مريم نجيب المهدى تكتب: القدس ..تحدي ترامب للقانون الدولي وواقع حالك السواد .

مريم نجيب المهدى تكتب: القدس ..تحدي ترامب للقانون الدولي وواقع حالك السواد .
مريم نجيب المهدى تكتب: القدس ..تحدي ترامب للقانون الدولي وواقع حالك السواد .

الإجراءات التي باشرتها إدارة الرئيس الأمريكي تونالد ترامب يوم 14 مايو الجاري (2018) بشأن نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس، هي "هديته" لدولة إسرائيل في الذكري السبعين للنكبة، أو كما تسميه إسرائيل "يوم الاستقلال". مع ذلك، ولكي نضع الأمور في نصابها، من المهم أن نقف على تفصيلات تلك الخطوة، وما الذي ستحدثه من تغيير فعلي على الأرض، وما ستفضي إليه من تداعيات.

ضمن هذا السياق، فإن أولى الأبعاد المهمة لهذه الخطوة أنها تُعد بمثابة "مسمار آخر في نعش" قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة رقم 181 في 29 نوفمبر 1947، والذي دعا إلى تدويل القدس. فحتى مع إعلان ترامب "خطاب الاعتراف" في شهر ديسمبر 2017، تجنبت الأمم المتحدة الانسحاب من قرار التدويل رسميا. هذا على الرغم من أن التركيز الرئيسي لسياستها كان وما يزال التأكيد مرة تلو الأخرى على أن الوضع النهائي للقدس سيتم تحديده من خلال المفاوضات بين الجانبين.

الآن وبعد أن اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى هناك، أصبح التدويل (على الأقل من وجهة نظر الإدارة الأمريكية الحالية) جزءًا غير ذي صلة من التاريخ. وهنا تجدر الإشارة إلى أن قرار التدويل لعام 1947 لم يقلل من حدود مدينة القدس، بل قام بتوسيعها بالفعل. إذ حدد ملحق القرار 181 حدود مدينة "القدس المدولة" على أنها تمتد من "أبو ديس" و"العزيرية" في الشرق إلى "عين كارم" و"موتزا" في الغرب. ومن "شعفاط" في الشمال إلى "بيت لحم" و"بيت جالا" في الجنوب. وقد رسمت تلك الخريطة الدولية هذه الحدود الواسعة للقدس في محاولة لإرضاء مصالح كل من العرب و"العالم المسيحي" آنذاك. فمن ناحية، كان العرب يخافون من "الأغلبية اليهودية" ضمن الحدود البلدية المحدودة حينذاك. ولذلك طلبوا  توسيعها ليكون هناك أغلبية عربية قد تؤثر حتى على نتائج الاستفتاء الذي كان قيد المناقشة كاحتمال في ذلك الوقت المبكر. ومن ناحية أخرى، لم يرغب المسيحيون في أن يفقدوا السيطرة على "كنيسة القبر المقدس" في القدس، بل أيضًا على "كنيسة المهد" في بيت لحم.

 

موقع السفارة الجديد

منذ "خطاب الاعتراف" الذي ألقاه ترامب في ديسمبر 2017 وحتى أول أمس كان أحد التساؤلات الرئيسية يدور حول الموقع الذي ستنقل إليه واشنطن سفارتها في القدس على وجه الدقة:

- هل داخل حدود القدس الحالية البالغة مساحتها 126 كم مربع؟

- أم داخل حدود 38 كم مربع، أي "قدس ما قبل العام 1967 التي سيطرت عليها إسرائيل (القدس الغربية)؟

- أم داخل حدود 6 كم مربع من "قدس ما قبل العام 1967" والتي كانت الأردن تسيطر عليها؟ وهذا الخيار كان هو الأكثر استفزازا للعرب والرأي العام الإسلامي والدولي ككل. كونه سيُنظَر إليه بوصفه تصديقا على مزاعم إسرائيل بسيادتها على "المدينة القديمة" والتي تشمل الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.

- أم خارج "المدينة القديمة"، ولكن داخل أراض الضفة الغربية التي أُلحِقَت بحدود بلدية القدس بعد 1967؟

- أم داخل الحدود الموسعة للقدس ما بعد عام 1993؟

من بين كل هذه البدائل اختارت الإدارة الأمريكية البديل الأول، كونه أقل هذه البدائل استفزازا، أي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس التي كانت تسيطر عليها إسرائيل قبل العام 1967. بمعنى أنه تم نقل السفارة الأمريكية إلى 14 شارع فلوسر في أرنونا، بالقدس الغربية. ويعتبر هذا الموقع موقعا مؤقتا، ولم يتحدد بعد مكان السفارة الدائم. وكان العاملون في القسم القنصلي الموجود حاليًا على هذا العنوان قد تلقوا إشعارًا مسبقًا مفاده أنه اعتبارًا من منتصف شهر مايو الجاري (2018)، سيتم تغيير وضعهم إلى موظفين في السفارة. مع الاستمرار في توفير الخدمات (جوازات السفر والتأشيرات) لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين معا. أما السفير الأمريكي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، فسيبقى مقيما في هرتسليا في هذه المرحلة، وسيعمل في مكتبه الجديد في القدس والسفارة القديمة في تل أبيب، وسيكون المكتب في القدس فرعًا للسفارة في تل أبيب.أما الموقع الدائم لمبنى السفارة في القدس فلن يتم تحديد موقعه إلا في المرحلة النهائية.

_اصرار الشعب الفلسطيني علي مواجهة التحدي واسترداد حقوقه :...

