أخبار عاجلة

حازم حسين يكتب: قطر تعود للمربع "صفر".. قطع العلاقات تأكيد لتمادى الدوحة فى العداء.. دبلوماسية القاهرة تكسب والعمالة "أمان".. السيناريو الأرجح إما طرد تميم أو "مستنقع إيران".. ومصر أبرز الرابحين وتركيا تخسر

حازم حسين يكتب: قطر تعود للمربع "صفر".. قطع العلاقات تأكيد لتمادى الدوحة فى العداء.. دبلوماسية القاهرة تكسب والعمالة "أمان".. السيناريو الأرجح إما طرد تميم أو "مستنقع إيران".. ومصر أبرز الرابحين وتركيا تخسر
حازم حسين يكتب: قطر تعود للمربع "صفر".. قطع العلاقات تأكيد لتمادى الدوحة فى العداء.. دبلوماسية القاهرة تكسب والعمالة "أمان".. السيناريو الأرجح إما طرد تميم أو "مستنقع إيران".. ومصر أبرز الرابحين وتركيا تخسر

المفاجأة المصرية السعودية الإمارتية صفعة قوية على وجه قطر وخسارة فادحة لنظامها

قطع العلاقات تأكيد لتمادى قطر.. وموقف معلن منها بعد شهور من الرسائل الخفية

الحصار الناتج عن القرار يهدد اقتصاد قطر ومعيشة مواطنيها ويدفع فى اتجاه الانكماش

شلل حركة التجارة وتوقف النمو العمرانى وتهديد كأس العالم 2022 "المشبوهة"

تصاعد الشقاق داخل الأسرة الحاكمة وتصاعد أصوات المعارضة القطرية أبرز الآثار

السيناريو الأقوى فى قطر إما التضحية بأميرها تميم بن حمد أو الورط فى مستنقع إيران

لا تهديد للعمالة المصرية فى قطر.. ومنها 80 ألف إخوانى لن يعودوا فى كل الأحوال

احتمال اشتعال حالة فوضى داخلية بقطر مع قصور أمنى بجيش مرتزقة أقل من 12 ألف جندى

مصر والإمارات وسوريا وليبيا أبرز الرابحين من القرار.. وقطر وتركيا والإخوان يخسرون

 

مفاجأة ربما غير متوقعة استيقظ عليها الجميع أمس الاثنين، قرار رباعى متزامن تقريبا من مصر والسعودية والإمارات والبحرين، تلتها ليبيا واليمن، ثم جزر المالديف وموريشيوس، بقطع العلاقات الدبلوماسية وتعليق التمثيل المتبادل مع قطر، إضافة إلى إجراءات أكثر حدة تصل إلى طرد بعض الدول المُقاطِعة لمواطنى قطر، واستدعاء مواطنيها، وفق مهلة زمنية لا تتجاوز أسبوعين، وإغلاق المنافذ الجوية والبرية والبحرية معها.

 

القرار نتيجة مباشرة لمسلسل متصاعد من الأحداث خلال الأسبوعين الأخيرين، ولكنه كان وصولا لآخر المدى بدرجة أكبر من توقعات المتابعين والمحللين، ما يشير إلى أن رواكد كثيرة جرت فى نهر العلاقة والاتصالات فى الفترة الأخيرة، وأن المضمر أكبر من المعلن وأخطر، وهو ما يبرهن عليه سرعة تدخل الكويت للوساطة، والأثر السريع الذى أسفر عنه التدخل بقطع كلمة تميم بن حمد، أمير قطر، مساء أمس، وتحديد موعد لقمة سعودية قطرية برعاية أمير الكويت، غدا الأربعاء على الأرجح، وصولا لموقف قطر المصرح به على لسان وزير خارجيتها، محمد بن عبد الرحمن آل ثانى، بحسب ما أوردته وكالة رويترز صباح اليوم، بإعلان الدوحة قبولها للوساطة، وتأجيل خطاب تميم استجابة للكويت، وتأكيد أنها لن تتخذ إجراءات تصعيدية، وترى أن الخلافات يجب حلها على طاولة الحوار.

 

القراءة السياسية للمشهد ترتبط بمحددات وأوراق لعب ومناورة، وتجاوزات مسجلة ضد قطر، وإمكانات ضغط لدى القوى العربية المواجهة لها، وهذه القراءة لا تشير إلى خروج عاجل وناعم من حالة الاشتباك القائمة، الأوضح أن الأمور ستسير إلى حالة أكبر من التصاعد والسخونة، وهو ما سنحاول الاقتراب منه فى هذا الاستعراض الشامل، مع التأكيد منذ البداية على أن مشهد السياسى العربى قابل فى أى لحظة للالتفاف على نفسه، ويمكن أن يسفر الأمر عن تراجع القوى المقاطعة خطوة للخلف، مقابل تراجع قطر عشر خطوات، لينتهى الأمر بترتيبات تبدو هادئة، ولكنها تنتصر لمحور السعودية ومصر والإمارات والبحرين، على قطر وظهيرها وميليشياتها، ولكنه يبدو سيناريو ضعيفا رغم مقبوليته.

 

قرار قطع العلاقات.. موقف معلن بعد شهور من الرسائل الخفية

القرار الرباعى الذى صدر فجرا صفعة قوية ومؤلمة لقطر، وسيؤثر عليها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وفى الغالب سيقودها لتنازلات مذلة، إما على محور دول مجلس التعاون الخليجى ومصر، أو على محور تركيا وإيران رغم ما يشوبه من تعارض واختلافات.

 

يبدو أن الموقف ليس عربيا فقط، الصورة تحمل إشارات لحياد أمريكى وقرار بكف يدها عن التدخل لصالح أى من طرفى الصراع، وتقارير إخبارية عدة، بعضها أوردته وكالة سبوتنيك ونوافذ إعلامية روسية أخرى، أشارت إلى أن موسكو لن تتدخل إذا قررت الدول العربية معاقبة قطر، ويضاف لهذا ما يتواتر عن قطع شوط بعيد فى اتفاق إقليمى أمريكى لنقل قاعدة العديد العسكرية، التى تضم قيادة المنطقة المركزية الأمريكية وأكثر من عشرة آلاف مقاتل، لإحدى دول الخليج البارزة بدلا من قطر.

 

بيان الخارجية القطرية التالى لقرار قطع العلاقات أعرب عن أسف الدوحة لقرار السعودية والإمارات والبحرين، وبعيدا عن حملة العلاقات العامة الساذجة التى أشارت لإهانة وتجاهل القاهرة فى البيان، فقد أشار بيان خارجية قطر فى فقرته الثانية لمصر متهما إياها صراحة بأنها السبب الرئيسى فى هذا القرار وهى من نسّقت المواقف بين الدول العربية المقاطعة، وما يشير إليه البيان فى وجهه العميق أن قطر تضع يدها على سبب لموقف مصر منها، باعتبار أنها تحتضن الإخوان ولم تنكر دعمهم، ولكنها تشعر بالصدمة من مواقف الجيران الخليجيين، إذ ترى أنها لم تتورط فى تصرف معاد لهم، فى إطار الظاهر وهروبا من المضمر الذى طُرح على طاولة التداول كثيرا فى اجتماعات مجلس التعاون الخليجى وفى لقاءات الوساطة بين وزير خارجية الكويت ونظيره القطرى.

 

الدبلوماسية المصرية.. تحرك ناعم وتأثير فاعل فى ملفات المنطقة

الواضح من القراءة الأولية أن الدبلوماسية المصرية لها الدور الأكبر فى الموقف الأخير، خاصة أن القرار سبقه اجتماع السفير السعودى بالقاهرة أحمد بن عبد العزيز قطان بمسؤولين بارزين فى الخارجية المصرية ثم سفره إلى المملكة، ليخرج القرار بعد ذلك بساعات قليلة، والرؤية البسيطة قد تنحو منحى مضخما من قطر ومقللا من مصر، ولكن الحقيقة التى تفرضها الحسابات الجيوسياسية والأوزان النسبية تؤكد أن مصر طرف فاعل إقليميا، وأن ما تظهره أحوال الاقتصاد والاجتماع داخليا، لا يصلح دائما ليكون قانونا لضبط حركة الدول ومستوى فعلها فى مجالاتها الحيوية.

 

إذا تتبعنا مسار قطر ودورها المشبوه فى الملفات العربية المثارة فى المرحلة الأخيرة، سنجد أن الغاية التى سخرت الدوحة جانبا كبيرا من إمكاناتها لصالحها، هى الخصم من رصيد مصر فى المنطقة، ودعم الحكم الإخوانى، ثم تهديد الجماعة لمنظومة الحكم التالية لثورة 30 يونيو، وسعيها لإثارة حالة من الفوضى الداخلية وتقويض تحركات القاهرة خارجيا بحملات علاقات عامة وتشويه لتحركها الشعبى وترتيبات خارطة الطريق التى أقرتها القوى السياسية منتصف 2013، ومع مقاومة مصر لهذا الدور القطرى المشبوه، وسعيها لإدانة الدوحة وردعها عن هذه الأفعال، كان طوق النجاة الدائم لها ظهيرها الخليجى فى دول مجلس التعاون، وكثيرا ما تصدت السعودية والإمارات تحديدا لمحاولات مصرية لعقاب الدوحة، وهو ما يكشف عن تحول كبير فى مواقف الدولتين الآن، يبدو أن الدبلوماسية المصرية عملت عليه بهدوء ودأب، لتكشف قطر أمام جيرانها ورعاتها الخليجيين، وتشارك فى وضع تصور ناضج للمشهد العربى الراهن، ينطلق من ضرورة الالتقاء على مشروع عربى جامع لمواجهة المد المتطرف المسلح والمدعوم خارجيا، وقصقصة أجنحة داعميه من الداخل، ويُضاف لهذا أن الموقف الأخير وتبنى الرياض لاستراتيجية مكافحة الإرهاب التى صاغتها مصر، يؤكد تحول الموقف الرسمى للمملكة من التشدد فى التضحية بالرئيس السورى بشار الأسد، إلى تقديم أولوية أخرى ترتبط بتصفية الإرهاب الميليشياتى المسلح/ الخصم المباشر للأسد، ما يعنى ضمنيا القبول ولو مرحليا بترتيبات سياسية يكون الرئيس السورى طرفا فيها، وهوالموقف المصرى خلال السنوات الأخيرة الماضية، ما يؤكد فاعلية التحركات الدبلوماسية المصرية لبلورة تصور عملى عاقل ومتزن للتعامل مع ملفات المنطقة وتوتراتها، والقدرة على تسويقه فى أوساط القوى الإقليمية الكبرى، وإقناعهم به ودفعهم للمشاركة فى تنفيذه بقوة.

 

البدائل المتاحة أمام قطر للخروج من الأزمة بأقل الخسائر

قطر الآن تواجه موقفها الأصعب كدولة، فى عمرها القصير الذى لا يبلغ خمسين سنة، فهى للمرة الأولى تعاين الحصار بشكل قاس، وتخرج من بعدها الجغرافى كشبه جزيرة، إلى حالة الجزيرة المحصورة بالنار من ثلاث جهات، ولا منفذ لها الآن إلا إيران، بما يحمله هذا من تعميق الشقاق العربى معها أكثر، وخسارة الأب الروحى والراعى الأمريكى، ودخول جفوة مزعجة مع نظام أردوغان فى تركيا.

 

قد تضطر قطر فى إطار التحرك العملى باتجاه تخفيف حدة الضغط، لترشيد قواها الإعلامية وتقليم أذرع اتصالها الطويلة مع الميليشيات والجماعات المسلحة، والتضحية بالمقيمين على أرضها من الإخوان والمعارضة السورية والفلسطينية، ما يعنى تجريدها من قوتها الفعلية التى كانت سبب بروزها وأزماتها، وحصرها فقط فى مربعها الجغرافى بمحدودية تأثيره وأهميته الاستراتيجية.

 

أبرز ما يمكن أن تواجهه قطر نتيجة الموقف العربى، أزمة غير هينة فى الإعاشة وتدبير الاحتياجات اليومية عطفا على أن 90% من وارداتها تمر عبر الأراضى السعودية، وتباطؤ حركة النمو والعمران لتوقف خط إمداداتها بالمواد والخامات من المنفذ نفسه، وما يحمله هذا من تهديد استضافتها لكأس العالم 2022 الذى أعيد فتح ملف الفوز بتنظيمها بالرشاوى مرة أخرى، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الطيران لاضطرارها لاتباع خطوط أطول وتبديل محطات الترانزيت مع ما يحمله هذا من ارتفاع تكلفة التشغيل وتراجع الجدوى الاقتصادية وتراجع أعداد الزائرين التى بلغت ما يقرب من 40 مليونا فى 2016 بحسب أرقام مطار حمد الدولى.

