الكاتب المصري المقيم بالنمسا بهجت العبيدي :" الشغل الشاغل لي هو النحت في الطبقة الصلبة للمنظومة الفكرية المصرية والعربية"

الكاتب المصري المقيم بالنمسا بهجت العبيدي :" الشغل الشاغل لي هو النحت في الطبقة الصلبة للمنظومة الفكرية المصرية والعربية"
الكاتب المصري المقيم بالنمسا بهجت العبيدي  :" الشغل الشاغل لي هو النحت في الطبقة الصلبة للمنظومة الفكرية المصرية والعربية"

الكاتب والمفكر المصري المقيم بالنمسا بهجت العبيدي  :

" الشغل الشاغل لي هو النحت في الطبقة الصلبة للمنظومة الفكرية المصرية والعربية"

 

حاوره : حاتم عبدالحكيم 

 

 

* من أبرز تصريحات ضيفنا : 

_ لدى البعض أهداف خبيثة على رأسها استسلام العربي لحالة العجز والانهزام الحضاري .

_ تراجع أصحاب الفكر سمح لأنصاف المثقفين لتصدر المشهد.

_ أسماء بارزة في تيار الفكر والتنوير : ابن رشد ، وطه حسين ،ومحمد عابد الجابري، ومحمد أركون ،وذكي نجيب محمود ،والدكتور مراد وهبة ... 

_ نتسامح حينما يتم تنظيف المجتمع من المشايخ التي تلعب على مشاعر البسطاء وتؤججها .

_ الدين يجب ألا يُخْضِع العلم له وإلا فسد العلم.

_ علينا أن نحترم عقائد الناس، حتى لهؤلاء الذين يقدسون النملة، فعقيدة كل منا هي أسطورة الآخر .

_ عصر العالِم الموسوعي الذي له نشاط علمي وأدبي في عديد المجالات قد انتهى .

_ ألح على تقبل الواقع الجديد الذي ربما يصطدم بمنظومة القيم العربية العصية على التغيير حتى اللحظة.

_ المجموعات المتدربة هي القادرة على تعريف وإيمان «الأجيال المصرية الجديدة التي ولدت في الغرب» بالقضايا المصرية والتحدث بلسان عربي . 

_ الطرف الثاني في قضية الفنانة منى ذكي كان قطاعا كبيرا من المجتمع "المتدين بطبعه" والمستضعف .

_  الطرف الثاني في قضية الفنان محمد صبحي كان تركي آل الشيخ مما جعل نقابة المهن التمثيلية المصرية تبلع لسانها .

_  مجتمعنا العربي لا يحرك ساكنا في عديد الموبقات ولكنه ينتفض للفظة أو لقطة أو دور فني .

_ الدول المتخلفة فقط هي التي تستغل الرياضة سياسيا .

_ نجمنا العالمي محمد صلاح أحسن لاعب في العالم في الآونة الأخيرة .

 

الكاتب والمفكر المصري المقيم بالنمسا بهجت العبيدي ، كاتب مزدهر يحمل الوعي والإضاءات .. فهو سفير السلام العالمي ومؤسس الاتحاد العالمي للمواطن المصري بالخارج ورئيس تحرير شبكة مستقبل مصر .

"بهجت العبيدي" المثقف العربي الموسوعي يخط مقالاته المتعقلة العميقة في مجالات متعددة في منابر الشرق والغرب الورقية والإلكترونية ، تجد قلمه في العلم والفكر الإنساني وإشعال روح التدبر والتنوير للعقل العربي ورصد ومناقشة متجددة للقضايا المجتمعية المطروحة بمختلف تصنيفاتها ،  وبجانب ذلك عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيس يوك : يزخرف هدايا المعرفة والمعلومات والأخبار المهمة والمعلومات التثقيفية حسب الأحداث المتتابعة من حوله بالإرشاد والتوجيهات للتحريض اللطيف على فهم واقعنا المعاصر ، وإضافة بصمة مبهرة لتغذية العقول ، فصفحته نافذة إعلامية تطوعية جديدة من نوعها مفيدة بمحتواها لتصل إلى المستقر والمهاجر لتنشيط الواقع وانتعاش الثقافة  .

 

 

 

* في كتاباتك أدرجت سؤالا لإزالة الشك الذي يواجه به العربي " بماذا تسهمون في الحضارة الإنسانية؟ " .. «متى نسأل العالم» ، متى ينتهي استغلال خيراتنا وعقول علمائنا وزرع الفتن في مناطقنا ؟ 

هذا السؤال الذي خصصتُ للإجابة عليه إحدى مقالاتي، دائما ما يتم طرحه من المشككين في قدرات الإنسان العربي، والمنتقصين من العقل العربي، وفي هذا المقال المشار إليه ذكرنا أن من يطرح هذا السؤال بهدف تعميق حالة الانهزام التي يمر بها الإنسان العربي، له أهداف خبيثة، على رأسها استسلام العربي لحالة العجز والانهزام الحضاري التي يمر بها، واستعرضنا طرفا من الحقب التاريخية المضيئة للحضارة العربية مرة، وحضارات المنطقة القديمة وفي مقدمتها الحضارة المصرية القديمة والحضارة السومرية والبابلية والأشورية مرة أخرى، لندلل على أن فجر العقل قد بزغ من هذه المنطقة، ونحن نفرق بين نوعين يطلق كلاهما هذا السؤال، تحدثنا عن النوع الأول، أما النوع الثاني الذي يدرك قيمة هذا العقل المصري والعربي والشرق أوسطي عموما، ويطرح السؤال من أجل استنهاض هذه الشعوب العريقة، فإننا نثمن تلك الصيحة التي تهدف إلى أن يأخذ إنسانُنا بوسائل العلم الحديث، بعدما يتحصل على العقل الحديث الذي تم بناؤه على مدار ما يقترب من ستة قرون منذ أن كتب كوبرنيكوس كتابه "حول دوران الأجرام السماوية" والذي تضمن نظريته حول مركزية الشمس وكون الأرض جرماً يدور في فلكها. وكان بذلك أول من أكد أن الأرض، ومن ثم فيما بعد الإنسان هو مركز الكون، ثم تبعه بعد ذلك الفيلسوف الفرنسي الشهير رينيه ديكارت والذي استخدم الشك المنهجي الذي أعلى من قيمة العقل الذي سيصبح فيما بعد عند فيلسوف التنوير الألماني كانط هو مركز كل شيء.

حينما نتحصل على هذا الإنسان الذي يملك العقل الحديث، فإنه يكون قد تغيرت المنظومة الفكرية التي تسيطر على مجتمعنا اليوم وهي منظومة فكرية قديمة تختلط بها الأسطورة بالسحر والشعوذة وتعتمد اعتمادا كبيرا على القوى الغيبية تلك التي أبطلها، لعدم فعاليتها، العقل الحديث، فلا وجود لفعل لقوى غيبية في عالم اليوم، فكل ظاهرة طبيعية نتيجة لظاهرة طبيعية تسبقها، وسبب لظاهرة طبيعية تلحقها.

وذلك هو السبيل للإجابة على الشطر الثاني في السؤال فالعالم "الأقوى" لن ينتهي من الاستيلاء على خيرات العالم المتخلف طالما ظل الأخير متخلفا، فالتخلف ضعف، والضعيف لا يستطيع أن يحافظ على مقدراته ولا ثرواته، أما بالنسبة لزرع الفتن بين دول المنطقة وأبنائها، فإن كان غيرنا هو الفاعل، فبنية مجتمعاتنا هي الحاضنة والمشجعة على إزكاء هذه الفتن وإشعالها، وبطبيعة الحال من يقوم بزرع الفتن إنما يبحث عن مصالحه، التي هي مهددة بقوة حال تم التصالح والتعايش بين دول وشعوب المنطقة، أما بالنسبة لعقول أبناء المنطقة، فإنني أزعم أنه حتى اللحظة التي لم يتم بناء قاعدة علمية معتبرة في مجتمعاتنا فإن تلك العقول لن تستطيع أن تبدع بمساهماتها العلمية لتفيد  البشرية إلا في تلك الدول التي تحترم العلم ولديها قاعدة علمية حديثة متطورة.

 

 

 

* توقفت عند مقولتك " يظل المفكر وكذلك المثقف هو والعدم سواء بسواء، ما لم يقم بالدور المنوط به " .. نطالع يوميا هذا باحث وهذا مفكر وذاك تنويري وهؤلاء يحملون دكتوراه فخرية ، هل الألقاب الوهمية أثرت على ظهور نتائج ملموسة لجهود أهل العلم والثقافة؟ 

صاحب القلم وصاحب الفكر يجب ألا يستسلم في حال من الأحوال ويتخلى عن دوره، ذلك الدور الذي هو الوحيد القادر على انتشال العقل العربي من هذا المستنقع الذي غرق فيه منذ قرون طويلة، فيجب ألا يلقي المفكر أو المثقف اللوم على مثل هذه الظاهرة وينسحب من الحياة الثقافية والفكرية، فكل مساحة ينسحب منها فإن هناك غيره متأهب ليملأها، وهذا في منتهى خطورة، وهو للأسف ما يحدث الآن، حيث تراجع أصحاب الفكر ومن يجب أن يكونوا قادة للوعي، وهو ما سمح لأنصاف المثقفين، إن لم يكن معدومو الثقافة، لتصدر المشهد.

أظن أن هذا العصر بوسائله الحديثة المتعددة في مجال التواصل والنشر يقدم خدمات جليلة للمفكرين والمثقفين الحقيقيين، خاصة هؤلاء الذين تغلق في وجوههم أبواب وسائل الإعلام الرسمية، وللأسف فإنها تغلق غالبا في وجوه الفكر العميق والثقافة الراقية، تلك التي اتجه منتجوها لوسائل بديلة متاحة. 

 

 

 

* يسعى البعض إلى تغليب الفكر النقدي وإعلاء قيمة العقل .. أبرز الأسماء التي تروق لك في رحلة التنوير وتحريك المياه الراكدة؟ 

أنا ممن يؤمنون إيمانا مطلقا بالعقل، فلا بديل عنه للرقي والتقدم، والدعوة للاعتماد على العقل قديمة في تراثنا العربي وها هو فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة أبو العلاء المعري يعلن في وضوح لا لبس فيه أن العقل هو الإمام: كذب الظن لا إمام سوى العقل مشيرا في صبحه والمساء، وإنني أتفق مع الفيلسوف الفرنسي الشهير فولتير فيما ذهب إليه من أن التاريخ هو تاريخ العقل البشري، وأن كل ما فعله كبار قادة التاريخ العسكريين من مثل الإسكندر المقدوني الذي حكم العالم القديم يتضاءل أمام ما فعله إسحاق نيوتن أو أينشتاين كما يتقزّم أمام ما أنتجته المواهب الأدبية أو العقول الفكرية والفلسفية. 

إن من أوائل الذين حرروا العقل والفكر كان ابن رشد الذي أهملنا إنتاجه الفلسفي وتلقفه الشط الآخر من المتوسط فكانت نهضتهم العقلية التي اعتمدت على المدرسة الرشدية كما اعتمدت على غيرها، أما في العصر الحديث فإن أكثر المؤثرين في فكرنا كان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الذي فجر طاقات العقل بعدما اعتمد منهج الشك الديكارتي فيما اتخذ من بحث في كتاب الشعر الجاهلي، الذي أقام الدنيا ولم يقعدها، وإلى الآن مازال يثير الأسئلة والاندهاش، وفي المجال الديني كان الإمام محمد عبده سابقا لعصره، ولقد قرأت أخيرا أنه حينما ظهرت نظرية التطور لداروين، والتي تصطدم اصطداما واضحا مع رواية الخلق الدينية، ذكر أنه يمكن أن يتم تأويل قصة الخلق الدينية، ولقد كان في ذلك يسبق بابا الفاتيكان الحالي الذي أعلن قبوله لنظرية التطور مشيرا إلى أنه يجب ألا ننظر إلى الله وكأنه ساحر.

أظن كذلك هناك دور لمفكرين عرب على قدر من الأهمية مثل المغربي محمد عابد الجابري، والجزائري محمد أركون، والمصريين: ذكي نجيب محمود، والدكتور مراد وهبة وحاليا هناك تيار تنويري على قدر من الأهمية في العالم العربي نذكر منهم: الدكتور حسن حماد من مصر ودكتور هشام غصيب من الأردن والدكتور ناصر حامد أبو زيد والدكتور خزعل الماجدي من العراق والدكتور عبد الإله القزيز من المغرب، دكتور موفق محادين الأردن، وفوزي البدوي من تونس والدكتور يوسف الصديق من تونس أيضا هؤلاء مجرد أمثلة وهناك غيرهم كثيرون.

 

 

 

* متى ينتهي صراع كل عام عن حكم تهنئة المسيحيين والمناسبات الاجتماعية والحكم المسبق بالجنة والنار على أصحاب الآراء المخالفة؟! 

ينتهي كل هذا الهراء إذا تحصلنا بالفعل على عقل ناقد، على إنسان واع، على مجتمع متسامح، هذا الذي يذكرنا بالدور الكبير الذي فعله فيلسوف التنوير الفرنسي الشهير فولتير الذي كتب: “ذات يوم سيكون كل شيء على ما يرام، هذا هو املنا، أما أن نقول كل شيء على ما يرام فهذا هو الوهم”

خلّد التاريخ الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري فولتير (1694 – 1778) باعتباره رائدا في التنوير والتسامح في مرحلة كان يغلب فيها الصراع الديني الدموي بين الكاثوليك والبروتستانت، وبرغم أن فولتير توفي قبل الثورة الفرنسية بإحدى عشرة سنة فإنه يعتبر واحدا من آبائها العظام. وقد كان كتابه “رسالة في التسامح” مرافعة جريئة في وجه التعصب الديني، وذلك عندما وقعت حادثة إعدام جان كالاس البروتستانتي بتهمة قتل ابنه الكاثوليكي، وقد تعرض كالاس لتعذيب شديد، وأعدم تحت ضغط جماهيري متعصب برغم أنه لم يكن ثمة أدنى دليل على ارتكابه جريمة القتل، وقد تصدى فولتير للأغلبية المتعصبة متجاهلا انتماءه الكاثوليكي، ونجحت جهوده في تبرئة كالاس (بعد إعدامه) وإدانة التعصب.

حينها، حين نتحصل على عقل واعٍ، يستطيع أن يتقبل كل منا الآخر، ساعتها يمكن أن يضع كل منا نفسه مكان الآخر، وسيدرك أنه لا فضل له، إن كان ثمة فضل من الأساس، في انتمائه لهذه العقيدة أو تلك، أو لنظمه في هذه الطائفة أو تلك، حينما يحترم من لم يقرأ كتابا في حياته ما يصدر عن شيخ الأزهر أو دار الإفتاء المصرية، حينما يتم تنظيف المجتمع من المشايخ التي تلعب على مشاعر البسطاء وتؤججها، حينما تفتح وسائل الإعلام للتنويريين وتعلن الدولة حمايتهم، وأنه لا سبيل لدحض الفكر إلا الفكر، وحينما لا تكون هناك سيوف مسلطة على رقاب من يذكر فكرا غير المألوف، حينما لا يخاف صاحب الرأي أن يصدح برأيه، ساعتها سيكون لدينا مجتمع سوي، يقبل الآخر مهما كانت عقيدته، ومهما كانت أفكاره، ومهما كانت توجهاته. 

 

 

* عبارتك "الباحث الجاد لا يدخل عقيدته معه إلى المعمل" تجنبا للصدام تعمدت تفسيرها أنها تعبير مجازي غرضه ألا تتأثر نتائج الباحث بشيء غير علمي ..وسؤالنا كيف نعرف الدين الحق ؟ 

بكل تأكيد هو تعبير مجازي، إذ كيف للإنسان أن يترك فكره أو عقيدته في مكان ما ثم يعود ليأخذها ثانية من هذا المكان، وطبعا المقصود ألا تتأثر نتائج البحث بشيء دوغمائي، فالدين، أي دين، كما هو معروف يقدم تصورا كليا مطلقا للأشياء والكون، وهذا لو استسلم له العالم أو العلم لم نكن لنصل إلى ما وصلنا إليه اليوم بفضل العقل والعلم، فالدين يجب ألا يُخْضِع العلم له وإلا فسد العلم، وكذلك لا يمكن أن نضع الدين تحت مجهر العلم لإثبات صوابه، فالدين إيمان، ومحل الإيمان - مجازا طبعا - هو القلب، وأية أفضلية تكون لمؤمن تم إثبات ما يؤمن به إثباتا علميا، فعلى سبيل المثال، هل يمكن لأحد أن يناقش في نظرية فيثاغورس: المربع المنشأ على الوتر في المثلث القائم الزاوية يساوي مجموع المربعين المنشأين على الضلعين الآخرين المثبتة والمبرهن عليها، ماذا لو كان الدين كذلك، هل ستكون هناك أفضلية لمؤمن على آخر؟!.. هل هناك أفضلية لشخص على آخر في التصديق بنظرية فيثاغورس؟!. 

إذاً يجب أن نفصل بين مجالي الدين والعلم، ولا يتأثر أحدهما بالآخر، فالباحث يدخل مختبره وهو خالي الذهن تماما مما يمكن أن يؤثر على نتائج بحثه غير ما تقدمه له مناهج البحث العلمي ونتائج تجاربه. 

أما بالنسبة للدين الحق، كما تسأل في نهاية سؤالك، فهو في قلب كل مؤمن بعقيدة ما، فكل دين، أيًّا ما كان هذا الدين، هو حق عند معتنقيه، ومن هنا علينا أن نحترم عقائد الناس، حتى لهؤلاء الذين يقدسون النملة، فعقيدة كل منا هي أسطورة الآخر، وهذا الذي يدفعنا للرفق بكل العقائد.

 

 

* قلمك يرصد ويناقش قضايا فكرية وفلسفية وسياسية ومجتمعية وظاهرة وقتية .. الأفضل لإصلاح المجتمع بناء متخصص ومعرفي في فرع ما أم الثقافة الموسوعية؟!. 

نستطيع القول أن عصر العالِم الموسوعي الذي له نشاط علمي وأدبي في عديد المجالات قد انتهى، وأن التخصص الدقيق هو ما يميز باحث ومتخصص عالم عصر اليوم، وذلك لعمق العلم في كافة فروع العلوم والمعرفة الآن، هذا من ناحية التخصص، أما ما أظن أنك ترمي إليه هو تصدي البعض للتعريف بعديد من العلوم والمعارف، فيما يمكننا أن نطلق عليه تبسيط العلوم أو "شعبنة" العلوم إن جازت التسمية، ومن يتصدى لمثل ذلك يجب أن يكون لديه معرفة موسوعية، فهو لا يكون متخصصا في كل تلك المعارف والعلوم، كما عليه أن يهضم هضما تاما الموضوع العلمي أو النظرية العلمية التي سوف يتصدى لتبسيطها لعوام الناس، فكلما استطاع فهم الموضوع العلمي أو النظرية العلمية بشكل جيد كلما استطاع أن يشرحها ويبسطها بشكل جيد يتلاءم مع معارف العوام البسيطة. وكذلك الأمر بهؤلاء الذين يقومون بالتعريف بالأعلام في كافة المجالات، فعلى أيضا من يتصدى لمثل هذا العمل أن يدرس دراسة مستفيضة بشكل شبه كامل للشخصية العلمية أو الفلسفية أو التاريخية أو الأدبية التي سوف يقدمها للجمهور. 

 

 

* صفحتك بالفيس بوك نافذة إعلامية تطوعية جديدة من نوعها مفيدة بمحتواها .. مدى تقبلك لواقع الصحافة الإلكترونية العربية؟ 

أسعد كثيرا حينما أشعر أن ما نحرص على تقديمه يحوز إعجاب الزملاء والأصدقاء وغيرهم، على الرغم من حرصي على تقديم رؤى مختلفة عن السائدة في مجتمعاتنا، أهتم كثيرا بالعلم والنظريات العلمية الحديثة، وما  تحقق من تطبيقات تكنولوجية قدمت وتقدم العديد من الخدمات للإنسان، وأُبَشِّر بما يمكن أن نطلق عليه ما بعد الإنسانية، وأزعم أننا إن لم نتفاعل ونساير ما يطلق عليه الذكاء الاصطناعي سوف يتجاوزنا التاريخ ومن هنا ألح على تقبل الواقع الجديد الذي ربما يصطدم بمنظومة القيم العربية العصية على التغيير حتى اللحظة.

بالنسبة للصحافة الإلكترونية العربية فإن المتابع للمشهد في مجمله لن يرضى عما يتم نشره والإلحاح على وصول التافه من الأخبار لأكبر عدد من الجمهور، ولكن في كل الأحوال كان هناك فوائد هائلة للصحافة الإلكترونية العربية، حيث فتحت المجال أمام العديد من المواهب التي كانت ستذهب أدراج الرياح ولا يشعر بها أحد، كما يمكن للقارئ الجاد أن يجد العديد من المواقع الجادة في الكثير من فروع المعرفة، نعم هذه النوعية قليلة وغير منتشرة ولكن يمكننا الوصول إليها.

في المجمل الصحافة الإلكترونية العربية فيها العديد المسالب وإن لم تخلُ من إيجابيات يمكن أن يُبْنى عليها.

 

 

* أطلقت وزيرة الهجرة المصرية مبادرة "اتكلم عربي" وسبقها " اتكلم مصري " .. كيف نترجم الشعار لحقيقة؟!

علينا في البدء أن تحدد ماذا نعني بكلمة "اتكلم"، هل المقصود مجرد اللغة: سواء كانت اللغة العربية الفصحى أو اللهجة المصرية؟!. أم أن كلمة "اتكلم" يقصد بها اللسان والقضايا كذلك؟! فإن كانت الأولى فالأمر ليس من الصعوبة بمكان كبير، حيث أنه يمكن اكتساب اللغة وتعلمها مثلها في ذلك مثل تعلم واكتساب أية لغة من لغات العالم، أما إن كان المقصود الثانية وهي التّكلم بلسان مصر أو العرب، فهذا يعني ضرورة تعريف، ليس تعريف فحسب، بل إيمان، الأجيال الجديدة  بالقضايا المصرية بعين الإنسان المصري المتابع والمراقب عن كثب لتلك القضايا، هذا الذي يعني ضرورة إقامة ندوات كثيرة وجلسات متنوعة ومحاضرات مختلفة مع هذه الأجيال الجديدة على أن يقوم بتعرفيها لهم مجموعات متدربة ومتمرسة على هذا النوع من العمل، وتكون على دراية دقيقة بعقلية تلك الأجيال المصرية الجديدة التي ولدت في الغرب وتلقت تعليمها في المدارس والجامعات الأوروبية والأمريكية "الغربية عموما". وهذا أمر ليس من السهولة بمكان، بل لابد من تضافر جهود عديد من مؤسسات الدولة. 

 

 

* المهن التمثيلية المصرية بسطت أجنحتها للفنانة منى زكي بخصوص أزمة فيلمها مؤخرا، لماذا ينقبض موقفها مع الفنان الهادف محمد صبحي وقصته مع رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه بالسعودية؟ 

دعني في البدء أعلن موقفا عن فيلم "أصحاب ولا أعز" الذي أشرت إليه من خلال مقارنة موقف نقابة المهن التمثيلية بين الفنانة منى ذكي والفنان الكبير محمد صبحي، أتعجب كثيرا من الضجة المفتعلة التي تظهر بين الحين والآخر عن عمل فني، بزعم أنه لا يتناسب مع قيمنا المصرية أو العربية أو الشرقية "سمه كما تشاء" كما حدث مع مسرحية "المومس الفاضلة" التي أعلنت الفنانة إلهام شاهين أنها تستعد لعرضها على المسرح، وتقوم الدنيا ولا تقعد على اسم المسرحية أو لقطة في فيلم أو دور لأحد الشخصيات، وإني أزعم أنها ثورة مفتعلة، ولا تعبر بحال من الأحوال عن سلوك المجتمع المصري أو العربي، والذي تنتشر فيه للأسف عديد الموبقات ولا يحرك ساكنا ولكنه ينتفض للفظة أو لقطة أو دور، هذا الذي يعكس الانفصام بين القول والفعل في مجتمعنا الذي تم عرض أعمال فنية بها ما هو أكثر من ذلك بكثير في الماضي الذي يترحم عليه الجميع باعتباره "الزمن الجميل!".

أما موقف نقابة المهن التمثيلية مع الفنانة منى ذكي فلقد جاء متفقا مع الدور المنوط بها بالدفاع عن الفنانين، وهو ما كان عكس ذلك تماما في موقفها من الفنان الكبير محمد صبحي، وطبعا أسباب التفاوت بين الموقفين واضحة جلية لكل من له عينان، فالطرف الثاني في قضية الفنانة منى ذكي كان قطاعا كبيرا من المجتمع "المتدين بطبعه" والمستضعف، فلم تر نقابة المهن التمثيلية بأسا من معارضته بل معاداته، أما الطرف الثاني في قضية الفنان محمد صبحي فكان تركي آل الشيخ وزير الترفيه السعودي، وهذه الصفة واحدة كافية بأن تجعل نقابة المهن التمثيلية برئاسة أشرف ذكي تبلع لسانها، خاصة وأن الوزير السعودي يغدق المال إغداقا على المرضي عنهم لديه، في ذات الوقت الذي يمتلك فيه آلة إعلامية ضخمة يطلقها بمن فيها على المغضوب عنهم لديه، وطبعا مؤسسات الثقافة والإعلام المصرية في حالة ضعف غير مسبوقة تجعلنا ندق ناقوس الخطر منذرين القائمين على الأمر بأن القوى الناعمة المصرية في طريقها للزوال إن لم تجد الدعم الكافي. 

 

 

* الرياضة منبع تقارب ورسالة سلام للشعوب وتجديد تآخي وتحقيق التعارف الخلاق .. من متابعاتك للمشهد هل تؤثر الرياضة على مواقف سياسية بين الدول ، ومتى يشار إلينا كرويا بأبطال عالمية؟ 

الدول المتخلفة فقط هي التي تستغل الرياضة سياسيا، وكذلك فإن الهزيمة الحضارية للبلدان المتخلفة تجعل الشعوب تتمسك ببصيص من الأمل في حالات الانتصار الرياضية وتحول مثل هذه المناسبة لمهرجان احتفالي ضخم، تعلن فيه انتماءها للوطن، هذا الذي يستغله الساسة والحكام لصالحهم وتقديم الأمر وكأنه انتصار في معركة حربية أو كأنه إنجاز علمي.

من الصعوبة بمكان أن تحتل مصر مكانة عالمية في كرة القدم، فليس لدينا لاعبون على كفاءة عالية باستثناء نجمنا العالمي محمد صلاح أحسن لاعب في العالم في الآونة الأخيرة، وعدم احتلالنا لمكانة متقدمة بين دول العالم في مجال كرة القدم أو الرياضة عموما شيء طبيعي يتفق مع فساد المنظومة، فالدول المتقدمة رياضيا، هي نفسها الدول المتقدمة علميا تقريبا، حيث يخضع كل شيء لمنظومة عمل متكاملة، لا يشوبها خلل هنا أو هناك، ولا يتصدرها المتسلقون ولا يشغل بها أي شخص مركزا أو منصبا ما إلا لكونه كفء لهذا المركز وجدير بهذا المنصب، وهو غير متوفر عندنا، ويعلم الجميع دون استثناء ذلك.

 

 

* لديكم رصيد هائل من مقالات الوعي وإشعال روح التدبر وتغذية العقل العربي .. لماذا لا يغرد قلمكم داخل أوراق مطبوعة «كتب» حتى يسهل على الجمهور القارئ الاطلاع ويضاف نبض جديد لمكتبات الفكر؟ 

في الحقيقة، ليست فكرة جمع مقالاتنا العديدة المتنوعة في كتاب أو عدة كتب بعيدة عن ذهننا، وإن كان الأمر في حاجة إلى جهد ووقت، سنعمل على ذلك حتما، إذا سمحت، وأتمنى أن تسمح، الظروف، وفي الحقيقة أيضا أن مقالاتنا جاءت في وقت كتابتها لتعالج مشاكل آنية، وإن ظلت هذه المشكلات ممتدة، وأظن أنها ستظل عقودا، حيث أن الشغل الشاغل لي هو النحت في الطبقة الصلبة للمنظومة الفكرية المصرية والعربية بهدف شق الأنهار لتغذية الأفكار الجديدة لصناعة منظومة فكرٍ تناسب العصر.

سأعمل، ربما، هذا العام على تنقيح المقالات، وتصنيفها حسب المجالات التي تطرقنا لها، لنعمل لاحقا على إيداعها في إحدى دور النشر لنجمع كل مقالات مجال من المجالات في كتاب، نأمل أن  يرى هذا المشروع النور  في معرض القاهرة الدولي للكتاب القادم.

 

أجرى الحوار : حاتم عبد الحكيم

اجرى الحوار : حاتم عبد الحكيم