أخبار عاجلة

د. صلاح هاشم يكتب: خرافـة مواجهـة الفقـر !

د. صلاح هاشم يكتب: خرافـة مواجهـة الفقـر !
د. صلاح هاشم يكتب: خرافـة مواجهـة الفقـر !

حين كانت مصر ترزح تحت وطأة الاستعمار، لم يكن لدى هذه الحكومات المستعمرة برنامج نظامي واحد، يستهدف تحسين أحوال المصريين، أو الحد من فقرهم! فعادة ما كانت هذه الحكومات معهم سياساتحلبُ الضرعِ حتى يجف”.. حتى جاءت أحداث 52 لتمثل نقطةً فارقةً في تاريخ مصر.. حيث استهدفت في مجملها القضاء على الفقر بما يشمله من تغييبٍ للعدل وإهدارٍ للكرامة الإنسانية.. وبالرغم من الجهود التي بذلتها الدولة للحد من الفقر منذ ذلك التاريخ وحتى الآن؛ فإن تقارير التنمية تؤكد أن معدلات الفقر في مصر في تزايد مستمر!

فإذا كانت برامج التنمية تستهدف بالأساس الحد من الفقر؛ فإنها لدينا قد تفضي إلى غير ذلك ! ففى عام 2010م وأثناء مناقشة تقرير التنمية لعام 2009م، طالب أحد خبراء التنمية المصريين رئيس البنك الدولى آنذاك بضرورة زيادة حصة مصر من المشروعات التنموية الممولة للحد من الفقر... فكانت إجابة رئيس البنك الدولى صادمة للجميع.. حيث قال: رغم منطقية الطلب ومشروعيته أحيانا.. لكن واقعكم يثبت غير ذلك.. فقد لاحظنا أنه كلما ضخينا مزيدًا من الأموال لدعم التنمية في مصر كانت النتيجة صادمة؛ حيث يرتفع معدل الفقر وتنخفض عوائد التنمية!

ولعل هذه الجملة بالتحديد هي التى جعلتنى أفتش عن أسباب التناقض الواضح بين برامج التنمية ومعدلات الفقر في مصر.. وهل هذا الوضع مقصور علينا بالتحديد أم أنه ينسحب على كل الدول التي تصنف بأنها فقيرة أو أقل نموًا.. وهنا كانت المفاجئة.. فليست مصر وحدها من تناقضت فيها معدلات الفقر مع التنمية، حيث أشارت معظم التقارير العالمية إلى أنه بعد قرابة خمسة وأربعين عامًا من البرامج التنموية، والمساعدات، وبرامج الاستهداف والمساعدات الاجتماعية للفقراء في الدول الأقل نموا، انخفضت حصة الفرد في هذه البلدان من متوسط الدخل العالمى من 18 % عام 1971 إلى 15 % عام 2012م.. وأن الدول التي صنفت بأنها أقل نموا عام 1971 كان عددها “51” دولة، صار عددها “49” دولة عام 2012م.. أي أن دولتين فقط من غادرتا الفقر هماالصين والهند”!

الأمر يدعونا بقوة أولًا إلى التشكك في مضامين كل برامج التنمية التي تم تنفيذها خلال السنوات الماضية.. وثانيًا إلى ضرورة البحث في التجربة الصينية والهندية في مجال مواجهة الفقر على وجه التحديد.. وأعتقد أننا سوف نصل إلى أن النجاح الذي تحقق كان مصدره السياسات العامة التي اتبعتها هذه الدولة قبل تخصيص برامج لمواجهة الفقر.. والتي أدت إلى انخفاض نسبة الفقر فيهما إلى النصف!

وإذا كان فشل حكومات العالم الفقير ومن بينها مصر يتعلق بالسياسات العامة التي تتبناها هذه الحكومات.. فالغريب ليس في التناقض بين برامج التنمية والفقر.. وإنما في استمرار تلك الحكومات في انتهاج نفس السياسات الفاشلة في مواجهة نفس المشكلة.. فمن الغباء أن نحارب نفس العدو بنفس السلاح مرتين.. فلو أنه كان فعالا لانتصرنا عليه من الجولة الأولى!

