أخبار عاجلة

د. علي زين العابدين الحسيني يكتب : نصوص تأملية

د. علي زين العابدين الحسيني يكتب : نصوص تأملية
د. علي زين العابدين الحسيني يكتب : نصوص تأملية
 
الفتى النبيه
 
في تلك الدقيقة رأيت فتى اقترب منا في جمعٍ من الرجال، فحيانا بتحية رجلٍ يبلغ من التشبع بأخلاق الكبار عتيا، ولم أعهد أن يسلم فتى صغير بهذه الحفاوة، وقد أخذ بيده يسلم على الجالسين واحداً تلو واحدٍ، فحامت عندي وقتها تباشير السرور وصنوف السعادة، وسألتُ عن حاله، فأسعدني ما عرفتُ منها، وأيقنت أنّ بهمة والديه في تنشئته التنشئة الصالحة بدت عليه مظاهر الخير، وتأصلت فيه أخلاق المروءة، وتآلفت فيه عوامل النبوغ، فأنتجت له مفاعيل النجاح.
 
 
صولة اللئيم
 
 لا تغرنك مسالمة اللئيم الذي يعرضُ لك صور أخطائك بحرصٍ تامٍ وعنايةٍ فائقة، ويوجه لك انتقاداته بدقةٍ عاليةٍ ناصعةِ الألوان، ويُعرض دائماً عن صور إنجازاتك، وإن اضطرّ للإعلان عنها ذكرها مشوشة، أو كصورٍ عادية، فيمرر كل نجاح حزته كأنه لم يكن، ولا يقف على ذلك كثيراً، هذا اللئيم لو كاشفكَ بما في نفسه لقال لكَ: أردتُ إيقاع الشرّ بك، واحترتُ في نزع كلِّ خيرٍ منك، فتكلمتُ عنكَ في غيابك، ودللتُ الآخرين على عيوبك، وحاولت ما استطعتُ تكتيم فيك، وتعمدتُ عن الناس حجبك، وأردتُ في هذه الحياة تهميشك، وأخفيت جميع إنجازاتك، وأحاول بأمورٍ فرعيةٍ إشغالكَ، وفي الأخير لم أستطع لقوة تأثيرك، وكثرة أعمالك، لكنّي أعدك أنّي لن أستسلم، وسأحاول، أجل رغم صعوبة الحياة وشدتها التي يمر بها الكثيرون إلا أنهم مدينون للحياة وظروفها بالشكر والعرفان، فقد تعلموا من خلالها الفاضل والأفضل، وتعرفوا على المهم والأهم، وميزوا بين اللئيم والمحب. 
 
 
ذاكرة الطّفولة 
 
تنتهي الصحبة في واقعنا المعاصر عبر وسائل الاتصال الحديثة بخروجٍ من المجموعات، أو بحذف الأرقام وحظرها، أو بتجاهل الرسائل وإخفاء الظهور، ولا خيرَ في طُرق كهذه تقطع طريق الصحبة، وتُفسد باب القرب، وتُبعد عن بيت المحبة. وللصحبة آدابٌ لا يلتفت إليها الكثير، فمن حق أصحابك عليك أن تشكر محسنهم، وتتجاوز عن مسيئهم، وتحفظ عهدهم، وتبالغ في ستر عوراتهم، وتسعى في حوائجهم، وتوقر كبيرهم، وترحم صغيرهم. وقد جرت العادة أن كلّ ما هو جديد ينبهر به غالب الناس إلا الصحبة القديمة أو الأصحاب وقت الطفولة، فصحبةُ الطفولة تجف فيها الأنانية، وتنعدم فيها الانتهازية، وهي الصحبة الباقية للشخص عبر الأيام، ورغم قدمها إلا أنها تبقى هي الأفضل والأجمل، وغالب الصحبة فيما بعد يداهمك الغدر والأذية من بابها، ولا تتأثر صحبة الطفولة بالمتغيرات الاجتماعية، ولا يدخلها الكثير من المشاحنات، ولا تسيطر عليها النزعات الشيطانية؛ لأنها قامت على النقاء، فأسست على الحب، وبنيت على الصدق، ومهما تقدم بالإنسان العمر فلن يجد أفضل من أصحاب طفولته، يسألون عنه في غيابه، ويقفون معه في محنته وشدته، ويُوصلونه حين يقطعهم، ويفتقدونه حين يسافر عنهم، ويتمنون له الخير كأنفسهم.