موت رجل كان يقرأ بقلم مراد ناجح عزيز

موت رجل كان يقرأ بقلم مراد ناجح عزيز
موت رجل كان يقرأ بقلم مراد ناجح عزيز
 
 
أخذت عيني من شاشة التلفاز وألقيتها في صدر جريدة ملقاة علي المكتب , لحظات قليلة هذه التي أعيشها وقد أحكمت قبضتها علي حديقتي , جففت أوراقها الخضراء وطاردت فرشاتها بعيداً وأنهَكت طيورها فِراراً من الموت , أجلس هنا بمفردي منذ أكثر من ثلاثة أسابيع , تعثّرت قدمي في أحد درجات السّلّم وسقطت علي الأرض وكُسِر ساقي , كنت أقفز علي السلالم وكأنّي طفل صغير , إنّه أول يوم أتأخّر فيه عن موعد عملي , عشرون عاماً يشعر باب الشّقّة بلمسات أصابعي في السابعة ونصف يوميّا , درجات السّلّم تُراهن علي أنّها تحفظ صوت خطواتي , وتميّزه  عن كل سكان العمارة , أوّل توقيع في الدفتر وآخر توقيع للإنصراف , قهوة الصبّاح تعانق شفتي كعاشق , ظل علي عهده بها سنوات طويلة , ثلاثة أسابيع , أتنقّل كسلحفاة , أتّكئ كعجوز علي عصا لم تفارقني , نظرات حانية تسكب الدماء في أوردتي , حقّاً إنّها ونِعْم الزوجة المخلصة , لم تتركني ساعة , لم تدع لمخيّلتي البحث عن وطن آخر , لم تخرج من فمها كلمة واحده تشعرني بضيق , دائماً ما كانت تقول : ( أنت عمود البيت ولا قيمة لنا بدونك ) , إنّها بارعة في مشاعرها فهي لم تُجْهد نفسها لتقول كلمة جميله , فقط كانت كلماتها دائماً جميله وتبعث بالأمل وتُعيد للحياة ربيعها , تصفّحت معظم أوراق الجريدة واحدة تلو الأخرى , وكدت أن أطويها وألقيها من يدي , فهذه أخبار سياسية وأنا لا أشعر براحة عند قراءتها ولا أعرف السبب , ولكن يبدو أنني السبب في ذلك , فأنا أميل كثيراً إلي العزلة والعلاقات التي لا تجمعها مصالح والحديث بأسلوب لا تغلّفه العبارات ذو البريق الخادع  , صفحات الأخبار الرياضية والفنية أيضاً لا أجدني مهتماً بالبحث عنها , أحب قراءة الأبراج , أخبار وهميّه ولكنّي أفسّر مابين سطورها لإسعاد نفسي , وأستعد لاستقبالها علي المدى القريب , حاولت جاهداً السيطرة علي رغبتي في الحركة ولكنّي فشلت , تحاملت علي نفسي حتى فتحت النافذة المطلّة علي الشارع الرئيسي , لقد تغيّر وجه الحياة كثيراً أو لعلّني أحسست بذلك , كل شئ هناك جميل بعيداً عن عُزلتي (طيور السماء , أطفال في عمر الزهور , أغنيات تحمل رائحة الأمل ) , حتى ظروف الحياة القاسية إلي جوار القيد تصبح لاشئ , فقط الحريّة هي من تسطّر التاريخ نحو حياة أفضل , عاودت تكرار تصفّح أوراق الجريدة مرّة أخري , هناك خبر يتحدّث عن موت رجل كان يقرأ في الجريدة , ضحكت كثيراً كأنّي لم أضحك من قبل أو كأنّي اكتشفت أنه يمكنني الضحك دون مجهود شاق , طويت الجريدة ووضعتها بجواري ورحت في نوم عميق .