بوابة صوت بلادى بأمريكا

مريم المهدي تكتب: بين البرلمان.. وتيران وصنافير.. وحلايب وشلاتين

-أقر البرلمان المصري اتفاقية تعيين الحدود البحرية خلال الأيام الماضية، بعد جدل وشد وجذب، وانتهى الأمر بموافقة أغلبية أعضاء البرلمان على الاتفاقية، بعد أن تم دراسة الاتفاقية فى اللجان المتخصصة، وأبرزها لجنة الشئون التشريعية ولجنة الأمن القومي.

*لكن المشكلة إنه فى قضايا الحدود الجغرافية لايؤخذ بالعواطف والمشاعر، وإنما يؤخذ بالوقائع والأسانيد التي يؤكدها التاريخ.

-إن الذين يستندون على وثائق التاريخ التي تقول ان "تيران صنافير" سعوديتان هم مصريين وطنيين لايجب التشكيك فى وطنيتهم، وأيضا المتحمسون لمصرية الجزيرتين استناداً لارتباط الجزيرتين بمصر منذ نحو 70 عاماً، هم أيضاً مصريين وطنيين، وإن كان بعضهم يغالى ويزايد في معارضته ليس بسبب الجزيرتين ولكن لمعاداته لحكم الرئيس السيسي.

 

حلايب وشلاتين:

-ومن المفارقات أن مصر تواجه مع السودان إشكالية مماثلة كالتي تواجهها مع السعودية، أساسها "الملكية والإدارة" ففي الجنوب تم تحديد الحدود بين مصر والسودان عام 1899 على اساس خط عرض 22. ماهو شماله يكون مصري وتقع فيه (حلايب وشلاتين) وماهو جنوبه يكون سوداني.

وفى ظل علاقة الدولتين كان الملك فاروق يوصف بأنه ملك مصر والسودان، تركت مصر للسودان إدارة حلايب وشلاتين، ولكن حدث ان تعاقدت السودان مع شركه كندية للبحث عن البترول فى المنطقة وكأنها تملكها!!

فقررت مصر تصحيح الوضع مما أغضب السودان على أساس تصور أنها المالكة لها!!

 

تيران وصنافير

أما بالنسبة لتيران وصنافير فملكيتهما مثبته للسعودية منذ أن كان اسمها "الجزيرة العربية" لكن الحروب التي أثارتها إنشاء إسرائيل منذ عام 1948 جعلت مصر تتفق مع السعودية على إدارة الجزيرتين، إدارة كان لها صدى واسع في الأحداث وأخطرها كان قرار الرئيس جمال عبد الناصر بإغلاق المرور في خليج العقبة من مايو 1967 وهو القرار الذى استندت إليه إسرائيل في الهجوم الذى قامت به على مصر وسوريا والضفة الغربية يوم 5 يونيو 1967 وكان نتيجته احتلال سيناء وغزة في مصر واحتلال الجولان فى سوريا واحتلال الضفة الغربية!!

-وفى ظل الإحساس بمصرية تيران وصنافير مستندا إلى القرار الذى أصدره جمال عبد الناصر والذي أشعل الحرب.

وإلى أن تغيرت الظروف وصدر قانون البحار، وبدأت الدول ترسم حدودها مع جيرانها على ضوء هذا القانون لنكتشف أننا كنا ندير الجزيرتين ولا نملكهما وأن هناك مالك من حقه أن يستعيد مايملك.

 

البرلمان والمشاهد الهزلية والرغبة في الكيد على حساب الحقيقة:

-المشكلة المؤسفة أن البعض يريد أن يشعلها ناراً بهدف إثارة الفوضى وإعادة سيناريوهات بغيضة أطاحت ودمرت دول مجاورة وكادت أن تعصف بمصر لولا لطف الله ورعايته أولا ثم يقظة ووطنية جيش مصر العظيم ثانياً!!

-والفارق بين السماء والأرض لمن يغار على أرض الوطن ومن يريد أن يشعلها ناراً!! كما أن هناك أيضا فاروق بين الأمنيات وبين حقائق الواقع والتاريخ.

-في قضية الأرض هناك واقع وجغرافيا وتاريخ، وكما حدث في قضية "طابا" فقد ذهبت مصر إلى أبعد مدى حتى وصلت الى التحكيم الدولي، وحكمت المحكمة الدولية بمصرية طابا، وعادت إلى أحضان الوطن، ومثلما حدث أيضا حينما كان قطاع غزة التابع للدولة الفلسطينية يقع تحت الإدارة المصرية لفترة طويلة حتى وقع في يد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967.

-لايوجد أي مشكلة في معارضة أو تأييد اتفاقية تعيين الحدود البحرية المصرية، السعودية، ولابد من حماية حق المعارضين في التعبير عن آرائهم وحيثياتهم بكل حرية، ولكن هناك فرقاً بعيد المدى بين من يعارض بدافع الغيرة الوطنية، وبين مايكيل اتهامات التخوين والعمالة دون دليل ورافضاً النقاش والحوار، ومدعيا أنه يملك صكوك الوطنية وحده فى محاولة خبيثة للصيد فى الماء العكر لإعادة سيناريوهات الفوضى والخراب وضرب استقرار مصر وهدم صروح الإصلاح الذى بدأناه!! بهدف ضرب استقرار الدولة لمآرب وتوجهات حقيرة الهدف.

-في قضايا الأرض لابد أن يكون الحديث والمعطيات حديث ومعطيات الوثائق والواقع التاريخي، وليس التأييد لمجرد التأييد أو المعارضة للمزايدة وادعاء البطولة والوطنية الزائفة!! فكلاهما لايقل خطورة عن الآخر، ولابد للإنصات الى العلماء والمتخصصين والقوانين الدولية.

*وكان يمكن لمناقشات البرلمان حول قضية تيران وصنافير أن تكون نموذجاً ديمقراطي صحيح، يمكن المؤيدين والمعارضين من إبداء آرائهم فى مصير الجزيرتين دون تميز، وكان يمكن دعوة الخبراء والفنيين المتخصصين وخبراء المساحة العسكرية والمدني هلكى يقولوا آرائهم بشكل علمي موضوعي مؤيداً كان او معارضاً ويدلون بشهادتهما برصانة دون اتهامات بالتخوين او التفريط، ودون مقاطعات أو هتافات أو تصفيق أو عويل، وكان يمكن تشكيل لجنة تحضيريه مشتركه من المؤيدين والمعارضين تعمل على توفير كل الخرائط الجغرافية حصراً وهو أمر ممكن وميسور، كما تعمل على توفير جميع الوثائق والرسائل المتبادلة بين مصر والسعودية حول القضية، إبتداءاً من رسالة الملك عبد العزيز الى الملك فاروق يطالبه باحتلال الجزيرتين وتولى مسئولية حمايتهما بعد أن احتلت إسرائيل منطقة ام الرشراش وبنت عليها مدينة إيلات، الى رسائل وزير خارجية السعودية الأمير سعود الفيصل الشفهية والكتابية الى وزير الخارجية المصري عصمت عبد المجيد قبل 26 عاماً وكان يمكن نقل هذه المناقشات إلى جمهور الشعب المصري على الهواء مباشرة لكي يتابعها أهل مصر أصحاب القضية، بما يقدم نموذجاً مشرفاً لمناقشات حرة وصريحة تلتزم أدب الحوار وشجاعة الرأي وحق الاستماع الى الرأي والرأي الآخر دون شغب يفسد المناخ، لكن ذلك لم يحدث بكل أسف وسادت المناقشات فى مناخ همجي تقاذف فيه الجميع كلمات الاتهام والهتاف والشعارات وقطع الحديث على المتحدثين فى صورة مؤلمة ظالمة أضاعت هيبة منصة البرلمان!! وجعلت الرأي العام المصري فى حالة تخبط، لايعرف أين الحقيقة وكيف يمكن الوصول إليها؟! فى هذا المعترك والتصايح والتلويح بالأيدي وتبادل الاتهامات بالخيانة والتفريط!! وهل يمكن إن كان فى الإمكان إعادة الانضباط الى المجلس وفق قواعد حاكمة يلتزم بها الجميع، أولها تكافؤ الفرص بين المؤيدين والمعارضين، وثانيهما الاستماع إلى الخبراء والفنيين المختصين من الجانبين وتنظيم المداخلات بين المعارضين منهم والمؤيدين بما يفند الحجج ويزيدها وضوحاً ويفيد المتابعين للحوار وثالثهما التوافق على توفير الخرائط المتعلقة بالموضوع على سبيل الحصر وجميع المراسلات بين مصر والسعودية حول الجزيرتين.

-ولكن بكل أسف شديد فأن الصخب السياسي مابين معارض ومؤيد غير موجودة بصفه عامه!! كل هذا أضاع البرلمان على الشعب المصري فرصة التعرف على حقائق القضية والاستماع الى الرأي الآخر.

وأيضا أضاع البرلمان المصري على نفسه حقه فى أن يكون موضع احترام وثقة المصريين، وأن يمارس الديمقراطية الصحيحة فى قضية مهمة يود الجميع معرفة أبعادها وأضاع على نواب الشعب فرصة تعزيز حق الاختلاف فى تألف مع وجود الرأي والرأي الآخر.

والفائز الوحيد لهذه الهزلية الكيدية هو الفوضى والرغبة فى الكيد والمزايدات على حساب الحقيقة.

*وفى النهاية تبقى ضرورة أن تتضمن الاتفاقية ما يحمى الأمن القومي المصري مستقبلاً وأن تتحول تيران وصنافير إلى منطقة حرة اقتصادية بين مصر والسعودية والالتزام بالشراكة فى المشروعات الاقتصادية التي يمكن أن تقام عليها مستقبلاً، وأن يكون هناك ضمانات لحرية الحركة والتنقل للمصريين والأجانب من الأفواج السياحية فيهما دون تأشيرة حتى لاتتأثر برامج الشركات السياحية أو أرزاق الصيادين. والأهم من هذا كله أن يكون هناك نصاً على ضرورة الموافقة المصرية المسبقة على كل التحركات والأنشطة العسكرية على الجزيرتين ضماناً للأمن القومي المصري وأسوة بما هو موجود فى اتفاقية كامب ديفيد. 

أخبار متعلقة :