صلاح هاشم يكتب: الإرهاب فى مصر .. مدخلاته ومخرجاته

صلاح هاشم يكتب: الإرهاب فى مصر .. مدخلاته ومخرجاته
صلاح هاشم يكتب: الإرهاب فى مصر .. مدخلاته ومخرجاته

شهدت ظاهرة الإرهاب، فى السنوات الأخير انتشارا دولياً واسعا، لا يقتصر على دولة بعينها ، وإن كان قد تفاوت إنتشارها من دولة لأخرى ، إذ حظيت  دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب أسيا بالنصيب الأكبر من العمليات الإرهابية مقارنة بباقى دول العالم، وحسب نتائج التقارير الدولية فإن الدول الأكثر فقرا ً هى الأكثر حظاً من العمليات الآرهابية، التى باتت تتزايد عاماً بعد الأخر..

ومع انتشار الإرهاب، تزايدت تداعياته الإقتصادية، حيث بلغت الخسائر الاقتصادية، جراء العمليات الإرهابية في العالم عام 2014م  نحو 52.9 مليار دولار، بزيادة قدرها نحو 61 مليار دوار عن العام الذي سبقه، وفقا لمؤشر الإرهاب العالمي. الذى أشار إلى أن تكلفة الحروب والإرهاب  فى العالم  عام 2015م قد بلغت  13.6 تريليون دولار.

وورغم " عولمة الظاهرة الإرهابية " فقد ظهرت فىالأعوام الأخيرة على وجه التحديد كتابات عديدة تناقش " عقلية الإرهابى " باعتباره فرداً شاذاًً، فكرياً أو عقلياً .. دون الإهتمام بدراسته داخل سياق التنظيم الإرهابى الذى تربى فيه، وتشرب من أفكاره ومعتقداته الفاسدة. وتعتقد هذه الكتابات أن الأزمة بالأساس "فردية" قوامها التكوين الفكرى والنفسى للإرهابى،  وليست هى أزمة اجتماعية اقتصادية أو سياسية، قوامها الأهداف الخاصة للتنظيم الإرهابى وتبعيته، وكذا الظروف الاجتماعية والمادية والسياسية التى زجت بالفرد إلى هذا التنظيم .ومن ثم فإننى أعتبر أن هذه الكتابات بمثابة " عمل فكرى ناقص " يسمح بنمو الأزمة دون حلها..!

الأمر الذى يدفعنى إلى عرض بعض الملاحظات العامة على التنظيمات الارهابية التى ظهرت مؤخراً .حيث تؤكد الدراسات التى التي رصدت أعمار الإرهابيين أو الإنتحاريين، أن أغلبهم من الذكور، وتتراوح أعمارهم بين 16 إلى 28 عام، من طبقات اجتماعية واقتصادية فقيرة أو معدمة، مما يجعلنا نستنتج دلالة غاية في الأهمية، تتعلق بأعمار المنفذين للعمليات الإرهابية، والذين لا يختلفون كثيرا عن أعمار الشباب الذين قاموا بمظاهرات مناوئة لإستقرار البلاد عقب ثورتى 25 يناير و 30 يونيو، والذين أحرقوا المجمع العلمى ، وحاولوا إحراق شوارع القاهرة عقب سقوط الإخوان ..!

وفي تحليل جاد لجماعات الجهاد، والجماعات الإسلامية فى مصر؛ لوحظ أن الغالبية العظمي ممن اجتذبهم النشاط الإرهابي كانوا من دارسي تخصصات " كليات القمة " وان هؤلاء الأشخاص لم يدرسوا طيلة سنوات تعليمهم من مرحلة الحضانة إلي مرحلة الدراسات العليا مقرراً دراسياً واحداً يتعلق بالمنطق أو الفلسفة أو تاريخ الفكر. رغم أن أعداد الكليات النظرية وطلابها يزيد عن أربع أضعاف كليات وطلاب الكليات العملية..!

ورغم ما قد يشاع من رفض اجتماعي، وإدانة لأي حدث إرهابي، إلا أن التعاطف الإجتماعي الكامن مع الفعل الإرهابي، خاصة في حالات الإرهاب الطائفي، أو الإحساس الإنتقامي الذي يشعره المناوئون للنظام السياسي، وخاصة الإخوان والجماعات والدينية والسياسية الداعمة لهم والمتعاطفة معهم، قد يساعد علي دعم الإرهاب، ويزيد من شرعية ممارسته..!

ورفم الشعارات التى ترفعها المؤسسات الدينية الرسمية كالأزهر ، إلا أنها لم تتخذ خطوات إيجابية تجاه مواجهة الإرهاب، بل ولا تزال جامعة الأزهر تعتقد بأعدم أهمية اتلفنون فى تطوير حياة الإنسان وتقويم أفكارة ، فمثلا رغم قدم جامعة الأزهر فإنها لا يوجد بها قسم أو كلية للفنون الجميلة والمسرح والأثار .. وأعتقد أن المناهج الدراسية فى مراحل التعليم المختلفة لا توجد بها منهج لتدريس " الموسيقى" .

وإذا كانت الدراسات والبحوث التى ناقشت " عقلية الإرهابى " وسبل تشكيلها قد بينت أن هناك كتب بعينها تعد بمثابة مصدر مهما لتشكيل عقلية الإرهابى مثل" صحيح الجامع، مجموع الفتاوى، المعارج، حلية الأولياء، زاد المعاد، صيد الخاطر، فتح الباري، مختصر مسلم، الإنجاد في أبواب الجهاد، إسعاد الأخبار في إحياء سنة نحر الكفار، إغاثة اللهفان، إيضاحات في التحرير العقدي، التبيان في كفر من أعان الأمريكان، الجامع للسلسلة المميز" إلا أن المناهج الأزهرية لا زالت تعتبر هذه الكتب مرجعا فى كثير من الفتاوى والأحكام ..علماً بأن ما جاء فى هذه الكتب من أفكار وأحكام تعتبرها الجماعت الإرهابية حججاً لتبرير أفعالهم الموجهة ضد الإنسانية .. حتى أن بعض المراجع الدينية وكذلك الصحف الرسمية وغيرها لا تزال تطلق على الإرهابى لفظ " جهادى" .. مما يجعل الإرهابين يعتبرون هذا المسمى بمثابة وساماً على الصدر ..!

ولا أكون متجنياً على الأزهر حين أقول بأنه رغم أن المتطرفين يعتبرون " ابن تيمية، ابن القيم، ابن حزم، ابن عثيمين، سيد قطب، ابن باز، الألباني، ابن كثير، التميمي، الشعيبي، الطريفي، ابن الجوزي، الغزالي، محمد بن عبدالوهاب، وغيره" إلا أن كتب هؤلاء لا زالت تعج بها المكتبات المصرية العامة.. وربما هناك من يخالفنى الرأى قائلاً بأن الكتب لا تؤذى أحداً ؛ فأقول له نعم؛ لكنها ما بها من أفكار قد " تبيد " شعباً كاملاً ..!

وبالقياس على واقعة مذبحة مسجد الروضة التى ارتكبها الإرهاب ضد المدنين الأبرياء، فإننى أؤكد على أنه أوجاع المصريون واحدة،وأن هموم المسلمون واحدة، ومن ثم فإن القاتل لا هو مصرى ولا هو مسلم . وأن مذبحة مسجد الروضة هى عمل عصابى " مافياوى " لا علاقة له بالدين" وإن كان مغطى تنظيمياً بـ" السلفية الجهادية " ، التى هى نفس الجماعة التى ارتكبت مذبحة ضباط الشرطة عشية إغتيال السادات فى 81 أثناء صلاة عيد الأضحى، ومن ثم فإننى أعتقد أن " السلفية الجهادية" ربما باتت عضواً فاعلاً فى تنظيم مافياوىاً دولياً موجهاً ضد الدول الإسلامية والعربية بوجه خاص.!

ورداً على الذين يشيعون بأن الصوفيين هم المستهدفون بهذا العمل الإرهابى أقول: أن السلفية والصوفية طائفتان من طوائف أهل السنة، وأن الإختلافات الفقهية بين طوائف أهل السنة لا تصل إلى حد إباحة القتل أو هدر الدم. بعكس الإختلافات الفقهية بين السنة والشيعة والخوارج .. مما يؤكد أن المذبحة لا علاقة لها بالدين، وأنها صفقة اقتصادية بكل المقاييس، والمال قد يكون هدف المنفذين،بينما سيناء قطعاً هى الهدفالأول للمموليين..!

أثق فى قدرة الجيش المصرى على الرد وتطهير الأرض من شأفة الإرهابين، لكننى أتصور أنسرعة القضاء على الإرهاب تحتاج إلى دعم شعبى حقيقى وفعال لجهود الجيش والشرطة .. وذلك بتفعيل دور الأسرة والمجتمعات المحلية بسرعة الإبلاغ عن اى تحركات مريبة أو أشخاص لديهم أفكار فاسدة. كما أننى أعتقد أن الشماتة فى وقت الوجع خيانة؛ ومن ثم فإن" محاكمة الشامتين " الذين أعلنوا شماتتهم - بأى وسيلة كانت -  بتهمة خيانة الدم والأرض باتت ضرورة، وأنها جريمة توجب السجن المؤبد على الأقل..!

 د. صلاح هاشم

Sopicce2@yahoo.com