وعمومًا، إذا كنا فعلًا صادقين في مواجهة الفقر.. فعلينا أن نتخلى عن الخرافات التي توارثناها في مواجهة الفقر، ونبحث لنا عن نُهجٍ تنموية جديدة، فهناك خرافتان متعلقتان بسياسات الحد من الفقر.. فالخرافة الأولى تحصر عدد الفقراء في 20% من سكان العالم، رغم أن النسبة الحقيقية للفقراء في العالم تتراوح بين 40% و60%، والغرض من تقليص أعداد الفقراء واضح.. وهو إرجاع أسباب الفقر إلى الفقير نفسه، وليس الفقر نتاجًا لسياسات اجتماعية واقتصادية فاشلة؛ تستهدف عزل النتائج عن الأسباب، وعزل الفقر عن الإفقار وآلياته، وفى ذلك تحامل واضح على الفقراء، وتحايل أوضح على الحقائق؛ حتى تتنصل الحكومات من مسئولياتها كمصدر أساسى للإفقار!

فمثلا ما زالت الحكومة المصرية تتعامل في خططها التنموية على أن نسبة الفقر في مصر 27.8% رغم أن هذه الإحصائية جاءت في تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن عام 2015م، أي قبل قرار تخفيض قيمة الجنيه بمعدل 48%.. مما يعنى أن قرابة 50% من السكان تحت خط الفقر.. أي غير قادرين على إشباع احتياجاتهم الأساسية.. وهذه النتيجة تفضى إلى أمرين الأول أن أي خطط تُبنى على هذه الإحصائيات التي سبقت تعويم الجنيه هي خطط ينتظرها الفشل.. وأن الاستمرار فيها دون تعديل جريمة!

ومن ثم فإنى أطالب بإعادة النظر في رؤية مصر 2030م لأنها وضعت قبل قرار التعويم!

أما الخرافة الثانية فإنها تكمن في الاعتقاد بأن خط الفقر لا يمكن تحديده إلا من خلال قياس مدى استهلاك السعرات الحرارية والقوة الشرائية لكل أسرة، رغم ثبوت عدم دقة هذين المؤشرين في تحديد خط الفقر، وأن نسبة الفقر عادة ما تكون أكبر بكثير من النسبة التي أسفرت عنها هذه المؤشرات !

فبعدما تم تحديث معادل القوة الشرائية لعام 2005، تم اكتشاف خطأ في الحساب، حيث تبين أن عدد السكان الذين لا يزيد دخلهم اليومى على واحد دولار في اليوم، كان أكثر بمعدل 45% من العدد المحسوب، أي كان هناك 1.45 مليار فقير، لا مليار فقير كما جاء في الإحصائيات التي بنيت عليها خطط القضاء على الفقر حسب أهداف الألفية.

ولم يقف هذا التناقض عند هذا الحد فحسب.. ففى حين يؤكد تقرير أهداف الألفية لعام 2012م أن عدد الفقراء الذين يعيشون على أقل من دولار واحد يوميا قد انخفض إلى النصف.. نجد أن عدد الفقراء الذين يعيشون على أقل من دولارين يوميا قد ارتفع! مما يدعونا إلى التساؤل عن نصف الفقراء الذي انخفض، هل مات جوعًا، أن تحسن وضعه فصار يحصل على دولارين أو أكثر؟! وكذلك نتسأل عن عدد الفقراء الذي بات يحصل على أقل من دولارين من أين أتى؟ والمحصلة أتصور حسب هذا التقرير أن عدد الفقراء إن لم يزد أضعافا فهو في أحسن أحواله لا يقل! فلا يعقل مثلا أن يؤكد التقرير تراجع معدلات الفقر عالميًا ويؤكد في نفس الوقت زيادة حدة التفاوت الاجتماعى وارتفاع معدلات البطالة والجوع معًا!