( لماذا لم تقاضي أي دولة عربية إسرائيل أمام محكمة العدل ودولة جنوب افريقيا هي من فعلتها ؟!! ) بقلم دكتورة / مريم المهدي

( لماذا لم تقاضي أي دولة عربية إسرائيل أمام محكمة العدل ودولة جنوب افريقيا هي من فعلتها ؟!! ) بقلم دكتورة / مريم المهدي
( لماذا لم تقاضي أي دولة عربية إسرائيل أمام محكمة العدل  ودولة جنوب افريقيا هي من فعلتها ؟!! ) بقلم دكتورة / مريم المهدي
 
   إن هناك إيجابية هي الاهم علي الاطلاق  متمثلة في أن دولة  جنوب أفريقيا هي التي رفعت الدعوى القضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية ، وسط ازدياد التساؤل: " لماذا لم ترفع أي دولة عربية القضية ؟ "
   الإيجابية نابعة من كون جنوب أفريقيا دولة غير عربية، مما يظهر أن القضية ليست مجرد طرف عربي ضد طرف إسرائيلي، إضافة إلى أن جنوب أفريقيا لديها خبرة            وتجربة مهمة جدا في مسألة اللجوء إلى القانون الدولي , إلا أن ذلك لا يمنع صفة السلبية والاستغراب من عدم استنفاد الدول العربية كل الأدوات القانونية والدبلوماسية 
المتاحة من أجل الحصول على الحقوق العربية. 
 
 
 
  * اسباب عدم لجوء الدول العربية إلى محكمة العدل الدولية : 
  هناك اسباب اهمها أن الولايات المتحدة مارست في الماضي ضغوطا كبيرة على الفلسطينيين حتى لا يذهبوا إلى القانون الدولي، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك اوباما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس _ عندما اتجهت فلسطين للحصول على العضوية الدائمة في الأمم المتحدة   من أجل عضوية منظمات دولية والدخول في اتفاقات دولية- "أنت كمن يستخدم قنبلة نووية". وهو بذلك يقصد أن هناك تحفظات أميركية خطية ورسمية لإسرائيل للعمل على منع الفلسطينيين والعرب من اللجوء إلى القانون الدولي والمنظمات الدولية، ومنع عضوية فلسطين حتى في الأطراف الدولية.  وبالعودة إلى موضوع اليونيسكو -على سبيل المثال- ومنظمات أخرى، سنجد أن الولايات المتحدة قامت بالانسحاب منها وتجميد عضويتها فيها ردا على قبول المنظمة عضوية فلسطين، وبالتالي تقدم واشنطن أيضا الحماية القانونية والسياسية لإسرائيل، وليس الدعم العسكري فقط.   
 
 
   محاولة سابقة :
 انطلاقا من ذلك ، مارست أمريكا ضغطا كبيرا على الدول العربية حتى لا تلجأ إلى القانون الدولي أو المنظمات الدولية, الا أن أوباما وافق في نهاية عهدته على طرح  مشروع قانون يدين المستوطنات، وهو القرار الذي صدر برقم 2334 وكانت قدمته مصر,في وقت حاول فيه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب _ الذي كان قد فاز  بالانتخابات ولم يتسلم موقعه بعد - أن يقنع إدارة أوباما بأن ترفض القرار وتستخدم حق النقض ( الفيتو )، لكن إدارة أوباما لم تستجب. 
   فطلب ترامب في ذلك الوقت من الرئيس عبد الفتاح السيسي -الذي كان على علاقة سيئة مع إدارة أوباما- أن تسحب مصر مشروع القرار، مقابل وعد بأنه ستكون هناك       محاولة لحل شامل للقضية الفلسطينية وتحسين العلاقات الأميركية المصرية. أن عدم لجوء الدول العربية إلى محكمة العدل الدولية راجع للضغوط الأميركية بالدرجة          الأولى.
   * ما معنى أن تكون دولة جنوب أفريقيا هي التي تقاضي إسرائيل أمام محكمة العدل في لاهاي بتهم الإبادة الجماعية والعرقية ، وارتكاب جرائم حرب ؟ !
           كما يعرف الجميع ان  جنوب أفريقيا ليست دولة عربية أو مسلمة. هي لا ترتبط بأغلبية الدول العربية بأي علاقات خاصة من الناحية الاقتصادية والثقافية، ولا جذور تاريخية بيننا كما هو الحال مع بلدان مثل: السنغال، أو مالي، أو تشاد. كما هي أيضًا ليست في صراع مباشر مع إسرائيل إذ لا حدود بين البلدين ولا مشاكل عالقة بينهما.
 
 
  * البعد الاول : مظلومية الهولوكوست :_
 
  لقد استند الكيان الصهيوني بالأساس على المظلومية التي تعرض لها اليهود علي يد هتلر، وهي حقيقة تاريخية . لكن السؤال كان وسيبقى هل  مظلومية اسرائيل  تعطيها الحق أن تكون ظالمًة وتبيد شعب فلسطين ؟ ، خاصة بعد أن استولوا واحتلوا  أرضهم بالقوة ؟
    إذن ما مغزى تصرف جنوب أفريقيا وهي تبدو- أكثر حنوًا على العرب من العرب؟ للردّ على هذه التساؤلات المحيرة من  الضروري البحث عما يفرق بين إسرائيل          وجنوب أفريقيا. وذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي.
   أن الفهم العميق لمبادرة جنوب أفريقيا لا يمر بمعرفة الفوارق، وإنما بتذكر القواسم المشتركة  وذلك من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي.
    ربما ليس من باب الصدفة أن قوانين الفصل العنصري التي عرفها العالم تحت اسم الأبارتايد سُنت في جنوب أفريقيا سنة 1948، أي سنة قيام دولة إسرائيل.
 
    * لكن ما ليس من باب الصدفة كل القواسم المشتركة بين الدولتَين وهما وليدتا التاريخ نفسه، والأيديولوجيا نفسها وآليات الحكم نفسها، وأساسًا على النحو التالي:
    1_ استملاك أرض الآخرين بالقوة واحتلالها، وذلك في إطار التمدد الاستعماري الأوروبي، إلى كل قارات العالم، ابتداءً من القرن السادس عشر.
    2_  اعتماد أيديولوجية دينية عنصرية لتبرير الغزو والاستيطان وإعطائه شرعية يتمسك بها المستعمِرون ويرفضها المستعمَرون.
    3_اتباع سياسة الإبادة الجماعية والتهجير للاستحواذ على أراضي السكان الأصليين، أو وضعهم في حصار دائم  يمكن من مراقبتهم وتسييرهم عن بُعد دون التكفل               بحاجياتهم المادية، فما بالك باحترام حقوقهم الإنسانية.
    4_ إنشاء واقع حرب دائمة مع السكان الأصليين ومع دول الجوار؛ لفرض سيطرة يجب أن تكون كاملة ونهائية.
    5 _ خلق مناخ مسموم داخل المجتمع مبني على القوة والاضطهاد والاستعلاء للمنتصرين، وعلى التحقير والإذلال المقموعين.
      بين الستينيات والتسعينيات- كانا  لا نفرق بين إسرائيل وجنوب أفريقيا لتشاركهما الوثيق في هذه الخصائص. لذلك لم نكن مندهشين بمستوى التعاون بين الدولتين الذي         كان يقال آنذاك؛ إنه يشمل السلاح النووي، أو أن نفس الدول الاستعمارية القديمة كانت تدعم الدولتَين بالكيفية نفسها.
 
     ثمّ وقعت القطيعة المطلقة في بداية التسعينيات عندما اتخذت جنوب أفريقيا مسارًا، وإسرائيل المسار المعاكس. فبينما كان مانديلا ودوكلارك يتفقان على إنهاء نظام الأبارتايد، وبناء دولة قانون ومؤسسات- لشعب من المواطنين بغض النظر عن أصولهم العرقية والدينية وإحلال السلام في الداخل ومع الجوار الأفريقي- رأينا شخصًا مثل       ( بنيامين نتنياهو)  ومن معه من اليمين، ثم اليمين المتطرف، يتصدون لكل الحلول السياسية لاسترداد حق الفلسطينيين ؛ ومنها إقامة الدولتين، ثم رأينا سياسة الانتحار   الأخلاقي والسياسي عبر التوسع الاستيطاني والحصار والحروب المسترسلة التي أوصلتنا للكارثة الحالية. 
  حكماء جنوب افريقيا (المناضل العظيم  مانديلا ) :_
   عندما نتفحص المسارين نرى بالبصر والبصيرة الفرق الهائل بين حكماء جنوب أفريقيا- وعلى رأسهم العظيم مانديلا- عندما وفروا على جنوب أفريقيا وأفريقيا حمام دم،       وبين الحمقى الخطيرين من نوع نتنياهو,  وبن غفير , وسموتريتش , الذين يتسببون لبلادهم بالمثول في لاهاي بتهمة الإبادة الجماعية، وجرائم حرب.
 
