صلاح عطية.. 40 عاما من الكفاح والعمل جعلته أيقونة العمل الخيرى بمصر والسر في "الشريك الأعظم".. "من الحضانة للجامعة" رؤية قضى بها على البطالة والفقر في "تفهنا الأشراف".. أنشأ 6 معاهد أزهرية و4كليات ومدينة جامعية

كان رجلا بأمة كاملة، علما من أعلام الخير، عاش حياته يخدم من حوله بكل طاقاته وإمكاناته، جعلته ظاهرة فريدة وعظيمة في حياته ووفاته، أربعون عاما من الكفاح والعمل ظل خلالها سندا وعونا للبسطاء، يشق الصخر في سبيل خدمتهم والنهوض بهم وحياتهم، فقد نذر حياته لإسعاد أهله من بنى وطنه الذين ارتبط بهم وعاش معهم بعقله وقلبه ووجدانه، والنهوض بوطنه الذي كان بالنسبة له الانتماء والوفاء والتضحية والفداء والعزيز على قلوب الشرفاء، إنه الأب الروحي لأهالي قرية تفهنا الأشراف رجل الأعمال الراحل صلاح عطية.

نجح رجل الخير صلاح عطية، بذكائه وعقليته التجارية الفذة وجهوده وبصماته الرائعة في العمل الخيري والتطوعي التي مازالت شامخة وراسخة أن يجعل من "تفهنا الأشراف" إحدى القرى التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، قرية نموذجية هزمت الفقر والبطالة والأمية، واستطاعت أن تحقق الاكتفاء الذاتي اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا بالمشاريع الخيرية والتنموية والجهود الذاتية، دون أن يبحث عن جاه أو مال أو سلطة، عاش مليارديرا في حب الخير والعطاء للناس والوطن، يبني ويعمر ويزرع بذور الخير بعيدا عن أضواء الشهرة؛ إيمانا منه "أن فى قضاء حوائج الناس لذة لا يعرفها إلا من جربها"، ضاربا بذلك نموذجا مشرفا وحضاريا للعمل الإنساني والخيري، وخير قدوة لكل طامح في النجاح.

ظلت حكاية "صلاح عطية" راسخة في قلوب ووجدان المصريين لما خلده من مشاريع تنموية هائلة نجحت في أن تحقق طفرة اقتصادية بمسقط رأسه قرية تفهنا الأشراف ومختلف القرى التي خطت قدماه فيها، فهو رجل أعمال عصامي بدأ حياته من الصفر بمشروع دواجن و200 جنيه وبعد رحلة كفاح ومثابرة كان عنوانها "عمل الخير لله وللناس والوطن" أصبح واحدا من كبار رجال التجارة والصناعة في مصر، ينعم بحب وتقدير الناس وأسطورة لم تمت في فعل الخير. 

السر فى "الشريك الأعظم"

مثل رجل الأعمال والمهندس صلاح عطية للمصريين وطنا للخير والعطاء في إنسانيته وجميل أخلاقه، لم يغتر بالمناصب ورفض الوجاهة الاجتماعية والسياسية ووهب حياته وماله للعمل الخيري وخدمة شعبه ووطنه، عاش للآخرين وبالرغم من رحيله ظل حيا بعمله ومشاريعه المنتشرة في كافة ربوع مصر، مستحقا لقب "رجل بأمة"، هكذا تحدث محمود جودة مصطفى عطية ابن شقيق الراحل صلاح عطية لـ"اليوم السابع" عن عمه الذي تاجر مع الله وعاش حياته لعمل الخير وخدمة الناس والوطن، فقال إن صلاح عطية لم يؤثر على مصر فقط بل وصل تأثيره لجميع الدول العربية، فكان معروفا في العالم العربي بأنه رجل البر والخير والتقوى، أطلق عليه أكثر من لقب بعد وفاته كـ"الدكتور الذي تاجر مع الله"، و"رجل الخير"، مشيرا إلى أن متاجرته مع الله سبحانه وتعالى هي أكثر أعماله التي أفاد ونفع بها البشرية بعد أن عرفوا بقصته وحكاية نجاحه في "المتاجرة مع الله".

