قراءة في المجموعة القصصية استروبيا لمحمد فتحي عبد العال بقلم د.مريم كمال

قراءة في المجموعة القصصية استروبيا لمحمد فتحي عبد العال بقلم د.مريم كمال
قراءة في المجموعة القصصية استروبيا لمحمد فتحي عبد العال بقلم د.مريم كمال
 
 
"استروبيا " مجموعة قصصية  مميزة للدكتور (محمد فتحي عبد العال ) الكاتب  المتمكن  في مجال الأدب القصصي، والذي تميز بأسلوبه الأدبي السهل والعميق الذي يعكس الكثير من قضايا المجتمع في سياق إنساني واجتماعي. 
 استطاع الكاتب أن يسلط الضوء في أعماله الأدبية على العديد من القضايا التي تعني تنمية الإنسان بالأخص  مثل الطموح والفشل والكبرياء والصراع الداخلي بين القيم الشخصية والمجتمعية من خلال كتبه كما أظهر صورة للإنسان الذي يواجه ضغوط الحياه لتحقيق ذاته وقدرته على التغلب على تحدياتها سلبا وايجابا.
وفي هذه المجموعة القصصية "استروبيا" سلط  الكاتب  الضوء على  نخبة من القصص الإنسانية التي تتناول الصراع الداخلي والتحديات الاجتماعية التي يواجها الناس بأطيافهم المختلفة  واتجاهاتهم المتباينة في حياتهم. 
وقد أورد  المؤلف في هذه المجموعة  ستة  قصص مختلفة تتنوع في موضوعاتها وتعرض مواقف حقيقية من الحياة  وتعكس مخاوف واهتمامات الشخصيات المذكوره فيها في بانوراما إنسانية ،اخلاقية تشعرك وكأنك تعيش بينهم وتتفاعل مع عناصر الصراع ومواقف الأبطال والتشابك والتنافر في حياتهم التي رسمها الكاتب بريشته الأنيقة فصور لنا واقعا وكأننا نعيشه ونتنفسه مع أبطاله الذين أجاد في تصويرهم ونقل مكنون نفوسهم وتقلباتها بخط منطقي مدروس صعودا وهبوطا .وألخص محاور القصص فيما يلي :
1. قصة "بنت ابن بارم ديله"  تدور القصة حول "إحسان هانم" المخرجة المصرية التي تنحدر من عائلة عريقة وثرية. رغم أنها درست الإخراج في دول أوروبية مثل إيطاليا وألمانيا إلا أنها لم تحقق أي نجاح يذكر في حياتها المهنية حيث أنها لم تخرج أي عمل منذ تخرجها من 20 سنه. وظلت إحسان متمسكة بشخصيتها الرفيعة التي تعود إلى أصول عائلتها العريقة. حيث أبرزت  هذه القصة حقيقة  التناقض بين الطموحات الشخصية التي لا تستند على رصيد حقيقي من الموهبة  والعيش في ظلال الفخر بالعائلة وإرثه ، و تأثير التاريخ العائلي على الشخص واستسلامه له دون أن يحاول أن يصنع لنفسه مجدا شخصيا خاصا يضاف إليه ثم تدور الأحداث وتتحول هذه الشخصية بشكل مثير إلى النقيض من ذلك وتبدأ في اختيار مسار إيجابي جديد .
2. قصة "الغاية والوسيلة" تركز هذه القصة على "وديع" وهو شاب من "الرقة" السورية الذي يسعى للثراء من خلال عمله في مستشفى مصري. وديع يستخدم  أساليبا وصولية  في العمل معتمدا على أن صاحب العمل يعتمد  في  اختيار موظفيه  على العلاقات الشخصية أكثر من الكفاءة وهو ما يكشف عن  الفساد الإداري المتغلغل  في بنية بعض المؤسسات خاصة الصحية منها. القصة أيضا تسلط الضوء على الفوضى والظلم في بيئة العمل، وكيف أن البعض يسعى للنجاح بأي ثمن دون النظر إلى القيم المهنية أو الأخلاقية .
3. قصة "حد السيف" في هذه القصة يتحدث المؤلف عن شخصية  "دكتور مغربي" المتناقضة وهو مدير قسم الجودة في أحد المستشفيات و الذي يعتبر نفسه نموذجا للكفاءة المهنية وهو  الحاصل على الدراسات العليا من الولايات المتحدة الأمريكية ويعتبر مرجعا في مجاله. و القصة تشير إلى الصراع الداخلي الذي يعيشه "مغربي" في بيئة تعج بالفساد والأهمال والتهاون  وتتناول تحدياته في تطبيق معايير الجودة والممارسات السليمة في بيئة طبية مليئة بالضغوط وبالرغم من قسوة "مغربي" وعدم تهاونه في تطبيق المعايير والثقل الذي يبديه في مظهره وطريقة إدارته إلا أن حياته الخاصة كانت تعاني عدم استقرار كبير  وواضح  وتعكس  تحديا كبيرا له يبرز حجم الفصام في شخصيته المثيرة والمتناقضة .
4. قصة "جينات الأقدار" وهي  القصة التي تعزز من  فكرة تأثير الماضي على الحاضر عبر  شخصية مهتزة نفسيا بحكم ما توارثته من عجز أمام تحديات الحياة عبر عقود عدة أو هكذا شبه لها  وتناقش القصة كيف تتوارث الأقدار والخلال والصفات  بين الأجيال المتعاقبة المختلفة كأنها جينات قدرية وكيفية تأثير التاريخ العائلي على الشخص في قراراته وتوجهاته في الحياة وما إذا كان الشخص يملك القدرة على تغيير مصيره أم أنه محكوم بما ورثه وتابعا له  .
5. قصة "عاصف ابن البيه"  تدور أحداث القصة حول "عاصف" الشاب الذي ينحدر من عائلة مرموقة وغنية ومحاولته التظاهر بصفات هو أبعد ما يكون منها وعنها  والقصة تكشف خفايا ما يجول خلف أسوار الجامعات من ممارسات كما تأصل  لتأثير الخلفية الاجتماعية والمالية على مسار حياة المرء وكيف أن التقاليد والقيم العائلية تؤثر بشكل كبير في قرارات الشخص وحياته وأن الخطوب والأحوال قد تتبدل وتتغير من حول المرء بين عشية وضحاها.
6. قصة "سلف ودين" القصة تروي حياة "فرح" وهي طبيبة نفسية تعيش مع أبيها الذي كرس حياته لها وتكشف القصة عن حياة الأب وقصة حبه الأولى واستسلام الطرف الآخر فيها للمتاعب النفسية وصعوباتها  فيما احتفظ     هو بقدرته  على الإبقاء على  توازنه النفسي في ظل  ضغوط الحب وتقلباته وقصصه العبثية.
كما تضمنت المجموعة  قصتين قصيرتين ..
هذه القصص جميعها لامست بلا شك  بعض القضايا الإنسانية العميقة والمهمة  التي ترصد  الصراعات الداخلية  بين الطموحات الشخصية والضغوط الاجتماعية بأشكالها  كما تعرضت لمفاهيم الفخر العائلي ودوره السلبي أحيانا في فرض الاستسلام على نفوس أصحابه والعجز عن تقديم الجديد والإضافة في الحياة كما سلطت الضوء على أهمية المقابر التاريخية في رصد حياة الناس في الماضي وكذلك التأكيد على أهمية  الأوراق التاريخية المتناثرة دون أن يجمعها متحف شعبي يحكي لنا ما كان يدور خلف جدران بيوت جدودنا من ذكريات تستحق أن تحكي وتفرد لها صفحات التاريخ   وكعادة الكاتب فلم يفته التأكيد على أهمية الأخلاق كمظلة إنسانية يحركها الضمير والشعور بالمسؤولية  في العمل والبحث عن الذات. 
لقد قدم الكاتب الدكتور /محمد فتحي عبد العال كعادته كل قصة بنكهة مميزة خاصة بأسلوبه الشيق في التركيز على العلاقات بين الأشخاص وتأثير الماضي والمجتمع على حياتهم ودرجة وعيهم ونضوجهم وقدرتهم على المضي قدما وسط أشواك الحياة..
 
 
* د.مريم كمال 
( تخصص علوم قسم كيمياء - الجامعة الأمريكية بالقاهرة )