نكمل مشاغباتنا، إنتم هتروحوا مني فين:
من زمان قوي محيراني، ظاهرة التشدد الديني للجاليات الإسلامية، المهاجرة والمقيمة في أوروبا وأمريكا. لفت نظري من سنين ظاهرة تشدد (بعض) مسلمي المهجر، مش بس في المظاهر من ملابس وطقوس، لأ علي مستوي فهمهم للفكر الديني بالكلية، وبدا لي أن (بعض) المسلمين المهاجرين، هم أكثر راديكالية وتشددًا من مسلمي بلادهم الأصلية، أول مرة أخد بالي من الظاهرة دي كان في نهاية التسعينات، كنت في هولندا، وكنت في مدينة جميلة إسمها دنهاخ The Hauge ورافقني صديق مقيم وحاصل علي الجنسية الهولندية لصلاة الجمعة، بعد ما قالي هتسمع شيخ ماشاء الله عليه مافيش زيه وعمرك ما هتنساه، ورحت معاه، وأفتكر كان شيخ من أحد بلاد المغرب العربي وأفتكر أن منظر المنقبات بملابسهم السوداء، كان صدمة ليا في الوقت ده في مدينة زي دنهاخ أو لاهاي وهن في المسجد ده وفي المدينة دي بالذات، المدينة اللي فيها مقر الملكة بياتريس، وكانت خطبة عنيفة في لهجتها، واستمرت مايقرب من ساعة، والشيخ ملاها وحشاها بكل التحابيش اللي الخطاب الديني الراديكالي عايش عليها زي دولة الخلافة المزعومة، وتطبيق الشريعة، والحكومات الكافرة واليهود وأمريكا، وطبعا عرج علي المرأة وزي المرأة المسلمة ونصح أفراد الجالية أن يهتموا بذلك حتي مع بناتهم الأطفال، بعد كده سافرت كتير وتنقلت بين بلاد عديدة، وكان نفس المشهد بيتكرر وباشوفه في كل بلد بنفس مفرداته، شوفته في بعض مساجد نيويورك، اللي دخلت واحد منها، ولقيت في مكتبته كتب شبه محرمة في العالم العربي، زي مؤلفات الشيخ الفلسطيني عبد الله عزام الجهادية، وهو طبعًا أستاذ بن لادن الفكري، واستغربت إزاي كتب زي دي بيقراها ناشئة الجالية، وشفت ده في الصين وكمان في اليابان في مدينة أوساكا، وشوفته في فرنسا بالذات في باريس ومرسليا، حتي في إنجلترا، صديق عايش في برمنجهام حكي لي إن بعض الإنجليز بيسموا المدينة ليتيل باكستان، من كثرة المظاهر الراديكالية وحالة الإنفصال التام عن المجتمع الإنجليزي، وعدم التفاعل مع أهل البلد الأصليين، المدهش إن معظم أفراد هذا الجيتو الإنعزالي بيكونوا في الأغلب من اللي بيحظوا بدعم الحكومات الأجنبية المادي ومزايا التأمين الصحي والتعليم والتوظيف، وبعضهم عاطل ويأخذ إعانة بطالة، ومع ذلك هتلاقي خطابهم الديني إقصائي إنعزالي تكفيري، يشتم مثلًا في النظم السياسية العلمانية، انطلاقًا من إن العلمانية ما بتدخلش الدين في السياسة والإقتصاد بالرغم من إن المهاجر لتلك البلاد بيعيش في ظل العلمانية ويتمتع بكل مميزات الأنظمة المدنية العلمانية، طبعًا الشيوخ بيقولوا من علي منابرهم للناس في مصر إن العلمانية يعني الكفر وإن العلمانية هي السداح مداح والزني، ومن هنا العقل الجمعي في مصر أصبح عنده تصور زائف عن العلمانية كنظام فكري وسياسي بيضع الدين في إطاره الروحي والقيمي والأخلاقي ولا يظلمه بإقحامة في شئون الإقتصاد والسياسة المتغيرة، وطبعا مفكرينا وسياسيينا في مصر بيخافوا من شيوع هذا الفهم فبدل مايقولوا علمانية ويسموا الأشياء بمسمياتها بيسموها "مدنية" عشان مايجرحوش إحساس حالة الهوس الديني اللي البلد عايشه فيها وينافقوا ذائقة الجموع، المهم عشان مانخرجش عن الموضوع الصدمة التي حدثت لي من وجود هذا الإنفصام بين بشر يعيشون في مجتمعات غربية وينعمون بكل ثمار العلم والنظام والنظافة والقانون والفنون والأداب والتحضر، ولكنهم في الوقت نفسه، يكفرون تلك المجتمعات، ويعيشون في جيب أو مايعرف بالجيتو ( معزل) يعيشون حياة العصور الوسطي فكريًا، الخطاب الراديكالي دا ما كنتش أسمعه في مصر إلًا في جوامع في أحياء شعبية وقري في الدلتا والصعيد قبل أن يتمدد إلي أوساط الطبقة الوسطي اللي ظهر لهم دعاة شيك بالجينز والباروكة وبيجهزهم الماكيير قبل ما يدخلوا الإستديو، وكان فهمي في الوقت ده إن جمهور هذه المناطق هو الجمهور الأمثل لهذا الخطاب، وهو فريسة سهلة لخطاب السلفية ودعاتها اللي بيعرفوا ذائقة الناس وبيعيطوهم ويسلطنوهم ويجيشوا مشاعرهم، طبعًا ما تتصدمش لو عرفت إن فيه هيئات تدريس جامعات وأطباء وقانونيين ونخب للأسف معشش في دماغها هذا الفكر، إنما المفارقة بالنسبة لي كانت إنك تلاقي نفس هذا الخطاب الديماجوجي المتطرف، موجود في أوروبا وأمريكا، دا كان علامة استفهام كبيرة بالنسبة ليا الحقيقة، زي ما أوروبا حصل عندها صدمة إن معظم أعضاء داعش، كانوا قادمين من بلاد أوروبية ومعظمهم من الجيل الثاني المولود في تلك البلاد، يبدو إن الموضوع محتاج دراسة.