بينما يحتفل الإسرائيليون فى حضور ابنة الرئيس الأمريكى إيفانكا وزوجها اليهودى جارد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكى بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الشرقية فى قرار لا سند له من الشرعية الدولية يخاصم القانون الدولى أغضب الفلسطينيين والعرب والعالم الإسلامى، يعتبره معظم دول العالم قرارا منعدماً، قتل الجيش الإسرائيلى ــ شبه متعمد نحو60 شاباً فلسطينياً معظمهم دون العشرين عاماً وجرح ما يقرب من ثلاثة آلاف فلسطينى على حدود قطاع غزة مع إسرائيل، فى أكبر مذبحة ترتكبها إسرائيل فى القطاع منذ الحرب التى شنها جيش الدفاع على قطاع غزة عام 2014، لمجرد أنهم تظاهروا سلماً فى منطقة السياج الحدودى يطالبون بحق العودة!

وقد أعمل القناصة الإسرائيليون من أعضاء القوات الخاصة القتل فى الشباب الفلسطينى دون رحمة رغم أن المتظاهرين كانوا يضمون مئات الأُسر الفلسطينية التى حرصت على اصطحاب أطفالها الصغار يحملون أعلام فلسطين فى تظاهراتهم السلمية، وما يؤكد سبق إصرار الجيش الإسرائيلى على قتل الشباب الفلسطينى أن جندياً إسرائيلياً واحدا لم يخدش فى هذا الصدام الدموى، وقد أثبتت وزارة الصحة الفلسطينية أن 1359 جريحاً فلسطينياً أُصيبوا برصاصات حية بما يؤكد إفراط الجيش الإسرائيلى فى استخدام الأسلحة النارية ضد تظاهرات الفلسطينيين التى تجرى على امتداد الأسابيع الماضية فى منطقة السياج الحدودى، وراح ضحيتها حتى الآن أكثر من 112 شاباً فلسطينياً تم قتلهم على مدى الأسابيع الستة الماضية بينهم 6 أطفال دون الــ 18عاماً وطفلة لا يتجاوز عمرها 15 عاماً.

وفى اجتماع طارئ لمجلس الأمن ادعت نيكى هايلى المندوبة الأمريكية فى الأمم المتحدة أن إسرائيل التزمت ضبط النفس, وأن حماس هى المسئولة عن جرائم القتل وقد رفضت غالبية الدول فى مجلس الأمن الموقفين الأمريكى والاسرائيلى, وأدانت إسرائيل لإفراطها فى استخدام القوة ضد الفلسطنيين وقد سحبت كل من تركيا وجنوب إفريقيا سفراءهما من إسرائيل، كما أدان الجريمة معظم دول المجتمع الدولى، بينما حمّلت الولايات المتحدة (حماس) مسئولية الحادث لأنها دعت المتظاهرين إلى منطقة السياج الحدودى رغم تحذيرات إسرائيل وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها بينما يؤكد المتظاهرون أن المسيرات كانت سلمية وأن التظاهر كان يجرى فى منطقة الخيام على مسافة غير قليلة من السياج الحدودى، لكن القناصة الإسرائيليين بادروا بإطلاق النار على الجماهير الفلسطينية بينما قامت الطائرات الإسرائيلية بدون طيار بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على الفلسطينيين الذين تجاوزت أعدادهم 30 ألفاً يضمون آلاف اللاجئين الذين شردوا من ديارهم مذعورين تحت وطأة هجمات العصابات الإسرائيلية المسلحة عام 48، وهربوا إلى قطاع غزة.

ومع الأسف حمل عشرات الشباب الفلسطينى السكاكين فى التظاهرات الأخيرة، يريدون اقتحام السياج الحدودى إلى داخل إسرائيل انتقاماً من عمليات القتل الجماعى للشعب الفلسطينى، مما يكشف مخاطر تصعيد الصراع بين الجانبين.

والواضح أن الشعب الفلسطينى يُصر على استعادة حقوقه مهما يكُن عدد الفلسطينيين الذين يسقطون فى معارك المواجهة مع الجيش الإسرائيلى، خاصة أن الفلسطينيين خاصة شبابهم يعانون ذُل الاحتلال وسوء الأوضاع الاقتصادية وغلبة الإحساس باليأس والإحباط على الجميع، ويذهبون مختارين إلى ساحة المواجهة مع الإسرائيليين، لا يخشون الصدام أو الموت، ولا يريد الإسرائيليون أن يفهموا عُمق التطور الذى طرأ على الشخصية الفلسطينية خاصة الشباب منهم، وجعلهم يفضلون الإستشهاد على الحياة، ويبتكرون ألواناً من الانتتقام ضد الإسرائيليين مثل الطعن بالسكاكين فى الشوارع ودهس الناس على أرصفة الشوارع بالسيارت، وربما يرى الفلسطينى وقد أهدر الإسرائيلييون أمنه وكرامته وإنسانيته أن هذا الاختيار أفضل كثيراً من حياة الذُل التى يعيشها، والواضح أن هذا التوجه يكبر وينتشر حتى تكاد تكون له الغلبة بين الشباب الفلسطينى، ومع الأسف تزداد إسرائيل تعسفاً بدلاً من أن تغير مسلكها بما يزيد الوضع سوءاً، خاصة أن الإسرائيليين لن يقدروا على إبادة الشعب الفلسطينى مهما أعملوا فيه من قتل، وبالطبع فإن الزحام والفقر والبطالة والعنصرية الكريهة وسوء الأحوال الاقتصادية وانعدام الأمل فى غدٍ أفضل يُشكل عوامل أساسية فى صورة حالكة السواد.