 

حال لجوء قطر للتصعيد، قد تواجه عقوبات اقتصادية أو مستوى أوسع من الحظر، وربما يصل الأمر لتدخل مباشر، وحال استمرار حياد الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا بالتبعية باعتبار قطر تحت حماية واشنطن ومسرح عمليات خاصا لها، فقد تتراجع مؤشرات الأداء الاقتصادى للإمارة، مع تراجع التبادل التجارى مع دول العالم، وارتفاع نغمة الشقاق الداخلى بين عائلة آل ثانى، وإفساح مجال أوسع للمعارضة القطرية بالخارج لتقويض النظام بشكل أكثر نشاطا وتأثيرا، إلى جانب ما تحمله تطورات الأوضاع من فرص توتر الجبهة الداخلية، مع احتمالات سوء الأوضاع، وغلبة الوافدين على التركيبة الديموغرافية، ومحدودية الذراع الأمنية والعسكرية القطرية مع جيش قوامه 11800 مقاتل، أغلبهم من الصومال والهند وباكستان وإيران والسودان.

 

العمالة المصرية.. هل تملك قطر استخدامها كورقة ضغط ضد مصر؟

أبرز ما يمكن إثارته فيما يخص قنوات الاتصال المصرية القطرية، التي كانت تعاني انسدادا جزئيا فادحا، وأُغلقت تماما عقب قرار قطع العلاقات، ما يتصل بالعمالة المصرية المقيمة على الأراضي القطرية.

 

السفيرة نبيلة مكرم، وزير الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، قالت إن عدد المصريين في قطر يبلغ 300 ألف تقريبا، وبالنظر إلى متوسطات الأعداد خلال العشرين سنة الأخيرة سنجد أنها تراوحت بين 220 و250 ألفا، ما يعني أن عدد الهاربين من عناصر الإخوان والتيارات الحليفة للتنظيم يتراوح بين 50 و80 ألفا، وهؤلاء لا احتمال لعودتهم في المدى القريب تحت أي ظرف من الظروف، وبعيدا عن رسالة الطمأنة التي أرسلتها وزير الهجرة أمس، بشأن اتخاذ السلطات المصرية تدابير احترازية للتعامل مع ملف العمالة حال قررت قطر استخدامه ورقة ضغط، وعن توفر فرص عمل لمن أراد العودة منهم، تبدو الصورة في جوهرها مستقرة وغير مثيرة للفزع، ولن تكون ورقة العمالة بطاقة ضغط في يد النظام القطري لاعتبارات عدة.

 

أول ما يمنع قطر من المراهنة بورقة العمالة المصرية، أن وجودها أمر ملح وضروري ضمن بنية الدولة ودولابها الإدارى، ويصعب إحلالها بعناصر من بلدان أخرى في المدى القريب، خاصة أن لديها ميزات تفاضلية تخص الخبرات والمهارة ومعايشة المجتمع القطري ونظامه المعيشي والإدارى، وأي مغامرة بتغيير نسبة تتجاوز 10% من السكان دفعة واحدة تحمل مخاطر كبيرة فيما يخص انتظام العمل وتماسك المجتمع وسلامه وأمنه، هذا إلى جانب ما يفرضه الحصار الواسع من ضغوط على فكرة الإحلال في مدى قريب، وصعوبة إقدام الدوحة على حرق كل الأراضي وإنهاء فكرة العودة لمحيطها العربي مستقبلا، والأرجح أن تستخدم ورقة العمالة للحفاظ على روابط عربية ما، وقد تتخيل أن هذه الورقة يمكن أن توفر لها تعاطفا شعبيا في مصر، يمكن أن تبني عليه برسائلها الإعلامية الموجهة والملونة حال استمرت في دعمها للإخوان وميليشياتها الحليفة فى مصر، وربما نظرت الدوحة لاحتمال أن توفر الإمارات والسعودية مساحة لاستيعاب العمالة المصرية حال أقدمت هي على تسريحها، كجزء من اتفاق تكامل سبق خطوة المقاطعة، وبالتأكيد لن تحب قطر الذهاب لهذا المدى، ولا منح أوراق إضافية، شعبية ورسمية، للجارتين الخليجيتين.

 

بعيدا عن الصراع المشتعل الآن، لا تبدو أن يد قطر مطلقة تماما في ملف كهذا، خاصة أنه لا يخص منازعة عمل فردية حال أقدمت على عمل عدائي ضد العمالة المصرية، وإنما يرتبط بسياسات عدائية من دولة ضد قطاع واسع من العمال على خلفية سياسية وجغرافية، وهو ما يواجه إشكالا مع منظومة قانونية وتشريعية دولية، إلى جانب اتفاقات العمل والدور الرادع أو الترهيبي الذي يمكن أن تلعبه منظمة العمل الدولية في هذا الإطار، وقد عهدت مصر سريعا برعاية مصالحها لسفارة اليونان في الدوحة، ما يعني أن حالة اليقظة مستمرة، وأن قناة تنسيق واتصال مصرية أوروبية مفتوحة الآن، ويمكن أن تمثل تأمينا إضافيا لأوضاع العمالة.                       

 

السيناريو الأرجح لقطر.. إمام التضحية بتميم أو السقوط فى مستنقع إيران

الحديث عن المسار المستقبلى للأزمة لا يبدو واضحا بدرجة كافية الآن، ولكن ترتيبات الأيام المقبلة فى القصر الأميرى بالدوحة هى ما ستحسم الوجهة، التى ستنطوى فى كل الأحوال على خسارة قطرية فادحة، ولكن قبلة الخسارة وملعب الاحتراق هو ما ينتظر التحديد.

 

الجبهة الداخلية القطرية ليست فى أفضل أحوالها، أسرة أحمد بن على، أصحاب الحق الأصليين في حكم الإمارة، تناوئ أسرة خليفة وترفض شرعيتها، وتصاعد الأمر خلال السنوات الأخيرة مع سياسات تميم العدائية ضد المنطقة، ليصل مؤخرا لإصدار بيان اعتذار رسمي باسم الأسرة للمملكة العربية السعودية، عقب تصعيد إعلام الدوحة لهجومه على عائلة آل سعود، ونشر رسمين كاريكاتوريين يعرضان بالملك سلمان، عبر موقعي الجزيرة و«ميدل إيست آي».

 

بيان أسرة أحمد بن علي ليس الوحيد، فأمس أصدر تحرك يعرف باسم تنسيقية تحرير إمارة قطر بيانا مضادا لمواقف تميم، ومعلنا عزله وتشكيل حكومة موسعة من أطياف الشعب القطرى، واتخاذ خطوات عملية لاستعادة العلاقات مع الأشقاء العرب، وإصلاح ما أفسدته سياسات الأمير الصغير خلال الفترة السابقة، يضاف لهذا أن مساحة المعارضة القطرية في الخارج توسعت بدرجة ملحوظة خلال الفترة الماضية، والأزمة الحالية توفر لها فرصا أكبر للحركة خارجيا والضغط داخليا في اتجاه رسم سيناريو المرحلة المقبلة، وكل هذه التطورات والمؤثرات تأتي وسط بلبلة وسخونة مكتومة داخل أسرة خليفة آل ثانى، مع عدم رضا شقيقي تميم، مشعل وجاسم، عن سياسات الأمير الصغير الذي فاز بعرش الإمارة على حساب حقهما فيه، وتصاعد المرارة لدى الأب، الأمير السابق حمد بن خليفة، جراء نقض الاتفاق معه بأن يكون قيادة روحية، وتعمد تهميشه خلال السنوات الأربع التالية للإطاحة به، وقد ترددت أنباء عن اتصالات من جانبه مع البيت الأبيض قبل شهور لرعاية ترتيبات انتقال السلطة داخل البيت القطرى، ويدعم هذا الاتجاه ما نقلته وسائل إعلام سعودية وغربية عن مخاوف تميم بن حمد وعدم رضاه عن زيارة والده للمملكة العربية السعودية قبل شهور.

