سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 2 مارس 1811..محمد على باشا يشرب جرعة طويلة من قدح الماء بعد أن أبلغه طبيبه الإيطالى بانتهاء مذبحة القلعة

سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 2 مارس 1811..محمد على باشا يشرب جرعة طويلة من قدح الماء بعد أن أبلغه طبيبه الإيطالى بانتهاء مذبحة القلعة
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 2 مارس 1811..محمد على باشا يشرب جرعة طويلة من قدح الماء بعد أن أبلغه طبيبه الإيطالى بانتهاء مذبحة القلعة

سمع محمد على باشا «والى مصر»، أول طلقة، فوقف وامتقع لونه، وعلا الاصفرار وجهه، وتنازعته الانفعالات المختلفة، وأخذ يسمع دوى الرصاص وصيحات الذعر والاستغاثة وهو صامت، إلى أن حصد الموت معظم المماليك، وأخذ صوت الرصاص يتضاءل إعلانا بانتهاء مذبحتهم فى «القلعة» يوم الخميس 1 مارس 1811، حسب «عبدالرحمن الرافعى» فى كتابه «عصر محمد على»، فى حين يذكر «الجبرتى» أنها كانت، الجمعة 2 مارس.. يضيف «الرافعى» أن طبيب محمد على، المسيو «ماندريش» الإيطالى، دخل عليه وقال له: «لقد قضى الأمر، واليوم يوم سعيد لسموكم»، فلم يجب الباشا بشىء، وطلب قدحا من الماء فشرب منه جرعة طويلة.
 

خطط «الباشا» لهذه المذبحة بسرية تامة، ووفقا للرافعى فإنه دعا أعيان المماليك إلى احتفال كبير بمناسبة تنصيب ابنه «طوسون» قائدا لحملة تتوجه إلى الحجاز، ولبوا الدعوة وتوجهوا فى أبهى زينة وأفخم هيئة، وبلغ عدد المدعوين نحو 10 آلاف شخص منهم 470 من المماليك وأتباعهم وكبار القوم، ومختلف الطوائف، وتناولوا الغذاء، وأطلقوا الغناء، حتى نادى المنادى برحيل الموكب، فعزفت الموسيقى وانتظم قرع الطبول، وبدأ الموكب فى السير منحدرا من القلعة إلى «باب العزب».
 

يضيف «الرافعى»: «لم يكد الجنود يصلون إلى هذا الباب حتى ارتج الباب الكبير بإغلاقه من الخارج فى وجه المماليك، وتحول الجنود بسرعة عن الطريق ليتسلقوا الصخور على الجانبين وأمطروا المماليك بالرصاص، الذين حاولوا الفرار لكن البنادق كانت تحصدهم من كل مكان بلا رحمة، حتى بلغ ارتفاع الجثث فى بعض الأمكنة إلى أمتار، وتمكن بعضهم من الوصول إلى «طوسون باشا» راكبا جواده منتظرا أن تنتهى تلك المأساة، فتراموا على أقدامه طالبين الأمان، ولكنه وقف جامدا لا يبدى حركة، وعاجلهم الجنود بالقتل».
 

كان «الجبرتى» معاصرا للمذبحة، ويروى وقائعها الدرامية فى الجزء السابع من موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»، تحقيق الدكتور عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم، قائلا، إن الباشا أعلن أنه سيقلد ابنه «طوسون» قيادة الركب الموجه إلى الحجاز، ونوه إلى أنه سيقوم بتسفير عساكر إلى الشام بقيادة «شاهين بك الألفى»، وطلب من المنجمين اختيار وقتا صالحا لإلباس ابنه خلعة السفر، فاختاروا له الساعة الرابعة من يوم الجمعة «2 مارس 1811»، وفى يوم الخميس نودى فى الأسواق بأن يحضر فى باكر الجمعة كبار العسكر والأمراء المصرية الألفية وغيرهم إلى القلعة ليركب الجميع بتجملاتهم وزينتهم أمام الموكب، وفى يوم الجمعة ركب الجميع وطلعوا إلى القلعة وتم تنفيذ المذبحة.
 

يروى الجبرتى: «لما رأى المماليك ما حل بهم ارتبكوا فى أنفسهم وتحيروا فى أمرهم، ووقع منهم أشخاص كثيرون، فنزلوا عن الخيول، واقتحم شاهين بك وسليمان بك البواب وآخرون فى عدة من مماليكهم راجعين إلى فوق، والرصاص نازل عليهم من كل ناحية، ونزعوا ما كان عليهم من الفراوى والثياب الثقيلة، ولم يزالوا سائرين وشاهرين سيوفهم حتى وصلوا إلى الرحبة الوسطى المواجهة لقاعة الأعمدة وقد سقط أكثرهم، وأصيب شاهين بك، وسقط إلى الأرض فقطعوا رأسه، وأسرعوا إلى الباشا «محمد على» ليأخذوا عليها البقشيش».
 

انتقل الباشا من القلعة إلى البيت الذى به الحريم وهو بيت إسماعيل أفندى الضربخانة، وفقا للجبرتى، مضيفا: «أما سليمان بك البواب فهرب من حلاوة الروح، وصعد إلى حائط البرج الكبير، فتابعوه بالضرب حتى سقط، وقطعوا رأسه أيضا».. يؤكد: «أسرف العسكر فى قتل المصريين، وسلب ما عليهم من الثياب، ولم يرحموا أحدا، وأظهروا كامن حقدهم، وضبعوا فيهم وفى من رافقهم متجملا معهم من أولاد الناس، وأهالى البلد الذين تزينوا بزيهم لزينة الموكب، وهم يصرخون ويستغيثون ومنهم من يقول: «أنا لست جنديا ولا مملوكا».. وآخر يقول: «أنا لست من قبيلتهم»، فلم يرقوا لصارخ ولا شاك ولا مستغيث، وتتبعوا المتشتتين والهربانين فى نواحى القلعة وزاوياها، والذين فروا دخلوا فى البيوت والأماكن، وقبضوا على من أمسك حيا ولم يمت من الرصاص أو متخلفا عن الموكب، وسلبوا ثيابهم وجمعوهم إلى السجن تحت، ثم أحضروا المشاعلى لرمى أعناقهم فى حوش الديوان واحدا بعد واحد من ضحوة النهار إلى أن مضى حصة من الليل فى المشاعل، حتى امتلأ الحوش من القتلى، ومن مات من المشاهير المعروفين، وانصرع فى طريق القلعة قطعوا رأسه، وسحبوا جثته إلى باقى الجثث حتى أنهم ربطوا فى رجلى شاهين بك ويديه حبالا، وسحبوه على الأرض مثل الحمار الميت إلى حوش الديوان بالقلعة».   
 

كيف عاشت القاهرة هذه المذبحة وما حكم التاريخ عليها، وهل صحيح أن أحد المماليك هرب قافزا بحصانه من فوق الأسوار؟


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع