بلا مجاملة هاني توفيق يكتب: نار الفرن (2)

بلا مجاملة هاني توفيق يكتب: نار الفرن (2)
بلا مجاملة هاني توفيق يكتب: نار الفرن (2)

 

تكمله (الجزء الأول)

توقف الزمن مع صرخة القائد وتسمرت يد الضابط في الهواء والتفت الى مصدر الصوت

قائلا: تمام يافندم

القائد: حضرة الضابط اجمع على سيارة القيادة..حاول الضابط الرد ولكن القائد باغته قائلا وهو يشير الى اتباع الشيخ..الناس دي بتعمل ايه هنا ..واستدرج قائلا :كمن يعطى امر لباقي الجنود : مش عايز حد هنا الا الناس الى هنا للصلاة .

واستدار متجها الى سيارة القيادة ويتبعه الضابط وبدء الجنود في تفريق الجموع ما عدا المصليين في الحارة وراء القس.

في خضم هذه الاحداث التي تحبس الانفاس كان هناك الكثير من الاحاسيس تجيش في عقل الشاب العشرينى ..ماذا لو صفعه الضابط امام هذا الحشد من أبناء بلدته وأهله. ماذا كان يكون رد فعله.. وأفكار كثيرة كانت تتسابق في عقله ووجدانه الى ان توقف فيضان الأفكار عندما عانقت عينيه عينيي مريم. ابنه خاله ..وحبه الوحيد ..والحافز الذى أعطاه القوة بعد اصابته في سيناء .وذهباالاثنين  في عناق طويل تلاشى فيه الزمان والمكان وحلقا سويا في سماوات قرمزيه يرتشفوا خمر النشوة بعد طول بعاد فلم يعانق إسحاق عينى مريم من قبل اصابته في سيناء عندما كان في فسحه قصيرة في قريته.

وقطع نشوة القاء صوت عبد البر الذي يشبه قباع الخنزير البري قائلا: حضرة القائد بعتلك تصريح فسحه 72 ساعة لما عرف ان دي قريتك ودول اهلك. كتر خيرة الباشا

شكر إسحاق القائد وانخرط في صفوف المصليين بعدما خلع عنه السترة العسكرية.

وبعد انتهاء القداس رحل إسحاق مع اهله الى دارة في القرية التي كانت هادئة في وقت من الأوقات وما ان ادلف إسحاق الى غرفته في الدار حتى تخفف من البذلة العسكرية وارتدى جلبابه وخرج الى صحن الدار وخرجت ورائه امه قائله: اغسل لك البدلة الميرى ياولدى

إسحاق: لا يامه بلاش ..وردت الام في استغراب البدلة عايزة تنظيف

ورد إسحاق كمن يؤكد حقيقه: وهى البدلة بس اللي عايزة تنظيف ..حجات كثيرة يامه عايزة تنظيف  ..ما لهاش لازمه مش هلبسها تانى مش رايح المعسكر بعد النهارية والتقط طرف الحديث والدة الذى علق باندهاش على كلام إسحاق قائلا : كلام ايه ده ياولدى  بتهرب من التجنيد ياولدى ..ايه التفكير الغريب دة ..مالك جرى لك ايه ..ورد إسحاق بانفعال : اسمع يابا  انا حاربت الإرهاب في سيناء واصبت وكنت على وشك الموت وقبلت كل ده بفرح وحب لبلدى بس اللي حصل النهاردة يثبت لي ان دي مش بلدنا يبقى ما فيش داعى اموت علشانهم وانتفض الجد الذى كان يجلس في جانب من المندرة صامتا يتابع الحديث  موجه حديثه الى إسحاق : وبعد ماتروحش الجيش هتدفع الجزيه علشان يحموك كيف الحريم

