د. مريم المهدى تكتب: استراتيجية القوي الناعمة ومصر الحديثة

د. مريم المهدى تكتب: استراتيجية القوي الناعمة ومصر الحديثة
د. مريم المهدى تكتب: استراتيجية القوي الناعمة ومصر الحديثة

القوة الناعمة :

يقول علماء الاجتماع إن القوة الناعمة هي استطاعة النخبة والصفوة من رجالات الفكر والفن والقادة الضالعين في معترك السياسة، وهي القادرة بعناصرها على الحصول على ما تريد الوصول إليه سياسيًا وفكريًا وعقائديًا، عن طريق الإقناع والجاذبية في عرض الأفكار دون ضغط أو إجبار الغير على اعتناقها أو عن طريق الإغراء بالأموال ـ كما يحدث في بعض الانتخابات ـ وهي ما نسميه في العُرف الاجتماعي بسياسة تزوير الإرادة، وهي أشد وأعنف وأخطر من تزوير الأصوات عن طريق الاقتراع بالصناديق، إذ يكون ـ ساعتها ـ الولاء للمال وليس للمبدأ والفكرة.
وتعتمد "القوة الناعمة" في الأغلب الأعم على قوة الجذب للمضامين الثقافية في المجتمع وسياساته العامة المعلنة فكرًا، ويدعمها التطبيق الفعلي على أرض الواقع، ففي حالة التوافق بين الفكرة والنظرية والتطبيق، يكون الانتصار للمصداقية في قوة الجذب أكثر فاعلية، ويتبعها التزام مؤكد من قبل المنضمين الجُدد في طابور المؤيدين المدركين لدور القوة الناعمه لتتسع  دائرتهم باكتساب عناصر فاعلة قويه   .  

من جانب آخر، يمكن للقوة الناعمة الثقافية ان تلعب دورا كبيرا في احتواء مظاهر التطرف والإرهاب -الفكري والسلوكي-ومحاصرة الحركات والتنظيمات الإرهابية عندما يكون خطابها الثقافي أكثر

 اعتدالا واقناعا، وأقرب الى فهم الناس ومستواهم الفكري. فالإرهاب في الشرق الأوسط اليوم جزء من مغذياته الرئيسة تكمن في الفراغ الثقافي الذي استطاعت ملئه التنظيمات المتطرفة، وهذا الفراغ لا يقل تأثيره عن تأثير السياسات الحكومية الفاشلة التي لم تستطيع استيعاب جميع مواطني الدولة، ولم تنجح في حل مشاكلهم الرئيسة المرتبطة بالتعليم، والفقر، والحرية، والحاجات الرئيسة والجمالية. فوجود بيئة ثقافية جذابة وعملية ومعتدلة ستقلل حتما جاذبية الحركات المتطرفة في داخل الدول، والتيارات الهدامة القادمة من خارجها على التأثير في افرادها وتجنيدهم لمصلحتها، ولا نزعم هنا ان جاذبية هذه الحركات ستنتهي اطلاقا، ولكنها ستضعف حتما، وستكون الأرض الثقافية لهذه البلدان غير خصبة لطروحاتها. علما ان التطرف بمجمله يمثل ميلا مرضيا لا ينحدر اليه الا من يعانون خلل ثقافيا وعقليا، والحكومات في الشرق الأوسط مسؤولة مسؤولية مباشرة عن رفع المعاناة عن مواطنيها؛ حتى لا يكونوا صرعى هذا المرض المميت.

ولا يقل تأثير القوة الناعمة بمنطقطة الشرق الوسط في الميدان الدولي عن دورها في الميدان الإقليمي، فاليوم دول المنطقة متهمة بالتخلف والتطرف والإرهاب والفوضى والعجز المؤسسي والتنموي والتراجع الحضاري الشامل من قبل الرأي العام العالمي، بسبب سياساتها السيئة اتجاه بعضها البعض، وبسبب رداءة منتجها الثقافي المصدر الى الخارج، وبسبب سلوك بعض مواطنيها في الدول الأخرى، ولا يمكن تغيير هذه الصورة فقط من خلال السياسات الحكومية فقط - سبق ان جرى التأكيد على ان موارد القوة الناعمة في جزء كبير منها ليست بيد الحكومات- بل لابد من اشتراك الشعوب في إيصال صورة مغايرة الى العالم، وهذا يمكن ان يتم من خلال التأثير الثقافي الواسع - ثقافة عليا وثقافة دنيا- مما يتطلب إعادة دراسة لطبيعة المنتج الثقافي الحالي ومعرفة كيف يتم تغييره ليعطي انطباعا إيجابيا في أوروبا واسيا وامريكا وغيرها من بقاع العالم، ولا يمكن لهذا المنتج ان يكون مؤثرا الا بزيادة فعالياته في الفن والعمارة والرسم والنحت وتبادل الوفود والنشاطات العلمية والسياحة، فما تحصده هذه الدول من نتائج إيجابية في عيون العالم  

 

 القوة الصلبة :

القوة الصلبه تتالف من عناصر القوة المادية : العسكرية والسياسية والاقتصادية .

والسؤال المهم الان هو هل هناك فصل تام بين القوتين: الناعمة والصلبة من اجل بلوغ النتائج المرغوبة ام ان الدولة بحاجة الى امتلاك مصادر فاعلة في القوتين؟

يرفض المفكر ناي بشكل قاطع منطق الفصل بين القوتين؛ لأنهما بامتزاجهما الفعال يعطيان معنى للقوة الكلية للدولة، غاية الأمر انه يطالب بإيجاد مزيج من موارد القوتين-الصلبة والناعمة-يسمح بخلق جاذبية للدولة تتيح لها الحصول على الإذعان الطوعي من الاخرين، لذا نراه يقول:" القوة الصلبة والقوة الناعمة الطرية تتصل كل منهما بالأخرى ويمكن ان تقويها، فكلتاهما من جوانب القدرة على تحقيق اغراضنا بالتأثير على  سلوك  الأخرين، وتستطيع مصادر القوة نفسها أحيانا ان تؤثر على طيف السلوك كله من القسر الى الاجتذاب  

 

لغة العصر في التاثر والتاثير :

ان الحضارة المعاصرة اليوم ميزتها سرعة الوصول الى الآخرين، وكلما كنت أسرع من غيرك في الوصول الى قلوب وعقول الناس، كلما كنت أكثر جاذبية وإقناعا، ولا تكفي السرعة لوحدها بدون التلقائية 

والبساطة والتواضع والعمق، فإنسان اليوم ذكي جدا وهو يستطيع ان يميز بين من يتكلف العمل لمصلحة حاكم ما او نظام حكم ما، وبين ما هو نابع من صميم القلب والوجدان. والثقافة الشرق أوسطية لديها الكثير لتقدمه الى العالم، لكن حكوماتها، وشعوبها بدرجة أو أخرى لا تلتفت الى ذلك، او لا تمتلك المهارة والنية لفعل ذلك، أو انها متخوفة من فعل ذلك، وفي الحالة الأخيرة يكمن ضعفها المطلق، فكما يقال في المثل: الكهف الذي تخشى الدخول اليه هو الكهف الذي يحتوي على الكنز الدفين الذي تبحث عنه. فالخوف من الانفتاح على ثقافة الاخرين والتواصل معهم، هو الذي يفقدنا القدرة على جذبهم والتأثير فيهم. ووجود بنية ثقافية مؤثرة بحاجة-أيضا-الى إعادة النظر في سياسات الاعلام في عموم بلدان الشرق الأوسط، فهذه البلدان بحاجة إلى استراتيجية إعلامية جديدة ومغايرة للاستراتيجيات الحالية استراتيجية ترتكز على الاحترافية والحرية      والاستقلالية والاتساق مع الحقيقة ، والشفافية للوصول الى المعلومات وكشف الحقائق والتعبير الصحي عن اختلافات الرأي

 

مصر وتطور القوة الناعمه :

