" قسوة" بقلم إبراهيم الديب

" قسوة" بقلم إبراهيم الديب
" قسوة" بقلم إبراهيم الديب
 
 
 
لا تكف الام عن تدليل أولادها الذكور تهش في وجوههم، والدعاء لهم بصفة مستمرة، عكس ما تفعله تماما مع ابنتها الوحيدة ليس هذا بال، تتحاشى التقاء نظراتها إذا استطاعت لذلك سبيلا ، تقسو عليها لأتفه الأسباب، وتبحث عنها إن لم تجدها ، الابنة تقابل كل قسوة والدتها غير المبررة: راضية صابرة, وأوامرها بالطاعة ، تحت سيطرة دهشة وتساؤل ، فحواه :أنا  لم ارتكب ذنباً، ولم اعصي لها أمرا؟ حتى يكون نصيبي من أمي هذه المعاملة السيئة أشعر أحيانا أنني: خادمتها و أنها ليست لي أما،؟ أتمنى أن تهش في وجهي لو مرة واحدة ،كما تفعل مع اشقائي الذكور ليل نهار .
   حاولت المسكينة الوقوف على سر سوء هذه المعاملة ، لتفشل بعد كل محاولة ،في العثور على سبب ، لتتهم نفسها متمنية براءة والدتها ويكون الخطأ من نصيبها تبرر به قسوة والدتها ،ما يسبب لها ألما وحزناً عميقاً ؛تظل ، تبكى بسببه طويلاً، قبل أن تتكوم في ركن من البيت،  لتلحق بها الأم ، وتظهر علي   ابنتها شفقة وعطفا وحبا ، مشاعر صادقة اخبرت به :ملامح  وجهها دون لغة وحرف، متصنعة الام  قوة  سرعان ، ما فارقتها لتجهش في البكاء وهي تحتضنها ،  ما جعل البنت في حيرة من مشاعر والدتها المتناقضة معها ؛ فتوجهت إليها  بسؤال : لماذا عند خطأ أحد أخواتي أنا من يعاقب فواصلت ووالدتها وهي تضمها لصدرها كما تفعل مع أولادها الذكور؟! 
  لم تغضب البنت من والدتها يوماً ؛ فهي على قناعة  يخبرها به مشاعرها وقلبها ، أن أمها تبادلها  أكثر ما تكن لها من حب دون أن تسمع حرفا منها يصب في هذا الاتجاه، ولكن هناك سر،  سبب هذه القسوة: الغير مبررة عليها منعها  أن تعدل بينها وبين: اشقائها الذكور، لعل الأم التي ؛ لم تنل قسطاً من التعليم تعتقد أن التدليل يفسدها ؟ قالتها البنت في نفسها  غير أنها  لا تستطيع أن تبين ما في نفسها، أو يؤرقها داخلياً ،أو حتى القدرة على إخفاء حتى لا يفضح مشاعرها، هناك سرا فى حياتها ما خلصت إليه ابنتها ،  لعل هذا السر أن الام؛ تعتقد بأن وجود الأنثى ينحصر  في خدمة الذكور، ولكن هذه الأسباب السابقة غير مقنعه،  هل سببه عدم طرق بابها ابن الحلال، ليس بالضرورة علي حصان أبيض ، بل يأتي  مترجلا حاملا الأمان بيمينه ، والستر لابنتها بيسراه  فقد سمعت والدتها تطلب من الله ذلك مع ارتفاع اذان المغرب، الأم تعيش حالة من اضطراب نفسي ،لا تستطيع تحديد مشاعر والدتها  التي: لا تعتدي عليها بالضرب معللة تربيتها الا وهي فى حالة أقرب للتغييب عن الواقع ، والهيستيريا لتضع البنت بعدها رأسها بين ركبتيها ، لتمرقها الأم  بنظرة بشفقة ، تتمتم، أن ابنتها ليست جميلة وتكرر هذه الجملة أكثر من مرة دون شعور منها ..
 بعد كل نوبة غضب من الام على ابنتها تذهب لفراشها ليلا، بعد أن  يغيبها النعاس :تحتضنها معتذرة عما بدر منها ومالم تستطع  الصغيرة الوقوف سره ، وتأخذ في بالدعاء لها ثم تجلس بجوارها على السرير متخذة وضع من يهيئ  نفسه للنوم ،ولسان حالها يقول بكل خلجة من أعماقها: لا تغضبي منى يا حبيبتي أعلم يا فلذة كبدي انك بريئة فأنت: لا تخبرين من الدنيا غير ابتسامتها ، ولعلك فهمتي من منها وعدا؛ بحياة سعيدة تتحقق فيها كل؛ ما يخالج نفسك من آمال واحلام ، هي حق  لكل فتاة  في عمر الزهور ، يطرق  بابك فتى احلامك  المنتظر ،يضحي بالغالي والنفيس ليحظى بك  دون الإناث: تنتشي بذلك وتتيهي  بنفسك  ، هذه أجمل أمنية ترغب فيها فتاة، كما  رغبت أنا ، وتمنيت في  صغري.. وهي تقترب منها أكثر وهى تبكي.
  تضع يدها على جبهتها...و ما زال حديثها الداخلي متواصل: تتمعين يا صغيرتي بروح جميلة ونفس نقية.... ثم تمعن النظر في وجهها ،و بأسى شديد يكاد يمزقها ألما: كنت أتمنى أن تجمعي بين  جمال الروح، و جاذبية النفس ونبل الشخصية ، تتوفر فيك كل تلك الخصال  مما تتمتع به فتيات  كثيرة ،ولكنك تفتقرين للجمال ، المؤهل الأول لدخول الدنيا  من أوسع أبوابها ، وهي تبكي أنتي تفتقدين لأهم صفة  : سمعت ذلك بأذني من بعض النساء ، وهي أسوأ جملة :اصغت لها أذني على مدار  حياتي، لم يكن ينقصني اليقين انك كذلك ، ولكن وقعها على سمعي مدمر يقتل....بكاء ونحيب بصوت خافت هذه المرة... أستغفر الله العظيم ثم تكرر توبتها وانابتها  الي وتطلب عونه وكأنها ارتكبت إثما عظيما... ثم تضع قبلة على جبين ابنتها قبل تحكم الغطاء عليها، وهي تواصل البكاء .
 أردفت والله يا ابنتي لو تعلمين أن أشد ما يؤلمني كلما قسوت عليك دون سبب هي نظرتك  ودهشتك، والله العظيم أنتي لا تدركين مقدار حبي لك، ما يدور فى  نفسي خوفي عليك ي لأنك تتقدمين في العمر غير آبهة مرور الأيام ، فمن هن أصغر منك  خطبت، وتزوجت، وأنجبت، ولم يطرق بابك أحد إلى الآن ... هذا  يقتلني..  أثور عليك دون سبب... لا أريد أن تمرى بتجربتي ، فلم يتقدم لي إلا :والدك بعد  أن تخطيت الثلاثين عاما، سعدت أنني تزوجت وأصبحت أما ولكني أعيش صبايا الأليم مرة أخرى فيك، للمرة الثانية  كان عيشها مرة واحدة هل كتب على أن أعيش في كابوس لا استطيع الخروج منه.....أنا من جنيت عليك.. أنا لست جميلة وضعتك نسخة مني ، أعرف أن الله عوضك جمال الروح وبراءة النفس لحكمة هو يعلمها... تستغفر الله بعده حتى لا يخسف بها  البيت ... تهدأ ثورتها النفسية تقول فى نفسها :لماذا أفكر  ،وأعذب ابنتي الصغيرة وأقدر بلاء لم يقع، وعقدت الأم بينها وبين نفسها أمرا رجعة فيه أنها لن تفعل ذلك مع ابنتها مرة أخرى  تمددت مسترخية منهكة حزينة محتضنة ابنتها للصباح  ...