في المقام الأول نستطيع أن نؤكّد أن البطالة في العالم تُعتبر من أخطر ما يُواجه الإنسان ، والتي تترك بصمات سلبية تؤثّر على حياة الفرد واستقرار المجتمع .
ولا تزال هذه الظاهرة رغم محاولات القضاء عليها تترك آثارها السلبية على الفرد وعلى المجتمع . آخذين بعين الإعتبار أن الحروب وعدم تقديم الدعم لقطاع الأعمال من قِبل الحكومات ، وإهمال جانب التنمية البشرية ، و تلاشى دورها على الوضع الاقتصادي وبشكلٍ مباشر في المجتمعات التي تُحاول التطور والتقدم والسير في ركب المجتمعات الأخرى ، إلاّ أنها وباعتبارها من المجتمعات النامية ، فإن المطبات أمامها ، وكثيرٌ من الأمور تحتاج إلى بترٍ وإلى إصلاح ، ومراجعة مجمل الخطوات المعمول بها .
وهناك أسباب أخرى للبطالة و استفحالها منها : غياب دور التنمية الاجتماعية ، وإهمال جانب التعليم والتوعية ، و التزايد المتسارع في عدد السكان ، وفشل الشباب في الحصول على فرصة عملٍ مناسبة ، وهذا ما يُسبب اليأس والإحباط بين صفوف هذه الشريحة من المجتمع على الأقل ، وغياب الإهتمام بالدراسات الاستثمارية ، التي تهدف إلى استيعاب أعدادٍ كبيرة من المستخدمين والعمال والموظفين ، وتخفيف فجوة البطالة السائدة .
ومن أجل تجاوز هذه الحالة المأساوية لا بُدّ من تخصيص معاهد مهنية متطورة تفتح المجال أمام الشباب فرص العمل وفق اختصاصهم .
كما لا بُدّ من بتر الإعتماد على العمالة الأجنبية ، والاعتماد على العمالة الوطنية المحلية فقط ، من أجل الحدّ من البطالة المسيطرة على الواقع المُعاش .
كما لا بُدّ من تشجيع المبادرات الفردية ، وحالات الإبداع في مجال العمل الحر ، ودعم كافة عمليات التعليم للقوى العاملة ، و تسليط الأضواء على التعليم المهني ، والذي من خلاله تتم المشاركة الفعلية والفاعلة بين القطاعين العام والخاص .
إن التنمية البشرية قولاً واحداً لا تستطيع أن تأخذ دورها في ظلّ نظامٍ سياسي متخلف و قمعي وفاسد .
حيث أن التنمية البشرية تُمثّل بصريح العبارة العملية التي تعتمد على " الإنسان " بهدفِ تطوير قدراته ، كي يصلَ من خلال مجهوده الفردي إلى مستوى معيشي يضمن يضمن كرامته وعزّة نفسه ، والمتعة في إحترام الذات ، وضمان حقوق الإنسان .
كما تؤكّد التنمية البشرية أن البشر هم الضمانة الحقيقية للأمم وثروتها .
أمّا المطبات التي تُعيق أو تواجه مسيرة التنمية البشرية يُمكن اختزالها ، وتؤكّد أن المشاكل التعليمية والإعلامية والثقافية والاجتماعية ، والمشاكل السياسية ، والوضع الاقتصادي ، والحالة النفسية والصحية للأفراد ، تُعتبر جميعها من أبرز معوقات التنمية البشرية .
إنها التنمية التي تساهم في التقدم والنمو المتصاعد ، وتحسين المعيشة الإنسانية ، وتنمية حالات الإبداع والمهارات التي تلعب دوراً فاعلا ً في تحسين حياة المجتمعات ، إضافةً إلى ذلك نأخذ بعين الإعتبار أن التنمية البشرية ساهمت في إفادة عشرات الآلاف من الأُسر من خلالِ تمويلها واعتبارها أُسر منتجة .
إن التنمية البشرية تلعب دوراً فاعلاً في تحسين حيثيات الحياة من كل جوانبها ، من خلالِ التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والتي بدورها تُحقق تقدماً شاملاً في شرائح المجتمع .
1 - ونرى في الجانب الآخر ، أن هناك كثيرٌ من الكتّاب يتلاعبون بمصير الفرد من خلالِ ترويجهم لكتبٍ كثيرةٍ وتكتظ بها المكتبات ، مليئة بالنصائح و ضروب الأمثال ، وتحمل مفاتيح النجاح والفوز في الحياة .
ومثل هذه الكتب تجعل المرء يشعر بوقتٍ طريفٍ مليء بساعات الاستغراق في التفكير في صومعة الخيال ، والتحليق في عالمِ الأمل والخيال المليء بالأحلام .
بنفس الوقت نؤكّد أن الأوهام تلعب دوراً كبيراً في حياة البشر ، على الأقل تبعدهم عن الحقيقة التي قد يكون لها تأثيراً سلبياً على الإنسان ، لذلك نراهم ومن خلالِ الأوهام يستطيع الفرد أن يُجسّد حقيقةً خاصّة به .
الوهم والاعتقاد به يبعثُ أحياناً الثقة عند الإنسان ، ويُوحي له أيضاً بالنجاح ، لكن حياته تبقى غير واقعية ، وبالتالي يميل إلى التمسّك بالسخافات والأوهام ، بعيداً عن مواجهة الحياة بحقيقتها .
2 - إنّ الساحة العربية مليئةٌ بالكتب التي تبيع الأوهام والأباطيل ، وبكلِ تأكيد الهدف الرئيسي لانتشار مثل هذه الكتب في بلادنا هو لإبعاد الأجيال عن الحقيقة ، وعن النمو الإيجابي ، وعن الإبداع والتألق والتقدم ، كي نبقى على الدوام في حالةٍ من التخلّف والجهل الذي لا يُفارقنا .
وبكلِ تأكيد إن التبعية والفساد حتّى التواطؤ ، هو الذي فتح بلادنا وجعلها أراضٍ خصبةٍ لتلقي هكذا هراء ، وهكذا معرفةٍ مُزيّفة .
حتّى هذا الزيف وصل إلى إبداعنا الفني بكلِ مجالاته ، بهدفِ الهروب إلى الوراء ، وبذلك أصبح الفن في كلِ مجالاته فنّاً هابطاً بإمتياز .
كما أصبحت مشاعرنا هابطة و مُزيّفة ، حتّى مشاعر العشق والمحبة ، تماماً كما الأداء السياسي والاقتصادي ، وكأننا أصبحنا في عالمٍ يعجّ بتخمةٍ بكلِ ماهو باطلٍ وغير حقيقي ، وكلّ الأمور أصبحت تصبّ في الهراء والخيال الخاص بنا .
3 - هناك ركائز أساسية لتحقيق التنمية البشرية ، ولعلها وفي المقام الأول : النظام السياسي الديمقراطي ، ومقدرة المؤسسات على التنظيم والتخطيط الراقي بعيداً عن الفساد والمكاسب والمحسوبيات ، والنظام الذي ينطلق من أساسيات حقوق الإنسان والعدل والعدالة والمساواة ، والنظام الذي يُراعي الواقع الصحي ضمن حدود الرعاية الكافية ، ومقدرة مؤسسات الدولة على التعامل مع التقنيات المتطورة والحديثة ، والتي ستكون رديفةٌ أساسية لمقوّمات التنمية البشرية .
إن التنمية البشرية تهدف إلى تنمية مهارات الفرد وإبداعه وقدراته ، وبالتالي تتم تنمية واقع المجتمع ، وواقع الدولة ، إن كان على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي والفكري ، وجعل أي إنسان ممتلكاً مقدرته وتطوير ذاته ، و تغيير حياته ومعيشته نحو الأفضل على كافة الأصعدة ، المالية والنفسية والفكرية والاجتماعية والثقافية ، إضافة إلى الإرتقاء بنفسه وسط محيطه وفي مجتمعه .
مع الأسف إن معظم الأنظمة العربية تُحارب الإنسان ، وتضع العديد من المطبات أمام فكره وثقافته ومهاراته ، حتّى أمام وضعه النفسي والمعيشي والصحي .
لذا نرى أن الواقع العربي المُعاش لا يتناسب فعلاً مع عوامل وأساسيّات التنمية البشرية ، التي يجب أن تأخذ دورها في مُكوّنات المجتمع العربي .
المنطقة العربية تفتقد إلى العدل والأمان ، والعدالة الاجتماعية ، والمساواة بين الجنسين ، ومبادئ حقوق الإنسان ، وحقوق الطفل وحقوق المرأة .
في البلاد العربية تنتشر بشكلٍ واضح البطالة المُقنّعة ، وتنتشر سياسة الإقصاء والتهميش وسياسة الرأي الأوحد .
وإذا فعلاً أردنا أن نلج فعلاً درب التطور العملي علينا أن نفسح المجال الإيجابي للتنمية البشرية لتأخذ دورها الفاعل في مجتمعنا ، من خلال إجراءاتٍ فعلية لا بُدّ منها ، وفي المقام الأول مراجعة كافة خطاباتنا السياسية والدينية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والفكرية والتربوية ، واستبدالها بخطابٍ يتلاءم مع الواقع الدولي المُعاش ، ومع التطور والرقي والتقدم لمعظم دول العالم .
و بدون هكذا خطوات يبقى إعلامنا و واقعنا ، وتبقى خطاباتنا وشعاراتنا مجرّد أحلامٍ وأوهامٍ ليس إلاّ .
4 - من خلالِ المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي ، و واقع هذه المجالات ، تُقاس التنمية البشرية ، حيث أنها أي التنمية البشرية هي كُلٌ متكامل ، وشاملة ومتكاملة ، ومترابطة فيما بينها ، وهي التي تستحضر الإمكانيات البشرية والمادية من أجلِ تحقيق التحوّل الجدّي في المجال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والفكري .
لأن التنمية البشرية بحاجةٍ ماسّةٍ إلى مُشاركةِ أبناء المجتمع لإكمال مسيرتها حتّى نهايتها .
وفي هذه المسيرة البنّاءة يتطلّب من الدولة إجراء تحوّلٍ جاد ، بعد مراجعةٍ نقديةٍ وموضوعيّةٍ لواقعها ، وتأسيس هيئة بحوثٍ علمية فاعلة ، تُشارك في مجريات أمورها الجامعات ومؤسسات التعليم العالي والدراسات العليا ، ومراكز الأبحاث بمختلف توجّهاتها واختصاصاتها ، بهدفِ استقطاب الكفاءات العلمية .
ومن ثُمّ الاعتماد على قاعدةٍ علميةٍ متكاملة متوافقة ، لتشجيع الأبحاث العلمية وحلّ مشاكل المجتمع المختلفة من كل جوانبها ، إن كانت اقتصادية أم سياسية ، وإيجاد آليات نشطة لحلّ هذه المشاكل وبترها .
التنمية البشرية لا تستطيع النشاط في بلدٍ يُعاني ولم تنتهي مشاكله بعد ، إن كانت داخلية أو مشاكل كبرى يُعاني منها .
الوطن لا يستطيع أن ينهض كما المجتمع ، من دون توفّر آلية سياسية وإرادةٍ سياسية تتحمّل مسؤولياتها ، من أجلِ الدعم المعنوي والمادي وتوجيه مقدرات الدولة ، من خلالِ عمليةٍ مدروسة ، تضع الأمور في نصابها السليم . في مجال التعايش الإيجابي في المجتمع ، وبتر الإقصاء ، وتفعيل دور المشاركة ، وتأمين العدالة والإنصاف ،ة وتحقيق مبادىء حقوق الإنسان ، ومنحه أسباب معيشته وكرامته ، وتأمين مستوى معيشي لائق لأفراد المجتمع ، وعدم التمييز بين كافة مكوّنات المجتمع .
لأن الإنسان هو الفاعل الأساسي في مجال التنمية البشرية وخاصّة في المجال الاقتصادي ، وبالتالي تأمين وتوفير الرخاء للفرد وللمجتمع وللدولة ، حيث أن التنمية البشرية تهتم بشكلٍ مباشر بمستوى النمو الإنساني ، وتنمية قدرات الإنسان إن كانت بدنية أو عقلية أو نفسية أو اجتماعية .
كما تعني التنمية البشرية كعملية باستثمار الموارد والمدخلات والمخرجات ، وبأي نشاطٍ اقتصادي يُوفّر الثروة والإنتاج الهادف ، لتنمية قدرات الإنسان من خلالِ كامل الاهتمام ببنية المؤسسات وتطويرها والانتفاع بقدراتها لدى أفراد المجتمع .
مع كامل إيماننا بأن المواطن العربي موهوبٌ ومبدع وباستطاعته الإبداع في تحقيق إنجازاتٍ علمية رائعة ، ومن أجل هكذا تنمية لا بُدّ من إجراء المزيد من الإصلاحات لكافة مؤسسات الدولة ، وخاصّة الجانب الإداري ، بهدفِ تهيئة جيلٍ جديد مبدع ومهني ، وفرز العناصر الشابة المتميّزة فنّياً كي تكون في المقدمة ، في المواقع الانتاجية في المجال الصناعي والقطاعات الاقتصادية ومجالات الثروة الباطنية الحيوية في علاقتها مع مجال الاقتصاد ، الذي هو في حاجةٍ ماسّة إلى تهيئة مستلزمات التنمية البشرية الشاملة في البلد ، وفق خطةٍ علمية وبسقفٍ زمني مُحدد .
كما لا بُدّ من الإشارة إلى أن أحد أهم حقوق الإنسان هو الحق في تقرير المصير ، وهو واحدٌ من قواعد القانون الدولي الأساسية من أجلِ إقامة العلاقات الوديّة بين الدول والتعاون فيما بينها .
وحق تقرير المصير هو حقٌ مؤكّد للسكان في الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي .
علماً أن مفهوم حق تقرير المصير يعود تاريخ ظهوره إلى فترة الثورة الأمريكية عام 1776 ، ومن ثُمّ الثورة الفرنسية 1789، والهدف الأساسي منه ، تمكين الشعوب من التخلّص من الأنظمة السياسية التي تنتهج القمع والإستبداد .
كما لا بُدّ من حق تقرير مصير الفرد ، وكمال ذاته ، واحترام استقلاليتها ، إن كان في المجال الفكري أو الجسدي ، وضمان الحريات الفردية ، ونشر الحريات السياسية والعمل الحر ، والمواطنة المتساوية بين كل مكونات المجتمع وتحقيق الضمان الاجتماعي بشكلٍ عادلٍ وإنساني .
وأحياناً كثيرة نرى أن حق تقرير المصير بشكلٍ عام أو الفردي ، مع الأسف مرتبط بالموافقة الخارجية مؤسسات ودول ، وتدخلات الدول الكبرى في هذا المجال ، وبذلك نرى أن حق تقرير المصير مرتهن برأي الجهات الخارجية التي تنشط وفق أجنداتها ومصالحها بعيداً عن القومية والدولة والسيادة والجغرافية .
إن عملية التنمية البشرية ستبقى شبه فاشلة في بلادنا العربية لسببٍ رئيسي هو الفساد المتفشّي المستشري في كل مؤسسات الدول ، وسيطرة حيتان الفساد على مراكز القرار ، وفقدان الحريات والحقوق ، وانتشار الحقد والكراهية .
ولكي نخطو الخطوة الأولى في الدرب السليم نحو التنمية البشرية لا بُدّ من مراجعة كافة خطاباتنا السابقة وفي كافة المجالات ، والإعتماد على برنامجٍ وطني سليم ، وبتر الفساد وحيتانه ، وإطلاق الحريات ، وفسح المجال أمام المجتمع المدني ، والعمل على ترسيخ مبادىء حقوق الإنسان وحقوق المواطن ، وتطهير إدارات مؤسسات الدولة ، وفسح المجال أمام المواطن ليكون بعيداً عن الإقصاء أو التهميش وليكون فاعلاً في المشاركة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي البلاد ، والعمل الجاد والجريء في ترسيخ سياسة التداول السلمي للسلطة .

