مصير سوريا ودول الاقليم بعد سيطرة ميليشيا هيئة تحرير الشام بقلم دكتورة / مريم المهدي

مصير سوريا ودول الاقليم بعد سيطرة ميليشيا هيئة تحرير الشام بقلم دكتورة / مريم المهدي
مصير سوريا ودول الاقليم بعد سيطرة ميليشيا هيئة تحرير الشام بقلم دكتورة / مريم المهدي
بعد أكثر من عام من الصراع المستمر في الشرق الأوسط  سيظل السقوط المفاجئ لنظام الرئيس السوري بشار الأسد محفوراً في تاريخ المنطقة كواحد من أعظم الصدمات التي شهدتها.
خلال 12 يوماً فقط، تقدمت قوات المعارضة المسلحة من الشمال والجنوب إلى قلب دمشق، لتستولي على العاصمة وتنهي حكم عائلة الأسد الذي استمر لأكثر من 50 عاماً. بهذا الإنجاز، نجحت المعارضة فيما فشل فيه عشرات الآلاف من المقاتلين خلال 13 عاماً من الحرب الأهلية المدمرة، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
ورغم دعمهما الحاسم لنظام الأسد، لم تتمكن موسكو وطهران من منع هذا الانهيار؛ إذ كانت كلتاهما منشغلتين بصراعات أخرى، روسيا في أوكرانيا، وإيران ووكلاؤها في صراعها الممتد لأكثر من 14 شهراً مع إسرائيل.
يبدو أن هذا السقوط المدوي للنظام كان أحد التداعيات غير المقصودة للضربات الإسرائيلية العنيفة ضد أعدائها منذ هجوم حركة"حماس" في 7 أكتوبر 2023. وخلال العام التالي، تغيّرت المعايير السابقة في المنطقة، مما خلق بيئة شديدة الاضطراب وغير قابلة للتوقع.
على مدى أشهر، نفذت القوات الإسرائيلية ضربات جوية متكررة على سوريا، استهدفت خلالها قادة إيرانيين ووكلاءهم، إضافة إلى منشآت مرتبطة بإيران وحزب الله اللبناني. وقد لعب حزب الله، الداعم لنظام الأسد     خلال الحرب الأهلية،  دوراً بارزاً في هذه التطوراتمزيج معقد من التحديات: 
 
    مزيج معقد من التحديات و رؤية مصر تجاه الأزمة السورية :
 إن الأزمة السورية خلقت مزيجاً معقداً من التحديات الأمنية والإنسانية والسياسية التي أثرت على كل دولة في المنطقة ككل ، فاستقرار سوريا يمثل أهمية استراتيجية لمصر التي تسعى للحفاظ على وحدة الدول العربية ومنع التدخلات الخارجية التي قد تُهدد أمن المنطقة أن الدولة المصرية تبنت سياسة متوازنة تجاه الأزمة السورية عقب ثورة 30 يونيو، في إطار إدراكها أن أمنها القومي واستقراره يبدأ من سوريا والتزامها التاريخي بسلامة الأمن القومي العربي، وركزت الرؤية المصرية على أولوية الحل السياسي للأزمة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254 على أن تكون خصوصية هذا الحل هي مخرج لتوافق سوري/سوري. كما جاء في رؤية مصر رفض التدخلات الخارجية في الشأن السوري وضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، مع الدعوة إلى خروج كافة الميليشيات المسلحة المتواجدة على الأراضي السورية باعتبارها الخطوة الأساسية للقضاء على ذرائع الجماعات المسلحة في التواجد بسوريا، وكذلك تحقيق مصالح وتطلعات الشعب السوري، مؤكدا لقبول العديد من القوى الإقليمية والدولية للرؤية المصرية في التعامل مع الأزمة وتفهمهم لأهمية الدور المصري في سوريا وطبيعته . أن الأحداث في سوريا لها تأثير مباشر وغير مباشر على الأمن القومي المصري، رغم البعد الجغرافي النسبي بين البلدين سواء من خلال خطر الإرهاب أو توازن القوى الإقليمي أو التداعيات الاقتصادية والسياسية، حيث ترى مصر في سوريا دولة محورية في المنطقة وأي تغييرات جذرية فيها تُلقي بظلالها على التوازنات الإقليمية التي تؤثر على المصالح المصرية
 
 
  تأثيرات أحداث الأزمة على القواعد الافليمية بالمنطقة وعلي الامن والمصالح المصرية :
   وبهذا الشأن هناك عدة محاور، أهمها خطر الإرهاب مؤكدا أن الأزمة السورية أفرزت واحدة من أخطر التنظيمات الإرهابية في التاريخ الحديث وهو تنظيم داعش الذي سيطر على مساحات واسعة في سوريا والعراق، حيث واجهت مصر بالفعل محاولات تسلل من عناصر متطرفة قادمة من مناطق الصراع السوري إلى سيناء ونجحت في القضاء عليها , إضافة إلى التأثير على توازن القوى الإقليمي من خلال تنامى الدور الإيراني في سوريا ولبنان عبر حزب الله، والذي يؤثر على توازن القوى في المنطقة , كما أن التدخل التركي في شمال سوريا بدعوى مكافحة الأكراد يثير القلق بسبب تأثيره على التوازن الإقليمي، كما يعكس طموحات أوسع لأنقرة قد تمتد إلى محاولات للعب دور أكبر في المنطقة قد يتقاطع مباشرة مع الأمن والمصالح المصرية . بالإضافة إلى التأثير على الأمن البحري والطاقة، حيث تقع سوريا في منطقة شرق المتوسط الغنية بالغاز الطبيعي، ومصر تُعد لاعباً رئيسياً في منتدى غاز شرق المتوسط، لذلك فإن استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا قد يعيد تشكيل التحالفات في المنطقة مما قد يؤثر على المشاريع المصرية للطاقة في البحر المتوسط . 
كما أن أزمة اللاجئين لها تأثير اقتصادي، فرغم أن مصر لم تستقبل عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين مقارنة بدول الجوار السوري إلا أن وجود حوالي 500,000 لاجئ سوري في مصر يحمل أبعاداً أمنية واقتصادية، فضلا عن ارتباط الملف السوري بالملف الفلسطيني، فموقع سوريا الاستراتيجي بالقرب من إسرائيل يجعل أي استقرار أو عدم استقرار في سوريا مرتبطاً بالقضية الفلسطينية، ومصر كونها لاعباً رئيسياً في القضية الفلسطينية ترى أن التدخلات سواء الإقليمية أو الدولية بالقرب من الجولان المحتل قد يغير قواعد اللعبة الإقليمية.
 
 
دور ميليشيا هيئة تحرير الشام  وآثاره الداخلية والخارجية  :
 قاد الهجوم الخاطف أقوى الفصائل المعارضة، وهي هيئة تحرير الشام، وهي جماعة إسلامية كانت سابقاً تابعة لتنظيم القاعدة ومصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول أخرى. زعيمها، أبو محمد الجولاني، الذي أعلن صراحةً رغبته في السيطرة على دمشق، يظهر الآن كصانع القرار الرئيسي. وقد سبق له أن قاتل مع تنظيم داعش ويواجه مكافأة مالية بقيمة 10 ملايين دولار من الولايات المتحدة مقابل القبض عليه.
على مدى السنوات الست الماضية، حاول الجولاني إعادة تقديم هيئة تحرير الشام كحركة إسلامية أكثر اعتدالاً بينما حافظ على قبضته الحديدية على محافظة إدلب شمال غرب البلاد، حيث تدير الجماعة حكومة مدنية. لكن وكالات الأمم المتحدة وثقت انتهاكات عديدة خلال هذه الفترة.
ومع ذلك ، فإن هيئة تحرير الشام ليست سوى واحدة من العديد من الفصائل المعارضة التي شاركت في الهجوم. وفي الماضي، كثيراً ما تصارعت هذه الفصائل فيما بينها، مما يثير تساؤلات حول قدرة المعارضة على تقديم رؤية موحدة لمستقبل سوريا .
.إلى جانب الفصائل السنية المسلحة، هناك قوات يقودها الأكراد تسيطر على مناطق واسعة في شمال شرق سوريا، بدعم من الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم تنظيم  الدولة الإسلامية.
ومع ذلك، ترى تركيا أن هذه القوات امتداد للجماعات الكردية الانفصالية التي خاضت نزاعاً طويل الأمد ضد الدولة التركية. على مدار السنوات، نشرت تركيا قواتها في شمال سوريا لدحر الميليشيات الكردية , ومع تعدد الفاعلين وتضارب المصالح، يبقى مستقبل سوريا معلقاً بين تطلعات الشعب للتغيير ومعضلات التعامل مع القوى الإقليمية والدولية والتعامل مع الفصائل السنية المسلحة، مما يجعلها الآن أحد أقوى اللاعبين في سوريا، حيث سيكون لها دور محوري في المرحلة المقبلة . بالإضافة إلى خطر الاشتباكات بين المتمردين، ستكون هناك مخاوف من أن داعش التي سيطرت ذات يوم على أجزاء كبيرة من شمال وشمال شرق سوريا ستسعى إلى استغلال الفوضى والعودة.
ستشعر الأقليات في جميع أنحاء سوريا، التي كانت لفترة طويلة واحدة من أكثر دول المنطقة علمانية- وهو العامل الذي خدم الأسد كعضو في أقلية بنفسه- بالقلق بشأن ما سيأتي بعد ذلك. إن البلاد تضم مجموعة متنوعة من القبائل والأديان والطوائف.تكون الدول المجاورة، بما في ذلك إسرائيل والأردن ولبنان، حذرة أيضاً، وكذلك دول الخليج التي أعادت التعامل مع الأسد في السنوات الأخيرة وتنظر إلى الحركات الإسلامية على أنها قوى مزعزعة للاستقرار
التحدي الرئيسي أمام سوريا، بعد الإطاحة أخيراً بنظام بشار الأسد، يكمن في قدرتها على الحفاظ على وحدتها وتحريرها من المحتلين والطامعين في ثرواتها الطبيعيه وذلك   بتجنب الفخاخ والكوارث التي أصابت دولاً أخرى عقب سقوط أنظمتها الاستبدادية، والبدء في العملية الشاقة لإعادة الإعمار  وخلاصة القول، إن من مصلحة دول محور المقاومة، دولة سورية قوية لها قرارها الداخلي، وهي مصلحة، تتفق مع مصالح دول الإقليم، ومنها العراق والأردن، ومعهما دول الخليج. على أن في مقابل هذه المصلحة، مشروع أميركي - إسرائيلي تركي  يريد "سوريا" ضعيفة ومقسمة، وهو ما يمنعها من لعب دورها المحوري في المنطقة، ويقوض مركزيتها في مناهضة مشروع "الشرق  الأوسط الجديد". فأي مستقبل أمام دمشق؟ السوريون هم وحدهم، من يمتلك الإجابة.  تحقيق المصالحة الوطنية