بوابة صوت بلادى بأمريكا

أحمد غريب يكتب : اغتصاب تاريخ مدينة

 
كثيرا ما يفشل المؤرخون في كتابة تاريخ مدينة بورسعيد العظيمة عندما يختزلون كثيرا من تاريخها القديم الذي كانت فيه سد مصر الاول والذي حماها من الغزاة والمعتدين ولذلك اهتم بها كافة قادة الامبراطوريات القديمة ووجهوا لها جيوشهم الامر الذي جعلها محط اهتمام حكام مصر منذ عهد الفراعنة فجعلوها قلعة لهم اذ كان حصن الفرما من اهم الحصون التي تدافع عن مصر وبورسعيد قديما تكونت اداريا من الفرما وتنيس اللذين مع مرور الوقت دمجا سويا تحت اسم بورسعيد وفي العصر الاسلامي كانت الفرما اول موضع قاتل فيه الروم الفاتح المصري عمرو بن العاص ولم يكن تاريخ بورسعيد القديم هو الشاهد الوحيد علي قدمها وعراقتها حيث كان لها الدور نفسه في العصر الحديث عندما ضرب المهندس الفرنسي ديليسبس معوله لاول مرة معلنا بدأ العمل بحفر القناة في 25 ابريل 1859 حيث كان لبورسعيد سجل ملئ بالبطولات والتضحيات فكان لها دور بارز في ثورة 1919 عندما تم ترحيل سعد زغلول ورفاقه الي بورسعيد كمحطة يتم نقلهم منها الي مالطة بعد ذلك وهنا وعلي هذه الارض لم يهدأ الثوار الذين اشعلوا الثورة في كل مكان علي ارض بورسعيد الطيبة مساندة منهم لرجال ثورة 1919 ويكتب التاريخ ان تنجح الثورة الا ان بورسعيد لم تهدأ ويخرج منها الثوار هنا وهناك ليشعلوا الجهاد ضد المستعمر ومغتصب الارض ويكتب لبورسعيد ان تدافع عن مصر كلها في عام 1956 عندما واجهت لوحدها انجلترا وفرنسا واسرائيل وتلحق بهم الهزيمة والاستسلام وتحمي مصر وفي اعقاب هزيمة 1967 نالت الهزيمة من الشعب المصري الا انها لم تنل من المواطن البورسعيدي الذي رفض ان يترك ارضه ويهاجر الي العمق المصري ليحتمي من ضربات العدو الاسرائيلي اذ ظل معظم المواطنين ببورسعيد داخل مدينتهم يزودون عنها بكل غال ونفيس ليحقق بطولات سطرت بحروف من نور يذكر منها التاريخ معركة رأس العش واغراق المدمرة ايلات في مياه بورسعيد ومازالت بورسعيد تقاوم حتي الان تلك الضربات التي تأتيها من سياط اهلها انفسهم سواء كان ذلك بقصد او بدون الا ان الامر في نهايته موجع لا شك فعندما يشاهد المواطن البورسعيدي تمثال المهندس الفرنسي ديليسبس ينقل امام عينه ودون رضاه من بورسعيد الي الاسماعيلية المحافظة المصرية المجاورة فبالتالي يوقع هذا الامر الخيبة في نفوس المواطنين سواء كانوا من اصحاب فكرة عودة التمثال الي قاعدته بمدخل قناة السويس او حتي كانوا من الفريق الاخر الذي يرفض وجود التمثال بقاعدته واستبداله بفكرة اخري الا ان الامر في نهايته يراه المواطن البورسعيدي علي انه ثروة تبدد وتاريخ ينتهك وهذا الانتهاك لم يتوقف فقط عند خروج التمثال من بورسعيد ولكن هدم المتحف القومي للمدينة ذلك المتحف الذي كان يوجد في الارض المجاورة لقاعدة التمثال وتشاهده السفن العابرة لقناة السويس والمتحف كان يضم داخل اسواره اثارا فرعونية وقبطية واسلامية وكان يمكن اعتباره مصدرا من مصادر الدخل القومي لعبقرية مكانه والتي كان من الممكن ان يستفاد منها في تمشيط السياحة لهذه المدينة التي قضت سنوات طويلة تجاهد لنيل التحرر لنفسها ولوطنها الغالي مصر ومع خروج تمثال ديليسبس من موطنه الاصلي بورسعيد وتجريف المتحف القومي لهذه البلد يجد المواطن البورسعيدي نفسه امام آلة تشوه تاريخ بلده وتجرفه .

أخبار متعلقة :