قراءة في تظاهرات المعلمين وما كتبه جمال جاسم أمين الثانية
في جدل الثقافة والتعليم
الشارع أصدق انباء من خرافة الشعر والأدب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في لحظة يغدو فيها المعلم هدفًا للتجاهل المؤسسي والاعتداء الرمزي، تُصبح الثقافة مطالبة بأن تتخذ موقفًا. لا من موقع الحياد الأكاديمي، بل من قلب الحدث، من حيث تُنتج المعاني وتُرسم الملامح الحقيقية لأي مشروع وطني. إن التظاهرات التي يشهدها الواقع التعليمي، والمطالب المشروعة التي يرفعها المعلمون، لا ينبغي أن تُختزل في المطالب المادية، بل تُفهم ضمن سياق أوسع: سياق البحث عن /تعليم بديل/ تعليم يُعيد بناء الإنسان، لا مجرد تحسين ظروفه.
ولعل السؤال الأهم هنا: أين هو المثقف؟ لماذا نراه يتوارى خلف القصائد والندوات والمقاهي، فيما تُختبر الثقافة في الشارع؟ لماذا لا يكون في مقدمة الصفوف حين يُهان التعليم؟
إن الشعر والأدب، بوصفهما تجليين جماليين للثقافة، ماهما إلا خرافة عمياء أمام هذه اللحظة. فالثقافة الحقة، كما نفهمها، ليست في النصوص الجميلة فحسب، بل في /إنتاج المعنى داخل المجتمع/. والتعليم هو أحد أبرز أذرع هذا الإنتاج. حين يحتج المعلم، فهو لا يطلب راتبًا فقط، بل يطالب بإعادة الاعتبار للثقافة ذاتها. وحين يصمت المثقف، فهو يخذل الثقافة قبل أن يخذل المعلم.
نحن بحاجة إلى "مثقف الموقف"، ذاك الذي لا يكتفي بالرصد، بل ينحاز ويحتج ويكتب ويصطدم. مثقف لا يرى في الثقافة نُزهة، بل ساحة صراع من أجل وعي أكثر عدالة وفاعلية. وهنا يظهر مشروع "البديل الثقافي" بوصفه محاولة جادة لفك هذا الاشتباك بين النص والواقع، بين المعنى والحدث.
إن التظاهرات الحالية، بما فيها من تجاوزات على القيمة الرمزية للمعلم، تُحمّل الثقافة والمثقفين مسؤولية جسيمة. فالصمت هنا ليس حيادًا، بل تواطؤ. والإدانة تمتد إلى كل مثقف اختار أن يصفق بعيدًا، أو أن يستمتع بشعره في الوقت الذي يُهان فيه من علمه الأبجدية.
ليست الثقافة قصيدة، بل / رؤية للعالم/، وموقف منه. والتعليم، في جوهره، عملية ثقافية بامتياز. ومن هنا فإن نُصرة المعلم واجب ثقافي، بقدر ما هو واجب أخلاقي ووطني. لا نريد لمثقفينا أن يكونوا ديكورًا، ولا لثقافتنا أن تتحول إلى زخرفة في مشهد البؤس.

