راجي بشاي يكتب : التنوير (قصة و للا مناظر)

راجي بشاي يكتب : التنوير (قصة و للا مناظر)
راجي بشاي يكتب : التنوير (قصة و للا مناظر)
هقول و أعيد و أكرر لعاشر وألف مرّة  .. ماعندناش تنوير في مصر ..اللي عندنا حالة اعتراض خاصة و ليست عامة من بعض المثقفين .. على بعض (و ليس كل)  ماجاء في التراث السلفي العدائي غير الإنساني بالمرة .. التنوير في مصر  يقتصر فقط على جدال من حين لآخر حول الفكر الديني السلفي و بصراحة ده تنوير غير واعي وغير ناضج ومرتعش .. أنا بحب أسميه إدعاء التنوير (مناظر).
التنوير الحقيقي هو اللي يجرؤ يناقش بحرية قضايا فلسفية .. قضايا دينية شائكة يفضل الكثير أن يدفن رأسه في الرملة زي النعامة و ميناقشهاش .. أيضا قضايا وجودية أو يطرح للنقاش أي فكر جديد ويدعم الإبداعات المجازفة ولو في عمل درامي (زي مسلسل تحت الوصاية للمبدعة لمني زكي) ويبقى عنده الشجاعة  والقوة يبني ثقة بينه وبين القارئ علي مستوي السوشيال ميديا أو القارئ العام في الشارع المصري لأن هدفه الأسمي هو الخروج بالشعب من ظلمة التخلف والجهل والانسحاق إلى النور والفهم والإدراك (قصة).
بلا أدني شك ما يحدث حالياً ليس بتنوير .. هو محاولة لتحريك الماء الراكد و يقتصر ذلك على مجموعة من الأصدقاء لهم نفس المشاركات و موافقين على آراء واعتراضات بعض!! هنا لازم نطرح سؤال مهم فعلاً: هو التنوير دا مين المقصود بيه ..؟! مين الناس اللي المفروض نوجه لهم الرسالة ؟!
طب بذمتكوا دا حال بلد فيها مثقفين ومفكرين وفلاسفة و أدباء ومبدعين أحرار !! حال الشارع  بيزداد سوء يوم عن يوم و بيتشبث  أكثر و أكثر بأوحال السلفية الوهابية باعتبارها الدين في الوقت اللي فيه السعودية اللي هي مهد الوهابية نفضت عن نفسها تراب الماضي المقيت و انطلقت إلي المدنية في أروع صورها زي ما كلنا شايفين و لسه هنشوف أكثر و أكثر  .. يبقي إحنا عندنا تنوير ..؟!
نقطتين مهمين أحب أوضحهم:
١- قليل ما هتلاقي تنويري مسيحي لأن المسيحي ماعندوش أزمة يعاني منها في كتابه أو تراثه تنكد عليه وعلى عيشته وتنكد على اللي حواليه وعلى بلده أو تخليه يحاول يفرض علي اللي حواليه اللي هو مقتنع بيه و إن وجد هتبقي مناقشات دينية في تطبيق العقيدة و ليس في مفهومها لأنه ثابت و راسخ في قلوب و عقول كل المسيحيين بكل طوائفهم ..
٢-  صحيح إن بعض بس مش كل إخواتنا المسلمين فاهمين التراث السلفي أكتر مننا بحكم المرجعية  الدينية (رغم  أن الإنترنت و الحاج جوجل و الميديا النهاردة وضحت كل شيء).. بس متنسوش أبداً إن إحنا اللي دفعنا و لسه بندفع ثمن هذا التراث السلفي ..أحنا أول المتضررين و المستهدفين من فكر السلفية المحرض على تفعيل الكراهية والعنف وأعمال التخريب والتغرير والذبح علنا لمجرد اختلاف المرجعية الدينية و لكم في أقوال عبد الله الشريف و عبد الله رشدي و سالم عبد الجليل و المرحوم الدكتور عمارة خير دليل علي ذلك.
كده واضح جدا إنه لازم يكون رفضنا للفكر المخرب هو من منطلق تضرر حقيقي وشديد ومقصود مش مجرد آراء أو حوادث فردية من بعض المتشددين .. ده كما يقال عقل جمعي علي مدي الخمسين سنة الماضية تم ترسيخ التعصب المقيت في عقول و قلوب الكثيرين و زرع فكر رفض و تكفير الآخر .. وأظن كده و بنظرة متواضعة  للشارع المصري البائس المغلوب علي أمره تقدروا تجاوبوا  على سؤال مهم ..هل نجح مايطلق عليه تنوير في مصر؟
يا ريت نعرف و نتأكد كويس أوي إنه يوم ما هيحصل تغيير جذري حقيقي لخلاص وحرية هذا الشعب هايكون تلقائيا يا إما من تحت أوي .. من القاع المفروم والمنداس عليه من ضغط السلفية الوهابية التعيسة ومن سخرية وتعالي مدعي التنوير والثقافة اللي انتشرت في الفترة الأخيرة مقالاتهم و بوستاتهم حول التنوير ,  و الغريب إنها بتنتقد الأشخاص لا الأفكار ,  وده بيسقط عن التنوير نسبيته زي ما هنوضح  .. أو من فوق أوي .. من قمة القيادة السياسية زي ما حصل في السعودية و لكني استبعد الإحتمال الثاني في الوقت الراهن لأن للأسف فاتورة وقوف السلفيين بجوار ثورة ٣٠ يونية لا تزال تسدد إلي الآن و خير دليل إستمرار حزب النور السلفي إلي الآن و عدم حله و حظره طبعا إلي جانب الفتاوي التكفيرية و إزدراء الآخر من شيوخ السلفية و اللي طبعاً الدولة بتتعامل معاها بمبدأ شاهد ما شفش حاجة!!
نرجع تاني و نقول .. الحقيقة ان المثقفين اختلفوا في تعريف التنوير , و أنا هنا هعرف التنوير بصفاته وهي ببساطة:
١- نقد الأفكار والمعتقدات السائدة في مجتمع ما , و الأفكار و المعتقدات اللي هي السبب في التدهور و الانحطاط الإجتماعي و الأخلاقي و الثقافي لهذا المجتمع بجانب طبعاً التعصب المقيت و دعاوي التكفير و نبذ الآخر.
٢- الدعوة لحرية الفكر و الرأي و العقيدة و تَقبُل الآخر و نبذ العنف و الإرهاب و الإقصاء بكل صورة .. الإقصاء بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو العرق ....الخ.
٣ - التنوير نسبي و مش مطلق زيه زي كل شيء في هذا العالم , التنوير لو تحول إلى مطلق .. كده يبقي دين و عقيدة مثلها مثل أي دين و عقيدة.
يعني ايه ان التنوير نسبي؟ , يعني اللي كان تنوير في زمن ما , يمكن أنه ميكونش تنوير في زمن آخر .. فمثلاً , الإمام محمد عبده كانت أفكاره تنويرية بالنسبة لزمانه , و كذلك طه حسين , و كذلك العقاد , و كذلك فرج فودة , و كذلك سيد القمني , و كذلك يوسف زيدان , و نفس الكلام بالنسبة لتنويريين أوروبا , مثل كانط , ديكارت , سبينوزا , فولتير , فهم تنويريون في زمانهم ,
و إن كانت أفكارهم غير صالحة جزئياً لزماننا , و ده طبيعي و مفهوم ..  التنوير ظاهرة مجتمعية , و تتطور بتطور الأزمان , اللي كان فكرة تنويرية بالأمس صار أمراً عادياً معتاداً عليه في الآن , زي مثلاً عمل المرأة وحقوقها القانونية , مثل المواطنة (اللي عليها مليون علامة استفهام و تعجب في مصر؟؟!!) و مثل إلغاء العبودية .... إلخ.
ما تقدرش تلوم الأشخاص التنويرين السابقين و الحاليين , على بعض آرائهم , مفيش تنويري خالص كل أفكاره صحيحة , فطبيعة الإنسان هي الصواب و الخطأ , و لكل جواد كبوة كما يقولون , و أيضا متقدرش تحكم على مواقفهم من مائة سنة بمفهوم اليوم , اللي قاله طه حسين من تسعين سنة كان طفرة في زمانه , فإذا انتقدته فعليك وضع اعتبارات الزمان و المكان في حساباتك عشان نقدك يكون مفيد و مش مجرد شخصنة و لا طلب للشهرة.
