سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 13 يونيو 1906.. مأساة دنشواى تبدأ بفشل ضابط إنجليزى فى صيد حمامتين وإصابة «أم محمد»

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 13 يونيو 1906.. مأساة دنشواى تبدأ بفشل ضابط إنجليزى فى صيد حمامتين وإصابة «أم محمد»
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 13 يونيو 1906.. مأساة دنشواى تبدأ بفشل ضابط إنجليزى فى صيد حمامتين وإصابة «أم محمد»

صاح الشيخ الطاعن فى السن «حسن على محفوظ» محذرا الضابط الإنجليزى: «متضربش نار، متضربش نار، الجرن هيتحرق»، وصاح «شحاتة عبد النبى» بنفس التحذير، لكن الضابط لم يلتفت إلى كل هذا، وأطلق العيار نحو هدفه، والهدف كان حمامتين تقفان على أعواد القمح فى الجرن.

 

 لم يصب الضابط هدفه، وإنما أصاب امرأة تدعى «أم محمد» زوجة محمد عبد النبى، مؤذن القرية شقيق شحاتة عبد النبى، فسقطت جريحة فى دمها، واشتعلت النار فى القمح الذى يملأ الجرن، لتبدأ«حادثة دنشواى» التى يخلدها التاريخ المصرى الحديث كعنوان لبشاعة الظلم الذى كان عليه المصريون تحت الاحتلال الإنجليزى منذ عام 1882.

 

 دارت الواقعة فى قرية «دنشواى» بمحافظة المنوفية يوم 13 من يونيو «مثل هذا اليوم» من عام 1906، وضحاياها كانوا فلاحين بسطاء فقراء، وجلادوها ضباط وجنود إنجليز، ويقول عنها أحمد شفيق باشا «رئيس ديوان الخديو عباس حلمى الثانى فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن» الصادرة عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة-القاهرة»: «اهتزت لها البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وكان لها أسوء الآثار»، ويتذكر وقائعها كشاهد عليها عبد الرحمن الرافعى فى كتابه «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية «دار المعارف-القاهرة» قائلا: «كنت طالبا فى السنة الثانية من مدرسة الحقوق، وكنت أطالع نبأها فى اللواء «جريدة الحزب الوطنى بزعامة مصطفى كامل»، وأدركت مبلغ هوان المصرى فى نظر الاحتلال، وتحققت أن لا كرامة لأمة ولا لأى فرد من أبنائها بغير الاستقلال».

 

بدأت المأساة وفقا للرافعى: «بوصول كتيبة من نحو 150 ضابطا وجنديا من قوات الاحتلال الإنجليزى إلى منوف، وكانوا فى طريقهم من القاهرة إلى الإسكندرية، وأبلغ خمسة ضباط منهم مأمور مركز منوف بأنهم يرغبون صيد الحمام فى قرية دنشواى، وهى مشهورة بكثرته وتابعة إلى مركز الشهداء، وطلب المأمور من عبد المجيد بك سلطان أحد أعيان قرية «الواط «تجهيز مركبات للضباط لتوصيلهم من «كمشيش»إلي «دنشواي»، وقد كان يضيف «الرافعى» فى روايته، أن الضباط الخمس انقسموا إلى فريقين، واحد يصطاد الحمام من على الأشجار، وفريق يصطاده من أجران القمح، حيث كانت هذه الأيام هى أيام حصاد محصول القمح، وفى جرن «محمد عبد النبى»، صوب أحد الضباط بندقيته نحو حمامتين، فصاح شقيقه «شحاتة» محذرا والشيخ «حسن على محفوظ»، لكن الضابط لم يستجيب، فأصاب «أم محمد» زوجة محمد عبد النبى، واشتعل النار فى الجرن، فأقبل الرجال والنساء والأطفال صائحين: «الخواجة قتل المرأة، وحرق الجرن»، وأحاطوا بالضابط، فجاء باقى زملائه لإنقاذه، وتصاعدت الأمور بوصول شيخ الخفر والخفراء لتفريق الجموع الغاضبة، لكن الضباط ظنوا بهم شرا فأطلقوا النار عليهم، وأصيب شيخ الخفر فى فخده واثنان آخران منهم خفير، فصاح الأهالى: «شيخ الخفر اتقتل، شيخ الخفر اتقتل»، وهجموا على الضباط بالطوب والعصى مما أدى إلى إصابة الماجور «بين كوفين» قومندان الكتيبة، وجرح الملازمان سميث ويك، وبورثر، بجروح خفيفة، وأحاط الخفراء بهم، وأخذوا منهم أسلحتهم وحجزوهم إلى أن جاء البوليس وحملوهم إلى المعسكر.

 

وفيما كانت الأحداث تدور على هذا النحو فى دانشواى، كان هناك مكان آخر يشهد حدثا مكملا، فعلى باب سوق «سرسنا» سقط الكابتن بول، بعد أن قطع مسافة ثمانى كيلو متر عدوا من «دنشواى» حيث فر هاربا فور بدء شرارة الأحداث، ومات متأثرا من ضربة شمس.

 

حين وصل النبأ معسكر الكتيبة الإنجليزية فى «كمشيش» سارع الجنود إلى مكان الواقعة، ولما بلغوا «سرسنا» وظنوا أنها «كمشيش» ووجدوا ضابطهم ملقى على الأرض، يناوله «سيد أحمد سعيد» الفلاح بالقرية قدحا من الماء، فظنوا أنه ممن اعتدوا عليه، فضربوه ببنادقهم، وطعنوه حتى هشموا رأسه، ومات بين أيديهم، وعرف هذا القتيل بـ«شهيد سرسنا».

 

تم القبض على عدد كبير من أهالى دنشواى، واستمر التحقيق عدة أيام، وفقا للرافعى، فإن صحيفة «المقطم» الموالية للاحتلال نشرت يوم 18 يونيو قبل أن ينتهى التحقيق أن الأوامر صدرت بإعداد المشانق وإرسالها إلى مكان الواقعة، فدهش الجمهور لهذا النبأ، وتوقع أن أحكاما صارمة بالإعدام ستصدرها المحكمة التى تشكلت خصوصا لنظر القضية برئاسة بطرس باشا غالى وزير الحقانية وآخرين من الإنجليز، وأحمد فتحى بك زغلول باشا رئيس محكمة مصر الابتدائية وشقيق سعد زغلول، وقام المحامى إبراهيم الهلباوى بدور النائب العمومى، وفى يوم 27 يونيو أصدرت المحكمة حكمها بإعدام لأربعة، واثنين بالأشغال الشاقة المؤبدة، وبالسجن 15 سنة على واحد، وسبع سنوات على ستة آخرين، وثلاثة بالحبس سنة، وجلد كل واحد منه بخمسين جلدة، وعلى خمسة بالجلد خمسين جلدة.

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع