سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 5 يونيو 1961..عبدالناصر يجبر إيطاليا على شراء الموز الصومالى بأعلى سعر بعد امتناعها

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 5 يونيو 1961..عبدالناصر يجبر إيطاليا على شراء الموز الصومالى بأعلى سعر بعد امتناعها
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 5 يونيو 1961..عبدالناصر يجبر إيطاليا على شراء الموز الصومالى بأعلى سعر بعد امتناعها

جاء رئيس وزراء الصومال الدكتور عبدالرشيد الشرماركى إلى القاهرة محملا بهمومه التى أفضى بها إلى الرئيس جمال عبدالناصر، وهى حسب محمد فايق فى كتابه «عبدالناصر والثورة الأفريقية» (دار الوحدة – بيروت): «علاقة عبدالرشيد بإيطاليا والشركات الإيطالية، التى كانت تحتكر تسويق محصول الموز وهو المحصول الرئيسى للصومال».

 

كان «الشرماركى» المولود عام 1919 هو أول رئيس وزراء للصومال بعد استقلالها فى أول يوليو عام 1960 ، ويحمل الدكتوراه فى العلوم السياسية من جامعة روما، وأصبح رئيسا بالانتخاب فى 10 يونيو من عام 1967، وكان بذلك ثانى رئيس بعد الاستقلال (الرئيس الأول عبدالله ادن)، واغتيل فى 15 أكتوبر 1969 ليتولى بعده محمد سياد برى، وحسب فايق: «عندما تولى الشرماركى رئاسة الوزراء فى الصومال انتهج سياسة أكثر تحررية، وبدأ ينضم إلى مجموعة الدول التحررية فى كثير من المواقف الأفريقية الأساسية مثل أزمة الكونغو وتأييد حركات التحرير، كما اتجه إلى تدعيم علاقته بمصر».

 

كانت مصر حاضرة بقوة على الساحة الصومالية، منذ مشاركتها فى مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة الذى يدير الصومال حتى حصوله على استقلاله، ونتيجة لتعاظم دورها فى مواجهة الاحتلال الإيطالى، تم اغتيال السفير المصرى كمال الدين صلاح عضو مجلس الوصاية يوم 16 إبريل 1957 فى مقديشيو، ويذكر الدكتور محمد عبدالمؤمن محمد عبدالغنى فى كتابه «مصر والصراع حول القرن الأفريقى: 1945 - 1981» عن (دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة): «مع استقلال الصومال عملت مصر على إبعاده عن سيطرة الدول الغربية، التى حاولت استخدام كل الوسائل السياسية والاقتصادية لإدامة تلك السيطرة»، ونتيجة لتأثير دور مصر فشلت إسرائيل فى محاولاتها للتواجد بالصومال: «عند الاستقلال وجهت الصومال الدعوة إلى الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة بما فى ذلك إسرائيل للاشتراك فى احتفالات الاستقلال، ولكن الحكومة الصومالية عادت وتراجعت وألغت الدعوة، وبررت إرسالها بأن ذلك حدث سهوا، ثم تجاهلت البرقية التى أرسلها الرئيس الإسرائيلى «بن زافى» لرئيس الصومال فى 30 يونيو 1960، كما تجاهلت برقية الاعتراف الإسرائيلى بالدولة الجديدة، ثم أعقب ذلك تشدد صومالى تجاه إسرائيل إذ أعلنت الحكومة الصومالية أن بلادها تعتبر إسرائيل عدوها الثانى بعد إثيوبيا»، ويؤكد «عبدالغنى» أن عبدالناصر سارع بمساعدة الصوماليين فى الاتصال بالاتحاد السوفيتى، للحصول على المساعدات الاقتصادية حتى يفقد الغرب أهم أدواته فى التأثير على الصوماليين.

 

فى هذا السياق جاءت زيارة «عبدالرشيد» إلى القاهرة يوم 5 يونيو «مثل هذا اليوم 1967» واجتماعه بـ«عبدالناصر»، ويذكر فايق، أن الشركات الإيطالية كانت تنفذ خطة القصد منها الضغط على «عبدالرشيد» لحمله على ترك سياسته الجديدة التى تقف فى صف «مجموعة الدول التحررية الأفريقية»، فامتنعت عن شراء الموز الصومالى، وتركت أسعاره تهبط هبوطا شديدا كاد يهدد بكارثة لا يتحملها اقتصاد الصومال الضعيف، وحسب فايق: «كان هذا أسلوبا معروفا واجهه كثير من الحكومات الأفريقية حديثة الاستقلال».

 

يؤكد «فايق» أن «عبدالرشيد» شرح مشكلته أمام «عبدالناصر»، فرد: «مصر ستدخل مشترية لمحصول الصومال من الموز الذى ستطرحه للاستهلاك المحلى داخل أسواقنا، وأننا سنقوم فى نفس الوقت بتصدير معظم محصولنا من الموز المصرى، فلدينا القنوات والقدرة على تحقيق ذلك»، ويضيف «فايق»: جاء هذا العرض مفاجأة لـ«عبدالرشيد» نفسه الذى وجد فيه إنقاذا لاقتصاد الصومالى ومخرجا من هذه الأزمة دون أن يضطر إلى الخضوع لضغط الشركات أو تعديل سياسة اختارها، وبعد أن عبر عن امتنانه لهذا الموقف المصرى الحاسم، استطرد عبدالناصر قائلا: «إنه مع التزامه بما قال فإنه يعتقد أننا قد لا نحتاج إلى إتمام هذه الصفقة، حيث إن مجرد الإعلان عنها سيجعل الشركات الإيطالية تعدل عن موقفها هذا، فهى بكل تأكيد لا تريد أن تخسر السوق الصومالية وستعود غالبا لشراء الموز الصومالى». يؤكد «فايق»: «تحققت نبوءة عبدالناصر، فما إن أعلن عن هذا الاتفاق حتى اندفعت الشركات الإيطالية تريد شراء المحصول كله، وألحت على حكومة الصومال حتى تلغى الصفقة المصرية، وألغيت بالفعل هذه الصفقة التى لم تكن مصر فى حاجة إليها بعد أن أصبحت حكومة «عبدالرشيد» فى موقف أقوى أمام هذه الشركات، ومن هم وراءها»، يضيف فايق: «العجيب أن سعر الموز الصومالى ارتفع ذاك العام عن أعوام كثيرة سابقة».

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع