بوابة صوت بلادى بأمريكا

إدوارد فيلبس جرجس يكتب: يريدونها مدنية بنكهة السلفية

كان المفروض أن يكون هذا موضوعي العدد الماضي ، لكن كما يقولون الأهم فالمهم ، وكان لمناسبة عيد القيامة الأفضلية بالطبع ، وأيضا لأن هذا الموضوع مستمر طالما اللحى الكاذبة تحاول فرض نفسها واهمة أن الزمن كما هو ولم يتغير !! ، وأن ساعة العقول واقفة عند زمن الذهاب إلى الغائط وفي اليد بوصلة لتحدد اتجاه القبلة !! ، ومناقشات ساخنة حول الدخول إلى الحمام هل يكون بالقدم اليمنى أم اليسرى !! وأن تكفير الآخر هو أول الثواب !! ، والكثير من سلوكيات اللاعقل ومن ثم اللافكر !! ، سيظلون هكذا كما " الدبور الذي زن على خراب عشه " إلى أن يأتي اليوم الذي يكتشف فيه الجميع حتى الموالين لهم أنهم انزلقوا خلف الأوهام الكاذبة من الإدعاء الديني ، وأنهم ليسوا أكثر من مظهريات كاذبة تعمل من أجل مصالح شخصية ، وقتها ستذرو الرياح عشهم ولن يبقى فيه قشة ، كما ظن الإخوان أنهم على أرض صلبة وفجأة انشقت وابتلعتهم . من العجائب التي لا أجد لها تبريرا حتى الآن ، هو وجود " حزب ديني "  داخل البرلمان وهو " حزب النور " ، وبالرغم من أن التعديلات الدستورية أقرت الدولة المدنية فالأعجب سيكون لو ظل هذا الحزب في البرلمان ، لأنه لا يخفى على أحد أن هذا الحزب وجوده داخل المجلس يشبه رقص " راقصة " داخل دار عبادة ،  مجرد جسد لا يتفاعل إطلاقا مع موجة التقدم بل دائم المحاولة كي يثبط أى خطوة نحو الوصول إلى الهدف الذي تسعى الدولة للوصول إليه كي تصبح مصر في صدارة العالم المتقدم ، لأن العالم المتقدم هو عالم غارق في الكفر حسب زعمهم وفتاويهم التي لا تتوقف ولا تهدأ ، يجلس تحت القبة راصدا كل همه وشاحذاً كل حواسه للمعارضة على كل ما ينهض بالبلد ، وربما ما أظهره أخيرا وليس آخرا لو سُمح باستمرارية وجوده الأجوف داخل البرلمان هو المعارضة على " التعديلات الدستورية " بل وصل إلى حد السفه في رفضها والتمرد عليها ، والسبب هو اعتراض على البعبع الذي يخافونه ويخشونه السلف وهو " مدنية الدولة " ، ولماذا لا فالحزب يصدر لأتباعه أنه المدافع الأول عن الهوية الإسلامية في مصر ، وعندما خرج أحد أتباع الحزب في البرلمان ليعلن رفضه للتعديلات الدستورية في الجلسة العامة للبرلمان ، كان موقفه كالفتح المبين لدى السلفيين ، مع أنه كان رفضا كالهباء خلال المناقشات ، وليس موقفا رسميا ، لكن الكتائب السلفية المؤيدة للحزب ، اعتبرته الموقف النهائي والرسمي لحزب النور ، وكما قلت فهو رفض كالهباء ، فسرعان ما أعلن " الحزب " موافقته الرسمية على التعديلات ، لأنه يعلم جيدا أن التعديلات ستتم سواء بموافقته أو بدونها وأن عليهم أن يتراجعوا فهو الطريق الأسلم للُحاهم . أن صفة التلون والتردد ليست غريبة عليهم ، فرفضهم للتعديلات الدستورية بحجة احتوائها على نص بمدنية الدولة ، ثم عودتهم لقبولها ، بعد أن طمأنهم رئيس مجلس النواب ، أن مدنية الدولة لا تعني العلمانية ولا الدينية ولا العسكرية ، ما هو إلا مرواغة من الحزب وتلاعب بالألفاظ . أن رفض " الحزب " الأول لمدنية الدولة ، كان يعني بوضوح أنه يريدها دينية ، لكن في الحقيقة لو تم سؤالهم هل تريدونها دينية ، سيقولون لا نريدها دينية ، بل نريدها إسلامية ، فهم يعلمون جيدا أن الدولة المدنية هي دولة المواطنة التي يتساوى فيها كل المواطنين ولا يكون بينهم أي تفرقة أو تمييز على أساس الدين أو العقيدة أو الطائفة ، وهذا من بين تعريفات الدولة العلمانية .  وهذا ما دعا الكيانات السلفية للحشد على جميع المستويات لضرب فكرة الدولة المدنية في مقتل ، من كتائب إلكترونية إلى محاضرات ، صارت القضية معركة حياة أو موت ، حرب هوية على جميع المستويات ، وكل أسلحة المواجهة جائزة .  إن السلفيين الذين أصبحوا يشكلون خطرا أكثر من الإخوان بسبب فكرهم المتزمت المبتدع من الجهل بكل شئ حتى أمور الدين ، يصدرون دائما "  حزب النور "  ليقف على خط المواجهة كالعادة ،  فهو الممثل الوحيد للتيار الديني في البرلمان ،  ويجب أن يظل الصوت المسموع على المستويات الرسمية ، وحتى يظل كذلك عليه أن يمارس الاستقطاب والحشد للأفكار المناهضة لمدنية الدولة بكل السبل ، واستقطاب كل الأصوات المؤيدة للطرح السلفي ، والرافضة لمدنية الدولة ، وتصنيف الذين يمكن استقطابهم ، وأهميتهم والكيفية التي يمكن استقطابهم بها ، من أصحاب الانتماء الديني من المنشقين عن الإخوان والسلف ، والأولوية تكون دائما للسلفيين القدامى، والمنشقين عن الجماعة الإسلامية ، باعتبارهم الأكثر نشاطًا على مواقع التواصل الاجتماعي ، وكم كانت صدمة أصحاب اللحي السلفية عندما تراجع حزب النور عن رفضه الواهي للتعديلات وقبولها رغم أنفه وهو يعلم جيداً أنه عليه أن يقبلها ، فالخوف كل الخوف يسيطر عليهم من الدولة المدنية ، التي يمكنها مستقبلا التفرقة بين المجال العام والخاص للدولة ، والتركيز في قوانينها على التشريع وليس الفتوي ، بما ينزع السلطات الكبيرة لرجال الدين الرسميين وشبه الرسميين من أبناء التيارات الدينية ، ويفقدهم فرصة التأثير على الأجيال القادمة ، والتحكم في نمو ودرجة تطور المجتمع الفكري والسياسي والاجتماعي، كما كان سائدا خلال العقود الماضية ، مما يعني أن المدنية ليست ضد الإسلام، بل ستقضى على التيار الديني بكل ألوانه وبالضربة القاضية . لذا تركز الدعاية السلفية في رفضها للدولة المدنية على قدرة الدولة المدنية على نزع هوية المجتمع المصري ، والانتقال به بشكل تدريجي إلى الابتعاد عن الدين كما هو الحال في البلدان الغربية .

يحدث ذلك في نفس الوقت الذي يحاول فيه أنصار النور، إثبات انتصارهم وحزبهم للديمقراطية عبر اتباع ما يسمى بإستراتيجية الخفاء، فتبلور الكتائب جميع منشوراتها على أنها من أنصار سيادة القانون وتداول السلطة ، وهو منهج اقتبسه                         السلف عن الإخوان ، الذين نجحوا في إقناع عدد من الأحزاب الليبرالية ، منذ أوائل التسعينيات ، بتطوير أفكارهم ، وقبولهم بالدولة المدنية ، رغم اختلاف أركانها بشكل كامل ، عن مكونات المشروع الإستراتيجي لكل تيارات الإسلام السياسي بلا استثناء ، وهو إقامة الدولة الدينية «الخلافة»، لذا بعد تمكنهم انقلبوا على جميع أركان الدولة المدنية. وتعمل الكتائب السلفية، على استغلال ضعف القوى السياسية المدنية في الانتشار على وسائل التواصل بين القواعد الجماهيرية ، لربح المعركة ضد مدنية الدولة جماهيريا ، أو على الأقل بين أوساط السلف والإسلاميين ، لإثبات بقاء الحزب على قيد الحياة السياسية ، بعد أن أصبح كيانا هشًا، سواء على تمثيل السلف تحت قبة البرلمان ، أو في الممارسة السياسية.    
على جانب آخر، ترتكز أحد أهم محاور خطة الترويج لرفض المدنية ، على رصد الإسلاميين السابقين ، وإعادة تبصيرهم بانتماءاتهم القديمة ، التي تفرض عليهم الالتزام بإسلامية الدولة ، ومطلقة المرجعية ، وتذكيرهم أنهم أوفياء للمشروع الإسلامي، حتى وإن تركوه، والحفاظ على هوية الإسلام والمسلمين، وإطلاق فزاعات على شاكلة ، عدم وجود ضمانات ، من ألا تنقلب الدولة المدنية على الهوية الإسلامية، كما فعل علمانيو تونس ، الذين فصلوا الدولة عن المرجعية الدينية ،  بحسب الدعاية السلفية المنتشرة حاليًا .
ويعتبر الموالون " لحزب النور "  خلال دعاياتهم للإسلاميين القدامى، أن القوانين والدساتير لا تأخذ بهذا المنطق ، ولا يوجد داعٍ دستوري لإدخال كلمة مدنية في التعديلات الدستورية ، وتبرير رؤيتهم فيها أنها ليست من صالح البلاد ولا العباد، في ظل اللغط الدائر حولها بين الإسلاميين، ويزعمون أن نفس اللغط أصبح دائرًا بشدة بين أبناء الشعب المصري ، ويصدر النور دعايات الحزب في هجومه ضد الدولة المدنية ، باعتباره مركز الثقل الإسلامي الحالي وسط ممثلي السلطة التشريعية ، ورأس الحربة في الدفاع عنهم، وكما كان صاحب مواقف دينية شرسة ضد الجماعات الدينية غير السلفية ، مثل الصوفية أو الشيعية، سيكون أيضا حائط الصد ضد المشروعات المدنية والليبرالية . إن السلفيين حتى لو رضخوا للدولة المدنية فأنهم سيحاولون باستماتة ، على جعلها دولة مدنية بنكهة السلفية ، لكن حتى هذه لن ينالونها ، فهم بالتدريج سيتحولون إلى حياة بلا روح ، لأنهم على مر الزمن وفي جميع المناسبات وفي كل الفرص أثبتوا أنهم ضد التقدم على خط مستقيم ، ولا أحد يجهل أن الأفكار البالية  تقف حجر عثرة أمام من يريدون التغيير والتطور مثلما يحدث الآن لمشروع تحديث مصر الذي كانت إشارة بدئه من الرئيس ببناء الإنسان المصري ، فالإنسان هو الركيزة الأساسية لصناعة الحضارات والنهوض بأي دولة ، وقد أولى الرئيس عبد الفتاح السيسي ، اهتماما كبيرا بفكرة بناء الإنسان والهوية المصرية منذ توليه منصبه كرئيس للجمهورية فما أكثر المرات التي أكد فيها أن بناء الإنسان هو تحدي الإنسانية كلها ، وهو جوهر الرسالات ، وأنه يجب التحرك بقوة لإعادة صياغة الشخصية المصرية .                          
وما تقوم به الدولة حاليا من إدخال التكنولوجيا فى المدارس، وتطوير المعلم المصرى اجتماعيًا واقتصاديًا، والعمل على قضاء جميع أشكال التعليم الموازى ، لكى تعود الثقة مرة أخرى للمدارس ، وتطوير المناهج بما يتناسب مع طرق التعليم الحديثة والنظريات العملية فى العالم، وتطبيق ذلك على جميع المدارس المصرية بكل أنواعها خطوة جريئة لأننا ولابد من التغيير ومساندته والمطلوب حاليا هو «الثقة» فى القيادة السياسية ، وألا يستمع لمجموعة الأفكار المشككة فى الإدارة والإرادة السياسية ومؤسسات الدولة فى التغيير للأفضل  . ومن هنا أقول أنه آن الآوان لإبعاد السلفيين عن التعليم نهائياً ، قولا واحدا ، أبعدوا السلفيين عن أي