د. صلاح هاشم يكتب: لماذا لا نَشعُرُ بالإنتِمَاءِ ..؟!

د. صلاح هاشم يكتب: لماذا لا نَشعُرُ بالإنتِمَاءِ ..؟!
د. صلاح هاشم يكتب: لماذا لا نَشعُرُ بالإنتِمَاءِ ..؟!

قام أحد المواقع الاليكترونية باستطلاع رأى الشباب المصرى حول رغبة أحد المصريين المغتربين فى إنهاء تعاقده  بدول الخليج والعودة إلى مصر .. فجاء أكثر من 90 % من التعليقات ب ـ " لا " أوعى تتهور " خليك عندك " حقيقى كانت إجابات صادمة بالنسبة لي، فاضحة لمشاعر الإنتماء لهذا البلد العظيم ،تلك المشاعر التى لا تقوم بلد ولا تتقدم بدونها؛ فتسأءلت، إذا كان ذلك تجاه دول الخليج .. فما بالنا إذا كان الشاب مغترباً فى أوربا " بلاد الجن والملائكة ..؟!بالإضافة إلى أن  مصر تعد من أكثر الدول التى يطلب شبابها الهجرة إلى  دول أوربا وأمريكا..؟.. فتسأءلت مع نفسى وأردت أن أتسأءل معكم عَبَرَ هذا المقال: لماذا صِرنَا هكذا ..؟ وهل نحن فعلاً لا نشعر بالإنتماء لهذا الوطن .. ولماذا..؟! أم أن مواقع التواصل الاجتماعى صارت خادعة، ككل شيئ يُحِيُط بنا ..؟!

فبعد ثورة 25 يناير.. ترددت عبارات إجتماعية عديدة .. أشدها خاطراً عبارة " أن الثورة ؟ أخرجت من المصريين أسوأ ما فيهم ،أو أنها أظهرت الوجه القبيح للإنسان المصري .. وسواء اتفقنا مع هذا العبارات أم لم نتفق فلابد أن نعترف بأننا لدينا أزمة قوية فى الانتماء .. وإذا كان الإنتماء دافع غريزي.. فإن قسوة الدولة فى التعامل مع قضايا مواطنيها، عادة ما تدفعهم للإنتماء إلى جماعات غير مشروعة؛ ربما تنجح ببراعة فى تحويلهم إلى مواطنين ضد المجتمع ..!

 فمحور الأزمة لدى المواطن غالبا ما تتعلق بعلاقته بالسلطة وربما بثقافة المجتمع الذى يعيش فيه .. فالإنسان بطبيعته لا يستطيع العيش دون الانتماء لجماعة او لمجتمع .. ومن ثم فأكبر عقاب للمجرمين هو حرمانهم من الاستمتاع بالحياة الاجتماعية. فالإنسان لا يستطيع أن يجد للحياة معنى إلا إذا أعطى من نفسه للمجتمع الذى يعيش فيه ..!

وإذا كانت الحياة فى وطن والانتماء إليه تتطلب من الوطن أن يوفر لأبنائه ثلاثة مزايا هى القوة والكرامة والأمان .. فلا غرابة أن يشعر الأفراد بالانتماء للوطن الذى يمنحهم " القوة " ولا يشعرون فيه أمام السلطة بالضعف وقلة الحيلة والاستهانة بكرامتهم . والتى غالبا ما تكون جميعها نتائج حتمية لفساد السلطة أو لأجرام السلطات العمومية؛ بدعوى الحفاظ على الاستقرار .. الذى لا يعد أكثر من رماد تحته نار تنتظر الاشتعال ..!!

ولعل هذه هى وجهة نظر عالم النفس " أدلر" أما " فرويد " صاحب مدرسة التحليل النفسي فيرى أن الشعور بـ" اللذة " أو "المتعة "هو المحرك الأساسي للسلوك البشرى ، وأن الانسان عادة ما ينتمي للمكان الذى يتلذذ فيه ، ويشعر بأن الانتماء إليه نعمة والحياة فيه متعة .. فعادة لا ينتمي الانسان إلى"وطن " يُكدس أرصدة  "الدموع " فى أحداق أبناءه ..!!

ورغم منطقية أن يكون الشعور بالسعادة والقوة هو المحدد الأساسي للشعور بالانتماء ، إلا أن " فرانكلين " يرى أن الإنسان عادة ما ينتمى للوطن الذى يشعره بأن لحياته فيه " معنى "..!! ويرى أن الشعور بالمتعة لا يدفع للانتماء بل ربما تكون " المتعة " هى النتيجة الطبيعية للانتماء .. وأن القوة ليست هى الغاية من الشعور بالانتماء بل هى الوسيلة إليه.. ومن ثم فإن المجتمع يفقد استقراره،  ويتحول إلى الحالة المَرَضِيَة عندما تصبح الغلبة فى الانتماء إليه للقوة والمتعة .. وإذا كان هناك أفراد لا يشعرون بأنهم يعملون إلا إذا كان للعمل مقابل مادى ، فإنه لا يكون لحياة الانسان " معنىً " إلا إذا تحرر من " الاحتباس" فى ذاته إلى " الإنعتاق " خارجها . وبقدر ما يمنحه للمجتمع دون مقابل ..!!

وغالبا ما يتحقق ذلك من خلال رغبة الإنسان فى التطوع لخدمة المجتمع الذى يعيش فيه .. ومن ثم فإن فتح المجال للتطوع هو حق أصيل من حقوق الانسان التى يجب أن تكفلها الدولة لكل مواطن؛ كى يعبر من خلاله عن مشاعر الانتماء التى بداخله؛ وذلك بتفاعله مع قضايا المجتمع.. فيتحول المجتمع  تدريجياً إلى " كحلةٍ " بعينِ كل مواطن ، أو " كائن " يعيش بداخله ..!!  ولهذا فإن قيام الدولة بفرض قيود على التطوع يَعَد محاصرة لحرية الضمير وانتهاكاً متعمداً لحقوق الانسان وتدميرا شديداً لمشاعر الانتماء .. والذى قد يتسبب فى خلق أزمات و كوارث، ربما لا تقوى الدولة نفسها على مواجهتها ..!

 ومخطئ من يتصور أن " دخل الفرد " المعيار الأهم فى تحديد مشاعر الانتماء ؛ فأكثر الدول تحضراً ومدنية هى أكثرها فى معدلات التطوع . وأن الانضمام إلى المنظمات التطوعية فى أمريكا لا يقل كثيرا عن معدلات  التطوع فى الجيوش العربية.. فرغم أن أمريكا بلد يقدس " الرأسمالية " إلا أنه من كل 4 أشخاص شخص يُفني جزءاً من حياته فى التطوع. حتى تجاوز مجموع ساعات العمل التطوعى الـ 8 بليون ساعة .  كما تجاوزت الموازنة السنوية للجمعيات التطوعية الـ 1.5 تريليون دولار .. أى ما يعادل 10 % من الدخل القومى الأمريكى . ورغم أنهم متهمون بـ" العلمانية "  إلا أن المنظمات الدينية تحصل على ما يزيد على 35% من مساهمة المواطنين فى النفع العام ..!!

وفى مصر .. رغم التسهيلات التى قدمتها الدولة لإنشاء الجمعيات الأهلية حتى تجاوزت أعدادها 54 ألف جمعية أهلية .. فقد وضعت الدولة " عراقيلاً " عديدة تحول دون قيام هذه الجمعيات بمهامها التنموية والاجتماعية. وأصبح المتطوعون مطاردون " أمنياً"   وموصومون بـ" الخيانة " كما أنهم مهددون بالمطالبات " الجنائية " ..!! وبين يوم وليلة يدفع المتطوعون الشرفاء ثمن انتمائهم .. وربما يُزَج بهم فى السجون،ويعد القانون رقم 70 لعام 2017 شاهدا على رغبة الحكومة فى تدمير حق الإنسان فى التطوع لخدمة الوطن الذى يحبه ويشعر بالانتماء إليه .. وعلى السيد الرئيس أن يتدخل لإيقاف هذه المهزلة التاريخية ، والجريمة التى ترتكتب فى حق المجتمع المدنى ، الذى هو شريك أساى للدولة فى التنمية، وتعد حرية الحركة بالنسبة له دليلا دامغاً على سير الدولة فى دروب الديمقراطية، وبالشراكة والتكامل فى السياسات والجهود تصبح مصر قادرة على اللحاق بقطار النهضة والتنمية   ..!!

 

 

   د. صلاح هاشم

Sopicce2@yahoo.com