عمرك ما شفت ريتشارد دوكنز يهاجم باروخ سبينوزا , و لا سام هاريس ينتقد فولتير , لأنهم فاهمين أفكارهم , و أنها نسبية لزمانهم ومكانهم , و أنها بنت الظروف التي عاشوها و المجتمعات التي نشأوا بها , ولكن الكثير من مدعي التنوير والثقافة , هم بكل أسف معندهمش أدوات النقد من لغة و منطق سليم و , فكانت النتيجة هي مجرد ادعاء أنهم لقوا نقاط ضعف أو عيوب في اللي قالوه التنويريين اللي قبلهم, و انشغلوا بالأشخاص بدل الأفكار , وصار همهم الأكبر هو القفز على قمم ثقافية و فكرية , أثرت في التنوير في مصر تأثير عميق في زمانها و مكانها , يمكن بيعملوا كده لأسباب نفسية , رغم جهلهم الواضح باللغة العربية اللي هي لغة الخطاب و الثقافة اللي بينتقدونها و بيفندونها بحسب زعمهم!!
و المثير للغثيان و القرف أن أصحاب هذا الخطاب الإنتقادي من مدعي التنوير بيتهموا قامات عظيمة زي طه حسين و الإمام محمد عبده , بالخوف من المجتمع رغم ما أعلنوه جهاراً من انتقاد للكثير من التشدد الديني المقيت , في حين أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم ,  بيخافوا يهاجموا الفتاوي الدينية المثيرة للجدل و بيمسحوا جوخ كويس أوي للقيادات الدينية و طبعاً عشان ميلبسوش قضية إزدراء أديان
- تعالوا مع بعص نختم مقالنا بمعرفة الفرق بين مدعي التنوير و التنويري الحقيقي :
مدعي التنوير (مناظر): يهاجم و ينتقد دائماً أشخاصاً مثل الإمام محمد عبده , علي عبد الرازق , طه حسين , نجيب محفوظ , يوسف زيدان , بالرغم من أن كل هؤلاء الأشخاص ما بيمثلوش عقبة و لا حاجز أمام تنوير الشعب المصري .. حتى و إن اختلفت معهم في بعض الأراء! .. لكن العقبة الرئيسية أمام التنوير هم بعض القيادات الدينية الكبري بكل أسف و بعض المتشددين أمثال عبد الله رشدي , سالم عبد الجليل , أحمد كريمة ، مبروك عطية ، أحمد سبيع ....إلخ , عمرك ما هتلاقي مدعي التنوير ينتقد و يهاجم هؤلاء أبداً , هو مش عايز مشاكل , هو عايز بس يقفز فوق أكتاف كبار المثقفين , و هو فاكر إن ده هيخلي ليه قيمة في المجتمع!
التنويري الحقيقي (قصة) : هو الذي ينتقد سلبيات قمم القيادات الدينية و السياسية, و يهاجم المتشددين أمثال عبد الله رشدي , عبد الله الشريف ، سالم عبد الجليل , أحمد كريمة ، مبروك عطية ، أحمد سبيع و غيرهم من دعاة التخلف و الخرافة و الإرهاب , التنويري الحقيقي هو اللي تركيزه على الرموز الإسلامية و المسيحية من دعاة التطرف بدون محاباة أو تحيز و مش على رموز المثقفين والتنويريين السابقين
التنويري الحقيقي يضرب في الصميم , فهو يريد توصيل رسالته لكل الناس لا أن يتكبر عليهم و.يطنطن بكام كلمة إنجليزي علي فرنساوي عشان يبان إنه مثقف!. 
في النهاية أتمنى أن الناس تفهم معنى التنوير  , و ميبقوش زي القطيع وراء كل واحد يدعي الثقافة والتنوير .. يا ريت ما تخرجش من قطيع الدين عشان تدخل في قطيع آخر تحت مسمى التنوير , من فضلك إرفع مستوى وعيك و ثقافتك و منطقك , عشان تعرف الأمور على حقيقتها و تقدر تفرق بين ما هو تنوير حقيقي و ما هو إدعاء التنوير!