بوابة صوت بلادى بأمريكا

مدحت بشاي يكتب: يا حسرة الفن ممن يسطو عليه

حملة صحفية كشفت عن نهج التنوير والدفاع عن الإبداع والفنون الذي تبنته دومًا مجلة المصور عبر تاريخها الطويل حدثتا عنها الكاتبة الصحفية الرائعة " أماني عبد الحميد " بمجلة المصور والتي ترى أنها دومًا إصدار لم يتخلف أو يتخاذل عن مهمته الرائدة في الدفاع عن الخيال والابتكار والإبداع كونه أهم حقوق الإنسانية على الإطلاق ، لذا لم يكن من المستغرب أن تشن المجلة الحرب الضروس لحماية تمثال إبراهيم باشا المطل على دار الأوبرا المصرية ويتوسط أهم ميادينها ، ليس لأنه تمثال من البرونز ذو قيمة فنية ومادية هامة، لكنه كان بالنسبة لتلك المجلة التنويرية قيمة تاريخية وجزءًا من شخصية مصر المستنيرة .

وعندما تطال ذلك العمل يد الترميم الخاطئة ، فإن الأمر يوجبالاحتجاج والرفض  أيضًا على كل من لا يكن له مشاعر الاحترام الواجبة ...

وتضيف " عبد الحميد " ..هكذا تضامنت مجلة " المصور " في عددها السابع مع تمثال الباشا ابن محمد علي الكبير ، وأثارت ضجة ضخمة بعدما خضع لعملية ترميم لا تتناسب مع قيمته وقامة صاحبه ، بل نشرت قصيدة عصماء في صفحتها الثانية للشاعر خليل جبران للتعبير عن مدى استياء محبي الفنون من تلك الجريمة الشنعاء ، حيث تصدرت صفحات العدد السابع قصيدة بعنوان " غضبة للتمثال " تنتقد الخطأ الذي تعرض له صباع تمثال إبراهيم باشا المطل على ميدان " الأوبرا " وهو " العتبة " حاليًا ، واتخذت المجلة موقفًا معارضًا لعملية ترميم وصبغ التمثال وإصبعه الشهير ، والتي وصفته بجملة صغيرة : " أزالوا عنه غبرته الجميلة وكدرته التاريخية الجليلة .. " بعض ما جاء في القصيدة ..

 

(قل للذين طلوه)

قل للذين طلوه فزيفوه طلاءَ
تلك الجلالة كانت صدقاً فصارت رياءَ
يا حائنين صباحاً فبائدين مساءَ
وواردين المنايا في الأعجلين فناءَ
باي شيء إليكم ذاك الخلود أساءَ
أدمية في يديكم بالصبغ تعطي رواءَ
يا حسرة الفن ممن يسطو عليه أدعاءَ
ولا يرى الحسن إلا نظافة رعناءَ
وجدة تتشظى تلمعا وأزدهاءَ
تفدي التلاوين أبقى ما كان منها حياءَ
وما عصى في سبيل الحصافة الأهواءَ
وما أتى وفق أسمى معنى أريد أداءَ
وما على متمنى سلامة الذوق جاءَ
يا كدرة حقروها إذ حولوها صفاءَ
وغبرة يكره الفن أن تكون نقاءَ
وصدأة يأنف الحسن أن تعود جلاءَ
ليس العتيق إذا جاد الجديد سواءَ
خمسون عاماً تقضين ضحوة وعشاءَ
في صنع وشي دقيق لقين فيه العناءَ
واهي النسيل دقيق النسيح ما اللطف شاءَ
لكن متين على كونهِ يخال هباءَ
يزيده الدهر قدراً بقدر ما يتناءى

 

و قد أطلت في متابعة الحدث الذي ذكرتنا به مجلة المصور في إطار ملحق أسبوعي رائع بمناسبة مرور 96 سنة هي عمر الإصدار الوطني العتيد ، للاقتراب من مدى الاهتمام بحدث الترميم الزائف منذ اكثر من نصف قرن من الزمان ، وهذا الشكل من وحدة أهل الفنون والإبداع على المستوى المحلي والعربي .. شاعر لبناني يهز مشاعره تشويه تمثال في مصر .. وكم كنا نرى الأدباء وأهل السينما والمسرح في معارض للفنون التشكيلية وحفلات موسيقية ومنتديات تنويرية ... يرحل كوميديان شهير فيرثيه شاعر كبير ..

وقد كنا نتمنى كمواطنين من البلد دي إعادة النظر لإزالة عدد من تماثيل الميادين التي باتت لا تليق في عصر جديد تعمل فيه الدولة بكل جدية في خطة رائعةلإعادة الوجه الجميل لمدننا في إطار حلم رئاسي يتحقق بكل نجاح على أرض الواقع .. كنا نتمنى وبعد تقديم نموذج رائع للنجاح في تقديم رؤية جديدة لميدان التحرير أن ننظر للميدان المكمل ( ميدان عبد المنعم رياض ) ، جيث لايليق أن يستمر بقاء تمثال صاحب الميدان الشهيد البطل العظيم عبد المنعم رياض .. التمثال الذي ينال من شموخ ورفعة رمز عسكري بطل .. من حيث استقامة البدن والجسد المتقزم في فضاء ميدان هو الأكبر في العاصمة ..

فهل نطالب شعراء المحروسة لإغاثتنا بقصائد تعبرعن شجوننا وأحزاننا لبقاء ذلك التمثال على قاعدته الغير ملائمة هي الأخرى ؟!

وبالعودة لتمثال ابراهيم باشا يذكر المهندس فاروق شرفاستشارى ترميم " لقد تشرفت بأن كنت أول مرمم قام بترميم قاعدة وتمثال ابراهيم باشا عام 1984م ، فقد كان التمثال تابعا لهيئة تجميل القاهرة ( محافظة القاهرة ) وعندما قاموا بتنظيفه تكسرت أجزاء متفرقة من القاعدة وهى من حجر التريستا الصلب وايضا وجدت مظاهر التلف على البرونز وتآكلت أيضًا ملامح الكتابات التى تمثل حروب وانتصارات ابراهيم باشا وهو الابن الاكبر لمحمد على باشا الأمر الذى من أجله ضم التمثال والقاعدة الى الآثار واعتباره أثر من هذا التاريخ...

ومعلوم أن التمثال من إبداع الفنان الفرنسى ( كورديية ) وذلك بأمر من الخديوى إسماعيل عام 1872 م ، أقيم هذا التمثال في ميدان العتبه الخضراء أولا ، لكنة نقل بعد ذلك في مكانة الحالى ، أحدثت إقامته أزمة بين مصر وتركيا ، فقد حدث أن صنع "كورديية " لوحتين لوضعهما على قاعة التمثال الرخامية ، أحدهما تمثل معركة نزيب ، والثانية تمثل معركة عكا ، وكانت اللوحتان على وشك أن توضعا على جانبى قاعدة التمثال ، ولكن السلطات التركية تدخلت ورفضت اللوحتين لانها تمثلان هزيمتها أمام جيوش مصر ..."..

وعقب مرور مائة عام على وفاة إبراهيم باشا عام 1948م أرادت الحكومة المصرية أن تضع اللوحتان فى مكانهما فاتصلت مصر بفرنسا وبحث عن اللوحتين عند حفيد كوردييه وفى متاحف باريس الكبرى فلم يعثر لهما على أثر...ولكن وجد صورتان فوتوغرافيتان لهما أخذهما المثالان المصريان أحمد عثمان ومنصور فرج وصنعا لوحتان تشبهان لوحتى كوردييه وهما الموضوعتان اليوم على جانبى التمثال.
 

 

مدحت بشاي

medhatbeshay9@gmail.com

 


 

 


 


 

 

 

أخبار متعلقة :