الدكتورة هالة مصطفي خبيرة العلاقات الدولية وشئون السياسة الخارجيه لـ"صوت بلادي": رغم كثرة المنابر الاعلاميه .. نلجأ لحلول مشكلاتنا بالشجار والصوت العالي ..

الدكتورة هالة مصطفي خبيرة العلاقات الدولية وشئون السياسة الخارجيه لـ"صوت بلادي": رغم كثرة المنابر الاعلاميه .. نلجأ لحلول مشكلاتنا بالشجار والصوت العالي ..
الدكتورة هالة مصطفي خبيرة العلاقات الدولية وشئون السياسة الخارجيه لـ"صوت بلادي": رغم كثرة المنابر الاعلاميه .. نلجأ لحلول مشكلاتنا بالشجار والصوت العالي ..

الدكتورة هالة مصطفى: 

رغم كثرة المنابر الاعلاميه .. نلجأ لحلول مشكلاتنا بالشجار والصوت العالي ..

السوشيال ميديا هي الحزب السياسي الوحيد بعد الثورة

زيارة ترامب كانت بمثابة تجديد عهد عسكري مع السعوديه لايقاف التوسع والنفوذ الايراني بالمنطقه.

 

حوار :

رشا لاشين

 

علي الرغم من ابتعادها عن الساحة الاعلاميه والظهور الاعلامي لفترة ليست بقصيرة الا ان مقالاتها وارائها السياسية لم تتوقف باعتبارها خبيرة في مجال العلاقات الخارجيه والشئون الدولية .. الدكتورة هالة مصطفي التي عانت من هجوم اعلامي شرس والتزمت بعدها الصمت التام ولم تبالي من الحملات التي قامت عليها كي تنال منها علي الرغم من تمتعها بحب الناس وخاصة تلاميذها ومن يعجبون بارائها التي ايضا ينتقدها البعض .. تناقشنا في امور عدة تتعلق بعلاقات مصر الخارجية وسياستها مع الدول في ظل الازمات الاقتصادية الداخليه التي تمر بها بالوقت الحالي ..

 

س : لماذا تحركت السعودية لاثبات ملكية جزيرتي تيران وصنافير في مثل هذا الوقت شديد الحساسية ؟

ج : الأزمة التى فجرها الاتفاق بين الحكومتين المصرية والسعودية، بخصوص جزيرتى تيران وصنافير الواقعتين عند المدخل الجنوبى لخليج العقبة فى البحر الأحمر، وما صاحبها من حالة انقسام واستقطاب حادة فى المجتمع هى أزمة كاشفة لعديد من السلبيات التى تعترى حياتنا السياسية و ساحة النقاش العام، والتى تتجاوز الموضوع المباشر للجزيرتين ذاتهما.

لقد أصدرت الحكومة بيانا ومستندات توضح تاريخ الجزيرتين اللتين كانتا تحت الادارة المصرية منذ 1950 (أى بعد حرب 1948) بموافقة سعودية، الى أن احتلتهما اسرائيل فى 1967 مع استيلائها على سيناء حتى استرجعتهما مصر بعد انتصار 1973 واسترداد سيناء 1982. كما أشار نفس البيان إلى حقيقة التنازع على السيادة عليهما طوال الثمانينيات إلى أن صدر القرار الجمهورى رقم 27 لسنة 1990 بتحديد نقاط الأساس لقياس حدود المياه الاقليمية والمنطقة الخالصة لمصر، والذى بموجبه خرجتا تيران وصنافير منها، وأنه وطوال المدة المتبقية جرت مفاوضات لتسليمهما الى السعودية وشُكلت لجنة لتعيين الحدود فى 2010 إنتهت بالاتفاق الحالى (9 ابريل 2016).

إذن، ليس هناك ما يبرر التشكيك فى الدولة المصرية على هذه الخلفية، طالما لم تُقدم وثائق دامغة على الجانب الآخر المعترض على الاتفاق تُثبت العكس، وفى كل الأحوال ليس هذا ما يتوقف عنده المقال، لأن مثل هذه القضايا تحديدا لا تحتمل وجهات النظر ولا مجرد العواطف الوطنية، فالمسألة فى النهاية تحكمها حقائق وأدلة ملموسة وفقا لقواعد القانون الدولى. ولكن هذا لايمنع إبداء ملاحظات أساسية على المشهد برمته بعيدا عن تفصيلاته القانونية.

أولا : أخطات الحكومة ومعها الأجهزة المعنية فى الابقاء على سرية المفاوضات أوالاعلان عنها، حتى أن الرأى العام لم يكن يعلم أصلا  أن هناك إعادة ترسيم للحدود البحرية، وأنها تعاملت مع ملف معروف سلفا أنه سيثير الكثير من الجدل، بمنطق بيروقراطى يقتصر على الفنيين والخبراء دون الأخذ فى الاعتبار أننا نعيش فى عصر مفتوح يستلزم الشفافية وليست الأساليب المغلقة القديمة التى تعتمد على المفاجأة أو الصدمة، فذلك يجافى أى  عقلية أو منطق سياسى حديث.

  : أن هناك أزمة ثقة واضحة فى البرلمان الحالى، فلم ينتظره أحد للعب دور فى الأزمة، كونه الجهة المنوط بها التصديق على أية 

اتفاقيات من هذا النوع، بل بدا حضوره باهتا وهامشيا، وهى صفة تمتدد لكافة الشئون الأخرى.

  إننا مازلنا نفتقد الى لغة الحوار رغم كثرة المنابر الاعلامية، فالصوت العالى والشجار هو الغالب دائما.

  تزايد حالة الاحتقان السياسى، الذى يجعل قوى المعارضة بتنوع تياراتها (شخصيات عامة أو حزبية أو حركات سياسية خاصة من  قطاعات الشباب) تلتقط أى قضية خلافية للتعبير عن مجمل إحباطاتها أو رفضها لبعض السياسات العامة، مما يفاقم من المشكلات الطارئة أو القضايا التى قد تكون – بحكم التعريف – خارج سياق مطالبها السياسية المباشرة، وهو أمر لابد من الالتفات اليه واحتوائه. أما الأخطر فهو سرعة توظيف الاخوان، مدفوعون بإحساس ثأرى – لا يخفونه – مع النظام، لاستغلال نفس القضايا لاشعال «ثورة غضب» جديدة كما يتمنون ويسعون.

 : استمرار تجاهلنا لما تفرضه المعاهدات الدولية والاقليمية على الدولة من التزامات، بل والتعامل معها فى كل مرة تُثار، وكأنها  اكتشاف جديد يستوجب إبداء الرأى والنقد.

 وهذا ينطبق على من عبر قولا أو كتابة عن «دهشته» أو «صدمته» من اطلاع مصر اسرائيل على التسوية الجارية للجزيرتين ، رغم أنه أمر مفروغ منه، لأنهما جزء من الترتيبات الأمنية المتضمنة فى اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية الموقعة فى 1979 والملاحق والبروتوكلات المرتبطة بها، والتى تنص وتضمن حرية الملاحة فى خليج العقبة، ودون ذلك يصبح الأمر وكأنه بمثابة اعلان حرب مثلما حدث فى 67 بإغلاق مضيق تيران، ولهذا السبب توجد عليهما قوات حفظ سلام دولية وقوة شرطية مصرية ذات تسليح خفيف.

 ولأن السعودية ستصبح ضمنيا طرفا ثالثا فى هذه الاتفاقيات بعد استلامها لهما فقد سارع وزير خارجيتها بالتصريح بالتزام بلاده بما التزمت به مصر.

وفارق كبير بين من لايزالون يرفضون هذه الاتفاقية لأسباب سياسية وأيديولوجية وبين الاعتراف بها كواقع وحقيقة قائمة.

 : ما يتعلق بالعلاقات المصرية السعودية.

إذ على الرغم من الأبعاد السياسية المهمة لزيارة الملك سلمان لمصر، إلا أنه لم يتم التركيز سوى على جانبها الاقتصادى والاستثمارى، وهو ما فتح الباب للحديث عن الصفقات واختزال العلاقة عند هذا المستوى، بل وإعتبارها علاقة تبعية وفق ما ذهبت إليه بعض الآراء، رغم أن من ينظر الى الصورة الكلية للنظام الاقليمى لابد وأن يستنتج أنه لم يعد يعتمد على مبدأ القيادة الاقليمية الوحيدة او المنفردة، وأن توازنات القوى لم تعد تسمح بذلك، وإنما يعاد تشكيل التحالفات الاقليمية لمواجهة التحديات التى تمر بها المنطقة وفقا للمصالح والتوافق حول الملفات الاقليمية المفتوحة وهى كثيرة، من سوريا والعراق ولبنان إلى اليمن وليبيا والحرب على الارهاب خاصة تنظيم داعش فضلا عن تزايد النفوذ اليرانى وما يستتبعة من تفاقم ظاهرة الحروب بالوكالة، دون أن يعنى ذلك بالضرورة التطابق فى جميع المواقف أو وجهات النظر بين الدول المتحالفة فيما بينها.

 وهذا هو الاطار الأوسع لعلاقة مصر بالسعودية فى اللحظة الراهنة.

وبالاضافة إلى هذه الاعتبارات فإن حسابات القوة الشاملة لقدرات الدول لا تُقاس فقط بالمعيار الاقتصادى ودرجة الثراء فهناك القدرات العسكرية والموقع الاستراتيجى وحجم الدولة وتاريخها ودورها فى الحفاظ على استقرار وأمن الاقليم وغيرها، وهذه عوامل تعطى دائما ميزات نسبية لمختلف الدول بحيث تكون تكاملية فى حال تعاونها أو تحالفها مع بعضها البعض.

بإختصار، لكل من هذه الملاحظات قضية تثيرها تلقى بظلالها على أزمة الجزيرتين، ولكنها بالقطع تتعداها وربما هذا هو جوهر الموضوع

 س : ما الحزب الذي يوازي قوة الحزب الوطني الان من وجهة نظرك ؟.. وهل الثورة ساعدت علي قيام أحزاب ذات أسس راسخه حتي الآن أم أن الأمر مجرد شكلي بحت ؟

ج : يحتل الشباب مكانة محورية فى اهتمامات الدول, كبيرة كانت أو صغيرة, متقدمة أونامية, فهم فى النهاية مصدر حيوية أى دولة, بهم يكون التغيير والتجديد ممكنا, ومن دونهم قد يختل التوازن اللازم للاستقرار. ومن هنا تأتى أهمية المؤتمر الوطنى للشباب, الذى دعت اليه ورعته رئاسة الجمهورية, كخطوة أولى لحوار دائم معهم يضع قضاياهم - وهى كثيرة ومتنوعة - فى مقدمة أولوياتها, وليس هذا بالأمر السهل, فلكل جيل تحدياته التى يفرضها على الدولة والمجتمع معا, إذ لم تعد هناك وصفات جاهزة يمكن التعامل بها مع هذه الفئة تحديدا أو تكون صالحة لكل زمان ومكان.

و«الجيل» لا يُعرّف فقط بالمعنى العمرى, أى بالمسافة الزمنية التى تفصل بين فئة عمرية وأخرى, فيكون تصنيفا ساكنا موزعا بين كبار وشباب وصغار, ولكنه يكتسب معانى أكثر عمقا من النواحى السياسية والاجتماعية والثقافية تبعا للظروف والمتغيرات المحلية والعالمية التى تحكم حقبة ما, وبقدر سرعة إيقاعها تكون حدة الاختلاف فى الرؤى والأفكار بين الأجيال, أو ما يعرف بالفجوة بينها. ولا شك أن الشباب هم الأكثر تأثرا بكل ما يجرى فى محيطهم الذى يعيشون فيه ويتفاعلون معه وهم أيضا من يمتلك, فى المقابل, القدرة على فرض أشكال جديدة فى التعامل معه وتغيير الثوابت المعتادة, يسرى ذلك على كل الأنشطة الانسانية, أى فى السياسة والرواية والشعر والموسيقى والأزياء وأسلوب الحياة, حتى أنه يمكن تمييز جيل الستينيات عن السبعينيات ثم الثمانينيات وصولا للألفية الثانية من هذه الزوايا. فبانقضاء الحربين العالميتين وما صاحبهما من دمار واحباط وكساد قاد الشباب أبرز حركات التمرد فى التاريخ الأوروبى ظهرت آثارها جلية فى أواسط القرن الماضى وربما كان أشهرها مظاهرات الطلبة فى فرنسا فيما عرف بانتفاضة مايو 1968 أو ثورة الشباب على الزعامة التاريخية لشارل ديجول وامتدت لباقى أوروبا. وبنفس المنطق. وبالتزامن حدث التمرد على ألوان الموسيقى الكلاسيكية فاجتاحت موسيقى الروك والبلوز والكانترى والجاز العالم, متجاوزة موطنها الأصلى بأمريكا, وهى أنماط موسيقية محملة بالصخب والأداء الصوتى الحماسى الصارخ المستمد من التراث الشعبى من ناحية والمعتمد على الايقاعات الافريقية (خاصة الجاز الذى يعود بجذوره الى مرحلة الغاء نظام الرق والعبودية ونهاية الحرب الأهلية الأمريكية) من ناحية أخرى, كرمز للتحرر والمساواة بعيدا عن الطبقية أو التمييز, بل إن ارتداء «الجينز» الذى نُعده مجرد «موضة» فى الأزياء الآن ويباع بأغلى الأسعار, عند أول ظهوره كان تعبيرا عن الاحتجاج على مجتمع الاستهلاك والثروة والرفاهية التى لا يتمتع بها سوى الأقلية من الأغنياء «المتأنقين», وحتى ظاهرة «الهيبيز» التى انتشرت فى الستينيات والسبعينيات, والتى قد لا يعرف الكثيرون عنها سوى ما اختص بها أصحابها من اطالة لشعورهم ولبس الملابس الفضفاضة البسيطة والغناء فى المقاهى أو المغالاة فى بعض سلوكياتهم التحررية, كانت فى الأصل حركة شبابية ضد المظاهر المادية والرأسمالية القاسية فى ذلك الوقت.

اذن سواء تحدثنا عن ظواهر سياسية مباشرة أو اجتماعية تحمل مضامين سياسية غير مباشرة, ففى الأول والآخر كان الشباب هم قوتها المُحركة, انقضت أشياء وبقيت أخرى, لكن فى كل الأحوال حدث تغيير على مستوى السياسات العامة تدعيما لدولة الرفاه (الرعاية الاجتماعية) والطبقة الوسطى وحقوق الأقليات من مختلف الألوان والأجناس والطبقات والفئات الاجتماعية, من خلال المبادئ والقيم التى حملوها ودافعوا عنها وليس باعتلائهم السلطة, فتجديد الأفكار دائما ما يحدث مع تعاقب الأجيال وان بقى بالطبع لكل جيل أدواته وأسلوبه المميز فى التعبير عن نفسه.

العصر الذى نعيش فيه حاليا هو عصر الثورة التكنولوجية والاتصالات والمعلومات, هو بعبارة واحدة عصر «السوشيال ميديا»أى وسائل التواصل الاجتماعى من تويتر وفيس بوك وانستجرام, وهذه الوسائل وان عبرت عن طفرة تقنية تُسهل حياة الأفراد وتربطهم ببعضهم البعض, الا أن آثارها السياسة تبقى على نفس القدر من الأهمية ان لم تتفوق عليها. فقد وجد الجيل الحالى فيها فضاءً واسعا للانفتاح على العالم وللتعبير عن آرائه ووجهات نظره بعيدا عن أى رقابة أو سلطة سياسية, مثلما وفرت له القدرة على الحشد والتعبئة وتوجيه الرأى العام لمساندة فكرة أو قضية ما أو على العكس مناهضتها, بعيدا عن الأطر التقليدية خاصة الأحزاب السياسية التى كانت من قبل تلعب دور الوسيط بين الشباب والدولة, مثلما جسدته منظمة الشباب فى الستينيات المنبثقة عن الاتحاد الاشتراكى أى فى حقبة التنظيم السياسى الواحد, أو حتى فى ظل التعددية الحزبية فى تجربة ما قبل 1952 وقت تشكيل «الطليعة الوفدية» لحزب الوفد ممثل الأغلبية آنذاك. الآن يخاطب الشباب الدولة مباشرة متجاوزين النخب والأحزاب بمشاكلها وضعفها وأزماتها المزمنة وعجزها السياسى عن اجتذاب الأجيال الجديدة. وعلينا أن نعترف هنا بأن التجربة الحزبية العربية عموما لا يمكن مقارنتها بمثيلاتها الغربية فى رسوخها وحيويتها.

لا يعنى هذا أنه ليست هناك جوانب سلبية لتلك الوسائل الحديثة, فالتعامل المستمر مع عالم افتراضى يؤدى الى نوع من الفوضى الفكرية ولا يوفر رؤية شاملة للتغيير والاصلاح, بل وربما يحول مواطنا أو شابا عاديا أو محدود القدرات الى مناضل سياسى فجأة لمجرد ابدائه رأيه فى شأن من الشئون العامة, كذلك قد يكون فى بعض الأحيان أداة لبث أفكار منغلقة أو متطرفة مناقضة للحداثة ذاتها التى اخترعت «السوشيال ميديا» ورأينا أيضا كيف وظفته كثير من جماعات العنف لاستقطاب وتجنيد أنصار لها, فكل ذلك صحيح ويحتاج الى معالجة خاصة, ولكنه لن ينفى سطوة وسائل التواصل الاجتماعى على حياتنا السياسية اليوم وأنها ستظل كذلك لسنوات مقبلة .

 س : عبارة طريفه يرددها العامة وتتصدر المشهد السياسي " ترامب ذهب ليأخذ من مال السعودية ويعطيها لاسرائيل ثم يذهب الي الفاتيكان ليعلن توبته " ما الدافع الحقيقي وراء زيارة ترامب للسعودية وهل ما قامت به السعودية هي اتاوة لبقاء ال سعود في الحكم ؟

ج : بعد طول جمود وتوارٍ فى خضم الصراعات الاقليمية, بطابعها الأهلى والطائفى والمذهبى المشتعلة فى المنطقة من سوريا والعراق إلى ليبيا واليمن, والحرب على الإرهاب, عادت القضية الفلسطينية لتتصدر المشهد, بعد أن وضعها الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب على قائمة أولوياته كجزء رئيسى من تسوية مجمل هذه الصراعات, لنُصبح أمام شرق أوسط جديد, وهو ما تضمنه لقاؤه برئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى واشنطن, الذى أعقبه بفترة قصيرة لقاء آخر جمعه برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس, معلنا فى الحالتين سعيه لحل نهائى للقضية التى أرقت الجميع لمدى يزيد على نصف القرن, والمرجح أنها ستكون على رأس جدول أعماله خلال زيارته المرتقبة الشهر الحالى إلى كل من السعودية وإسرائيل قبل توجهه إلى الفاتيكان, وقد تكون لهذا الاختيار دلالة رمزية باعتباره يجمع بين أقطاب الديانات الثلاث الإسلام واليهودية والمسيحية, أو ربما له علاقة بمستقبل مدينة القدس المتنازع عليها, والتى سبق للرئيس الراحل أنور السادات أن طرح رؤية خاصة لتدويلها وجعلها مجمعا للأديان, وإن لم تلق الفكرة وقتها قبولا يجعلها موضعا لمناقشة جادة.

لكن بعيدا عن تلك التأويلات الرمزية, هناك العديد من الشواهد العملية التى تؤكد الاتجاه مجددا نحو القضية الفلسطينية, فكثير من معاهد البحث الأمريكية القريبة من دوائر صناعة القرار باتت تتحدث الآن عما تسميه بـ «الصفقة الكبري» أى صفقة تنهى ليس فقط الصراع «الفلسطينى الإسرائيلي» وإنما «العربى الإسرائيلي» برمته ضمن تسويات إقليمية أشمل وأوسع، وفى مقدمتها.. إعلان إدارة ترامب أن ركيزة الاستراتيجية الأمريكية المقبلة ستعتمد فى الأساس على محور السعودية/ مصر/ الأردن, وهى الدول التى لها إما علاقة مباشرة بالصراع أو صاحبة الثقل الأكبر فيه.

أن يبدأ رئيس الولايات المتحدة زياراته الخارجية عموما والشرق أوسطية تحديدا بالسعودية فهو أمر لا يُعد من قبل الزيارات البروتوكولية. صحيح أن للسعودية دورا مهما فى التحالفات القائمة باسم الحرب على الإرهاب, ولكن هذا لا يقلل من دورها المحورى فى التسويات السياسية لمعظم القضايا الإقليمية, فهى التى أنهت الحرب الأهلية فى لبنان, التى امتدت لما يقرب من الخمسة عشر عاما, باتفاق الطائف الشهير فى 1989 الذى أوجد صيغة توافقية للتعايش بين مختلف الطوائف اللبنانية وفق مبدأ المحاصصة السياسية, قبل أن تتدخل إيران وحليفها السورى لقلب المعادلة على إثر اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريرى لمصلحة حزب الله, وهى أيضا صاحبة المبادرة العربية للسلام 2002 القائلة بانسحاب إسرائيلى من جميع الأراضى المحتلة مقابل سلام وتطبيع كامل بينها وبين الدول العربية, والأهم أنها القادرة وحدها على توفير أضخم تمويل قادر على إنجاح أي صفقة سياسية.

لذلك ليست مصادفة أن يفتح ترامب صفحة جديدة مع الرياض لإعادة التحالف «الأمريكى السعودي» إلى سابق عهده, بعدما اهتز بشدة فى عهد سلفه باراك أوباما, الذى هاجم المملكة والوهابية علنا وأراد ان يوازن بينها وبين طهران بدعوته لاقتسام النفوذ بينهما فى المنطقة. فى هذا السياق جاء الإعلان عن بدء مناورات عسكرية مشتركة بين الجانبين الشهر المقبل إضافة إلى الإفراج عن صفقة سلاح تقدر بـ100 مليار دولار كانت قد أوقفت من قبل الإدارة السابقة, وإقليميا أصبح هناك تحد مشترك يجمع الطرفين وهو التصدى للتوسع والنفوذ الإيرانى فى المنطقة. ومن ناحيتها لم تمانع السعودية فى تحمل المزيد من النفقات فى الحرب على الإرهاب, أى «مقابل» التحالف والمظلة الدفاعية الأمريكية, الذى يطلبه ترامب من جميع حلفائه سواء الأوروبيون أو العرب أو غيرهم. وبنفس المنطق والتوقيت تعلن حركة حماس بشكل مفاجئ عن وثيقة جديدة تُعدل فيها بعض بنود ميثاقها الأساسى الصادر فى 1988, لتعلن لأول مرة تأييدها إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وليس فلسطين 1948 أى كامل الأراضى الفلسطينية كما نص الميثاق, ولتمد يدها للسلطة الفلسطينية التى طالما هاجمتها لتوقيعها اتفاقيات أوسلو وقبولها بمفاوضات السلام, ولتؤكد استقلالها تنظيميا عن جماعة الإخوان مع اعترافها فقط بالجذور الفكرية المشتركة التى تربطها بها, وكذلك رفضها لفكرة الوطن البديل فى إشارة إلى سيناء, وهو الموضوع الذى أثار جدلا واسعا فى فترة حكم الاخوان فى مصر. باختصار, وبغض النظر عن الاختلاف حول مدى مصداقية حماس فى التغيير أو كونه مجرد مناورة, فقد أعادت تقديم نفسها للمجتمع الدولي, كحركة سياسية يمكن التعامل معها أو إلحاقها بأي مفاوضات مقبلة على خلاف طابعها الأيديولوجى الجامد القديم والعنف المسلح الذى اتسمت به, والذى بموجبه أدرجتها الولايات المتحدة على قوائم التنظيمات الإرهابية. وبالتالى لا يمكن اعتبار هذا التحول محض مصادفة أو أنه يدور فى فراغ دون هدف من ورائه تحدده اللحظة الراهنة.

إذن كل الشواهد السابقة إذا تم ربطها ببعضها البعض تشير إلى تحركات ما بخصوص حل القضية الفلسطينية, حتى وإن كانت وراء الكواليس, ولكن السؤال الجوهرى سيبقى حول ماهية هذا الحل ومضمونه, خاصة فى ظل غموض موقف الإدارة الأمريكية من حل الدولتين, وكما قال ترامب فى المؤتمر الصحفى مع رئيس الوزراء الإسرائيلي, »دولة واحدة« أو«دولتين« فالأمر متروك للمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين, فضلا على عدم تراجعه عن موقفه بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ورفضه اعتبار التوسع فى المستوطنات عقبة فى سبيل تحقيق السلام وأخيرا حرصه على عدم الخوض فى قضايا الحل النهائي, إلا إذا كانت كلها متروكة لـ«الصفقة الكبري« التى ما زلنا لا نعرف شيئا عن تفاصيلها.

 

 س : ما توقعاتك لشكل العلاقات المصرية الدوليه مع ترامب رئيس الولايات المتحدة الامريكيه ومع رئيس فرنسا الجديد ماكرون؟

ج : كثير من المؤشرات تُنبئ بتحول إيجابى فى العلاقات المصرية الأمريكية فى ظل الإدارة الجديدة لدونالد ترامب, فزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لواشنطن هى الأولى لرئيس مصرى بعد انقطاع دام لما يقرب من 12 عاما, شهدت فيها تلك العلاقات أزمات متعددة, قبلها كان اللقاء المميز بين الرئيسين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة, وعلى مدى العامين الماضيين توالت على القاهرة زيارات الوفود الممثلة للكونجرس والمنظمات اليهودية الأمريكية النافذة فى دوائر صناعة القرار.

لكن الأهم من هذه المظاهر, أن ترامب جاء بـ «أجندة» سياسية مغايره لتلك التى اتبعها سلفه أوباما, ليس فقط فيما يتعلق بالعلاقة مع مصر, وإنما على مستوى الإستراتيجية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط ككل بما تتضمنه من إعادة ترتيب أوتبديل للتحالفات الاقليمية. إذ لم تعد قضايا الشأن الداخلى مثل مسألة الديمقراطية وحقوق الانسان وما يرتبط بها من ممارسة ضغوط على الدول, تحتل أولوية أو تحظى باهتمام الإدارة الحالية, وقد كانت سببا فى توتر العلاقة بين القاهرة وواشنطن, كذلك فإن الموقف السلبى من نظام 30 يونيو مقابل الدعم الأمريكى لجماعة الإخوان قد انتهى، لذلك تنتظر مصر أن يُترجم هذا التغيير الظاهر إلى مواقف وسياسات عملية تدعمه, كأن تُرفع القيود على المساعدات العسكرية التى سبق فرضها أو تُخصص مساعدات استثنائية لسيناء وربما أيضا تعديل بعض البنود الأمنية فى اتفاقية كامب ديفيد التى قسمتها إلى ثلاث مناطق (أ) و(ب) و(ج) تبعا لدرجة السيادة الأمنية عليها بين مصر واسرائيل. إضافة إلى زيادة حجم التبادل التجارى والاستثمارات الأمريكية فى مصر, أما من الناحية السياسية, فأن يتم إدراج الاخوان ضمن قوائم جماعات الارهاب التى تضعها الولايات المتحدة والتى سبق أن ضمّنتها حركة حماس وهى إحدى أفرع الجماعة المنتشرة فى المنطقة.

إذا كانت هذه الجوانب تتعلق بالشق الثنائى فى العلاقات, فالمتوقع أن يكون هناك تقارب وتعاون يتجاوز هذه الحدود ليمتد إلى مناطق الصراعات الاقليمية, حيث تعتمد استراتيجية ترامب المعلنة على إحياء محور مصر/السعودية/الأردن, كممثل لقوى الاعتدال السنية فى المنطقة, فى وضع شبيه لما كان سائدا فى زمن إدارة بوش الأب إبان حرب الخليج الثانية وتوقيع اتفاقيات أوسلو الفلسطينية - الإسرائيلية فى النصف الأول من التسعينيات, وأن المسئولية الملقاة على هذا المحور ستتسع من محاربة إرهاب داعش إلى مواجهة إيران التى وصفها الرئيس الأمريكى بأنها «مصدر للإرهاب العالمى», مع ملاحظة أن هذا البعد أضيف لاحقا تحت الضغط الاسرائيلى على إدارته. أيا ما كان الأمر فهناك ملاحظات أساسية يجب أن تؤخذ فى الاعتبار إذا ما وضعت تلك الإستراتيجية موضع التنفيذ.

أولا, تحدث ترامب كثيرا عن روسيا كشريك مهم فى تسوية القضايا الاقليمية خاصة ما يتعلق بالأزمة السورية, وهى فاعل دولى رئيسى فيها وقواتها موجودة على الأرض وتحارب هناك دفاعا عن مصالحها الحيوية التى اقتضت اصطفافها مع نظام بشار, وإيران حليف أساسى لها فى هذا الملف وتشارك بقوة فى القتال أيضا دفاعا عن نفس الأهداف أى مصالحها الاقليمية ودعم النظام وكلاهما منغمسان فى الحرب على داعش, فكيف سيتم التوفيق بين الرغبتين الأمريكيتين, محاربة إيران من جهة وإشراك روسيا فى حل القضايا الاقليمية من جهة أخرى؟ لا شك أن هذا يُعد تناقضا غير مفهوم؟ وفى المقابل هل يمكن أن تتخلى إيران عن مشروعها بسهولة أم ستلجأ إلى تشكيل حلف مضاد برعاية روسية؟ وهل فى هذه الحالة ستخوض دول «الاعتدال السنى» حربا مفتوحة مع طهران بما قد تقتضيه من تدخلات عسكرية؟ والأهم هل تقف جميعها على نفس المسافة منها وتعتبرها «عدوها» الأول أو الرئيسى فى الوقت الراهن؟.

ثانيا, إن افتراض تطابق الأهداف والمصالح القومية لقوى «الاعتدال السنى» تجاه جميع الصراعات وأطراف النزاع الداخلة فيها فى مختلف دول المنطقة, يحمل نوعا من التبسيط لا يتفق وواقع الأمور, ولا يمكن أن يتم بشكل آلى, فوجهة نظر مصر تجاه التسوية السياسية للأزمة السورية تختلف عن رؤية السعودية لها، كما أن طبيعة علاقتهما مع روسيا هى أيضا مختلفة, كذلك الحال بالنسبة لليمن وليبيا وغيرهما من حالات.

ثالثا, إن تشعب الأجندة الأمريكية الموزعة ما بين أولويتين, محاربة داعش وايران, يعنى عمليا مواجهة جميع التنظيمات المتطرفة على الجانبين السنى والشيعى فى آن واحد, فمن الناحية الأولى هناك إلى جانب داعش, القاعدة وجبهة النصرة وأنصار بيت المقدس وجماعة الاخوان بأجنحتها المسلحة, ومن الناحية الثانية, الحرس الثورى (وهو جزء أصيل من النظام الايرانى) والميليشيات التابعة له, وحزب الله اللبنانى والحشد الشعبى وفيلق القدس (المسيطران على الساحتين السورية والعراقية) وغيرها من تنظيمات, والمعضلة أن كل طرف هو بالفعل موظف ضد الآخر فى حروب بالوكالة لصالح قوى اقليمية أو دولية أكبر, فهل يمكن إدراج الجميع على قوائم الارهاب دفعة واحدة أم أن هذا التشعب سينتهى إلى «اللافعل» أو اللا شىء؟.

رابعا, فيما يتعلق بجماعة الإخوان تحديدا باعتبارها القضية الأهم والأكثر إلحاحا لمصر, هل ستكون أمريكا جادة فى إدراجها على قوائم الارهاب أم أن عوامل أخرى ستتحكم فى قرارها كعلاقاتها بتركيا وقطر الداعمتين صراحة لها أو بغيرهما من الدول التى تشكل فيها الجماعة رقما مهما فى معادلة الحكم (كتونس والأردن) أو فى الصراع على السلطة والتسويات المنتظرة, كما هو الحال فى ليبيا مثلا.

خامسا, وعلى الرغم من أن محور «الاعتدال» يبدو مرتبطا بإحياء عملية السلام فإن الإدارة الأمريكية الجديدة ليست لديها رؤية محددة لاستئنافها, سواء فيما يتعلق بحل الدولتين الذى طرحته إدارة بوش الابن أو قضية الاستيطان, فلم تكن هناك تصريحات واضحة إلا حول احتمالات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس!.

باختصار وفى سؤال واحد, هل إستراتيجية ترامب غير متماسكة أم متناقضة أم هى مجرد تعبير عن أفكار مازالت فى حاجة إلى الاختبار؟

أما بالنسبه لماكرون رئيس فرنسا الجديد فانه لن يختلف كثيرا عمن سبقه لكن اذا كان لماري لوبان النصيب في الرئاسه فان الامور كانت ستتغير وخاصة ان والدتها مصريه .. ستتوطد علاقه مصر بفرنسا اكثر لكن ستبذل مجهودا اكبر لمحاربة الارهاب واخذ موقف معادي من الاسلاميين .

 

 

 س : هل حل أزمة الارهاب هي مسئوليه مجتمعيه اكثر من كونها دوليه بمعني .. هل محاربة الارهاب فكريا اجدي نفعا ام محاربتها عسكريا ؟

ج :مع كل موجة إرهاب يتردد مصطلح «العائدون» من دولة معينة, أى الإرهابيون الذين تدربوا وقاتلوا فى صفوف التنظيمات المتطرفة المسلحة فى بلد ما يشهد صراعات أو حروبا أهلية، ثم عادوا إلى أوطانهم الأصلية لينفذوا فيها ما تمرسوا عليه من قتل وترويع وتفجير واغتيالات وحرب عصابات. ففى الثمانينيات كانت قضية «العائدون من أفغانستان» وفى التسعينيات «العائدون من ألبانيا» الذين شاركوا فى حرب البلقان تحت اسم «المجاهدين» دفاعا عن مسلمى البوسنة, ومع الألفية الجديدة توالت التسميات والعائدون من مختلف مناطق الصراع فى الشرق الأوسط كاليمن والعراق, وأخيرا تكرر نفس الأمر وأصبحنا أمام العائدين من سوريا الذين شاركوا فى الحرب الدائرة هناك وبايعوا تنظيم داعش الإرهابي, الذى يتخذ من العراق وبلاد الشام كما يُطلق عليها, مرتكزا جغرافيا للانتشار تحت اسم تنظيم الدولة الاسلامية, وكأن هذه الأراضى باتت مقر «الخلافة».

هذه الخاصية تنطبق على تنظيم أنصار بيت المقدس فى سيناء الذى تحول إلى فرع لداعش وكذلك من قاموا بأغلب عمليات العنف المسلح والاغتيالات ضد قوات الجيش والشرطة والمدنيين وتفجير الكنائس واستهداف الأقباط عموما, بعبارة أخرى أصبحت الحرب السورية سببا لتزايد الإرهاب فى المنطقة وفى مصر.

صحيح أن مواجهة الإرهاب تتطلب بالأساس المواجهة الفكرية للأفكار المتطرفة بالإصلاح الدينى والتعليمى والثقافي, وبتفعيل دولة القانون تكريسا لمبدأ المواطنة, ولكن ليس هذا ما يتوقف عنده المقال, فقد كُتب وقيل فيه الكثير حتى لم يعد هناك ما يُضاف, وللأسف لم يحدث شىء ملموس على أرض الواقع, وإنما التوقف هنا عند الأبعاد الإقليمية والدولية لظاهرة الإرهاب, التى تجعله أداة للتوظيف والاستخدام فى صراعات أكبر بما يضمن استمرارها واستفحالها, فهكذا كانت البداية عندما سمحت حكومات القوى الإقليمية المتحالفة مع الولايات المتحدة بإرسال كوادر وأعضاء من التنظيمات الإسلامية السنية المسلحة (كتنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية فى مصر) للقتال ضد السوفيت والحكومة الموالية لهم فى أفغانستان إبان الحرب الباردة, وكان ذلك جزءا من الإستراتيجية الأمريكية فى مواجهه الاتحاد السوفيتى آنذاك, ثم أعيدت التجربة وكأنها نسخة طبق الأصل بعد الغزو الأمريكى للعراق للحد من تزايد النفوذ الإيرانى والشيعى فيه, وهو ما يتكرر فى سوريا المتصدرة المشهد الآن, والتى فقدت كثيرا من مقومات «الدولة» لا سيادة كاملة على أراضيها، ولا شرعية حقيقية لنظامها الحالي، وأضحت فى المقابل ساحة مفتوحة لكل التنظيمات المتطرفة السنية والشيعية التى تحركها وتدعمها مختلف دول الإقليم وفق أجنداتها الخاصة, والأهم أن سوريا ذاتهاـ كبلدـ أصبحت رقما محوريا فى معادلة القوة والتنافس بين أمريكا وروسيا, ليس فقط على مستوى الشرق الأوسط وإنما على امتداد العالم، وتحديدا فى مناطق النفوذ القديمة للاتحاد السوفيتى، أى المحيط الجغرافى لروسيا وأوروبا الشرقية, وهى صورة أخرى مصغرة لما كان عليه الوضع زمن الحرب الباردة.

سبقت موسكو واشنطن فى السيطرة على سوريا بتدخلها العسكرى المباشر مثلما فعلت فى أوكرانيا بضمها لشبه جزيرة القرم بالقوة, أنقذت نظام بشار مرتين, واحدة عندما ضمنت الاتفاق مع الغرب والولايات المتحدة على نزع أسلحته الكيماوية فى 2013 درءا لضربة عسكرية أمريكية محتملة, والثانية بقواتها القتالية فى معركة حلب الشهيرة التى حققت نصرا ملحوظا للنظام بعد استرداده المدينة, شكلت حلفا أمنيا وعسكريا قويا (محور روسيا سوريا إيران وما يتبعها من ميليشيات) حصلت من خلاله على مكاسب مهمة, قاعدة بحرية وأخرى جوية، وتحكم فى شكل التسوية السياسية المنتظرة للصراع, وورقة ضغط دولية للحفاظ على مكاسبها فى مناطق نفوذها الأخري.

لا شك فى أن عهد أوباما وفر مناخا ملائما لترسيخ الدور الروسى فى الأزمة السورية, ليس فقط لموقفه السلبى أو المتردد حيالها, ولكن لأن السياسة الأمريكية وقتها كانت ترى ضرورة فى تحقيق توازن بين معسكرى السنة والشيعة فى المنطقة، وهو ما أسفر عن توقيع الاتفاق التاريخى مع إيران حول سلاحها النووي, والتغاضى عن توسيع نفوذها ووجودها فى سوريا وفى المنطقة ككل, وهو ما أعتُبر توافقا ضمنيا مع السياسة الروسية.

أكثر من ذلك ساد الاعتقاد أن إدراة ترامب ستكون مثالية لانفراد «روسيا بوتين» بوضع قواعد اللعبة وشروطها بحكم ما أعلنه الرئيس الأمريكى الجديد مرارا وتكرارا حول أهمية التعاون معها فى حل القضايا الإقليمية وربما الاعتماد عليها فى الأساس, إلى أن جاءت الضربة العسكرية الأمريكية ضد قاعدة الشعيرات الجوية بعد اتهام صريح لبشار باستخدام السلاح الكيماوى المحرم دوليا ضد شعبه.

الواقع, وعلى الرغم من محدودية هذا الإجراء, إلا أن رمزيته ودلالته تتضمن عددا من الرسائل ليست موجهه بالقطع إلى النظام السورى وحده, وفى مقدمتها تخلى أمريكا عن سياستها السابقة بشأن عدم التدخل العسكرى فى سوريا, بل إن الأمر على هذا النحو سيكون مرشحا للتصعيد وقد يستتبعه وجود قوات أمريكية أكبر أسوة بالأطراف الأخرى الموجودة على الأرض, والأهم أنه أول اختبار عملى لوضع إستراتيجية ترامب الجديدة الخاصة بأولوية مواجهة إيران موضع التنفيذ, أى نزع أهم أوراق الضغط التى يمتلكها بوتين بضرب حليفيه (سوريا وإيران), ومن هنا جاء رد فعل روسيا الغاضب واسخدامها حق الفيتو فى مجلس الأمن ضد مشروع قرار أمريكى ــ بريطانى لإدانة النظام السوري, وبغض النظر عن التفاصيل فقد تغيرت موازين القوى وأصبح حل الأزمة أكثر تعقيدا, فمن قبل كان الهدف المشترك والرئيسى هو مواجهة داعش, الآن أصبحت القضية هى إيران وتنحية بشار عن السلطة, وليس هذا بالخلاف الهين, فإما أن يقود إلى صدام بين موسكو وواشنطن، أو إلى صفقة سياسية بينهما ذوهو الأرجح - لتقاسم النفوذ سواء فيما يتعلق بسوريا أو غيرها من المناطق.

لا أحد يعرف ماذا سيكون مصير الدولة السورية المنهكة, وهل ستبقى أم تختفي، ولا متى ستبدأ المواجهة الحقيقية لإرهاب داعش .

 

 س : بعد الهجوم الحاد الذي تعرضتي له بعد زيارة السفير الاسرائيلي الي مكتبك بالاهرام .. لماذا هذا الصمت الطويل ؟؟

ج : ربما أكون في آخر قائمة من كتب عن الأزمة التي أثارتها زيارة السفير الإسرائيلي بالقاهرة شالوم كوهين إلي مكتبي بمؤسسة الأهرام في‏14‏ سبتمبر 2009 فقد سبقني كثير من الزملاء والكتاب والمحللين السياسيين سواء من داخل أو خارج مصر‏.‏ وقبل أن أتناول تداعيات تلك الأزمة من الناحية الفكرية والسياسية‏,‏ أرجو من القارئ أن يسمح لي بتسجيل بعض الخواطر سريعا‏.‏ أهمها‏,‏ ما لاقيته من دعم معنوي من كثير من الزملاء والأصدقاء‏.‏ ربما هالهم حجم وضراوة الهجوم الذي تعرضت له واعتبروه ظالما أو‏'‏ مغرضا‏'‏ بمعايير كثيرة مهنية وسياسية وأخلاقية‏..‏فلهولاء جميعا تقديري وامتناني الشديد‏,‏ إذ كان ذلك جانبا إنسانيا مضيئا في تلك الأزمة‏.‏ ولنأتي الآن إلي الجوهر السياسي والفكري للموضوع‏.‏

أولا‏:‏ أن تلك الواقعة كانت سببا مباشرا في إثارة جدل حول إحدي القضايا الجوهرية المطروحة علي عالمنا العربي عموما‏,‏ وهي التعامل مع‏'‏ الآخر‏',‏ خاصة الإسرائيلي‏,‏ أي ما اصطلح علي تسميته‏'‏ بالتطبيع‏',‏ وهو مصطلح بات يثير‏'‏ فوبيا‏'‏ في ذاته تربك الجميع وتخيفهم من أي نقاش بناء‏.‏ ورغم ذلك‏-‏ وبخلاف المقالات الدعائية‏,‏ فقد كانت هناك في المقابل العشرات من المقالات الموضوعية‏(‏ سواء المؤيد منها أو المختلف‏)‏ تتيح لكل طرف الاستماع لوجهة نظر الآخر دون‏'‏ إسفاف‏'‏ أو‏'‏ تخوين‏'‏ فالجميع ينطلق من أرضية وطنية مشتركة ويسعي في النهاية إلي خدمة قضايا وطنه‏,‏ وإن اختلفت السبل والطرق ومناهج التفكير‏.‏ فهذه المقالات تعكس في النهاية وجود مدرستين فكريتين لهما منطلقاتهما الأيديولوجية والسياسية‏.‏

ولأن كاتبة هذه السطور وصاحبة تلك الواقعة الشهيرة التي أثارت هذا الجدل الواسع من أنصار المدرسة الفكرية الداعية إلي الحوار‏,‏ فإن واقعة الزيارة التي كان من المفترض أن تناقش إمكانية عقد ندوة أكاديمية حول مستقبل السلام في الشرق الأوسط تصبح في غير حاجة إلي تبرير‏.‏ فالعالم الذي نعيش فيه‏,‏ والذي منح مؤخرا جائزة نوبل للسلام للرئيس الأمريكي إنما منحها له‏(‏ ولأول مرة‏)‏ علي الأفكار الكبري التي يتبناها‏,‏ والتي تعلي من قيم الحوار والتعايش والسلام‏.‏ يضاف إلي ذلك أن مصر دخلت عصر السلام منذ أواخر السبعينيات‏,‏ وهذه أصبحت حقيقة نعيشها‏,‏ عدم اعتراف البعض باتفاقية السلام‏'‏ بزعم أنها لا تخص سوي الرئيس الراحل أنور السادات‏'.‏ بل علي العكس فقد امتلكت مصر‏,‏ بفضل هذا السلام‏,‏ ميزة نسبية عن نظرائها من معظم الدول العربية التي وإن اصطف بعضها في معسكر ما يعرف‏'‏ بالراديكاليين‏'‏ أو‏'‏ الممانعين‏'‏ إلا أنها تسعي في النهاية إلي الوصول إلي ما وصلت إليه مصر‏,‏ أي تسوية النزاع بينها وبين إسرائيل‏,‏ وتوقيع معاهدات سلام معها‏.‏ كذلك ففي الوقت الذي ارتفعت فيه الأصوات من داخل مصر مطالبة بمزيد من المقاطعة تواجدت إيران في مهرجانات ثقافية وسينمائية تشارك فيها إسرائيل‏.‏

إن القدرة علي الوجود وليس الانسحاب‏,‏ والمنافسة وليست القطيعة تبقي الأجدي من إطلاق الشعارات التي غالبا لا تخرج عن الاستهلاك المحلي‏,‏ مثلما تتجاهل واقعا إقليميا ودوليا يسعي لإقامة دولة فلسطينية في إطار حل الدولتين‏,‏ وفي ظل مبادرة بيروت العربية‏.‏بل إن مساعي المصالحة الفلسطينية التي تقوم بها مصر بين السلطة الوطنية وحركة حماس إنما تهدف في النهاية إلي جذب الأخيرة للقبول بالمنهج السلمي والاعتراف بالتفاهمات والاتفاقيات التي وقعت منذ أوسلو‏1993.‏

ثانيا‏:‏ يتذرع أصحاب منهج‏'‏ رفض الحوار‏'‏ أولا‏,‏ بأن الحوار يعني ضمنا الموافقة علي سياسات الطرف الآخر‏!‏ فهل هذا صحيح ؟ أم أنه علي العكس؟ الحوار هو وسيلة لطرح وجهات النظر المتباينة‏,‏ وصولا إلي حلول وسط‏.‏ وثانيا‏,‏ بأن هناك‏'‏ رفضا شعبيا قاطعا لفكرة السلام ولمنهج الحوار‏'_‏ وفق وجهه النظر السابقة‏-.‏وتكفي هنا الإشارة إلي أنه علي مدي ما يزيد علي الثلاثين عاما لم تشهد مصر انتفاضة شعبية تطالب بإلغاء المعاهدة أو رفض السلام‏,‏ مثلما لم يصدر عن مجلس الشعب‏,‏ أي الهيئة التمثيلية المفوضة بالتعبير عن إرادة الأمة‏,‏ من القرارات والتشريعات ما يفيد ذلك‏.‏

ووفقا لاتفاقية‏'‏ الكويز‏'‏ التي تشترط أن يحتوي المنتج المصري علي نسبة معينة من المكون الإسرائيلي لضمان الإعفاء الجمركي في الأسواق الأمريكية‏,‏ هناك العشرات من المصانع المصرية تضم الآلاف من العمال والفنيين والخبراء الذين يعملون بها‏,‏ أي أنها لا تخص الحكومة فقط‏.‏ ألا يعبر هؤلاء عن فئات مختلفة من الشعب‏!‏ إذن الشعب المصري لا يرفض السلام الذي يحلو لبعض الأصوات السياسية انتزاع حق التحدث نيابة عنه‏.‏ ولا يعني هذا مصادرة حق الشعب في التعبير عن غضبه أو رفضه للممارسات العدوانية‏,‏ وللحروب بشكل عام‏,‏ بل علي العكس فإن كل المجتمعات الديمقراطية ذات الأنظمة المنفتحة تفعل هذا وأكثر منه وليس هناك علاقة مباشرة بين رفض سياسات بعينها وبين منهج المقاطعة‏.‏ ففي تركيا التي تربطها علاقات قوية بإسرائيل و‏'‏طبيعية‏'‏ خرجت منها مظاهرات واسعة ربما فاقت ما خرج في بعض المجتمعات العربية احتجاجا علي حرب غزة‏,‏ ونفس الشئ يحدث في أوروبا وهما علي علاقة وثيقة بإسرائيل‏,‏ بل إن تقرير جولدستون الشهير‏,‏ والذي تدافع عنه حماس بقوة‏,‏ قد أعده وقدمه للعالم قاض غربي سويسري‏!‏

ثالثا‏:‏ إن القرار الصادر عن الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين‏(‏ في‏1983‏ والذي عدل في‏1985)‏ هو وفق العرف القانوني بمثابة‏'‏ توصية‏'‏ وقد مضي عليها ما يزيد علي الثلاثين عاما‏.‏ ويتحدث عن‏'‏ حظر كامل للتطبيع علي المستوي النقابي والمهني والشخصي‏'.‏ وبالتالي فهو قرار في حاجة إلي المراجعة‏,‏ ليس فقط لأنة لا يضع تعريفا دقيقا لهذا المصطلح‏,‏ ولكن لأنة لا يعبر عن الواقع الحالي بعد الاعتراف بدولة إسرائيل وتبادل السفراء معها‏.‏

أما الاحتكام إلي‏'‏ الديمقراطية‏'‏ في الدفاع عن ذلك النوع من القرارات فيمكن القول في المقابل أنه لم يعرف في جميع التقاليد الديمقراطية أن هناك‏'‏ توصية‏'‏ استمرت دون تغيير علي مدي ثلاثة عقود تغيرت خلالها الكثير من المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية‏,‏ ربما تكون هذه من تقاليد النظم الشمولية‏,‏ ولكنها بالقطع ليست من التقاليد الديمقراطية‏.‏ والدليل علي ذلك أنه علي امتداد هذه الفترة الزمنية حدثت عشرات من الاستثناءات في التعامل مع الجانب الإسرائيلي لأسباب مهنية وسياسية شتي‏,‏ وضمت هذه الاستثناءات أسماء معروفة علي مستوي العمل الأكاديمي والصحفي والنقابي أيضا‏-‏ فكيف يمكن اعتبار هذه التوصية‏-‏ أو القرار تعبيرا جامعا عن‏'‏ الكل‏'.‏ كذلك فإن هذه التوصية تتعارض مع الدستور والقانون والسياسة العامة للدولة‏,‏ وأن الصيغة التي وضعت بها إنما تقترب من صيغ‏'‏ قوانين الحرب‏'.‏

رابعا‏:‏ إن مسألة الترهيب الفكري بدعوي‏'‏ الإجماع‏'‏ أو احتكار صيغة‏'‏ الوطنية‏'‏ أو الادعاء‏'‏ بالخروج عن الصف‏',‏ كلها من الشعارات السياسية المستهلكة التي ارتبطت في الماضي بتجربة سياسية وأيديولوجية بعينها روجت لأحادية الفكر والمنهج والسياسة‏.‏

إن استمرار السيطرة المباشرة وغير المباشرة لتيارات سياسية بعينها علي الساحة الإعلامية‏,‏ وعلي الصحف والفضائيات بالتحديد تلك التي تنتمي‏'‏ الناصرية‏'‏ و‏'‏القومية العربية‏'‏ و‏'‏ الإسلامية‏'‏ وبعض أجنحة اليسار التقليدية مقابل تراجع التيار الليبرالي هي التي أدت إلي إعادة إنتاج أيديولوجيات بعينها وضمان استمرار هيمنتها‏.‏ ومن هنا كان لابد من تضخيم‏'‏ التابوهات‏'‏ أو‏'‏ المطلقات‏'‏ أو‏'‏ القوالب النمطية الجاهزة‏',‏ والترهيب من التغيير‏,‏ والاستماتة في الدفاع عما يسمي‏'‏ بالوضع القائم‏'‏ من خلال سياسة الصوت العالي‏,‏ وبغض النظر عما إذا كانت تحقق لنا مكسبا أم خسارة‏!‏