د. محمد فتحى عبدالعال يكتب: الغوص في أعماق السرطان

د. محمد فتحى عبدالعال يكتب: الغوص في أعماق السرطان
د. محمد فتحى عبدالعال يكتب: الغوص في أعماق السرطان

 يعتبر السرطان من التحديات الصعبة التي تواجه الأوساط الطبية علي وجة الخصوص والبشرية قاطبة بشكل عام وذلك بسبب التزايد المضطرد والسريع لحالات السرطان.

 وكلمة سرطان لفظ لاتيني حيث كان الرومان قديماً يعتمدون في تسمية الأمراض على الظواهر أو الأعراض الظاهرة في المرض ذاته، حيث لوحظ أن الأوردة الدموية المحيطة بالورم السرطاني تشبه إلى حد كبير أرجل حيوان سرطان البحر و سرطان البحر Crab) ) في اليونانية هو (Karkinos) وفي القرن الخامس قبل الميلاد استخدم (ابقراط) الكلمة لوصف الداء الذي يعرف في اللاتينية ((Cancer .

 لم يكن في البداية واضحا سر أختياره لهذا الأسم وقد أرجع (بولس الاجانيطي) وهو طبيب يوناني بيزنطي من القرن السابع تسمية السرطان الي كونه يلتصق بعناد شديد الي الجزء الذي يستحوذ عليه وبالتالي فهو مثل سرطان البحر . تناولت البرديات المصرية القديمة أيضا وصفا لمرض السرطان، وتعد بردية "إيبرس" (1500 قبل الميلاد) كتابا متكاملا لأنواع الأورام المختلفة مع العلاجات المتاحة لكل نوع لكن معظم تلك العلاجات معتمدة على السحر و الرقيات.

في البداية أعتقد الطبيب الهولندي (نيكولاس تيوليب( أن السرطان هو سم ينتشر ببطء وتوصل الي أنه مُعدي مما اضطر أول مشفى للسرطان في فرنسا إلى الانتقال خارج المدينة بالقوة خوفاً من انتشار العدوى بالسرطان !!! وهو الأمر الذي ثبت عدم صحته فيما بعد .

وفي عام 1926 منحت جائزة نوبل بالخطأ لطبيب دانماركي يدعي (يوهانس فيبيغر) وثق حدوث سرطان المعدة بواسطة نوع من الديدان اسماها "سبيروبتيرا كارسينوما" وهو ما ثبت خطأه فيما بعد . ينشأ السرطان من خلية واحدة. ويتم تحوّل الخلية الطبيعية إلى خلية ورمية في مراحل متعدّدة.

وهذه التغيّرات ناجمة عن التفاعل بين عوامل الفرد الجينية وثلاث فئات من العوامل الخارجية يمكن تصنيفها كالتالي: العوامل المادية المسرطنة، مثل التعرض المكثف للأشعة فوق البنفسجية والأشعة المؤيّنة؛ العوامل الكيميائية المسرطنة، مثل الأسبستوس المستخدم في مجال البناء وتسقيف المنازل ومكوّنات دخان التبغ والأفلاتوكسين (أحد الملوّثات الغذائية والتي تتواجد بشكل طبيعي في مجموعة من الأطعمة مثل الفول السوداني وتؤثر تلك المواد، حسب مستويات تواجدها في الأغذية، بشكل خطير على الكبد مما يؤدي إلى الإصابة بسرطان الكبد لدى الإنسان ) والأرسنيك (أحد ملوّثات مياه الشرب)؛ العوامل البيولوجية المسرطنة، مثل أنواع العدوى الناجمة عن بعض الفيروسات .

بالأضافة الي وجود تاريخ عائلي مسبق بالإصابة حيث تلعب الوراثة دوراً في بعض الحالات حيث ترتبط بحدوث طفرات موروثة مثل متلازمة داون وسرطان الدم الحاد وغيرها فضلا عن أن الخلل الهرموني يزيد من سرعة نمو الخلايا والمثال علي ذلك زيادة الإستروجين و التي تعزز حدوث سرطان بطانة الرحم. يستطيع السرطان أن يصيب كل المراحل العمرية عند الإنسان ، ولكن تزيد مخاطر الإصابة به كلما تقدم الإنسان في العمر وذلك يعود، على الأرجح، إلى انخفاض فعالية آليات التصليح الخلوي مع التقدم بالعمر.

 تبدأ رحلة الخلايا السرطانية داخل الجسم في ذكاء ومهارة بمهاجمة الأنسجة القريبة حولها و تكوين أنفاق تستطيع من خلالها الهجرة إلى أماكن أخرى، و هذا ما نسميه بانتشار الورم. وفي سبيل تحقيق ذلك فهي تقوم بـإفراز العديد من الإنزيمات التي لها القدرة على إذابة الكولاجين و الفايبرين و جميع الأنسجة الضامّة التي تربط بين الخلايا المجاورة لها حتى تتفكك تلك الخلايا تماماً .

