د. مريم المهدى تكتب: عبرنا الزمن وغيرناه.. الاقتصاد.. والارهاب.. والدستور.. والمستقبل

د. مريم المهدى تكتب: عبرنا الزمن وغيرناه.. الاقتصاد.. والارهاب.. والدستور.. والمستقبل
د. مريم المهدى تكتب:  عبرنا الزمن وغيرناه.. الاقتصاد.. والارهاب.. والدستور.. والمستقبل

*  مصر عبرت الزمن وغيرت رؤية الراي العام العالمي:

أن الاوان ان يكون من حق جميع المصريين، إلا من فى نفوسهم مرض أن يفرحوا ويظهروا تفاؤلهم بمستقبل قريب مشرق لوطنهم، بدأت تباشيره فى الظهور مع هذا السيل المنهمر من تقارير المؤسسات المالية العالمية وفى مقدمتها البنك الدولى وصندوق النقد تؤكد أن مصر عبرت عُنق الزجاجة بالفعل، وأن ما ينتظرها فى القريب العاجل هو المزيد من التقدم فى جودة حياة كل المصريين لأسباب عديدة:

 * أولها : أن الاقتصاد المصرى سوف يُحقق العام الحالى معدلات نمو تصل إلى 7ر5 فى المائة، وهذا ما تؤكده أرقام الحكومة المصرية (8ر5 فى المائة) بما يُشير إلى توافق كامل بين رؤية مصر ورؤية المؤسسات المالية الدولية، ونجاحها فى تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الجريئة لم تستطع عهود سابقة المجازفة باتخاذها أدت إلى تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، وبينها ارتفاع معدلات النمو، وتراجع معدلات البطالة من 14% لتصل إلى 10% تمثل أدنى مستوياتها، وانخفاض عجز الموازنة وعجز الميزان التجارى إلى 4ر2% مقارنة بـ 6ر15% فى الماضي، وتراجع معدلات التضخم من 33% العام الماضى إلى 11.4%، وزيادة إحتياطيات النقد الأجنبى إلى مستويات تاريخية لم تحدث من قبل، وثانيها : أن المواطن المصرى سوف يشعر كما تقول تقارير البنك والصندوق فى حياته اليومية بالضرورة بنتائج الإصلاح من الآن فصاعداً بعد زيادة معدلات الإنتاج وارتفاع الصادرات الملحوظ والانخفاض المستمر فى قيمة الدولار إزاء الجنيه، كما أن مظلة الأمن الاجتماعى اتسعت لتشمل الآن 10 ملايين مواطن فى برنامج تكافل وكرامة، وثالثها :  أن بنية الاستثمار فى مصر تشهد تحسناً مطرداً جعل مصر أكثر قدرة على جذب استثمارات جديدة بمعدل يفوق المليارى دولار كل شهر، كما تم اختيار مصر للمرة الثانية كأفضل دولة للاستثمار عام 2019 فى إفريقيا، ورابعها:  أن شهادات صندوق النقد الدولى لم تأت من فراغ، وإنها سبقها بعثة دولية من الصندوق قامت بعملية مراجعة شاملة لجميع الملفات الاقتصادية خلال زيارة أخيرة تمثل الدفعة الأخيرة من القرض المصري، وساند تقرير صندوق النقد الدولى عدد من التقارير المالية العالمية أبرزها، تقرير البنك الدولى بعنوان مصر- الآفاق الاقتصادية وتقارير مجلة جلوبال فاينانس ووكالة موديز لخدمات المستثمرين وفيتش الدولية للتصنيف الائتماني، وخامسها : شهادة كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولى الأخيرة التى توجت كل هذه الشهادات وأكدت مصداقيتها عندما أعلنت لاجارد أن مصر حققت فى برنامجها للإصلاح تقدماً إقتصادياً كبيراً يؤكد نجاحها فى تحقيق استقرار الاقتصاد الكلى لمصر، وزيادة معدلات النمو وهبوط عجز الموازنة على نحو متواصل، وأن المستقبل الاقتصادى لمصر سوف يكون باليقين أفضل كثيراً، إذا نجحت مصر فى البناء على ما تحقق بالفعل والحفاظ على إجراءاتها الجديدة التى تتسم بالشفافية والمساءلة والحوكمة الرشيدة وأن النتيجة المؤكدة لهذه الجهود المصرية هى ضمان مستويات معيشية أفضل لكل المواطنين، ومن المؤكد أن أهم ما جاء فى شهادة لاجارد اعترافها الواضح بوعى المصريين الناضج وصبرهم والتزامهم الكامل بعملية الإصلاح رغم صعوباتها العديدة على فئات واسعة من الشعب المصري، بما يؤكد قدرة مصر المتزايدة على بناء اقتصاد قومى وتنافسي، لأن الواضح والكلام لا يزال على لسان لاجارد، أن مصر لديها الإرادة السياسية الكاملة والرؤية الشاملة الصحيحة، والحرص على المضى قدماً فى تحسين جودة حياة كل المصريين..، وإذا كان من المهم أن نقول لكل المصريين، شكراً جزيلاً لقد صبرتم كثيراً وكافأ الله صبركم بهذا النجاح العظيم، فما الذى فى وسعنا أن نقوله لجماعة الإخوان التى تتمنى الهلاك لمصر وشعبها وجيشها فى حرب أهلية ضروس سوى موتوا بغيظكم بعد أن خيب الله رجاءكم لأن مصر سوف تنجح وتنتصر، لقد انتهى الدرس وفاتكم القطار على الرصيف!، ولا عزاء للشامتين الكارهين .

 

 

* كيف نصنع دوله عصريه تليق بمكانة وتاريخ مصر :

الدولة بمعناها العصرى شعب وأرض وقانون ينظم العلاقات ويحددها، قانون متجدد يلتزم به كافة المواطنين ، وليس تشريعا دينيا يصيب أصحابه ومنتسبيه فقط ، فليس على غير المسلم من مواطنى الدولة الالتزام بأحكامه وحدوده ونواهيه تحت دعاوى أنها بلد إسلامى ، إلا لو لجأت للغلبة ، ولا تتصف الدولة بديانة محددة ، فهى لا تكافئ بدخول الجنة إن أحسنت وتعاقب بالنار إن أساءت . لم تكن هذه النصوص والأحكام عامة وشاملة، على كل المسلمين فى بقاع الأرض، بل كانت محلية النشأة مرتبطة بأعراف وتقاليد وعادات وأنظمة كانت ضاربة فى أعماق مجتمع هذه الفترة قبل الإسلام، فكانت لها هذه الأحكام وهذه النصوص، ولم يكن من اللازم أن تكون هذه العادات وهذه التقاليد وهذه الأنظمة لها وجود فى المناطق الأخرى المجاورة، أو البلاد المفتوحة، ولا كان من اللازم أن تتجاوز هذه العادات وهذه التقاليد من الزمن ما يتجاوز عمر النبى، لارتباطه بالسماء تشرع له وتجيب عنه ما سأله الناس حتى تتلاشى، وتختفى بحكم الزمن مثل (المؤلفة قلوبهم، الرق، ملك اليمين، الجهاد) وكلها وغيرها تلاشت وتتلاشى على فترات متقاربة ومتباعدة وهلم جرا.

فهذه الأحكام زمانية مكانية، والعبادات لا زمن يوقفها، ولا مكان يعطلها، فالرسول قد أقام دينا (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى) لم يقل أكملت لكم دولتكم. فكيف لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وأحصاها حتى دخول الخلاء، والدخول إلى الجماع «وقدموا لأنفسكم» وقصص الأولين والآخرين، ولم يذكر لنا فى كتابه أو سنته عن تنظيم الحكم أو اختيار الحاكم، فكل خليفة كان له بيعة مختلفة عن الآخر .وبوفاة النبى انقطع شكل الدولة التى أسسها على ما كانت عليه، وانقطع الوحى واتصال الأرض بالسماء، فى المشورة والإجابة، وأصبح من حق الناس إقامة دولتهم على أسس يرونها صالحة لهم، إلا أن الحكام قد أسبغوا على حكمهم الصفة الدينية والقداسة، للحصول على مزايا ومنافع، ولم يكن أمامهم من سبيل إلا تثبيت عقيدة  «الإسلام دين عام» «ودين ودولة»  حتى يكون الحل الأمثل هو إقامة الخلافة الإسلامية بما فيها من المزايا والقداسة .  

 

 

*  الدين يصنع قبيلة ولا يصنع دولة :

 سيظل  مشروع وفكرة لدولة الدينية مهددة بالفشل والإخفاق ، كما فشلت كل الدول الدينية من قبل مهما امتد عمرها ، فإن روح القبيلة السائد ، وإعلاء طرف على الآخر، واستعلاء واستقواء دين على الأديان الأخرى، واعتبار أصحابها ذميين فى عهدة أصحاب هذا الدين، وعلى هوى ومزاج فقهائه، وإهدار قيمة المواطنة، فإذا كان هذا هو السند وهو الضابط للحكم فى الدولة الدينية، فهو أيضا من يحمل عوامل الانهيار الكامل والتخلف والدمار. وليس ادل علي ذلك من ان  بعد وفاة النبى  وقبلها :  بعد وفاة النبى زاحمت روح القبيلة أفعال الخلفاء والحكام، وأطلت   بشرورها  من جديد، ففضلوا المهاجرين من قريش على المهاجرين جميعا  وميزوا المهاجرين على الأنصار، والأوس  على الخزرج، والمهاجرين والأنصار على باقى العرب، وفضلوا العرب على العجم وعلى الموالى، وميزوا الموالى على أهل الذمة، وأهل الذمة على الوثنيين، وكان هذا إساءة للجميع عدا الصفوف الأولى منهم، حتى أنهم قد اغتروا وتجبروا وتكبروا وقصروا منصب الخليفة على القرشيين فقط، ويرى هؤلاء أن دولة مسلمة فى أقصى الشرق أو الغرب تبحث عن حاكم قرشى بجلباب أو لحية حتى لو جاءت به من كهف سحيق، دون علم، يقود الأمة والخلافة، وتكون على يديه الكريمتين صلاح الحال!! وكان كل فريق منهم يسىء للآخر منهم وعليهم، فانقلبوا على بعضهم، وناصبوا بعضهم العداء، وناصبوا وناصبهم الغير العداء أيضا. د. طه حسين يقول (لم تكن الخصومة بين قريش والأنصار، بل تجاوزتها إلى القبائل الأخرى، وتجاوزت العصبية العرب كافة، فتعصبت العدنانية على اليمنية، وتعصبت مضر على عدنان، وتعصبت ربيعة على مضر، وانقسمت مضر على نفسها، وانقسمت ربيعة على نفسها، وتشعبت هذه العصبيات فكان لها فى الشام والعراق وخراسان والأندلس وهذه العصبية هى التى أزالت الخلافة الأموية)، وظلت هذه النعرة القبلية منهجا وطريقا يسلكونه،في الخلافات المتتاليه  حتى يومنا هذا، فكان مصير حكمهم، بل وعلاقاتهم بالناس أجمعين، حتى من مذاهب دينهم نفسه، العداوة والبغضاء والخصومة والمشاحنة ..

 

              

* معارك سيناء الطاحنه وفلول الارهابيين ولماذا لم يتم تنفيذ احكام اعدام رؤوس الافاعي  الاخوانيه في السجون حتي الان  : 

على مدار الايام الماضية  تصدت أجهزة الأمن لاعتداءين إرهابيين خسيسين أولهما أمام مسجد الاستقامة بالجيزة ومحاولة عناصر إرهابية إلقاء قنبلة بدائية على قوات الأمن.. نجحت الشرطة فى تفكيك العبوة وأبطلت مفعولها.. وأيضا تصدت و لقنت قواتنا المسلحة بسيناء فلول الإرهابيين درسا قاسيا، حيث قتلت 7 إرهابيين من بين مجموعة حاولت مهاجمة أحد الارتكازات الأمنية بشمال سيناء.. وأُستشهد فى العملية بطل من أبناء مصر الأبرار.

التوقيت الذى جرت فيه العمليتان الإرهابيتان يحمل رسائل واضحة من حيث الزمن والمكان.

الأولي: أن العناصر الإرهابية المعروف تمويلها وانتماؤها سعت للتشويش على حدثين بالغى الأهمية والدلالة لمصر، وهما رئاستها الاتحاد الافريقى والزخم الكبير لهذا الحدث إقليميا ودوليا ثم مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى كمتحدث رئيسى فى مؤتمر ميونيخ للأمن بما يحمله ذلك من دلالات قوية على عودة مصر كقوة اقليمية رئيسية بالمنطقة.. وكلاعب رئيسى على صعيد كل الملفات سياسيا وعسكريا واقتصاديا أيضا.

الثانية: هى محاولة هذه الشرذمة اليائسة الإيحاء بأن مصر ليست آمنة فى حواضرها وبواديها.. وهو ما ردت عليه أجهزتنا الأمنية ــ جيشا وشرطة ــ مؤكدة بتر الأيدى التى تمتد لمصر وشعبها بسوء.. من هنا جاءت كلمات الرئيس فى مؤتمر ميونيخ للأمن واضحة ولجميع الأطراف.. قال: الإرهاب ظاهرة تحتاج إلى تكاتف دولى لمواجهتها والقضاء عليها.. فلا تسمحوا للمتشددين والمتطرفين بأن يقودوا مسيرة لهدم الشعوب، الإرهاب ظاهرة بغيضة وهو التهديد الأول لمساعى تحقيق التنمية.. مما يستلزم تضييق الخناق على الجماعات والتنظيمات التى تمارس الإرهاب. أو الدول التى ترى فى غض الطرف عنه، بل فى حالات فجة تقوم بدعمه كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية ومطامع اقليمية. مصر أول من نبهت لمخاطر الإرهاب وعانت منه سنوات ومازالت.. وقالها الرئيس مرارا... نحن نواجه الإرهاب نيابة عن العالم.. وآن الأوان ليتحمل الجميع مسئولية المواجهة.. أبدا لن تنال هذه الشرذمة من مصر فقد عقد شعبها العزم على أن يسحق تحت أقدامه كل من يريد جذبة للوراء أو يعوقه عن مواصلة مسيرة التنمية. ولكن هناك علامة استفهام كبري بعدم تنفيذ احكام الاعدام الصادرة ضد قيادات الاخوان  بالسجون وارتباطهما بما يحدث من ارهاب واهدار دماء شباب مصر من الشهداءوالادله كثيره منها : 

ان ما يحدث فى سيناء سيتوقف فى نفس الثانية التى يتراجع فيها السيسى عن انقلابه وعندما يعود الرئيس والشرعية».. تصريح أدلى به أمام وسائل الإعلام القيادى الأبرز بجماعة الإخوان الإرهابية، محمد البلتاجى الذى يتم تغذيته و«علفه» فى السجن، ما يُؤكد بشكل حاسم وجازم، أنه وزملاؤه بالجماعة وراء كل العمليات الإرهابية التى تتم فى مصر، ماذا وإلا كيف نفسر قدرة «البلتاجى» على إيقاف كل ما يحدث من عمليات إرهابية وحصد أرواح خير من فى مصر ضباط وجنود الجيش والشرطة، لو لم يكن لجماعته اليد الطولى فى تحريك الإرهاب فى سيناء والواحات والصعيد، ورغم هذا الاعتراف المسجل صوتا وصورة، لم يتم تنفيذ أحكام الإعدام فى حقه وزملائه!!

 

مقولة البلتاجى، وشهادة خيرت الشاطر بتسليح اعتصام رابعة، منذ سنوات، ثم تهديدات محمد ناصر على الهواء مباشرة بقتل الضباط، وتشفى كل قيادات الإخوان ودراويشهم فى استشهاد ضابط أو جندى، بالجيش أو  الشرطة، إنما يطرح أسئلة مهمة، لماذا استغرق نظر قضايا قيادات الإرهاب فى السجون كل هذه السنوات الطويلة؟! إذا وضعنا فى الاعتبار أن القيادات الإخوانية والإرهابية فى السجون، هم رؤوس الأفاعى الذين دشنوا للعنف والإرهاب، وغرس أنياب أفكارهم السامة فى عقول الشباب الأبرياء!!

 

نعم، دماء ضباط وجنود الشرطة العطرة، تصرخ وتتساءل عن سر عدم الانتهاء من إجراءات محاكمة رؤوس الفتنة فى السجون، طوال 6 سنوات كاملة..؟! ولو تم تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة فى حق هؤلاء، فإنه سيكون بمثابة قطع رؤوس الحيات، وعبرة لمن لا يعتبر..!!

 

الأخطر أن عدم تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة فى حق هؤلاء الإرهابيين والمتطرفين، يعطى أملا للذين خارج السجون، فى إمكانية خروجهم يوما، وعودتهم للحياة، ما يبث الطمأنينة غى نفوس الخلايا النائمة خارج السجون، واستمرارهم فى تنفيذ عملياتهم الإرهابية «الفردية» من باب إثبات الوجود فقط.

 

والحقيقة أن أسئلة عدم تنفيذ أحكام الإعدام فى حق رؤوس الأفاعى، قيادات الإخوان الإرهابية، تشتعل داخل صدور شرفاء هذا الوطن الذين يدافعون عن أمنه واستقراره، ويتحملون كل المتاعب والمشاق والمصاعب من أجل نهضته، ويقدمون فلذات أكبادهم فداء للدفاع عن مصر ومقدراتها.. والإجابة عند قضاة مصر الشرفاء فقط..!

 

 

 

*  الدستور ومستقبل مصر :

الدستور وثيقة مُنشئة وكاشفة فى نفس الوقت، فهو يخرج من توصيف الحاضر وخبرة الماضى ليصوغ المستقبل، من هنا فهو أهم وثيقة فى البلاد وأكثرها تأثيراً فى مناحى الحياة المختلفة، لذلك فإنه يتمتع باستقرار نسبى، ومن غير المُستحَبّ العبث به أو العدوان عليه، ولكنه أيضاً ليس صنماً يُعبد أو مزاراً مقدساً نطوف حوله، لذلك فإنه ابن ظروفه ووليد البيئة الثقافية والاجتماعية والمناخ السياسى، إنه ليس كياناً لقيطاً، بل هو ابن شرعى للوطن فى ظروف معينة، يستوعب كافة التغييرات ويتهيأ لكل الاحتمالات، لذلك فإن الذى وضعه- وهو الشعب- قادر على تعديله إذا اقتضت الضرورة ذلك لصالح البلاد والعباد، شريطة ألا يكون الأمر صادراً عن غايات محدودة أو أهداف ذاتية، ولعلنا نشير هنا إلى الملاحظات التالية

أولاً:  إن دستور 2014 قد صدر فى مرحلة ضبابية نتيجة آثار ما جرى بين انتفاضتى الشعب المصرى فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، وبذلك انعكست عليه روح تلك المرحلة الانتقالية بكل ما لها وما عليها، فركز واضعوه على ردود الأفعال لفترات سابقة وربما تصفية حسابات مع نظم سقطت، فكانت لغته تنطق بالمعاصرة والرغبة فى التجديد وإغلاق الأبواب والنوافذ على الماضى حتى لا يعود من جديد، وذلك أمر لا بأس به..

.. ولكن الأمور تغيرت والأحوال تبدلت وأصبحنا نفكر فى المستقبل بطريقة مختلفة، بعد حزمة كبيرة من القرارات غير التقليدية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، كما أن المناخ العام قد تغير، والبيئة الحاضنة للعمل السياسى قد تحولت هى الأخرى، لذلك لم يعد مستغرباً أن يكون هناك تفكير فى تعديل دستورى يستوعب معظم المستجدات التى حدثت فى السنوات القليلة الماضية، ويكفى أن نتأمل ديباجة دستور 2014 التى تلخص لنا المزاج العام لواضعى ذلك الدستور، وفيهم نسبة من النشطاء السياسيين أكثر مما فيهم من الخبراء الدستوريين، وعلي راسهم برهامي قائد السلفيه بمصر والكاره المحرض وصاحب الفتاوي المضلله  التي جعلت من  تعايم الدين  مجالا للسخريه والاشمئزاز .. المناخ الذي تم فيه وضع هذا الدستور اختلف وتبدل تماما , كذلك فإن المزاج الشعبى حالياً أكثر إحساساً بالواقع وانصياعاً لضرورات بناء المستقبل وتشييد دعائمه ، بعد معاناة معيشية فى السنوات الأخيرة تحملها الأغلب الأعم من المصريين لأنهم يدركون أننا على الطريق الصحيح من أجل مستقبل أفضل.

ثانيًا:  تمر مصر بمرحلة مختلفة عما كانت عليه منذ سنوات قليلة مضت، فالدولة تستعيد هيبتها والأمن يسترد جزءاً كبيراً من عافيته، فضلاً عن تطورات أخرى شهدتها المنطقة، جعلت المصريين يشعرون بأن قوله تعالى: «الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» إن لم ينطبق عليهم فى النصف الأول من الآية الكريمة، فإنه قد تحقق فى نصفها الثانى، ولا أدّعى أن كل الأمور وردية، ولكن أزعم أن خارطة الطريق تبدو أكثر وضوحاً من ذى قبل، لذلك فإن ترجمتها من خلال تعديلات ضرورية لبعض مواد الدستور هى أمر وارد، بل كان متوقعاً منذ فترة مضت، إذ إن مدة الرئاسة لا ينبغى أن تقل عن مدة دورة برلمانية أو لا تفى باستكمال خطة خمسية، كما أن غابة التشريعات تقتضى عودة مجلس الشيوخ لكى يكون معيناً لمجلس الشعب فى مهمته التشريعية- ولا أقول رقابياً- لأن زحام المشروعات التنموية والاستثمارات العقارية يقتضى زخماً تشريعياً لم يكن مطلوباً من قبل، فضلاً عن أن مجلس الشيوخ يمكن أن يضم خبرات نادرة وكفاءات عالية تأتى بالتعيين ولا تجد سبيلاً للوصول عن طريق الانتخاب.

ثالثاً:  تتميز المرحلة القادمة بالتوسعات المحتملة والإجراءات الكثيرة، التى يمكن أن تضع قيداً على هامش الحرية ولو لفترة مرحلية يجب أن يتفهم الجميع دلالاتها، إذ إن بناء الدولة الحديثة يحتاج قدراً كبيراً من التضحية، التى تقترن أحياناً بالتضييق على الحريات لفترات محددة تمهيداً لانفراجات واسعة حين يتأكد الاستقرار وتنجح عملية التحديث الشاملة للبلاد، وهذه نقطة جوهرية تحتاج إلى وعى المواطن المصرى بطبيعة المرحلة وما يرتبط بها من تحديات خارجية وضغوط داخلية، مدركين أن زراعة الأمل لدى الأجيال الجديدة هى فى حد ذاتها دليل على صواب الفكرة ومؤشر على وضوح الرؤية.

إن التعديلات الدستورية- أى تعديلات دستورية- يجب أن تخضع لتدقيق شديد لأن الوثيقة العليا للبلاد لا تتغير ولا تتعدل إلا أمام الضرورات التى تقتضيها مصلحة البلاد ويجرى حولها توافق عام يعبر عن إرادة الأمة، ويجب الحذر من أى تعديلات تمس جوهر الحريات حتى تبقى للوثيقة مكانتها الرفيعة وهيبتها الدائمة، كما أن التعديلات لا تتم من أجل أهداف قصيرة المدى، بل يجب أن تنظر بعيداً للمستقبل القادم والأجيال المقبلة، أعود فأكرر إن الدستور ليس صنماً يُعبد ولا مزاراً مقدساً، ولكنه أيضاً ليس وثيقة عادية يُستباح تعديلها ما لم يكن ذلك تجسيداً لإرادة أمة ورغبة شعب ومصلحة دولة!