حسنى حنا يكتب عن الفنان العالمي سامي برهان.. رائد الفن العربي

حسنى حنا يكتب عن الفنان العالمي سامي برهان.. رائد الفن العربي
حسنى حنا يكتب عن الفنان العالمي سامي برهان.. رائد الفن العربي

"الفن ينظف الروح من غبار الحياة اليومية"

*Pablo Picasso

 

يعتبر الفنان سامي برهان، أحد القامات الكبرى في ميدان الفن التشكيلي المعاصر، العربي والعالمي، على الصعيدين النظري والتطبيقي. وهو من الرواد، الذين تناولوا الحرف العربي، في اعمالهم التشكيلية. وقد بدأ حياته الفنية، خطاطاً ورساماً بآن واحد.

 

معرفتي بالفنان سامي برهان

تعود معرفتي بالفنان برهان الى زمن بعيد، عندما كنت طالباً في ثانوية مدينة صافيتا، الجبلية الرائعة، القريبة والمطلة على البحر المتوسط، وسهل عكار وجبال لبنان الشاهقة المكللة بالثلوج طوال العام. وهي المدينة التي قرع ابناؤها أجراس المعرفة في وطنهم وفي عالم الاغتراب شرقاً وغرباً!..

كنت يومها صبياً في مقتبل العمر. حيث لم أكن قد تجاوزت الخامسة عشر من عمري، عندما عرفت مدرس مادة الفنون الجميلة في الثانوية، الشاب سامي برهان.. وقد كان في ذلك الحين شاباً طويل القامة، نحيل الجسم، يتمتع بأدب جم، وتواضع كبير، وحس فني مرهف.. أحبه طلابه كما أحبه أهل صافيتا، وقد صار بالنسبة للجميع كواحد منهم.

وكان المدرس الفنان سامي برهان، يقيم بين حين وآخر معارض فنية في المدرسة، يتناغم فيها الرسم والخط، والظل والنور والألوان المشرقة.. يشترك فيها عدد من الطلبة الموهوبين في فن الرسم، برعاية وتوجيه الفنان سامي برهان، وكنت واحداً منهم.. وقد أثارت أعمال الفنان خيال صديقه، الكاتب والشاعر، مدرس اللغة العربية (أديب الطيار) فكتب يوماً بضعة أبيات من الشعر في أحد المعارض المدرسية ومنها:

"أنى التفت رأيت لوحة أزهر.. وخمائل في مرسم البرهان فحسبتني، والعين جائعة إلى.. لوحاته في واحة "وجنان".

 

في دار المعلمين بحلب

شاءت الأقدار أن أتابع دراستي في دار المعلمين بحلب، لمدة ثلاث سنوات، درست فيها مواد التربية وعلم النفس والفن وغيرها. وكانت دار المعلمين في ذلك الحين. تضم نخبة من خيرة المدرسين السوريين. وكان معظمهم من خريجي الجامعات الأوروبية والأمريكية، المشهود لهم بالكفاءة والخبرة، في مجال التدريس. وكان من بين هؤلاء مدرس مادة الفنون الجميلة (سامي برهان) وكان قد نقل الى مدينة حلب، مدرساً في دار المعلمين.. وكان من حظي أنني تابعت تحصيل المعرفة بفن الرسم على يديه، لمدة ثلاث سنوات أخرى، كانت حافلة بالنشاط الفني، وإقامة المعارض الفنية. وتمر الايام والسنون، ويجرفنا تيار الحياة، من متابعة الدراسة في كلية الآداب بجامعة دمشق، الى العمل الوظيفي، وشؤون الحياة اليومية!..

 

من السيرة الذاتية للفنان

1/ولد الفنان سامي برهان، في مدينة حلب، في 20 شباط/ فبراير من العام (1929).

2/درس الفنون الجميلة، في المدرسة العليا للفنون الجميلة في باريس وفيها تعرف على عدد من المستشرقين، من بينهم المستشرق (لوي ماسينيون Louis Massignon) الذي شجعه شحصياً، على الاستمرار في بحثه عن جمالية الخط العربي.

3/نجح في مسابقة تدريس التربية الفنية، وعين في مدينة صافيتا، ثم نقل الى دار المعلمين بحلب.

4/رحل الى ايطاليا في العام (1963) وأقام فيها بشكل دائم، لكنه ظل يتنقل بين العواصم الأوروبية، والبلدان العربية. وفي ايطاليا اطلع على أهم مدارس التصوير والنحت. وأقام العديد من المعارض، كما فاز بالجائزة الاولى (سان فيتو رومانو) على مائة من الفنانين الأجانب.

5/في عام (1965) حصل على إجازة في فنون التصوير (الرسم) من أكاديمية الفنون الجميلة في روما.

6/في عام (1967) حصل على إجازة في فن النحت من اكاديمية الفنون الجميلة في روما.

7/في عام (1972) صار مدرساً في جامعة روما.

8/في عام (1980) فاز بجائزة التحكيم مجسمه الجمالي (قل هو الله أحد) وتم تنفيذه بحجم كبير (مائة طن من الرخام) كي يزين مدخل جامعة الملك سعود، في مدينة الرياض.

9/في عام (1986) كان أول فنان عربي، كلفته الأمم المتحدة بتصميم إعلان مكافحة المخدرات. حيث تم تنفيذه إعلاناً، ثم مغلفاً وطابعاً، كي تباع لصالح مكافحة المخدرات. وفي العام اللاحق نفذ عمله سجادة (3*3 متر) لتزيين القاعة الرئيسية لمبنى الأمم المتحدة. في مدينة فيينا بالنمسا، فيه عبارة (نعم للحياة).

10/في عام (1992) اختارت اللجنة الفنية، لتجميل مدينة الملك فهد الطبية، جداريات من اعماله، بارتفاع (18 متراً) ومجسماً جمالياً كبيراً (يا شافي) كما تم تزيين مطار جدة، بعدد من أعماله التصويرية والنحتية.

11/في عام (1993) منح لقب (رائد الفن العربي) في دولة الامارات العربية المتحدة.

12/في عام (1995) أسس المعهد العربي- الايطالي.

13/في رحلته الفنية الطويلة، شارك في العديد من المعارض الفنية الجماعية في آسيا وأوروبا وامريكا كما أقام عدداً كبيراً من المعارض الفردية في سوريا ولبنان وأوروبا والولايات المتحدة الامريكية.

14/زينت أعماله بعض ساحات مدينة حلب، بأهم نصبين رخاميين الأول لكلمة (سلام) مترجمة الى أربع لغات، الأكثر انتشاراً في العالم، كشعار إعلاني حضاري وإنساني (ساحة السلام – حلب) والثاني بكلمة (لله) كمفتاح للآية (لله المشرق والمغرب) نصب رخامي رائع (ساحة السبع بحرات- حلب).

 

سامي برهان والحرف العربي

بدأ الفنان سامي برهان حياته الفنية، خطاطاً ورساماً بآن واحد. وقد قال الفنان الفرنسي (بول كلي Paul Klee) "الكتابة والرسم متشابهان في أساسهما".

والفنان سامي برهان، من الرواد الذين تناولوا الحرف العربي في أعمالهم التشكيلية. وهو مدرك قيمة التراث واهميته. وقد أنفق وقتاً طويلاً، في دراسة تاريخ الفن الغربي، وعاينه شخصياً، في متاحف أوروبا. وفي الوقت ذاته. اشتغل على الفنون الشرقية، وعلى رأسها (الخط العربي) وكذلك على الفكر العربي، والفلسفة وعلم النفس.. وخاض الفنان تجربة النحت، وهو القريب من مقالع الرخام، وأحجار النحت الأخرى في إيطاليا، والمحاط بانجازات كبار النحاتين الأوروبيين. وقد أدرك الأوروبيون أيضاً. اهمية الخط العربي وجماله.  وقال أحد الباحثين، في وصف (قصر الحمراء) في مدينة غرناطة باسبانيا: "إن عظمة العمارة لتكاد تختفي أمام عظمة الخطوط المنقوشة، على واجهة المبنى، ومعظم أنحائه"!.

وقال الشاعر الفرنسي (برنارد نويل Bernard Noel): "ما من لغة تمتلك طريقة كتابه تشكيلية، يلتصق فيها مباشرة الشكل والمعنى كاللغة العربية".

 

قراءة في أعمال الفنان

آمن الفنان سامي برهان بالقيم الجمالية للحرف. وقد جعله يمتلك مطواعية التشكيل وفي الوقت نفسه فإن نصوص لوحاته قصيرة.. وتبدو أعمال الفنان لوهلة، كأنها مساقط روحية لعمارة الكتابة والنور وإشراق الألوان عنده. لايخضع للطريقة الفيزيائية الأرضية، في معالجة النور، مستخدماً في مزاج شرقي خالص اللون الأزرق اللازوردي، والالوان البنية، وهو يعرف تماماً اللون المراد سكبه على لوحته. ودرجة اللون أيضاً، ومقدار كثافته. وهو في ذلك يمتلك مؤشراً داخلياً، بالغ الحساسية والدقة في ذلك!..

وفي مجال أعمال الفنان سامي برهان، يبدو التكوين داخل إطار اللوحة. وهو يتجنب الغموض والابهام في ذلك. فكل التركيبات الخطية بأعماله مشبوكة بمتانة، ويميل الفنان الى التقشف في الزخرفة والتزويق. فلا يجنح الى إغراق لوحته بالأشكال وإثقالها بالكتل والألوان.

وفي أعماله المائية، لانجد اختلافاً في طريقة التلوين، وهو يعتمد الألوان الرهيفة الشفافة، في تشكيله للنص الاساسي للوحته، بينما يعزز الخلفية بالوان غامقة. ويقوم بادخال ظلال مجاورة للكتابة، للتأكيد على معمارية الحروف، وتباينات السطوح ومن ناحية أخرى، تنفتح الحروف على بعضها، في نواح معينة من النص، كنوع من تبادل الألوان والرموز!..

 

روح التصوف والقيم الرفيعة

إن الروح الشفافة عند الفنان سامي برهان، لابد وأنها تمتلك حساً وجدانياً عالياً، بحيث يكون صاحبها متصوفاً بطريقة ما. وإن ممارسة الخط بطبيعة الحال، تضفي بعداً روحياً على الفنان، فتبعث فيه الصبر والتأني والطمأنينه، لما يتناوله من نصوص، فيها الحكمة وحب الخير ومحبة الناس. وما يتعامل به مع ثمرات الأدب والأفكار الانسانية العالية.

والتعامل مع الكلمة، هو التعامل مع المجرد، أما المعنى فهو وراء الشكل، والفنان سامي برهان متصوف على طريقته الخاصة!..

 

فنان عالمي

إن التجوال الواسع، الذي قام به الفنان سامي برهان في انحاء المعمورة، من اوروبا الى المكسيك، الى اقاصي آسيا. وانخراطه بثقافات ولغات غير العربية، جعله انساناً كونياً، ينتسب الى كل بقعة من بقاع هذا العالم الواسع. وهو في غربته الطويلة، لاينسى وطنه الذي احبه، وحمله معه في حقائب أسفاره، وهو القائل: "كلما ازددت بعداً، ازددت حباً وشوقاً لوطني".

 

جلسة مع الفنان

التقيت الفنان( سامي برهان) منذ نحو عشر سنوات، في دارته العامرة، في إحدى ضواحي مدينة حلب، بحضور الصديق وزميل الدراسة في دار المعلمين بحلب الفنان الخطاط (محمد أمين السم) نقيب الخطاطين في حلب. وتحادثنا في أمور كثيرة. والحديث مع الفنان سامي برهان، يكون دائماً شيقاً وممتعاً. وهو يتشعب دائماً، حتى لتستحيل العودة الى نقطة البداية. فلا بد أن يعرج على الأدب، والموسيقى والفكر والفن. ثم يلتفت الى مواضيع أخرى مغايرة، كالتربية وأخلاقيات الانسان والسياسة. وهو في أحاديثه، دائم التطلع الى المحبة والسلام.

وفي تلك الجلسة، أطلعنا على عدد من أعماله الفنية الرائعة في الخط والرسم. وعلى عدد من النماذج لمجسات إبداعية، موزعة في بعض الغرف. كما أطلعنا على عدد من الصحف والمجلات، التي كتبت عنه، وعن أعماله وإنجازاته الفنية.

ومن عناوين اللوحات، التي أنجزها الفنان نقرأ مايلي: (الأمل، الحب، السلام، لله، شآم، يارب، الأندلس، ومانيل، أوغاريت..) وغيرها.

وخلال أحاديثنا، قمت بتسجيل مقتطفات من حديثه الممتع فكان منها: "ذو الوجهين لايكون عند الله وجيهاً". و"إن الله ليس في حاجة لنا، نحن في حاجة إليه".

والفنان يحب الشعر العربي ويتذوقه. بما فيه من صور شعرية رائعة، كما في هذا البيت لأبي الطيب المتنبي:

"وخيولاً تغتذي ريح الفيافي ويكفيها من الماء السراب " وهو يعتبر القيم التراثية أساساً للإبداع والتطوير كما في هذا البيت: "وإذا رفت الغصون اخضراراً... فالذي أبدع الغصون الجذور".

 

ايمانه بالمحبه والسلام

ان ايمان الفنان سامى برهان بالمحبه والسلام بين البشر يدفعه الى الاهتمام بالاقوال والدعوات الى الالفه والتعاون بين الجميع ومنها " السلام الفه وائتلاف "

،،، ذلك هو الفنان سامى برهان . المناره الساطعه فى افق الحياه الفنيه فى سوريا والعالم كله لاكثر من ستين عاما من الزمان .

وقد جاءت هذه المقاله المتواضعه تقديرا لشخصه الكريم واعترافا بفضله الكبير وفنه الرائع واخلاقه العاليه وانا فى حديثه عنه لايمكننى ان اوفيه حقه وترانى ادور وادور كمن يصف الشمس بالضياء والبحر بغزاره الماء !..