نسيم عبيد عوض يكتب: الشمس لم تغب بعد

نسيم عبيد عوض يكتب: الشمس لم تغب بعد
نسيم عبيد عوض يكتب: الشمس لم تغب بعد

كنت أعد مجلة الأقباط المشهورة التى تصدرها الهيئة القبطية الأمريكية منذ عام 1990 وحتى 2003‘

وكان الأخ الأستاذ منير بشاى دائما معى لمراجعة القسم الإنجليزى‘وهذه المجلة كانت الرسالة الحقيقية للشعب القبطى‘ ومصدرا ومرجعا لعدة رسائل ماجستير ودكتوراه عن الهيئة القبطية ورئيسها الدكتور شوقى كراس‘وكانت تطبع فى أعدادها الأخيرة لأكثر من 12 ألف نسخة توزع على أقباط المهجر وعلى العالم كله ‘  وكنت قد إنتهيت من إعداد المجلة عدد أكتوبر 2003 ‘ وكانت العادة بعد الإنتهاء من إعدادها أن أرسلها للدكتور كراس ليراجعها ويعيدها إلي لأرسلها للمطبعة فى كنداوهكذا ‘ وفوجئت بالدكتور كراس يطلب منى أن أرسل المجلة للمطبعة مباشرة ‘ وعندما سألته قبل أن تراجعها ‘ أخبرنى بأنه سيسافر الأسبوع القادم فى رحلة 15 يوما ‘ وكانت النية أن يقوم فى هذه الرحلة بتوحيد الهيئات القبطية فى أوروبا فى منظمة واحدة ورابطة قوية أمام المتغيرات فى العالم ‘ وتحدث معى فى عدة أمور أدخلت القلق فى قلبى ‘ لأنه كان يتكلم وكأنها آخر مكالماته لى‘ ويمكن كان ذلك هو السبب فى أننى لم أرسل المجلة للمطبعة حسب طلبه لأننى قلت عندما يعود من رحلته لابد أن يراجعها ‘ ومازالت نسخة هذه المجلة فى أدراج مكتبى حتى اليوم ‘ لقد إنتقل الدكتور كراس إلى السماء فى 3 أكتبر 2003 ‘ولم يهتم أحد بالسؤال عن المجلة لسان حال الأقباط ‘ لأنه يوم كان جسده الطاهر مسجى بالكنيسة ‘ يوم أن إنحل عقد الهيئة وإنفك ربطها ‘ وكأن كل المخطط كان جاهزا بعد رحيل الرجل ‘ وكانت المؤامرة أقوى منا جميعا ‘ وبدأ التنفيذ فورا ‘ ونجح هؤلاء فى إنهاء قلعة الهيئة القبطية الأمريكية ‘ التى كانت تهز القصور فى مصر ‘ وعمل العديد من الأشخاص وكلهم معروفين بالأسم فى دفن الهيئة الحية وكتم أنفاسها طوال ال15 عاما الماضية وحتى يومنا هذا.
وأذكر إننى إمتنعت عن دخول الهيئة لسنوات لإعتراضى على مسارها والذى كنت مقتنعا أنهاسقطت فى أيدى أعدائها ‘حتى دعانى الأخ نبيل إسكندر والدكتور منير داوود يوما للعودة وكلفونى يومها بأن أتولى سكرتير الهيئة ‘وظللت ولو إسميا – لرفضى تصرفات كثيرة لا داعى للخوض فيها الآن –وحتى 24 يولية 2016 لإعادة تنظيم الهيئة بعد وفاة الدكتور منير داوود ‘ويومها إخترنا بالإنتخاب الأخ عادل عجيب لرئاسة الهيئة ويومها أيضا كلفت ان أظل سكرتيرا للهيئة ووافقت ‘ وفى محضر هذا الإجتماع الذى أدرته بنفسى ‘ قد حددنا مدة سنتين قابلة للتجديد ‘ لإعادة تنظيم الهيئة وإعادة ربطها ‘ وتعود للطريق المرسوم لها سواء فى قانونها المسجل بولاية نيوجيرسى أو بما تعلمناه من الدكتور كراس ‘ كان أملى وقتها ان الأخ عادل سيرمم الشروخ ويضمد الجروح ‘ ولكن وللأسف ذهب الأخ عادل بالهيئة التى شكلها من أقاربه وأصدقائه وأرتمى فى أحضان القنصلية المصرية بنيويورك ولم يعد حتى يومنا هذا‘ وهكذا دخلت الهيئة بدورها التاريخى فى سبات عميق وتوجيهات مؤسفة ‘ ولا يصح كشفها بصريح العبارة للأمل فى عودة النائم لأن يفوق ويعود إلى الطريق السليم.

وأذكر أننى كتبت مقالا بعنوان " الصعود إلى القاع" فى 5 أكتوبر 2012  عن  كيف سقط أقباط المهجر فى الفخ أو عش الدبابير أو القضاء على حركات أقباط المهجر إلى الأبد ‘ أو السقوط العظيم ‘وأيضا طعن اقباط المهجر فى مقتل ‘ والعنوان الذى ترددت فى وضعه وكان يعجبنى " سقوط أقباط المهجر فى جيب الإخوان "‘ وقد إخترت هذا العنوان لأن البعض فى عمله كان يظن أنه فى صعود ولكن الحقيقة يهوى إلى الحضيض والقاع‘وكان هذا إشارة الى ماحدث يوم 26سبتمبر الماضى يوم خرج أقباط المهجر فى مسيرات أمام الأمم المتحدة أثناء خطاب الرئيس المصرى الإخوانى محمد مرسى فى الجمعية العمومية ‘ وأيضا أثناء إجتماعه بالفندق بالمصريين فى أميركا‘ والذى حدث أن أخبرنى أحد منظمى المسيرات ‘أنه تم ضرب المسيرة فى مقتل فقد أتصل أحدهم  من مصر وطلب منهم عدم المشاركة فى هذه المسيرات ‘ وبالفعل ألغيت الأتوبيسات التى كانت محجوزة للكنائس صباح التجمع ‘ولم يشارك فى الوقفة الإحتجاجية سوى ثلاث أتوبيسات جاءت من واشنطن وكندا بمتوسط 150 فرد ‘ هؤلاء نظموا وقفة إحتجاجية قوية فى المكان المخصص لهم أمام هيئة الأمم المتحدة وأذاعتها معظم محطات التلفزيون الأميركية وكتبت عنها معظم الصحف ‘ وكان كما تعودنا طوال العقود الأربعة الماضية نقدم إحتجاجنا السلمى والمنظم ونطالب بحقوق الاقباط فى بلدهم مصر ‘ووقف الإضطهادات والتمييز بين المصريين ‘ تقديم قتلة الأقباط للمحاكمة وتحقيق العدالة ‘ هذه الصورة كانت من الخارج ‘أما فى داخل الفندق كان هناك إجتماع الرئيس مرسى بالمصريين ‘ ولأول مرة فى تاريخ جهادنا القبطى فى المهجر منذ بدأ فى نهاية الستينات وحتى الآن ‘ يحضر لقاء رئيس مصر مواطنيين أقباط يمثلون هيئات قبطية بل وبحضور أسقف من أساقفة شرق أميركا ‘وخصوصا رئيسا من جماعة الإخوان المسلمين الذى يحارب وجودهم أغلب المجتمع المصرى اليوم‘ وبغض النظر عما تقدم به الأقباط للرئيس وجها لوجه ‘ وهذا لايهمنى هنا ‘ ولكن ماذا أقول عن هذه الصورة ‘ نصف العائلة يهتفون ضد الرئيس ونصفهم الآخر يهتف للرئيس ‘ إنشقاق أو قصم ظهر الحركات القبطية فى المهجر ‘ أو إحتواء الدولة والقضاء على العمل القبطى فى الخارج ‘ ولجم ألسنتهم عن الدفاع عن حقوق الإنسان فى مصر.
الحقيقة لقد كان أسوأ ماتوقعته طوال حياتى أن أرى ماحدث ‘ لأن هذا كان أمنية غالية لأمن الدولة وللمخابرات المصرية أن تحققه ‘وظلت تعمل من أجله معنا منذ قيام الهيئة القبطية الأمريكية رسميا عام 1974 (ومعها الهيئة القبطية فى أستراليا وكندا ) حتى شهر أكتوبر 2003 ‘عندما إنتقل الزعيم القبطى الدكتور شوقى كراس إلى السماء ‘ وطوال هذه المدة لم تستطيع الدولة المصرية إختراق العمل القبطى ‘ كما حدث فى السنوات الأخيرة ‘حتى تفتتت وضعفت المنظمات القبطية التى أصبحت بالمئات فى الخارج بدلا من هيئة واحدة وحدث الإنشقاق بينهما ‘ بالصورة المخزية التى هى عليها اليوم ‘والتى تجلت يوم 26 سبتمبر بشق الصف القبطى رسميا.
وأرجوا ان لا يفهم أحد أننى أطعن فى أى شخص قبطى هنا فى المهجر ‘ فليس هذا إسلوبى ‘ونشطاء العمل القبطى القدامى منهم فى المهجر يعرفوننى ويعرفون الدكتور شوقى كراس رئيس الهيئة القبطية الأمريكية الذى ظل حتى وفاته الزعيم الوحيد لكل الحركات القبطية ‘التى كانت تعمل تحت مظلة الهيئة القبطية فى جيرسى سيتى بقيادته ‘ولأننا فى أوائل التسعينات بدأنا فى تأسيس هيئة قبطية فى كل الولايات المتحدة الخمسين ‘ وكذلك فى دول أوربا ‘ بل أن رحلة الدكتور شوقى الأخيرة والتى توفى فيها فى وسط البحر ‘كانت من أجل تدعيم الهيئات فى أوربا وعمل إتحاد بينها ‘ وقبل أن أستطرد فى الحديث ‘أود أن أتحدث عن كيفية العمل وحصانته من الإختراق ‘لأننا كنا فى حرب شبه يومية من عملاء أمن الدولة أو المخابرات أو من بعض عملاء الأقباط أنفسهم ‘ وهناك شهود عيان على ماأقوله موجودين أحياء فى كل مكان عاشوا معنا هذه الفترة ولهم الحق فى تصحيح ما أقوله.

  وأنا هنا لا أنشر أسرارا لأنه لم يحن وقت نشرها ‘ ولكن أنشر أسلوب عملنا لحماية العمل القبطى من الإحتواء أو ألإختراق وإضعافة ‘ ظللنا متمسكين بأسلوب عمل الدكتور كراس وحتى وفاته ‘ وقد حدث الإختراق فعلا من يوم جنازة الدكتور كراس فى كنيسة كونيتكا كما قلت ‘ وبدأت الصورة واضحة أمامى ‘ لأنه بدأ العمل لضرب العمل القبطى الموحد وجثمانه مسجى أمامنا .
كان محور تعليمات الدكتور كراس للعمل والتى ظللنا متمسكين بها وحتى وفاته ‘وإسمحوا لى أن أكشف بعض منها لأنها كانت من أسرار الهيئة :
لم يكن مسموحا بقبول أى عضو عامل بالهيئة إلا بعد التأكد من خلفيته ودراسة علاقاته سواء بالسفارة المصرية فى واشنطن أو بالقنصلية المصرية فى نيويورك ‘وعدم إرتباطه بأى لقاءات تمت مع أى من اللجان التى كانت ترسلها الدولة للإجتماع مع الأقباط ‘ وقد كان الدكتور كراس قاسيا فى رفت أى من يحضر لقاء لهذه اللجان ‘ وهنا أذكر قصة بطلها أخ عزيز من نشطاء الهيئة الوطنيين بل لا أذيع سرا أن الدكتور كراس كان يعده ليخلفه فى رئاسة الهيئة بعد وفاته ‘ وطلب هذا الأخ أن يحضر لقاء لجنة جاءت من مصر للإجتماع بالأقباط للوقوف على مطالبهم ‘ورفض الدكتور كراس ‘ولكن أخونا أصرعلى حضور هذا اللقاء وفى إجتماع الهيئة التالى رفض حضوره للإجتماع ‘وطلب منى أن أخبره بعدم الحضور مرة أخرى للهيئة‘ وقد حدث بالفعل . 
كان الدكتور كراس صارما فى سرية العمل بالهيئة ‘ ولم يكن يسمح لأحد بكشف قيام الهيئة بالوقفات الإحتجاجية سواء أمام مبنى البيت ألبيض أو الأمم المتحدة أو امام وجود رئيس مصر ‘ إلا للذين سيشاركون فيها وقبل قيامها بيوم أو أثنين ‘ وحتى المنشورات التى كانت تعد شبه يوميا ‘ لا تخرج أى معلومات عنها إلا عند توزيعها ‘ وأذكر أن الدكتور كراس إتصل بى يوما لإعداد منشور ضد السفير المصرى الريدى فى واشنطن ‘لوصول معلومات له أنه تعدى بالقول على قداسة البابا شنودة فى السفارة بأنه يعد دولة قبطية بالمهجر فى الكنائس‘وكتبت منشورا بعنوان المانشيت العريض "إنذار للسفير الريدى " ‘وقد جاء رد الفعل على الفور بنقل السفير الريدى من السفارة ‘ أيضا كان يحافظ على سرية أعضاء الهيئة ‘وكان هناك لستة واحدة سرية للغاية لأعضاء الهيئة بالأسم سواء فى مقرها أو فى كل الولايات وفى كل قارات العالم ‘ وكانت قلة قليلة هى التى تحتفظ بهذه اللسته ‘ حتى إنى أذكر أن بعضهم أتصل بى بعد يومين من جنازته يطلب منى هذه اللسته ورفضت طبعا وقلت له هذه أسرار الهيئة ‘ وكان الإختراق قد بدأ كما قلت وبدأ اللعب على المكشوف لهدم مابنيناه ‘ وأذكر أيضا أن الدكتور كراس كان شديد الحرص على عدم تسريب أى معلومات عن المتبرعين أو ميزانية الهيئة التى كان محاسبا قانونيا يشرف سنويا على إعدادها ‘ حتى أن أحد أعضاء مجلس الإدارة ومن كبار المتبرعين طلب منى يوما أن يعرف حجم ميزانية الهيئة فطلبت منه أن يسأل الدكتور كراس عليها ‘ وقامت القيامة ولم تقعد بسبب رفضى ذلك ‘ وكانت النتيجة أن أصر هذا العضو الكبير بخروجى من الهيئة وهدد بعدم التبرع لها ‘ ولكن الدكتور كراس أطاح به فى سبيل الحفاظ على أسرار الهيئة.
ظل الصراع من أجل إختراق الهيئة القبطية وإنشقاقها شرسا وبضراوة ووصل إلى قمته فى عام 97 فى الإجتماع المشهور فى فندق هيلتون ‘ وحاولوا الإنقضاض على الدكتور كراس وإهانته وأصر على حضورى الإجتماع وكنت قد رفضت مسبقا لعلمى بالمخططات التى إستهدفتنى شخصيا ‘ ولوجود بعض الأعضاء كان قد أخبرنى بأنهم عملاء مندسين لهدم الهيئة ‘ وكان إصراره بشدة حتى أنهم هددوه أيضا بشدة ‘ ولن أدخل فى تفاصيل هذا الإجتماع المشئوم ‘وأغلب الحاضرين مازالوا على قيدالحياة وكل منهم يعرف دوره وماقام به ‘ ولكن الدكتور كراس خرج منه منتصرا‘ وظل متمسكا بسرية العمل داخل وخارج الهيئة وحتى وفاته ‘ وحتى جنازته لم يستطع أحدا إختراق الهيئة أو إضعاف العمل القبطى .
وأود فقط أن أن أذكر نقطة مهمة فى إصرار الدكتور كراس بعدم لقاء أى من اللجان التى ترسلها مصر ‘كان رأيه وهو حق ان الداخل وسطهم سيخرج خاسرا لأنهم مجموعة من أمن الدولة والمخابرات يريدون معرفتنا ليفتتونا ‘ وثانيا أنهم لن يغيروا شيئا فى معاملة الدولة للأقباط ‘ هم يريدوننا عبيدا للعبيد ‘وكانت هذه إحدى أقواله المشهوره ‘وكانت شدته والمهمة أنه لم يكن يقحم الكنيسة القبطية فى أميركا أو فى مصر فى عمل الهيئة ‘ ولوإن أغلب كفاحنا كان من أجل الكنيسة القبطية ولكنه كان حريصا على عدم مشاركتهم فى العمل السياسى ‘ رغم علاقاته الطيبة وحب جميع الأساقفة له ‘ فكان له موقف مشهور فى ذلك الأمر.
ولأنه جاء مقالى اليوم ونحن قريبين على ذكرى أنتقال هذا الرجل إلى فردوس النعيم ‘ وكان رجلا قديسا قبل أن يكون زعيما للأقباط ‘ أطلب النياح لروحه فى موضع خضرة على ماء الراحة ‘فى أحضان آبائنا القديسين ‘وذكراه العاطرة كما الصديقين تدوم الى الأبد.
ونحن اليوم نقول أن الشمس لم تغب بعد ‘ فهناك الكثيرين من الأقباط من أعضاء الهيئة القدامى على قيد الحياة ‘ والكثيرين من شباب الأقباط المحبين لدور الهيئة القبطية ‘والمؤسف مايحدث الآن من مسئولى الهيئة اليوم والعار الذى جلبوه علينا وعلى دور الهيئة الحقيقى ‘ وتصرفات مريضة وخانعة ودور مرسوم لوقف مسيرة هيئة ظلت تعمل لصالح شعبها القبطى عقودا طويلة ‘ وهناك ظلام دامس وغيوم على مالية الهيئة وأموال تتسرب للصرف على أمورمؤسفة ‘ وتبادل الشتائم والإعتداء اللفظى على أقباط شرفاء ‘  حتى منع الشعب القبطى من دخول الهيئة بالبوليس ‘ وهذا الشعب هو الذى تبرع بشراء هذا المبنى يمنع من دخوله‘ وغيرها أمور مؤسفة يخجل منها الجميع ‘ ففى الحقيقة أن المنظمة القبطية تحتاج الى نهضة تعود بها للجذور العميقة كأبناء الشهداء والثوار الأقباط الذين يتشرف بهم الجميع وبتاريخنا المجيد ولأمتهم القبطية ‘الأمر يحتاج إلى إعادة ترتيب البيت من الداخل ‘ لمافيه الصالح للشعب القبطى ولتمثيل حقيقى يشارك بكل وطنية فى نهضة مصر وشعبها ‘ وأكرر " الشمس لم تغب بعد"