حسني حنا يكتب : قلعة الحصن Crack des chevaliers

حسني حنا يكتب : قلعة الحصن Crack des chevaliers
حسني حنا يكتب : قلعة الحصن Crack des chevaliers
 
" هذه القلعة هي خير تجسيد لعصر بكامله"
*Steven Runciman
 
قلعة خيالية رهيبة ، وهي نموذج كل القلاع الأثرية على الاطلاق، وياليت الجميع يستطيع اكتشافها تحت الشمس السورية، لكونها أجمل واكبر وأروع وأكمل مما يحلم به الانسان. ولا يوجد أكثر منها طرافة ورومانسية بين الحصون والقلاع الأخرى. حتى في سوريا نفسها مثل قلعة صهيون وقلعة المرقب والبرج الأبيض فى «صافيتا» ، على سبيل المثال لا الحصر. وما من قلعة جسدت تاريخ قرنين من صراع ضار، كما تجسده قلعة الحصن.
 وقد تكون المعارك الأخرى، التي دارت رحاها في غيرهذه المنطقة، أقسى وأشدّ هولاً . وقد تكون قلاع أخرى تحملت حصارات أكثر مأساوية، لكن قلعة الحصن تبقى رمزاً، نظراً لحجمها وكمال بنيانها. وعنف المعارك التي استهدفت السيطرة عليها، وعلى حجارتها كتبت إرادة الفرنج في الإبقاء على هذه المستعمرات البعيدة..
 
 
 الموقع
 تقع قلعة الحصن في الريف الغربي لمدينة حمص على نحو (60) كيلو متر عنها ، وفي منتصف المسافة بين حمص ومدينة طرطوس الساحلية ، أو بين حمص وطرابلس في لبنان ، عند نهاية جبال الساحل السوري حالياً، وشمال جبال لبنان، وتحديدا عند فتحة حمص-طرابلس، مما يكسبها موقعاً استراتيجياً، يسمح لها بالتحكم بالطريق التي يربط بين الساحل والداخل السوري.
 
 
 
اهمية القلعة
 هي مارد حجري جبار، يعطيك انطباعاً بعظمة الأيادي التي بنت، والعقول التي خططت، وكل العناصر التي اجتمعت لتكون (قلعة الحصن) التي هي إحدى أهم القلاع في العالم ،من حيث المساحة والمحافظة على الشكل الأول، وقد خلدت هذه القلعة بناتها ، وكل قطرة عرق ودم بذلت لأجلها . تستطيع أن تستوحي ذلك من حجارتها الكلسية ،وأسوارها المنيعة، وأبراجها العالية المطلة على سهل عكار وجبال لبنان ووادي النضارة ، وبرج صافيتا، وأطراف مدينة حمص، وبحيرة قطينة . إنها ببساطة قصة كتبها رجال بعظمة بنياتهم.
 ولعل هذه القلعة من أعظم قلاع العالم وأشهرها من حيث منشآتها الدفاعية ومواد بنائها ، وهندستها الفريدة التي تحمل مزيجاً من حضارات الشرق والغرب، في تناسق بديع . ويعتقد بعض المؤرخين أنها قد بنيت على أطلال قلعة اقدم منها كان اسمها (شبتون) أقامها الفراعنة عندما هاجموا سوريا بقيادة رمسيس الثاني  (أواخر القرن 13ق.م) . كما يذكر بعض المؤرخين أن اليونانيين بنوا معقلاً عسكرياً في المنطقة أسموه (ريماس pirgs) بمعنی (الحصن). 
إن وقوع هذا القلعة على هضبة عالية، وتحيط بها منحدرات شديدة الانحدار. تجعل من المستحيل دخول الموقع من قبل المهاجمين.
كما أن قدرة مجال الرؤية لمسافات بعيدة ، يسهل عمليات المراقبة ، إضافة إلى الابراج الضخمة المبنية بحجارة كبيرة، ما زالت تتحدى الزمن . ومن سطوح هذه القلعة ، تتاح إطلالة رائعة على الآفاق الواسعة البعيدة. التي من أجل السيطرة عليها سفكت دماء كثيرة في هذه الأرجاء الخضراء. 
 
 
نموذج القلاع
 تنتصب القلعة فوق تلة بعيدة نسبياً عن طريق حمص – طرطوس- طرابلس، إذ تبعد عن هذا الطريق الى الشمال بنحو (27 كم) وهي ترتفع عن سطح البحر (750) متراً. وكانت تساهم قديماً في تموين القلعة أراض زراعية خصبة،  تؤمن اطعام حامية قوامها (2000) مقاتل مع خدامهم وأحصنتهم . وتخزين كميات هائلة من المؤن. 
وقبل الدخول في تعرجات الأفنية والممرات والسراديب. لا بد من نظرة شاملة نلقيها على الموقع. ويكون ذلك عبر الطريق الصغيرة المعبدة، التي تلتف حول القلعة ، حتى اعلى التلة جنوباً.
 بنيت هذه القلعة على تلة ضخمة ممهدة التربة، شديدة الانحدار على ثلاث جهات بجدرانها العالية ، وأبراجها الدائرية ، ودهاليز مقاذفها، وشقوق مراميها.
 ويتقدم السور الأول برج مربع بارز ضخم ، منفصل عن كتلة القلعة، ليغطي ويحمي ما يبدو جسراً، ثم ينتصب فوق جدران التحصينات الخارجية سور داخلي أشد هولاً من السور الأول.
 
 
 ونذكر فيما يلي أهم ما في القلعة : 
1- الباب الرئيسي للقلعة يقع في الجهة الشرقية من السور الخارجي، وهناك رصيف بتعرجات متداخلة ، تتحكم بها رمايات، ومرامي السهام تتحكم بالممر وبعد ذلك نجد بهوا جميلاً ، ينفتح على الصالة الكبيرة الرائعة بطول (27) متراً و عرض (75) متراً ، وتزين تيجان الأعمدة زخارف بسيطة مجردة على شكل ورق شجر. وفي هذه الصالة كتابة باللغة اللاتينية على الدعامة الشمالية بشكل عبرة : " امتلك الثروات وامتلك الحكمة ، وامتلك الجمال، ولكن إياك والكبرياء ، الذي يفسد كل من يقترب منها " ... 
وكانت الصالة الكبيرة تستخدم كرواق للصلاة. والكنيسة موجودة في السور ، وتنفتح على الجبهة اليمنى للفناء، وهذه الكنيسة تحولت مباشرة إلى جامع ، بعد استيلاء السلطان بيبرس على القلعة، في (8 نيسان / أبريل من عام 1271) . و على مستوى الكنيسة والصالة الكبيرة يصل رواق كبير (متصل بالصالة) يصل طوله إلى (120) متراً. في الجهة الغربية للقلعة منشآت وتحصينات، موجودة أيضاً في الجهتين الجنوبية والشمالية. 
وصالة الـ (120) متراً، كانت تشتمل على آبار وأفران خبز ومستودعات. وفي الجهة الأخرى للبرج المركزي صالة مماثلة أصغر حجماً. كانت تستخدم كمخزن للمؤن التي كانت وافرة، وتقدر بما يوازى بضع سنوات من احتياجات الحامية، وقد عثر هنا على جرار ضخمة، وبقايا معصرة زیت.
و تستوقفنا حالة أخرى عجيبة، بأحجامها وهندستها هي ( صالة الدعامات الكبيرة ) في المنتصف الجنوبي من الفناء. عقود قببها ترتكز على أعمدة ضخمة مربعة ، وكانت هذه الصالة تشتمل على المطابخ وغرف الطعام والمخزن، ويدخل النور إليها شحيحاً عبر فتحات في السقف المسطح.
 وتشرف على الميدان وتغمره بظلها ثلاثة أبراج هي أعلى أبراج القلعة . تنتصب للدفاع عن جانب القلعة الجنوبي. حتى تستطيع مجابهة المهاجمين، بمعزل عن القلعة كلها ، ومرمى السهام في البرج المركزي يخترق جداراً بسماكة (8,5) متراً انه انجاز لفن القلاع والحصون في القرن الثالث عشر.
 
 
 بين السورين
 إذا اراد الزائر مشاهدة التجهيزات الدفاعية الخارجية عليه أن ينزل من جديد رصيف المدخل ، حتى النقطة التي يتغير اتجاهه فيها، وتشمل المنشأة المخمسة الزوايا، التي تسيطر على هذا الممر في جزئها السفلي باباً عادياً يدعمه باب زلاق على عرض خمسة أمتار - يفضي إلى الخندق الملئ بالمياه ، الذي يفصل السورين، وتسيطر على هذا الخندق قلعة من الحجارة، هي أساس القلعة الداخلية، وحائط ممر بطول (60) متراً ، يفضي إلى الأبراج والأسوار الخارجية لجانب القلعة الجنوبي ، وكانت مياه القنطرة التي تمر تحت الأسوار ، ومياه الشتاء المنصرفة، في تمديدات من القساطل الفخارية تغذي هذا الحوض الكبير ، وهو عنصر دفاع ، إذا ما هوجمت القلعة، ومشرب لخيل الحامية . 
والبرج المربع الذي يتوسط التجهيزات الدفاعية في الواجهة الجنوبية، والمنشآت التحصينية المجاورة، هي عربية البناء . فهجمات الجيوش العربية في شهر نيسان (1271) تركزت على هذه النقطة. 
ونجد في كتابات أخرى على الدعامة الرئيسية المتعددة الزوايا، التي ترتكز عليها طوابق البرج الجنوبي الغربي خط عربي يذكر السلطان الظاهر بيبرس، وتتيح شرفة هذا البرج القاء نظرة شاملة على القلعة، لكن أفضل مشهد للزوايا والمنحدرات والجدران يطالعنا من سطح التراب المركوم ، الذي يفصل السورين، على مستوى مطاف الحرس الخارجي . ولا بد هنا من ذكر هذه التفاصيل الرائعة.
 وتبرز في النقطة الشمالية منشأة تختلف عن المنشآت الأخرى (البرج الحرد) الذي واجهته أعرض من جوانبه الأخرى. وهي في الحقيقة واجهة رائعة ، بصفوف عقودها الثلاث المتقاطعة المرتكزة على عمادات مربعة، والتي تُخفي المقاذف . ويحمي كتف داعم واسع باب النجاة، الذي يفضي الى صالة (المئة وعشرين متراً) .
وفي القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. إزاء كمال البناء ودقة صنعه، والذكاء العلمي والتقني اللذين صمموه وبنوه، قد ينسى المرء عمر هذه القلعة المنيعة!...
 لقد تم إنجاز القلعة الداخلية قبل عام (1170) أي منذ أكثر من ثمانية قرون. وذلك على الرغم من الزلزالين اللذين ضربا المنطقة . وحوالي العام (1200) كانت قلعة الحصن تنتصب تقريباً بالصورة، التي نراها فيها اليوم مع فارق بسيط.
 
 
الخط الزمني
 1031  رمم الحصن بنو مرداس حکام حمص، واسكنوا فيه حامية كردية.
 1099  دخل الفرنج الموقع في حملتهم الأولى.
 1110  تانكريد أمير انطاكية الفرنجي يلحق الحصن بمنطقة كونتية طرابلس.
 1115  حاصر السلاجقة حكام حلب القلعة دون جدوى.
 1142  ريموند الثاني أمير طرابلس يسلم القلعة الى فرسان الاسبتارية ، الذين أعادوا بناء القلعة ، وصارت تسمى  باسم ( قلعة الفرسان).
1163  نورالدین زنكي حاکم حلب ، يلتقي جيوش الفرنج في سهل البقيعة المجاور ، لكنه يفشل في دخول القلعة.
 1170  زلزال قوى يدمر اجزاء من القلعة ومن أسوارها ،لكن الفرنج أعادوا بناءها وبناء الكنيسة.
1188  صلاح الدين يحاصر القلعة مدة شهر بعد معركة حطين أثناء مرور جيشه الى مدن الساحل السوري.
1202  زلزال جديد يضرب القلعة ، ويعاد اعمارها .
 1230  بناء برج القائد في الطابق العلوي.
1250  تشييد قاعة الفرسان الكبرى والرواق الذي يتقدمها .
1255  تشييد البرج الدفاعي عند المدخل الشمالي للقلعة.
1271  سلطان المماليك بيبرس يحاصر القلعة ، ويضربها بالمنجنيق مقابل السور الجنوبي في شهر آذار ، وينجح في دخولها في (8 نيسان / أبريل) ويسمح للحامية الفرنجية بمغادرتها.
1285  الملك الناصر محمد بن قلاوون ينشيء البرج المربع الضخم.
1330  انتهاء دور القلعة الاستراتيجي، بانتهاء حروب الفرنج.
1330  فترة إهمال طويلة للقلعة وتهدم بعض الأجزاء. بسبب الاهمال. 
 
 
ترميم القلعة
 من المنصف أن نشير إلى أعمال الحفر والترميم، التي استمرت منذ زمن الانتداب الفرنسي على سوريا عام (1934) التي أعادت لهذه القلعة روعة هندستها ، وهيبة عظمتها الأصلية . وفى عام (2006) ضمته منظمة اليونسكو إلى قائمة الثرات العالمي للانسانية.
 
 
 قلعة الحصن اليوم
 وتبقى قلعة الحصن ذلك الصرح الضخم الفارغ والمهجور، حيث تصفر الرياح في ممرات القلعة ، وتكويها اشعة الشمس، والعشب ينبت شيئاً فشيئاً بين حجارتها . والرطوبة تفتت بلاط خزاناتها . وعلى الرغم من ذلك فإن صالاتها وممراتها ، وأبراجها وجسورها ما زالت ملأى بعقود سليمة وكاملة، رائعة الهندسة.