شئ متعلق بالتعليم ، من الحضانة وحتى الجامعة ، هذا إذا أردتم إصلاحا حقيقيا للمجتمع وبناء أجيال قادرة على مواجهة العصر بأدواته ، أبعدوا السلفيين في الجماعات المتناثرة بالمحافظات عن المشاركة في وضع المناهج أو حتى التدريس في المدارس والجامعات ، سواء فيما يتعلق بالتعليم المدني أو التعليم الأزهري ، وأياكم أن يتنطع أحد ويقول إن هناك تمييزا فيما نطلبه ، لا ياسيدي ، نحن الأجيال التي شهدت المدرسين في التعليم الأعدادي والثانوى يتركون الدرس المقرر ، ويدعون إلى الانضمام لجماعات تغييرالمنكر باليد ، ونحن أيضا الأجيال التي شهدت أساتذة الجامعات المتخصصين في العلوم التطبيقية ، يقولون لطلبتهم  دعكم مما تسمعون فهي قشور لن تفيدكم في دنياكم ولا آخرتكم ، ثم يبدأ الخطابة فيهم مثل أسحق حويني أو حسين يعقوب ،  الجماعات السلفية ينبغى خضوعها للمراقبة والحساب المشدد فى كل ما تفعل، فهى لا تتورع عن ذرع بذور التطرف فى عقول الصغار والكبار، واختطاف الأجيال نحو الخرافات وحكايات الماضى السحيق، يفعلون ما يفعلون لا لشىء إلا لأنهم مأمورون ، الأوامر تأتى لرؤوسهم وقياداتهم من الخارج مع حقائب الأموال ، بهدف تأليف القلوب والعقول، وصناعة جيوش محتملة وميادين تحت الطلب ، ومرتزقة رهن الإشارة ، وما أثير مؤخرا عن الكوارث التى يعلمها السلفيون للأطفال فى الحضانات التابعة لهم قليل من كثير، فهم يتسللون مثل الثعابين فى ثياب المجتمع حتى إذا أحسوا بالدفئ تمددوا ولدغوا وأخرجوا ما يحملون من سموم التطرف فى عمليات مسلحة ضد مؤسسات الدولة ، وهم متلونون ومتكيفون مع الأوضاع السائدة ، فإذا أغلقت أمامهم المساجد ومنعتهم من تضليل الناس بالخطابة يوم الجمعة أو دروس ما بين المغرب والعشاء ، سيتسسلون إلى المجتمع من المساجد الصغيرة تحت العمارات فى الأحياء المكتظة والشعبية وفى العشوائيات ، أو فى الزوايا المجهولة بالقرى والنجوع ، فإذا سددت عليهم هذه الثغرة ومنعت الزوايا وضممت المساجد الصغيرة إلى الأوقاف ، لجأوا إلى الجمعيات الشرعية الحاضنة الرئيسية للأفكار المتشددة منذ أوائل القرن الماضى ، وهى تظن أنها كيان دينى ودعوى يناطح الأزهر الشريف ، بينما هى مفرخة للمتطرفين طوال الوقت ، وسبق وأن حذرنا مما يعرف بمدارس ومعاهد العلم الشرعى بالمحافظات النائية خارج سيطرة الدولة ، تلك البؤر التى يمولها كبار الأدعياء الذين يلصقون بأنفسهم لقب المشايخ ويتلقون التمويلات من الخارج ، بهدف بناء المساجد والعيادات الخيرية ومعها معاهد تلقى العلم الشرعى التى تجتذب الشباب العاطل وتمنحه إعاشة شاملة وإقامة كاملة بشرط التفرغ لتلقى ما يسمونه بالعلم على طريقة مجاورى الأزهر قديما ، ولكن هؤلاء الأدعياء الجدد وطلبتهم إنما يخدمون مشاريع نشر الفوضى وتفجير المجتمعات من الداخل وزرع الأفكار الداعشية فى قلوب وعقول الشباب المتحمس الباحث عن أى فرصة لتحقيق الذات ، فإذا جاء النفير استدعوا طلبتهم ومنحوهم الرتب والأموال وأطلقوهم فى البلاد المراد تفجيرها بالحروب الأهلية تحت شعارات إسلاموية زائفة ، نقول إن السلفيين وشتى الجماعات الإسلاموية دون استثناء لا تعرف إلا الأفكار التافهة الساذجة عن تأسيس الدولة الإسلامية بصورة بدائية ، وكأننا عدنا إلى القرن الأول الهجرى وفى سبيل هذا الذى يعتنقونه ، ينبطحون أمام أى داع يقودهم إلى الخروج على مجتمعهم وارتكاب الجرائم ضد المصالح العامة والخاصة على السواء ، وحتى يكونوا جاهزين لذلك ، يتلقون مناهج العنف والتكفير وكراهية الآخر ويتعايشون عليها، ولا يرون سواها حاكمة لممارساتهم الحياتية ، فلابد من الضرب على أياديهم بشدة ، حتى نحمى المجتمع من شرورهم وحماقاتهم ، فإن كنا تخلصنا من خطر الإخوان لا يجب أن نغفل عن الخطر القادم من أصحاب اللحي الزائفة ، المعركة طويلة حتى ننظف بلادنا ومجتمعنا من كل من يحاول أعاقة مسيرة التقدم التي جاءت متأخرة بل ومتأخرة جدا .

                                                          

***************
​إدوارد فيلبس جرجس

edwardgirges@yahoo.com

**********************

 

أخبار متعلقة :