بوابة صوت بلادى بأمريكا

في الحصة الأخيرة.. قصة قصيرة لـ «سامح إدوارد»

في الحصة الأخيرة.

 رن الجرس ...

دخلتُ حجرة الدرس , أسرع التلاميذ  بالقيام في أنتظام مثلما عودتهم منذ بداية العام الدراسي , القيتُ عليهم التحية و أشرت لهم بالجلوس  جلس الجميع دون صوت دون إزعاج . كانت الحصة الأخيرة و أغلب الطلاب يشعرون بالملل  خاصاً  في هذه الحصة بالذات لأنها الأخيرة  في أخر يوم في الأسبوع  ,  قبل بداية الحصة  كانوا ينتظرون نهايتها  حتى يرجع الجميع إلى منازلهم فالغدِ إجازة  , راحة من عناء الأسبوع بالكامل , كنت أخصص هذه الحصة مراجعة سريعة لكل دروس الأسبوع وكذلك الرد على استفسارات التلاميذ  , توضيح بعض النقاط الصعبة و إن تبقى وقت  أصحح الكراسات هكذا كانت تمر الحصة الأخيرة من كل أسبوع  . بينما كنت أتابع العمل داخل الفصل  , وقف أحد التلاميذ  رافعاً أصبعه  ليسأل سؤال . أذنت له  بالسؤال

الطالب : أين يقع الوطن الآن ؟

ضَحكتُ , فأنا ليست ُ مدرس لمادة الجغرافيا , لكن بحكمِ ثقافتي وعلمي

أعرف أن الوطن يقع في هذه القارة في شمالها  الشرقي , يقع جزء آخر في القارة المجاورة لقارتنا .  هز التلميذ رأسه  و قال لي : أنا لا أقصد أين يوجد الوطن على الخريطة ؟

 وصمتُ لحظات لاستيعاب الموقف و هنا تكلمتُ من جديد ولكن ماذا تقصد ؟

أردف التلميذ يقول  الوطن الذي نعيش فيه .

أزاد الأمر تعقيداً . ماذا يقصد هذا التلميذ ؟ أيكون هناك وطنان ؟

 

 

قلتُ له كيف و ماذا تقصد ؟

إن الوطن الذي نعيش فيه هو الوطن الذي على الخريطة

أبتسم التلميذ خجلاً و ظهرت تجاعيد عتيقة على الوجه اللين الرطب و عاد يقول إن الوطن الذي أقصده , قاطعه تلميذ وقال إن الوطن داخل القلب وأخر قال وطني وجداني  و حياتي و ثالث يضيف وطنا هو أصل لكل الأوطان  و أصل الوجود و أخر و أخر .....

و كادت أن تضرب الفوضى عموم الفصل  تدخلت بسرعة و أسكت الجميع .

 و قلت له تعال هنا سريعاً

و نهرته قائلا ماذا تريد ؟

تضحك ؟ ألا تحترم الحصة و ألا تحترم معلمك ؟

لماذا هذا السؤال الذي ليس له معنى ؟

أنت تعرف و أنا أعرف و كلهم يعرفون ؟ حدود الوطن إلى أين؟ ثم هذه ليست حصة جغرافيا و أنت تعرف جيداً في أى حصة نحن الأن و أنا لا أسمح بالخروج عن النص ؛ عذراً أقصد الحصة

و قلت له عندك أحد العقابين و عليك أن تختار , هكذا أنا عودتهم عند الخطأ

لأبد و أن يكون هناك عقاب , أم عقاب مادي او معنوي  . قد خيرته أم أن يضرب بالعصا أو يعاقب من خلال مكتب مديرة المدرسة و عادة ما تكون تحذير أو رفض الطالب المشاغب ثلاثة أيام .

و قد خيرت الطالب و عليه أن يختار و لكن الطالب رفض مبتسماً  و قال لي أنتظر أستاذي , أنا لَم أخطأ و لَم أثير الفوضى داخل الفصل .فأنا معذور و قلتُ له كيف ؟ أنت تسأل أسئلة ترفض لها كل الأجابات , تلقي سؤالك بطريقة محددة , نعم يا أستاذي و لكن تذكر ما قلت أنت   عندما اتفقنا على نظامك داخل الفصل   في أول العام الدراسي , طلبت أن نتسلح بالعلم و المعرفة و الإطلاع و الصدق علي رأسهم و أن يكون صديقك الأصيل هو الكتاب و ليس

 

 

كل الكتب  فهناك كتب تبني وأخرى تهدم  و أعرف أن لكل سلاح له حدين أم الكتاب له حدود كثيرة و تذهب بك إلى أبعد الحدود و يمكن أن يحملك الكتاب من خلال حدوده إلى طريق لا عودة منها أو ربما أضل الطريق  , نعم يا أستاذي لَم أكن أقصد الفوضي أبداً .

و لكن عندما سألتك أى كتاب أقرأ كنت ما أقصد فكل كتب العالم بجميع أصنافها تتكلم عن  الوطن , أين الوطن  ماذا يفعل الوطن  الوطن هنا , الوطن هناك   الوطن هو التاريخ  هو الحضارة  هو النور والأمل

هو الحرب و السلام   هو العلم والجهل  هو الإيمان   هو الثقافة و الفن العلوم و الأدب  الراقي و التداني

كل وكالات الأنباء تتحدث عن الوطن  و بينما يكمل الطالب  تبرئة نفسه وما أن وصل أين يقع الوطن حتي شارد الذهن منى   بين كلمات الطالب الحائرة و في وجوههم باقي التلاميذ  الحائرون يبحثون عن أنفسهم أين هم من أوطانهم هل هم حاضرون و إلى أين تأخذهم حماستهم   وجدتهم في تلهفِ واشتياق   لمعرفة أين انتهت الإجابة الصحيحة   , لكن لماذا هم مهتمون هكذا  و ما الجدوى ؟

هم يأكلون و يشربون . يدخلون و يخرجون  يلهون ويمرحون ماذا يمثل عمر الأنسان فى عمر الوطن  يبحثون عن مستقبلهم المجهول ؟.

وتابع الطالب, لهذا يا أستاذي  أتطلب منا أن نفكر و عندما نبدأ في التفكير  ترفض  و ترسم لنا الأحلام وعندما نحلم تقتل حلمنا الصغير !

 

أخبار متعلقة :