها من دائرة الهيمنة الغربية وتحدى بعض زعمائها الرئيس الفرنسي ماكرون و طردوا قواته ليعلن الأخير أن إفريقيا تخلت عن فرنسا ربما للأبد.
       العالم الجديد ليس هو ما بشر به أنصار القوى الغربية أنه عالم الصقور والضوارى، بل هو عالم آخر تصعد فيه قوى كانت بالأمس رهن الهيمنة  كالصين مثلاً نراها وجدت الفرصة السانحة لتنطق  وتقتنصها. أنها حقا الملاذ الحقيقي لمن يستطيع أن يقرأ ويحلل المشهد بفراسة  مستبقا الأحداث الكبرى متوقعا ميلاد خارطة عالمية جديدة تتشكل
  
   
 *  ما هو الوضع الإقليمي وموقع مصر من تلك التغيرات ؟ 
 
 انها مصر البلد الامين والدرع الحصين على مر الزمان الذى شهد أقدم مظاهر التوحيد، التي باركت خطوات أولى العزم من الرسل موسى وعيسى وإبراهيم الخليل،  البلد الذي تعاقبت عليه عهود رخاء 
 .وسنوات عجاف وخُلد ذكره القرآن وباركته العائلة المقدسة الذي لم يزل وسيظل بفضل الله بلد السلام والأمن  والخير مهما مر علي مصر كبوات إلا أنها تعود أشد مما كانت 
  ان كل  مصري ومصرية  يفتخرون بانتمائهم  لهذا البلد العريق الحبيب، و يتمنوا أن يروا مصر فى مقدمة الأمم المتحضرة غير أن نيل المطالب لا يأتى بالتمنى، لاسيما ونحن فى منعطف تاريخي حاد 
حافل بالتغييرات الجذرية المصيرية التي تغير كل شيء في العالم من حولنا  
الوضع الإقليمى يشهد بدوره تغيرات محورية كان آخرها الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية. تلك الاتفاقية التى لابد أن لها ما بعدها، وهى مؤشر لتحولات ضخمة حدثت قبلها.. هناك تحالفات جديدة تفككت ولاشك أنها تلد تحالفات جديدة تتغير على إثرها خريطة المنطقة.. وهو ما يستلزم بالضرورة رؤية ثاقبة واستيعاب  لما هو قادم والاستعداد لهذه المتغيرات
 
 
 
 *  كتفا بكتف :
    كانت مصر فى عهودها  القديمة  تسير كتفاً بكتف على خطى الصين وسائر الحضارات الكبري. بل الواقع إن الحضارات الأخرى هى التى كانت تسير على خطى مصر؛ هكذا قدر الله ان يكون كان د     دورها القيادي على مر العصور لما حباها الله من موقع طبيعي استراتيجي  جغرافيا وتاريخيا وحضاريا فرض حقيقته وواقعه  علي العالم .
    وكان من أهم ما تميزت به مصر فى عهود القوة أحلافها من حولها فى الإقليم وخارجه. فإذا خرجت مصر من معادلة الأحلاف كان الخاسرالاكبر  هو من أخرجها من تلك الدائرة وليست مصر..         
  ويشهد  التاريخ ان مصر لم تدخر جهداً لدعم جيرانها وأشقائها كلما وجدت فرصة للدعم والمؤازرة، كما ان مصر ايضا تقوى بتلك الأيدى التى تمتد للتعاون والمؤازرة والدعم لها . 
 
 
 
   استراتيجية مصرومصالحها مع المتغيرات العالمية والاقليميه  :
    ليس كافياً أن نسير سيراً بطيئاً نحو تنمية تقابلها عراقيل اقتصادية تأتى نتاج  حرب أوكرانيا التي تشتعل بعيداً  لكن مصروالعالم اجمع  يتأثر بويلاتها واثارها علي الاقتصاد العالمي ،  فى أوروبا وأمريكا ونكون من بين ضحاياها.. لا يمكن أن نتصور أن تصبح مصر ريشة فى مهب رياح عاتية تهب على غيرنا!
    بوضع إستراتيجية وطنية شاملة من أجل تعزيز قدرات الدولة المصرية في ضوء هذه التغيرات الدولية والإقليمية والتي لابد ان تبني على المواءمة بين المصالح والأهداف القومية.. تلك الإستراتيجية لا تقتصر على جانب واحد من جوانب التطوير بل تسير فى خطوط متوازية وبخطوات متسارعة لتحقيق طفرات وقفزات تنموية على المدى القريب..
  وهذا لا يتاتي الابخطوات متعددة اولها ربما  تغيير سياسة مصر الخارجيه  بما يلائم ما يحدث من تطورات عالمية .. ايضا سياستنا الاقتصادية  لابد ان  تتطور وتزداد مرونة وقدرة على التكيف مع الأزمات وتجاوزها..ومن اجل تحقيق ذلك لابد ان خريطة الاعلام المصري  ان  تغيير بما يرتقى إلى المستوى العالمى الذي  نستحقه بالوعي واستخدام ادواته المؤثرة كما ان صناعتنا لابد لها أن تساير عصر التكنولوجيا والتقنيات والذكاء الاصطناعى والروبوت.. ولعل أهم ما ينبغى لنا أن نحافظ عليه  بالتوفق هو سباق التسليح الذى صار اليوم هو أهم السباقات المصيرية للحفاظ على الأمن القومى لأى بلد.
  ان مصر ليست ببعيده عن تحقيق نهضة شاملة حققنا مثلها  سابقا ونستطيع تحقيقها اليوم فقد حولنا نماذج عدة لطفرات اقتصادية وقفزات تنموية حققتها دول أقل من مصر كثيراً فى شتى النواحي..  ان علينا أن نبدأ ونجتهد  فى رسم تلك الإستراتيجية الوطنية التى يجب ان  يشارك كل الشعب فى تحقيقها  والسير على هداها حتى نحقق الهدف وتظل مصر وشعبها اقوياء بين الامم .ومصر جديرة وقادرة علي تخطي واجتياز المحن والثعاب بشعبها وجيشها الاصيل هكذا يشهد التاريخ .
 
 
 
     المؤتمر الصيني الروسي ونتائجه :
     ختتمت فعاليات القمة الروسية الصينية أمام غيظ وامتعاض الغرب.. فما أهمية هذه القمة؟  ولماذا كل هذا الغضب الغربي المكبوت؟
لقد جاءت القمة بعد عدة منعطفات حادة ظهرت فى طريق العلاقة بين المعسكرين الغربي والشرقي.. آخرها ما جاء فى حكم الجنائية الدولية بأمر اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليأتي الرد سريعًا من الصين الحليف القديم للروس والذي ظل صامتًا بعيدًا عن معترك الحرب الأوكرانية الروسية حتى هذا الحين قبل أن يقدم نفسه كرسول سلام يعرض التسوية والتهدئة بين طرفي الحرب وهو ما رفضته أمريكا قبل حتى أن تسمع بنود العرض!!
 المعسكر الغربي مذهول من تلك الخطوات الدبلوماسية الهائلة للتنين الصيني على ساحة السياسة العالمية، ليس فقط للنجاحات والمكاسب التي يحققها وآخرها اختراق مجال النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط بتهيئة أجواء المصالحة بين السعودية وإيران، لكن لأن الصين بهذه الخطوات تكون قد بدأت بالفعل الإعداد لبناء نظام عالمي تعددي بمشاركة حليفتها روسيا.. فما طبيعة هذا النظام؟ وهل هناك خطوات فعلية تمت في هذا المضمار؟
 
 
* كيف يدعون لنظام جديد  بلا نظرية ؟ !!
 لم تعد الدعوة لنظام أممي جديد تعددي على أنقاض نظام القطب الواحد دعوة مستترة أو خيالية، بل ما يبدو أنها تسير على نهج وخطة ، كما يبدو أن تنفيذ هذه الخطة قد بدأ بالفعل!
 الحرب الأوكرانية كانت هى الخطوة الأولى التي أتاحت لروسيا والصين الفكاك من التزامهما بالاتفاقيات الدولية؛ لأن أمريكا والغرب صارا طرفًا في النزاع العالمي، ولا يمكن أن يكون الغرب حكمًا ومتهمًا في الوقت ذاته.. ثم إن الحرب سهلت لعبة الابتزاز الاقتصادي من خلال ما تملكه روسيا من أوراق لعب خاصة بالطاقة والقمح، وما تملكه الصين من طاقة إنتاجية وسلاسل إمداد.. هكذا بات من الممكن وضع اليوان الصيني والروبل الروسي على مائدة سلة العملات العالمية بمبرر شرعي وهو الرد على العقوبات الأمريكية الاقتصادية..
 الخطوة التالية حدثت على مراحل.. أولها ما تم من تقويض التحالفات في الجانب الغربي، وهو ما رأيناه من خلافات نشبت بين أعضاء الناتو بحيث صار الطرف الألماني يبحث عن مصالحه بمنأى عن باقي الأطراف، وبحثت أمريكا عن مصالحها الاقتصادية على حساب أوروبا.. ثم جاءت المرحلة التالية باختراق مناطق النفوذ الأمريكي في إفريقيا والشرق الأوسط.. ولهذا قد نلاحظ خطورة ما أعلنه الرئيس الصيني في ختام القمة الروسية الصينية من أن العلاقات الثنائية بين الجانبين انتهت لتدخل العلاقات مرحلة تاريخية جديدة! فما معنى هذا الكلام؟ إلا أن تكون خارطة جديدة للتحالفات يتم بناؤها على قدم وساق تبدأ بروسيا والصين ولا تنتهي بهما..
 
 
    * يدغون لنظام غامض بلا خطة محددة  :
       غير أن ما يعيب النظام التعددي الجديد الذي تدعو إليه الصين صراحةً هو أنه نظام بلا نظرية، ولا مذكرة تفسيرية، إنه نظام غامض بلا ملامح واضحة.. وإذا كانت مبادرة الحضارة العالمية التي دعا  إليها الرئيس الصيني ووافق عليها الرئيس الروسي تصب في هذا السياق، فما محتواها؟ وما مضمونها؟ وهل لها أبعاد تنفيذية يمكن تحقيقها على الأرض؟
  وإذا دعت الصين لقيام نظام جديد مجهول الملامح.. فما الذي قد يدعو الدول الصديقة للحلف الآسيوي لنبذ نظام دولي قائم معروف مهما كانت له عيوب، للمشاركة في بناء نظام جديد بلا أساس فكري أو سياسي واضح؟. لهذا سوف يظل النظام الدولي الحالي كما وفي انتظار إشعار آخر وليد الاحداث العالميه  القادمه .
    ان ما يبدو واضحا على السطح في الصراع العالمي الدائر اليوم بين قوى الغرب والشرق أقل كثيرًا مما يتم في الكواليس وراء الستار.. وإذا كنا حقا على أعتاب نظام عالمي جديد يولد؟ فما هو هذا النظام؟ وما هو بنيانه الفكري والفلسفي؟ وكيف سيكون شكل الشرق الأوسط في ظل نظام كهذا؟