 
 
    *  لماذا هي محاكمة غير مسبوقة؟ :
 
    في المحصلة يمكن القول؛ إن جنوب أفريقيا لا تتحدث في هذه المحاكمة باسمها، وإنما باسم قيم ومبادئ واسس مكّنتها من عبور أصعب المحن التي يمكن أن تدمر            مجموعتين بشريتين وضعتهما الأقدار وجهًا لوجه. اسس وقيم نحن اليوم بأمسّ الحاجة إليها؛ وهي  الأكثر ضمانًا لتحقيق العدل السلام- بالنسبة للفرد وللشعوب- من احترام    حق الفرد في الحياة والوجود والعيش بامان وكرامه .. ؛ أنه لا أخطر على إنسان وعلى شعب من قتل الابرياء واحتقارواضطهاد الآخرين والتعدي على حقوقهم .
   نحن لسنا أمام دولتين متنافستين، وإنما أمام مدرستَين في السياسة، حيث يمكن ذلك أن يفتح أبوابَ جهنم على الجميع؛ وهي مدرسة إسرائيل، والأخرى وهي مدرسة جنوب      أفريقيا.
    هذا ما يجعل من هذه المحاكمة شيئًا غير مسبوق في التاريخ المعاضر، والخياران  موضوعان أمام البشرية ودول العالم : أي مستقبل نحاول صنعه والذي ترمز له جنوب أفريقيا أو الذي ترمز له إسرائيل ؟  لذلك يجب أن نتوقع أن الخيار الذي ستنتصر له المحكمة مؤهل لأن يكون مرجعًا قانونيًا ودرسًا سياسيًا، وربما يكون تحذيرًا لكل من يتصور أن المثال الإسرائيلي يمكن أن يكون الحل الأمثل .
 
البعد الثاني: مغزى المحاكمة علي صعيد ابعد من حرب غزة:
  إسرائيل لا تمثل أمام محكمة لاهاي في قضية تنازع على حدود بحرية أو برية، وإنما بسبب تهمة الإبادة الجماعية والعرقية. إنها تهمة رهيبة ومشينة لأي شعب، لكنها تصبح أكثر فظاعة عندما يتهم بها شعب عانى هو الآخر من محاولة إبادة جماعية ما زالت إلى اليوم وصمة عار في جبين البشرية، وأقصد بالطبع المحرقة اليهودية التي حصلت في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية والتي أدت لقتل ستة ملايين يهودي في ظروف لا أبشع ولا أحقر منها. 
 
  المشكلة الكارثية أن أغلبية الإسرائيليين لا يتصورون العذاب الهائل الذي تسببوا فيه للفلسطينيين منذ نشأة دولتهم عام 1948، هم  يوقفون التاريخ عند 7 أكتوبر طوفان  الاقصي  ,لا يهمهم ما سبق من سنين فظاعات نظام الأبارتايد والاحتلال في الضفة الغربية ولا فظاعات حصار غزة، ولا فظاعات التدمير الممنهج للقطاع، وما تسبب فيه من ثلاثين ألف قتيل وخمسين ألف جريح، أغلبهم نساء وأطفال. 
  لم يعلم العالم بوجود ( مئات من الأطفال المساجين ) في السجون الإسرائيلية إلا لما اشترطت المقاومة تبادل الأطفال بالأطفال، وكذلك الأمر مع النساء. ولو لم تقع الفاجعة الحالية لواصل مئات الأطفال وآلاف النساء الموت البطيء في سجون أصبحت على ما يبدو مدارس في التنكيل وسوء المعاملة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين، كل هذا دون أدنى سند قانوني، وإنما ممارسة وقحة لأبشع أنواع الظلم، والهدف منه القمع والترويع .
 
 
 
  * المتاجرة بقصة معاداة السامية التي باتت اسطوانه مشروخة :
     كل العالم يتجه اليوم للردّ بلا خشية أمام حجم جرائم " الجيش الذي لا يقهر"، والأجيال الجديدة في الغرب أصبحت عصية على منطق أن من يعادي نظام الأبارتايد           والاحتلال والاستيطان، فهو معادٍ للسامية. الأخطر من هذا بالنسبة لليهود غير الصهاينة، وعيهم بأن استعمال " الهولوكوست" كغطاء لمنع أي نقد للإبادة الجماعية في غزة     هو متاجرة بآلام ضحايا هذه المحرقة، وإهدار تدريجي لقيمتها الرمزية، وتضييع كل الدروس التي يجب أن تستخلص منها وأحفاد الضحايا يصبحون جلاّدين بدورهم.
 
    هذه السياسة ذات ازدواجية المعايير التي تكرر وتعيد التاريخ المظلم للإنسانية بدل ان  تجاوزه,  هي التي ستمثل أمام محكمة لاهاي، ولا بد أن يكون الحكم فيها واضحًا لا لبس فيه إن أردنا للمجزرة والابادة الجماعية لأهل غزة أن تتوقف، وللسلام وحقوق الإنسان أن تتحقق على كوكب الأرض . 
 
  شكرًا دولة جنوب أفريقيا وبوليفيا باسم كل العرب. ورحم الله شهداء المجازر المروعة وشفى الجرحى، وأعاد لهذه الأمة العربية بعض نخوتها.