الوطن وكابوس القبلية بقلم : مصطفى فرج الطبولي

الوطن وكابوس القبلية بقلم : مصطفى فرج الطبولي
الوطن وكابوس القبلية بقلم : مصطفى فرج الطبولي
 
مجتمع عفيف يستر عجزه بالسخرية ويبني على الوهم أبراجا من فتات الجهوية اللاإصلاحية، ليجمل الظن في قبو ذهنه العفن معتقدا بأنه قد بلغ قمم الطموح، ونسي أن الصروح تسقط على مشيّدها إذا ملأها بصديد الجموح، وأي جموح هو ذلك الجموح!، إقدام عبيط، على إرضاء أفراد القبيلة، وإن كانو يُغلفون تشوه الفكر بالعنان، والقوة، الضاربة على بطحاء غاية معلقة على صومعة سرابية، وهم يدركون ذلك، لكنهم يهرعون نحوها هروع الجائع إلى لقمة تأمّله في العيش على أرض وطنه!، وهي في الحقيقة يأكل جنباتها الفطر، والدود، فلا يكون المقياس عند أولئك العقلاء، والحكماء هو استقامة عصا النزاهة على قلب أحدهم، وإن كان أعوج النسب، مضمحل العِرق، فقط المهم عندهم أنه من قبيلته، ومن لحمه الملتصق على خواء عقله، ولو جلست مع أحد أولئك المتفاخرون ليحدثك عن تلك الشجرة متأصلة الجذور لوجدته كورقة خريفية ساقطة، وربما محلقة في هواء التيه، غائصة في رماد التخلف، إنما هو ذلك الدم الحار الذي يأكل جسده، المخلص لعصبيته الهوجاء، ولا يُرزق على ذلك الصراخ اللإردي سوى إلقام حنظل الفقر في حياته ولسع البرد لرداءة فكره قبل ملبسه، ثم يشبع العمدة الواهم، و الشيخ المُنقاد، من وجبات الوطن، ويتجشؤن على ماؤده الغنية، بما لذ وطاب، واشتهي، وحبب، ثم ينزل من ذلك الكرسي المزخرف بأحلام أبنائه، وهو يتبختر بحلته الذهبية، ليجلس قرينه، ويعاود كرة أخيه الجليل!!، ويطبل، الأفراد، ويزغرد شيوخ (القصعة) من جديد، أذكر مرة في إحدى القرى أفتى أمام المسجد بفتوة لا يستصيغها القلب فعارضه أحدهم فقال الآخر بعنفوان، وسخط، هذا إمام القبيلة الفلانية، ويقصد بذلك قبيلته لا يمكن أن يخطىء أبدا، لماذا؟؟، ربما لأنه مَلك، من انتقده ذل وهلك، لا لكنه إمام تلك القبيلة العريقة بعيدة الجذور سمحة النسب نحن لا نطعن في أصول القبائل، وانتمائاتها، لكن إن كان البارز من أولئك الأبناء شوكة فلا تقدموها لنا في باقة ورد، معطرة بكلماتكم الكريهة، الخانقة لأعناق الحداثة، الملطخة لبياض الرقي، ثم ينتظر أحدهم أن تتنفس المباني بالبهاء، وترتدي الطرقات الحرير، ونشرب الماء بالعسل، ونمشي على أرضها كإنسان ينبذ الخطل، ويقطف الازدهار  المشرق على ظهر التقدم، والحضارة، إن الوطن دائم العطاء لن تتزعزع جباله الشامخة، وسيظل مكرما لمن وطىء أرضه بذهبه الأسود، يعصره في حلوقهم كأم تسقي أبنائها، ولا تريد جزاءا، ولا شكورا، سوى أن يقوموها إذا سقطت، وارتعشت أطرافها، وإن كان ذلك الغِر ينثر على زرعه، جراد التعصب، ويسقي صحرائه، باسم القبلية، المقيتة، لكنّه بات يفقد أنفاسه من النعرات، يختنق من ذلك الكابوس الجاثم على صدره، وسيموت جزء فجزءا إن لم يوقظه الصاحون من أبناء وطنه الحاملين مشعل الإشراق  لكنهم نائمون ربما كسلا، وربما خجلا، وربما خوفا!، لا ندري لكننا نريد إخبارهم بأن شخيرهم يتنعم به رفقاء الجهل، الصاحون باكرا في كل حادثة تنهش بأنيابها النتنة جنبات الوطن، ربما يستيقظ أحدهم من أنين بلده المتحمم بدمائه، ثم ينام إلى الأبد إذا ما عُيب عليه بالزجر المريب، وكُوي لسانه بلهيب الحديد! وسُخر مما يتفوه به فيرونه كفصيح عليل، بين أصحاء متلعثمين، فيصبح ذلك الواعي بما يدور حول وطنه من دجل، ومجن، الذي في أنظارهم العمشاء ثرثار مريض!، يطمر لسانه بلثام السكوت، إذا ما صفعت أفكاره الزاهية كلماتهم المكبوتة في قعر الجحود، والتحيز، والقنوط!