كما تعمل الخلايا السرطانية وفي حرفية عالية في أنشاء أوعية دموية خاصة للتزود بالأكسوجين والمغذيات للنمو والنشاط هذه الأوعية الدموية الموجودة داخل الأورام لا تشبه كثيرًا الأوعية الدموية السوية والتي تكون مستقيمة تتفرع إلى أوعية شعيرية ميكروية، مشكِّلة بذلك شبكة منتشرة تمد الخلايا بالأكسجين والغذاء. ولكن الأورام التي تحفز نمو أوعية دموية جديدة خاصة بها، تميل إلى تشكيلها على هيئة كتلة متشابكة، وتتصل فيها هذه الأوعية ببعضها عشوائيًا من خلال فروع كبيرة الحجم وأوعية ميكروية متفرقة وغير مكتملة النضج. وثمة مناطق من الورم قد تفتقر إلى وجود أوعية دموية على الإطلاق.

 هذه الشبكة من الأوعية الدموية المضطربة في الورم قد تؤدي الي صعوبة وصول الأدوية والتراكم الخطر للسوائل نتيجة النفاذية العالية لجدران هذه الأوعية. وتعتبر العقد الليمفاوية هي المكان الأول المفضل لهجرة الخلايا الورمية لتعشش فيها ثم تهاجر منها إلى أعضاء وأنسجة أخرى عن طريق الأوعية الليمفاوية الصادرة من العقد إلى تيار الدم ومنه إلى كل مكان بالجسد. وبالطبع هذا الطريق لهجرة الخلايا الورمية لا يمنعها من الهجرة من خلال الأوعية الدموية للوصول مباشرة من خلال تيار الدم إلى الأعضاء المزودة بكثافة بالأوعية والجيوب الدموية مثل الطحال والكبد والرئتين ونخاع العظم.

تنقسم الأورام إلى نوعين رئيسيين هما : الأورام الحميدة (وهي غير قابلة للانتشار وغالباً لاتعود للظهور مرة أخرى بعد إزالتها بالتدخل الجراحي وقد تتحول بعض الأورام الحميدة إلى أورام خبيثة ) و الأورام الخبيثة ( وهي التي لها القدرة على الانتشار إلى أعضاء أخرى في الجسم من خلال كلٍ من الجهازين الدموي والليمفاوي).

وهناك ما يزيد على مئة نوع من أنواع الأمراض السرطانية التي تختلف باختلاف النسيج المكون لها مثل سرطان الثدي والكبد وسرطان الدم النقوي (اللوكيميا) بنوعيه الحاد والمزمن. تتسم بعض أكثر أنواع السرطان شيوعاً، مثل سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم وسرطان الفم والسرطان القولوني المستقيمي، بمعدلات شفاء مرتفعة عندما يتم الكشف عنها في مراحل مبكّرة وعلاجها بأستخدام أفضل الممارسات في هذا المجال. كما أنه يمكن الوقاية من 30% من أنواع السرطانات من خلال بعض الاختيارات البسيطة المتعلقة بأنماط الحياة الصحية ، ومنها الحفاظ على اللياقة والنشاط البدني ، تجنب التدخين، والحد من اتباع نظام غذائي غير صحي ينطوي على تناول كمية قليلة من الخضر والفواكه وتشير بعض الدراسات الي ارتباط بين بعض العادات الغذائية الخاطئة مثل اعادة تسخين بعض الأطعمة من جديد وخطر السرطان مثل البطاطس (إعادة تسخينها يكون طبقة تسمى (أكريلاميد) نتيجة القلي ، وهي مادة سامة، لذا ينبغي تناولها طازجة) و اللحوم (لتكون أمينات الهيتيروسيكليك عند طهي البروتين الموجود في اللحوم الحمراء ، لذا إن كان ثمة ضرورة لإعادة تسخينها، فينبغي أن يكون التسخين على درجة حرارة متوسطة) والكرفس (لاحتوائه علي النيتريت، ولهذا ينبغي تناوله طازجًا وعدم الإفراط في إعادة تسخينه) والبيض بالاضافة الي السبانخ (لغناه بالنترات، ولكن تلك النترات تتحول إلى نيتريت، عند تسخين السبانخ) .كما تشير بعض الدراسات الي أن الافراط في تناول حمض الفوليك (عادة ما يوصف للحوامل ) يزيد من خطر الأصابة بسرطان الثدي كما أنه بمجرد ترسخ الورم فتناول جرعات اضافية منه تؤدي الي تسريع نمو الورم كمن يضيف الوقود الي النار.

هذا التغيير في انماط الحياة الصحية لا يقي من الإصابة بالسرطان فحسب، بل إنه يجعلك تشعر بتحسن ملموس في حياتك اليومية. عادة ما يعتمد علاج السرطان علي اختيار تدخل علاجي واحد أو مجموعة متنوعة من التدخلات مثل الجراحة والمعالجة الإشعاعية والكيميائية. والغاية هي ضمان الشفاء للمرضى وإطالة أعمارهم وتحسين نوعية حياتهم. وذلك تبعاً لنوع المرض ومرحلته والحالة الصحية العامة للمريض، ويكمّل الدعم النفسي كلا من خدمات التشخيص والعلاج . د.محمد فتحي عبد العال صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية