في سؤال عن نظرية المؤامرة! بقلم بهجت العبيدي

في سؤال عن نظرية المؤامرة! بقلم بهجت العبيدي
في سؤال عن نظرية المؤامرة! بقلم بهجت العبيدي
 
 
سألني صديقي الأستاذ رأفت الجزار، وهو مدير عام سابق بالتربية والتعليم، عن سبب قناعة المجتمع المصري والعربي بنظرية المؤامرة وترسّخ هذه النظرية في الوجدان الجمعي المصري وشيوعها بشكل لافت، فكانت إجابتي أن الإيمان بنظرية المؤامرة هو ديدن الشعوب المتخلفة والأمم المحبطة، والتي يجد فيها، رغم أننا لا ننكر وجود المؤامرات، على مستوى الدول أو المؤسسات أو الشركات أو الأفراد، عزاء وسببا من الهروب من الواقع. 
والهروب من الواقع هو سمة هؤلاء الذين لا يستطيعون مواجهته، وهو يعكس في حقيقة الأمر عدم رضى هذا الهارب عن واقعه، فبدلا من مواجهة ذلك الواقع، فيلجأ في محاولة لصنع واقع مواز، يرضى فيه الإنسان عن ذاته، ويركن لدعته، ويخنع بما حصّل، في ذات الوقت الذي يصبغ فيه على الواقع الحقيقي من خيالاته وأوهامه، ما يجعل انسحابه منه مبررا في عينيه، ويصنع سياجا من أوهام يرى من خلالها واقعه الخاص وكأنه ملك فيه الدنيا وما فيها، بل ربما يسقط الدنيا كلها، ويتوهم أنه ملك الجنة والحياة الأخرى. 
وكما يلجأ الأشخاص غير المتكيفة مع الواقع لهذا الهروب، وكما تنسحب تلك الشخصيات من الحياة الواقعية، وكما تزين لنفسها عوالم غير حقيقية، هكذا تفعل أيضا الجماعات والدول، بل والأمم، فبدلا من أن تواجه واقعها بعزيمة وإصرار على ضرورة النصر في معركة الحياة، فإنها تبحث عن قشور الأمور لتشغل نفسها بها، وتبحث عن توافه القضايا لتشغل بها نفسها، وتبحث عن إخفاقات غيرها من المجتمعات لتوهم نفسها برضىً لا يسنده شيء من إنجاز، ولا يدعمه شيء من واقع. نتذكر هنا ما وقع لمفاعل تشيرنوبل وللذي لا يعرفها فإن كارثة تشيرنوبل هي حادثة نووية إشعاعية كارثية وقعت في المفاعل رقم 4 من محطة تشيرنوبل للطاقة النووية. في يوم السبت 26 أبريل من عام 1986، قرب مدينة بريبيات في شمال أوكرانيا السوفيتية، وتعد أكبر كارثة نووية شهدها العالم. حدثت عندما كان ما يقرب من 200 موظف يعملون في مفاعل الطاقة النووي (1,2,3) بينما كان يتم إجراء عملية محاكاة وتجربة في الوحدة الرابعة التي وقع فيها الانفجار. كما ساهم عامل بنية المفاعل في الانفجار حيث أن التحكم في العملية النووية كان يتم بأعمدة من الجرافيت. 
وطبعا كانت حادثة مروعة بكل المقاييس، أتذكر هنا كيف كان خطباء المساجد يلحنون ويغنون شماتة في هذا الحادث الرهيب، وكيف كانت تنتفخ عروق أعناقهم وهم يصرخون فرحين في العلم والتكنولوجيا وترسانات الأسلحة والعالم المتقدم وإنسانه الذي يظل عاجزا ضعيفا تافها مقارنة بالله رب العالمين القادر القدير، ولا أعلم من أوهم هؤلاء المشايخ - حتى اللحظة - أن هناك من يقارن قدرته بقدرة الله؟!. 
إن الأمم تتفق مع الأشخاص في كثير من الصفات، ولِمَ لا وهي مجموع هؤلاء الأشخاص؟. ولِمَ لا وأمراض الشعوب هي ذاتها أمراض الإنسان؟ فالأمة التي تستطيع مجابهة متطلبات الحياة، والتي تستطيع أن تجد لنفسها موضع قدم على كوكب الأرض، والتي تتشارك مع غيرها من الأمم في صنع حضارة العالم، مشغولة بهذه المساهمة، ومنهمكة في هذا الفعل الحضاري، ومتفاعلة مع ما يمر في العالم من الأحداث، وما يعتريه من أمراض وما يقع فيه مصائب، تقدم حلا لهذا الحدث، وتعمل على إيجاد علاج لذلك المرض، ومُساعِدَةً في دفع تلك المصيبة، ولا تظل شاخصة أبصارها شامتة في كل مصيبة تحل بالعالم، فهذا النوع من الأمم لا يسمح لنفسه أن يهرب من مواجهة الواقع، ولا أن يكتفي بالفرجة، لأنه محكوم عليه، وهو من حكم على نفسه، بحكم ما ينتظره العالم منه، أن يكون في قلب العالم، وأن يصبح جزء أصيلا وفاعلا مهمّاً في قضاياه. 
أما هذا الفريق من الأمم الذي لا يستطيع أن يفرض نفسه فرضا، ويقدم نفسه طرفا في معادلة الحياة الحية، وليست الحياة التي هي والموت سواء بسواء، فإنه يلجأ لأبسط الحلول وأيسرها، وهو الانسحاب من العالم، والهروب من الواقع، وهل هناك أيسر من أن يلغي المرء مشكلته ووجوده؟!. فالتفاعل مع مشاكل الحياة، والاشتباك معها هو الوجود ذاته، هل هناك أيسر من أن يفترض المرء الواهم عدم وجود المشكلة ليريح نفسه من عناء البحث في حلها؟! أو أن يختلق الأسباب تلو الأسباب والمبررات وراء المبررات ليوهم نفسه أن هناك من يخطط في ليل بهيم مستهدفا إياه؟!.
إن الإيمان بنظرية المؤامرة والاستسلام لها من الخطورة بمكان، ويجب علينا في مصر أن نخلص العقل من مثل هذه الأفكار، وفي أقل تقدير أن نربي النشء على ضرورة مواجهة المشكلات دون التذرع بمثل هكذا نظرية حتى ولو كان هناك بعض الشواهد عليها، حيث يجب أن تصبح دافعا من دوافع مجابهة المشاكل واقتحام مجالات الحياة والتفاعل مع كافة القضايا والمساهمة في عالم اليوم عن طريق العلم والبحث والابتكار دون التذرع بأي ذريعة.