اسمع ياولدى البلد دي بلدنا والأرض دي ارضنا انا حاربت في حرب   56وابوك حارب في 76 وعمك استشهد جوة دبابته في نفس الحرب وابوك حضر حرب الاستزاف بعد هذه الهزيمة الى ان عبر في 73 مع اول العبور.. وشارك في استرجاع سيناء وبعدها عايز يبقى عندنا ابن جبان وبسرعة رد إسحاق: انا مش جبان ياجدى واجابه ابوة انا عارف أنك مش جبان ياولدى بس دي ارضك وارض اجدادك محدش هيدافع عنها غيرك دي مؤامرة ياولدى مؤامرة علشان يخلوك انت واللي زيك تكفر بهذه البلد ياولدى دي بلدنا من الأصل احنا اصل البلد وارتبطنا بالأرض مش يبطل مهما عملوا ..اسحاق : عندك حق يابا ..بس مين السبب في الى بحيصل ده مين اللي عايز يشعللها نار. واعتدل الجد في قعدته وقال : اسمع ياولدى تفتكر مين ليه مصلحه يولع البلد بنار الفتنه ..اقول لك ياابنى واسمعني كويس في الظاهر ان الى بدأ الشرارة الاولى انه الشيخ وعصابته اللي بيتاجروا بالدين وهم اصل كل المبيقات ..مش كدة.. أقول لك لا الشيخده  ترس صغير في عجله الكبيرة ..نقول يمكن  العمدة اللي راح بلغ الامن ان الاقباط ييصلوا في دار ممكن يبقى كنيسه.. ولا المأمور اللي وصل الخبر لمدير الامن اللي بدورة اخد الخبر وطار للسيد المحافظ اللي بقصد او بدون قصد اصدر فرمانه بعدم الصلاة بدون رخصه. ولا المسؤول اللي وافق على قانون اسمه بناء الكنائس القانون المعيب المطاط اللي أدى لهم زريعه علشان يقفلوا اربع كنائس  ويخلوا الناس تصلى في الشارع ..تفتكر مين اللي اشعل الشرارة الأولى يا ولدى وليه دوقتي في التوقيت ده

إسحاق: مش عارف يا جدي مش جادر اجول مين اللي ولع نار الفتنه

الجد: اسمع ياولدى كل اللي ذكرتهم تروس في عجله كبيرة بتحركها ايد بتستغل جهل الكتير بدينهم والتاريخ أولا بدينهم لان الدين الإسلامي الحق وليس الدين اللي  اختراعه البدو الدين الق الوسطى بيحرم ما يقومون به ضد الاقباط... وجهله في التاريخ لان التاريخ يذكر كم مرت صعاب اضطهادات ومجازر ضد الاقباط ورغم كل هذا صمدت الكنيسة القبطية في وجه كل الصعاب وكما يقول الكتاب "أبواب الجحيم لا تقوى عليكم" بس الظاهر ياولدى ان فيه ناس يحاولوا يفرغوا قوة الاقباط من وراء الرئيس لآن الاقباط قوة لا يستهان بها ولعبت دور محوري في الثورة على الحكم الديني الفاشي الذى حاولوا ان ينفذوه في مصرنا لذلك نجد المخطط هو التضييق على حريات الاقباط وبالتالي ينصرفوا عن مؤازرة الرئيس وتضعف قوته ويسهل ازاحته من طريقهم ومع الأسف من ينفذ هذا المخطط هم  مسؤولين على اعلى مستوى في الامن والحكومة واذا لم تنتبه الرئاسة لهذا الملعوب بالحتم سوف ينجحون في فض الاقباط من حول الرئيس .

وهنا دخل جرجس يلهث قائلا: الحقوا يا ناس الكنيسة مولعه وهنا هب الجميع في اتجاه الكنيسة المشتعلة. الكل يحاول محاربه النيران وبدا رزاز المياه التي تستعمل في إطفاء النار تصطدم بوجه إسحاق واصطدمت كميه من المياه بقوة بوجه وفجأة فتح إسحاق عينيه فوجد رأسه مائله على شباك السيارة والامطار تهطل بغزارة على وجهه والتفت حوله بعد ان اغلق شباك السيارة فوجد الجميع نيام في طريقهم الى المأمورية المكلفين بها  وهنا هتف إسحاق في داخله ياة اما كان حته كابوس ..ياساتر كابوس فظيع ..قال ايه لازم تصريح علشان نصلى ..فيه كابوس اكثر منكدة ..بس الحمد لله انه كابوس وعدى زى كل الكوابيس الى عدت قبل كدة .

واعتدل إسحاق في مجلسه داخل السيارة ..واغمض عينيه واستسلم لنوم عميق .