 

السيناريو الداخلي المتصاعد يُحتمل أن يؤدي للإطاحة بالأمير الصغير تميم بن حمد من واجهة السلطة، لصالح أحد أشقائه أو حتى لصالح المعارضين، المهم أن الإطاحة ستوفر فرصة للوافد الجديد للتقارب مع البيت العربي مرة أخرى، وتحميل تميم منفردا فاتورة الفترة الماضية كاملة، وهو ما يعني في كل الأحوال الاضطرار لحرق ميراث تميم، حتى ما أسس له واستخدمه والده من قبل، ما يعني دخول مرحلة جديدة من السياسة العاقلة والتخلي عن المنطق الميليشياتي والتآمري الذي انتهجته الدوحة في السنوات الأخيرة.

 

الوجه المقابل للصورة السابقة، أن يكون تميم بن حمد أذكى وأسرع في الحركة من خصومه، ويتمكن من السيطرة على الأمور وقطع الطريق على مناوئيه من داخل الأسرة وخارجها، ما يعني أن قطر ستواصل السير على الطريق نفسها، وربما تتجه لمزيد من التشدد كإجراء نفسي للدفاع وإثبات أنها ليست ضعيفة ولم تخف أو تهتز، وهو ما يعني مزيدا من الخطاب الدعائي والتحريضي ضد مصر ودول المنطقة، مزيدا من احتضان الإخوان وداعش وميليشيات سوريا وليبيا واليمن والتوسع في تمويلهم وتوفير التسهيلات الإعلامية واللوجستية لهم، أي يدفع في اتجاه تصاعد موجة الإرهاب واستهداف مصالح ومواطني دول المنطقة.

 

سيناريو بقاء تميم يحمل في أيامه الأولى اتجاها للارتماء في أحضان إيران، مع الضغط الاقتصادي والمعيشي المتولد عن الحصار الضاغط، ستحاول الإمارة الصغيرة أنها تستطيع العيش دون محيطها العربى، لهذا ستلجأ لتدبير احتياجاتها من المنافذ المتاحة، وبالنظر للصعوبات الجغرافية والسياسية التي تحجم دور تركيا في هذا الإطار، لن تجد الدوحة وجهة أفضل ولا أسرع من إيران، التي بادر مسؤولوها بالتحرك سريعا لملء الفراغ، بتصريحات للمتحدث باسم الخارجية ورئيس اتحاد تصدير الحاصلات الزراعية، بتأكيد جاهزية طهران لتوريد احتياجات قطر كاملة، وهو ما سيبدأ من اليوم، ومع عناد قطر ومكابرتها سيمتد لأسابيع، ومع استمرار الحصار والضغوط، وسعي إيران للتوسع ووضع موطئ قدم في الخليج العربى، وانتصار سيناريو نقل قاعدة العديد العسكرية، ستطمع إيران في التوسع جغرافيا لملء الفراغ، وستضطر قطر لتقديم تنازلات للحليف الشيعي الجديد، لتبدأ مرحلة جديدة من وكالة قطر لمصالح الدولة الشيعية في المنطقة، وهو ما سيزيد من حصارها ومساحة العداء لها، وسيبعدها عن الحليف التركى، ويُدخلها في دائرة العداء المباشر للولايات المتحدة الأمريكية.

 

المكاسب والخسائر.. مصر أول الرابحين وقطر الخاسر الأكبر

النقطة الأخيرة فيما يخص الرابحين والخاسرين من الموقف، فأول الخاسرين جماعة الإخوان والميليشيات المسلحة فى سوريا وليبيا والعراق واليمن، عبر الخصم من رصيد الدعم المالى والإعلامى المفتوح من جانب الدوحة لهم، وتأتى قطر تالية بالفاتورة الفادحة التى ستدفعها سياسيا واقتصاديا، وما يهدد جبهتها الداخلية من شروخ، وخروجها فى الغالب عارية من أذرعها الإعلامية التى شكلت التأسيس الأبرز لقواها الناعمة ومفاتيح حركتها الفاعلة فى المجالين الإقليمى والدولى.

 

قائمة الخاسرين تضم أيضا تركيا بدرجة ما من الدرجات، إذ ربما يسفر الأمر عن نزوح واسع لقيادات وعناصر الإخوان، وقادة حماس، وعناصر جبهة النصرة والميليشيات السورية، المقيمين فى الدوحة، لاتخاذ الأراضى التركية مقرا جديدا مع التضييق المتوقع على قطر وعليهم، كما أن أنقرة التى تعانى من توتر كبير فى علاقاتها مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على حد السواء، واضطرت لتقديم تنازلات والتراجع عن مواقفها السابقة بشأن بشار الأسد والوضع فى دمشق، والاستجابة لشروط القوتين الكبريين بحضور مؤتمر "آستانة" والرضوخ لمقررات موسكو وواشنطن ودمشق، ستخسر بالتأكيد ذراعا مهمة طالما حركتها لتحقيق بعض أهدافها بشكل غير مباشر، وسيتعين على تركيا بعد الحصار العربى للدوحة، وارتماء الأخيرة فى أحضان إيران التى تدعم الأسد، أن تنفذ مخططاتها بنفسها وبشكل مباشر، وهو الأمر الذى يصعب عليها ويصل درجة الاستحالة لعدة أسباب، أولها أن تركيا لن تغامر بمرحلة السلام البارد مع موسكو وواشنطن، ولن تجرؤ على التصريح بمواقفها وانحيازاتها فى الملف السورى وفى ليبيا، كما أنها لا تمتلك المقدرة المالية لتقديم الدعم المباشر للميليشيات المحاربة فى البلدين، وطالما اعتمدت على الأموال القطرية فى تنفيذ أجندتها، لهذا تحضر تركيا أردوغان فى طليعة الخاسرين، وربما تكون خسارتها أكبر من قطر نفسها.

 

أما الرابحون فتتقدمهم مصر بقطع طريق دعم وإمداد مهمة على الإخوان وحلفائهم، والتخلص من إزعاج منصات قطر الإعلامية الملونة أو ترشيده، وتقليص تحركات الدوحة فى الظهير الأفريقى بالسودان ومنابع النيل، تليها الإمارات بالتقدم لموقع الشريك المباشر للولايات المتحدة الأمريكية فى الخليج، وتأكيد حضورها الإقليمى المؤثر بعد سنوات من النشاط الدؤوب فى الساحة الأمريكية عبر سفيرها يوسف مانع سعيد العتيبة، نصف الإماراتي/ نصف المصرى، ثم تأتى الولايات المتحدة الأمريكية التى تتأهب لمعركة الرقة وتحتاج قبولا سعوديا للعمل ضد داعش والميليشيات المسلحة فى المنطقة، وقطاع كبير منها يقوم على مسلك عقدى وهابى، وتلقى دعما مباشرا من الرياض فى أحايين كثيرة.

 

تأتى رابعا فى قائمة الرابحين المملكة العربية السعودية التى تؤكد من خلال هذا التحرك هيمنتها على فضاء الخليج وقدرتها على التأثير المباشر فى اللاعبين الأساسيين على ساحته، ثم البحرين التى ستضمن عبر الدخول فى هذه الزمرة تحجيم النشاط الإيرانى فى ساحتها، وإطلاق يدها فى التحرك ضد الناشطين الشيعة من أغلبية مواطنيها، ثم تأتى سوريا التى يوفر لها الموقف العربى الأخير فرصة لفرض الرؤية الرسمية على ساحة الصراع وحلحلة الأوضاع وفق أجندة الدولة السورية، وبالمنطق نفسه تحل ليبيا ضمن الرابحين بتزامن هذا التحجيم الحاد للنشاط القطرى مع جهودها العسكرية المشتركة مع مصر لبسط هيمنتها على مناطق سيطرة الميليشيات المدعومة من الدوحة وأنقرة.

 

بين تفاصيل اللعبة وقائمتى الرابحين والخاسرين، لا شك فى أن خريطة جديدة للمنطقة يُعاد رسمها الآن، وربما يرى البعض هذا التصور تزيدا وتضخيما، باعتباره يقوم على مفصل صغير من مفاصل المنطقة، عبر دولة لا تتجاوز مساحتها 11500 كيلو متر مربع، ولكن كثافة الخيوط التى ربطت الدوحة نفسها بها خلال العشرين سنة الأخيرة تجعلها أرضا خصبة لتصفية كثير من الملفات وإعادة بناء استراتيجيات وتحالفات جديدة بالمنطقة، وهو ما سيشهده مقبل الأيام.          

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع