قراءة تحليلية بسيطة لنصّ الشاعر والناقد والأكاديمي د.حمد الحاجي .. بقلم نادية الاحولي

قراءة تحليلية بسيطة لنصّ الشاعر والناقد والأكاديمي د.حمد الحاجي .. بقلم نادية الاحولي
قراءة تحليلية بسيطة لنصّ الشاعر والناقد والأكاديمي د.حمد الحاجي .. بقلم نادية الاحولي
 
نصّ مقطّع تفصل بين المقطع والمقطع جملة، تتكرّر، ذاك التكرار الحميد، تكرار يخلق توازنا موسيقيّا ورحيلا بين فصول القصّة بسلاسة، فالنصّ صور شعريّة تتعدّى الملموس إلى الخيال، والخيال يغرق في المعيش والملموس، نصّ يتحدّث عن المفرد الجمع وعن الجمع المفرد، عن الكل والكلّ هو الشاعر وحبيبته ينصهران في كل العشاق.
يستهل الشاعر نصّه بسؤال، اختار أن تكون الأداة فيه حرفا (الهمزة) أ عندك فضوة وقت؟ وهذا الحرف يحتمل الإجابتين القبول والرفض، ولقائل أن يقول لماذا لم يستعمل حرف الاستفهام "هل" والذي يحتمل ردّا واحدا، هل خاف رفضها وهو الذي عنون نصّه ب "وتجيبني: كل العمر لك" وهذا فيه ما فيه من الإقرار بأنّها وهبته كلّ العمر، وفي هذه الجملة الكثير، فنحن أمام واو ماهي بواو عطف ولا استئناف ولا قسم ولا معيّة ولا واو ربّ وووو بل نحن أمام واو الجزاء، وهنا يجعلنا نستبق الأحداث فقد جازته خير الجزاء، ونهرول إلى النصّ لنعرف جواب سؤال سكننا عمّا جازته؟، ويراوغ بنا من خلال الانزياح الذي طغا على كل فصول روايته القصيدة أو قصيدته الرواية إن صحّ لي أن أقول، 
هبيني عشيّة سبت... إذن الفضوة محدّدة، دقيقة في الزمان "عشيّة سبت"، أمسية سبت، وهذا الاختيار الزمني لم يكن اعتباطيّا، فهي الأمسية الخاصّة والمخصّصة للعشّاق، أو على هذا جبلت الذاكرة الشعبية، وهنا خاصيّة مخصوصة ببلد وهو عنوان الانتماء، هذا الانتماء الّذي طفا على كل القصيد، وإن جاء خاصّ جدا وفردي في بعضها، تحدّده اللغة التي اختارها في بعض المقاطع والتي تدلّ على خصوصيّة المنطقة التي ولد فيها وترعرع، وهو ما يوحي باستمراريّة الطلب واستمراريّة حالة العشق لديه مذ مراهقته، ولعلّ ورود الفعل بالعنوان "وتجيبني" الذي جاء في المضارع ليدلّ على الاستمراريّة في الزمان، وجاءت مدعماته في المكان من خلال " ضيعة الأهل، بائعة الخبز، نار القصب، على الفحم، سمانة، صحفة من خشب، أطهوه فوق اللهب، الروابي" وهذا القاموس البدويّ إن شئنا، يوحي بالتمسّك بالمكان، بتلك البساطة التي لا تشوبها شائبة، نقيّة كفؤاد عاشق، لم يطلب اثباتا لحبهما غير عشويّة سبت.
هذا عدا عن قدسيّة يوم السبت، إذ ورد في القرآن يوما مقدّسا، ولعلّ مسخ الله عزّ وجلّ اليهود قردة وخنازير لأنهم خالفوا أمره بأن اصطادوا فيه بعد ما جاءهم المنع، تدليلا على قيمته، وهنا نلاحظ انزياحا آخر للشاعر، ليحيد بنا من المرئيّ والظاهر إلى المبطن، فهو لا يريد أن يمسخ مسخ الأولين، بل إنّه وهبها قلبه، ولا يرجع الحرّ فيما وهب، وهنا تذكير لها وهي من أجابته بما أجابت، فألزمت نفسها بأن تهبه كلّ العمر. وهنا مفارقة أخرى وكأنّ عشويّة السبت تساوي كلّ العمر، فيختزل الزمن في تلك الفضوة من الوقت، وإذ كرر شاعرنا سؤاله ست مرات أعندك فضوة وقت، وجاء السابع بنص الحرف عشيّة سبت، ليتمّ سبع أيام الأسبوع، وهنا اكتمل كلّ الوقت، وإذ يتكرّر اللقاء زمانا ومكانا، فلا ريب من جوابها، إذ ما جزاء الاحسان إلا الاحسان، وإذ وهبها كل وقته وهبته كلّ العمر.
              -----------------------------------------------------
==========  وتجيبني:  كل العمر لك    ==========
أعندك فٓضْوَةُ وقتْ؟
بعَشْوٓةِ سبتٍ..
أواعِدْكِ في ضيعة الأهل… في عزبٓةٍ من عِزَب
أنا كالمزارع وحدي بحقل الهوى والغرام
ألون وجهي بكف السماء وقحط الرجاء
فأرضي يٓبٓابٌ كأنّ السّحاب بها لم يَصُبْ
أعندك فٓضْوَةُ وقت؟
لتحجبنا في الدروب
وفي زحمة العاشقين حواشي السحب
أعندك فٓضْوَةُ وقت؟
نمرّ ببائعة الخبز
نأخذ سُخْنٓ الجٓرٓادِقِ من تحت نار القصب
وننقعه في الزيوت
وألمظ من أصبعيك بقايا العسلْ
وأحدثْكِ عن قصة العاشقين بأحلى الكتبْ
أعندك فٓضْوَةُ وقت عشية سبت؟
سأشوي على الفحم سمانةً
وأُمَلِّحُها وأقدّمها لك في صحفة من خشبْ
أعندك فٓضْوَةُ وقت؟
سأحضر تبغي ونرجيلتي..
وأعدّ لك الشاي…  أطهوه فوق اللهب
وعند المساء سأدعوك للرقص فوق الروابي..
على وقع دقات قلبي…
وإن شئت نامي بحضني… لكل امرئٍ ما أحَبْ
أعندك فٓضْوَةُ وقت؟
هبيني عشية سبت…  فإني
وهبتك قلبي وهل يَرْجِعُ الحُرُّ فيما وَهَبْ
 
 
* لوحة الرسّام الأميركي دانيال ريدجواي نايت، 1839 – 1924..