كما كان للقوة الناعمة بمختلف أدواتها دورها فى نشر التواجد الأمريكى فى مختلف أنحاء العالم، لعبت «القوة الناعمة» دورا كبيرا أيضا فى تكريس دور مصر فى محيطها الإقليمى والقارى، وهو ما برز فى حقب تاريخية بعينها، أبرزها فترة حكم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، والذى بدا مدركا وواعيا لتأثير ما تملكه مصر من أدوات للقوة الناعمة تستطيع النفاذ بها إلى محيطها الإقليمى والقارى، كالتاريخ والرصيد الحضارى والثقافة والفنون والمؤسسات الدينية البارزة «الأزهر والكنيسة»، فكان للقاهرة ما كان من دور فى قارة إفريقيا وفى المحيط العربى، بل وعلى امتداد مساحات واسعة من الساحة الدولية، وهى استراتيجية تبدو القاهرة فى أشد الاحتياج لاستعادتها واستنهاض آلياتها خلال المرحلة الحالية التى تمر بها، حيث عاشت البلاد على مدار الأعوام الأربعة الأخيرة ثورتين، أطاحت أولاهما بنظام لم تتوقف أوجه القصور لديه وأسباب الثورة عليه على حجم الفساد الواسع الذى انتشر فى عهده، وطال غالبية مؤسسات وقطاعات الدولة، أو حجم التفاوت الطبقى الذى وصل إليه طوال سنوات حكمه، حتى صارت مقاليد السلطة والثروة فى البلاد فى أيدى قلة قليلة من المحيطين برأس الدولة والمتنفذين فى الحزب الحاكم وقتها، وإنما امتدت أوجه القصور إلى إجهاضه الدور الإقليمى لمصر، وتجاهله لما تملكه من قوى ناعمة، ظلت إحدى أهم أدوات التأثير والنفوذ فى الإقليم لسنوات عديدة، حتى صارت بعيدة عن التأثير حتى فى قضاياها تخص أمنها القومى، كقضية مياه النيل. 

 

30 يونيو والقوة الناعمه  :

خروج المصريين الثانى فى 30 يونيو، أطاح بنظام حكم سعى لاستلاب هوية البلاد لصالح جماعة بعينها، وكان واضحا أنه لو طال عمره فى الحكم لأصاب التشوه ما تملكه مصر من أدوات القوة الناعمة، وفى المقدمة منها الثقافة، والفنون، والعمق التاريخى، وربما فقدان تلك الأدوات، فى ظل ما هو معروف من عداء جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسى لمثل هذه الأدوات، وتعاملها معها بنظرة تقلل من تأثيرها، وربما ترى فى بعضها تضييعا للوقت والجهد، فيما يصطدم بتوجهات المصريين، التى لطالما دعمت تلك الأدوات، وأبدعت فى ابتكار أشكال لها، سواء كان ذلك حين دعمت الدولة تلك التوجهات فى عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، أو حين لم يكن للدولة المصرية ملامح وقت أن تمت الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وأسند أمر قيادة البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حيث خرجت عشرات من الوفود الشعبية، قاصدة بلادا أفريقية وعربية، فضلا عن بلاد ارتبطت مصر بعلاقات قوية معها فى وقت من الأوقات كروسيا والصين، واستهدفت تلك الوفود استعادة بعض من تلك العلاقات، وجبر الضرر فيما لحق بها فى عهد مبارك، وخاصة فيما يتعلق بالروابط مع القارة الإفريقية، وفى القلب منها منطقة حوض النيل. 

مصر الدولة الجديدة بعد 30 يونيو:

 وبالنظر إلى الوضع فى مصر حاليا، فإن هناك نظاما جديدا، أعلن منذ إسناد مقاليد الحكم إليه أنه يستهدف بناء دولة جديدة، وتحقيق تنمية شاملة، كما أعلن أنه يستهدف استعادة واستنهاض الدور الإقليمى للقاهرة، وهى أهداف يتطلب تحقيقها من بين ما يتطلب، استنهاض كل أدوات القوة والتأثير لدى الدولة المصرية، مع ملاحظة أن عبئا جديدا يضاف على الدولة الجديدة، ويتمثل فى أنها تحتاج إلى استنهاض قواها الناعمة فى النفاذ إلى مواطنيها أولا، لاستعادة العلاقة والروابط والتماسك بين الدولة ومواطنيها، بعد أن أصاب ذلك التماسك شرخ واضح فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك والسابق محمد مرسى، وبدا أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يدرك ذلك بشكل جيد، فجاءت خطاباته منذ توليه الحكم، لتعبر بشكل واضح عن رغبته فى أن يكون أبناء الشعب المصرى شركاء فى معركة إعادة بناء الوطن، كما حملت خطاباته مطالبات مستمرة للإعلام المصرى بأن يلعب الدور المنوط به فى التوعية بأهمية المشاركة المجتمعية فى تحقيق خطة التنمية التى تطرحها الدولة، وتحمل ما قد يترتب على ذلك من تبعات معيشية، تتطلب قدرا من الصبر والتحمل، للعبور بالبلاد من عنق الزجاجة، والخروج بها من أزمتها الاقتصادية، إلى آفاق أرحب من تحسين معيشة المواطنين وتوفير فرص العمل للملايين من أبناء الشعب المصرى، ممن يعانون من البطالة منذ سنوات.

 

نقوذ القوة الناعمه علي المستوي الداخلي والاقليمي في مصر :

الطريق إلى استنهاض أدوات القوة الناعمة المصرية واستعادة تأثيرها ونفوذها فى محيط البلاد الإقليمى والعربى، بل وحتى لدى فئات داخل البلاد ليس ممهدا، فهناك تحديات كثيرة على الطريق، ومتغيرات عدة يجب على الدولة المصرية الاعتراف بها، والمبادرة إلى ابتكار طرق للتعامل معها، وعلى رأس ذلك تراجع مستوى كثير مما كانت تملكه مصر من أدوات وخاصة فى مجالات الإعلام والفن وليس ادل علي ذلك كمثال " فيلم الممر  "  االذي جاء مؤخرا ليؤكد أن القوى الناعمة هى السلاح الأقوى لمواجهة الإرهاب، موضحا أن القوى الناعمة المصرية لعبت أعظم الأدوار البناءة.

   إلا عن فيلم "الممر"، والذى عرض على بعض القنوات التليفزيونية المصرية، سواء التليفزيون المصرى، أو on E، بمناسبة الذكرى الـ 46 لحرب أكتوبر المجيدة، والتى تمكنت القنوات المسلحة المصرية من عبور خط برليف، واستعادة سيناء مرة أخرى.

خلق الفيلم حالة من الحنين إلى أجواء هذه الحرب، وكيف استطاعت العسكرية المصرية بعد نكسة 67 أن توجه ضربات موجعة ومهينة للعدو الصهيونى، حتى لحظة لقد حرب 73، كما خلق الفيلم حالة من البهجة لدى جموع الشعب المصرى، والتى لم يسبق لها أن سهرت لتتابع فيلما أمام أجهزة التليفزيون منذ زمن طويل، لكن على    الجانب الآخر، كيف استقبلت جماعة الاخوان الإرهابية هذه الحالة المثالية من الشعب المصرى فى التعاطى مع الفيلم وتقبله، بل والإشادة به.

،مما فضح  واكد أن جماعة الإخوان الإرهابية لا تملك إلا الكذب والشائعات، كاشفا  أن الإخوان لا يفهمون لأنهم عبارة عن أدوات، ولم يكونوا مبدعين أو مفكرين.

   فالريادة التى حظى بها الفن المصرى على سبيل المثال، لعقودة عدة باتت تواجه منافسة لصالح بلاد أخرى، والمكانة الثقافية التى حافظت مصر عليها منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى سبعينيات القرن الماضى وكذلك المكانة السياسية التى حظيت بها مصر على سبيل المثال فى قارتها الإفريقية باتت تناطحها فيها دول أخرى، فهناك تبدل للأدوار الإقليمية، ما بين صعود وهبوط، كما أن دولا وكيانات من خارج القارة السمراء باتت تلعب أدوارا داخلها، وسارعت إلى استغلال تراجع الدور المصرى فيها، لصالح تكريس دور لها فى دول القارة، سواء كان ذلك بهدف أن يكون لتلك القوى الخارجية وفى المقدمة منها اسرائيل وإيران وتركيا تأثير ونفوذ فى القارة يرث النفوذ المصرى، أو لصالح تقوية أدوار دول أفريقية أخرى لتحل محل الدور المصرى، أو على الأقل لتكون مصدر توتر ومشكلات له، وهو ما بدا تأثيره واضحا فى أزمة حوض النيل، التى تصاعدت إلى حد تهديد نصيب مصر والسودان من مياه النيل، حتى اتخذ الرئيس السيسى منهج التفاوض فيها مع قادة أثيوبيا، بهدف التوصل إلى توافق يقوم على الإضرار بحصة مصر التاريخية من مياه النيل، وفى الوقت نفسه عدم إعاقة المشروعات التنموية للدولة الأثيوبية.

 

القوة الناعمة وحماية الامن القومي المصري :

ان هذه القوى الناعمة ـ المفترض إخلاصها لصالح الوطن ـ عليها العبء الأكبر في اتساع "مغناطيس الجذب" للطاقات الخلاَّقة لقوى الشباب، عن طريق شن الحرب الثقافية العقلانية لتغيير المناهج التعليمية وتشذيبها من كل ما يخالف المنطق والعرف في التراث الديني بالذات ـ وبخاصة نظريات عدم قبول الآخر سياسيًا وعقائديًا ـ وهي "اللعبة التاريخية" التي ينتهجها الغرب منذ طرد الاحتلال العسكري من الشرق الأوسط ، فكان الالتفاف عن طريق إثارة النعرات القبلية والطائفية والمذهبية بين الدول العربية والعالم الثالث بوجهٍ عام، وهي ما تسمَّى بالمؤامرة الكونية التي حيكت بليلٍ في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي على يد عتاولة الصهاينة ومؤسسي دويلة إسرائيل "موسى شاريت وبن جوريون"، وقام بدعمها في الثمانينيات الكونجرس الأمريكي، والهدف: تفتيت الخريطة العربية بالتقسيم العرقي والمذهبي!

 

مواجهة الحقيقة وتقديم الحلول الفعاله الناجزة :

والسؤال الحائر الآن على ألسنة المهتمين بالشأن العام ـ ويبحث عن إجابة شافية: هل شبابنا بكل فئاته وشرائحه العُمرية يعلم بتلك المؤامرة وأبعادها؟ بدلاً من الاستغراق في مهاترات التلاسن على صفحات التواصل الاجتماعي التي أتت بكل النتائج العكسية، فأصبحت صفحات "التباعد الاجتماعي" بما يتم عليها من صراعات لا فكرية ولا تستند إلى الوثائق والمستجدات على الساحة الدولية، ولا يعلمون شيئًا عمن يتربصون خلف تلك الحوائط الزرقاء على أجهزة الكمبيوتر

بل يمتد السؤال إلى أعمق من هذا بكثير، فنتساءل: ما دور القوة الناعمة في جعله على علمٍ بإيجاد حلول تخرجنا من عنق الزجاجة، فشبابنا سيتسلم الراية إن آجلًا أم عاجلًا، وعلى عاتقه ستلقى تبعة المسئولية وصياغة الحلول المنقذة، فلا يجب ترك يده في الماء البارد وإقامة منتديات الشباب وبعض المشروعات لا يكفي لغرس الوعي الكافي لإعداده لمجابهة عثرات المستقبل.
المهمة جد ثقيلة، والمسألة لا يجب أن تترك للعشوائية في التنفيذ، ومصير الأجيال الحالية والقادمة في أعناق رجالات الفكر والسياسة والأدب، ولم تعدم ـ ولن تعدم ـ مصر من هؤلاء المفكرين حاملي مشاعل التنوير في كل زمان، والمطلوب الكثير من الحزم في سرعة وضع إستراتيجية يلتزم بها الجميع، حتى وإن كانت يشوبها بعض القسوة في استئصال العناصر المناهضة بالاستبعاد وتنظيف الساحة من أصحاب الأفكار المناوئة التي تعطل مسيرة التنمية، التي تُعد حائط الصد المنيع لكل أبعاد المؤامرة الكونية على تفتيتنا وذهاب عالمنا أدراج الرياح.
فنحن الآن وأمام كل هذه التحديات الصريحة والمعلنة، هل سندفن رءوسنا في رمال اللامبالاة والاندفاع وراء الصراعات المادية الحياتية، وهل سنتغافل عن تلك البنادق المحشوة برصاص الغدر للإيقاع بنا في شرك التقسيم والتشرذم، وأصابع إسرائيل لم تترك "الزناد" لحظة واحدة منذ ظهور كيانها كشوكة في ظهر العرب والشرق الأوسط بصفةٍ عامة، لتحقيق حلم "هرتزل" بإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات  . 
إنه الوطن.. فماذا بعد ضياع الاوطان  وتمييع الهويَّة؟