أمينة خيري تكتب : عن ذرائع التغاضى

أمينة خيري تكتب : عن ذرائع التغاضى
أمينة خيري تكتب : عن ذرائع التغاضى

 

الحديث عن شارع الجلاء وما يجرى فيه من فوضى شبه كاملة، وعشوائية شبه مكتملة، لم يكن إلا إشارة لما يجرى فى شوارع أخرى كثيرة فى مصرنا العزيزة. العيب ليس فى شارع الجلاء فقط أو القائمين عليه وحدهم، ولكنه عيب ممتد فى طول مصر وعرضها.
والدليل على ذلك، بالإضافة إلى رأى العين التى تؤكد أن الواقع تعدى الخيال، هو هذا الكم الهائل من الرسائل التى تلقيتها للشكوى والاعتراض والامتعاض مما آلت إليه أوضاع الشارع والأرصفة. وهى شكوى حقيقية لأننا جميعًا نمرّ ونعيش ونعانى فى هذه الشوارع على مدار ساعات اليوم الـ24 طيلة الأسبوع وكل الأشهر.
ليس هناك استثناء إلا تلك الحملات أو الهبات أو الموجات أو الهوجات التى تظهر فجأة من قبل «مسؤولين» حكوميين لرفع الإشغالات التى تعود عادة إلى ما كانت عليه وربما أكثر، قبل أن يعود «المسؤولون» أدراجهم إلى مكاتبهم أو بيوتهم.
والجدلية المزمنة التى يطرحها البعض، والتى أرى فيها من عناصر الخراب والدمار ما يفوق الخيال، وأتعجب لفرط إيمان البعض بما يقول؛ هى أن «الغلابة» الذين يتم إجبارهم على رفع الإشغالات أو التكاتك التى تتم مصادرتها، أو المقاهى التى يجرى رفع كراسيها وطاولاتها التى تسد كل الرصيف وجزءا من الشارع، سيتحولون إلى الإجرام فى حال «قطعنا عيشهم» وأجبرناهم على الالتزام بالقانون.
إنه عجب العجاب. البعض - ومنهم متعلمون ومثقفون- يضعون القانون فى مواجهة واضحة وصريحة مع الجريمة، يضعون الغلابة فى مواجهة النظام والتحضر. تخيل عزيزى القارئ، بيننا من يعتبر التزام الغلبان بالقانون قهرًا وظلمًا وسحقًا!.. جانب آخر من الجدلية يحوى تلميحات عن تطبيق القانون على الجميع، وطالما لا يطبق على الكل، فليخرقه الكل.
وهنا أرى جزءًا من المنطق- وإن كان قنبلة متفجرة- ضرورة تطبيق القانون على الكل واجبة ولا جدال فيها، وتطبيقها على فئة دون أخرى بكل تأكيد تفاقم الغليان الاجتماعى.
وأعود إلى رسائل القراء وأختار منها ما كتبه القارئ العزيز، من شبرا، الأستاذ يعقوب حنا الذى أرسل هذه السطور: «قرأت كتابك عن السلم الاجتماعى، إنها قرعات على باب يبدو مغلقًا ولن يفتح.. أين المجالس المحلية؟ أليست استحقاقًا دستوريًا؟. لا تشيرى إلى شارع الجلاء فقط.. كل الشوارع صارت أسواقًا. فى شبرا حيث أقطن، لا محل لأى رصيف من الإعراب.
نهر الشارع استبيح لكل وأى نشاط، والسير على الأقدام أصبح مغامرة غير محمودة العواقب. لا بلدية، لا محليات، ولا أحد يسأل. كتبتِ تحليلًا عن ذرائع التغاضى عن المخالفات بقولك: (الناس غلبانة واللى فيها مكفيها). لا! التفسير الصحيح هو النطاعة والفوضى وتجاهل حقوق المواطن، وسلام كبير للقانون».
نلف وندور أعوامًا وعقودًا، ونعود إلى مربط الفرس: تطبيق القانون العادل على الجميع. لن يطبق القانون إلا مَن تربى ونشأ وتدرب وتعلم على معنى القانون وقيمته وأهميته لضمان السلم الاجتماعى.