 

"قصة نجاح صلاح عطية أيقونة الخير والعطاء لم تكن قصة عادية، بل كانت تاريخا من التضحية والعطاء شعارها الكفاح والعمل والاجتهاد في سبيل الخير والتجارة مع الله تعالى والسر كان في "الشريك الأعظم"، بهذه الكلمات تابع "محمود" حديثه، فقال عن نشأة عمه إنه بدأ حياته من الصفر، نشأ محبا للعطاء والخير في أسرة ريفية بسيطة بقرية تفهنا الأشراف التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، ترعرع على الإيمان والتقوى وحب الدين مقتديا بوالده الذي زرع فيه حب العطاء ومساعدة الغير، غرس فيه الشعور بالبسطاء والوقوف بجانبهم، وأنشأه على البساطة والتواضع والرضا والقناعة، قائلا: "صلاح عطية كان مقاس رجله 42 وكان بيلبس حذاء مقاس 43 ولما كانوا بيسألوه عن السبب كان يقولهم عشان لما يدوب أعرف أركبله نعل وأقصره ويعيش معايا سنة واتنين، أيام زمان مكنتش زي دلوقتي، صلاح عطية كان قنوع وراضي بالجنيه اللي معاه، لما كان يحب يذاكر كان يوفر اللمبة الجاز ويخرج يذاكر في الشارع تحت عمود النور، كان يلبس القبقاب الخشب بتاع زمان ولما كان يعدي من تحت البيوت كان يتعرف من صوت قبقابه وإنه خارج يذاكر تحت عمود النور".

واستطرد أن صلاح عطية درس في كلية الزراعة، وعمل وكافح واجتهد معتمدا على ذاته، ففي الوقت الذي كانت فيه القرية معدومة من الإمكانيات والخدمات وكافة أوجه الحياة فيها بسيطة، بنى نفسه بنفسه حتى بلغ مكانة اقتصادية رفيعة، متابعا: "صلاح عطية كان من المتفوقين، ولما كان يحب يذاكر كان يروح تحت عمود النور في الشارع عشان يعرف يذاكر، فبالرغم من ضعف الخدمات والإمكانيات إلا إنه مكنش بيأثر في دروسه أو مذاكرته، مكنش بيتعاظم على أي شيء، يطمح ويسعى لخدمة بلده وناسه وأهله، لما كان يرجع من الكلية ويشوف عمه بيزرع في الأرض كان ينزل ويساعده ويزرع معاه، وكان بيضم الغلة مع اعمامه وميقولش أنا راجل في كلية وبتاع علم إيه اللي يخليني أزرع وانزل الأرض، طول عمره كان متواضع في لبسه وكلامه وأكله وتعامله مع الناس".

وأشار إلى أن بعد تخرج "صلاح عطية" من كلية الزراعة، قرر هو وصديقه "صلاح خضر" أن يؤسسا سويا شركة يكون عملها في نفس مجال دراستهم المرتبط بالزراعة والإنتاج الحيواني، فكانت بدايتهم بشراء سيارة يعملون من خلالها سويا، يتناوبون العمل عليها والسفر من خلالها إلى المدن الأخرى لشراء الكتاكيت وتوزيعها على المزارع، وظلا يعملان على السيارة ويدخران ما يحصدانه من أموال حتى قررا أن يؤسسا شركة كبيرة مساهمة مع عدد من زملائهم في القرية، مشيرا إلى أنهم نجحوا خلالها في تجميع 9 أفراد، كل واحد منهم ساهم بمائتي جنيه لافتتاح الشركة أو المكتب الذي مثل بدايتهم ونقطة انطلاقتهم في مركز ميت غمر، وبالرغم من تجميع 9 شركاء إلا أنهم كانوا لا يزالون بحاجة إلى شريك عاشر ليتمكنوا من تأسيس المشروع وتوزيع الأرباح بينهم.

حب صلاح عطية للخير والعطاء كان المحرك الدائم لأفكاره وقراراته في الحياة، فكان على يقين بأن التجارة مع الله هي أفضل التجارات الرابحة في الدنيا، عاقبتها إلى الخير، والطريق إلى الثواب الكبير، وأن غاية الحياة الدنيا أن يبذل الإنسان جهده في عبادة الله تعالى عبادة خالصة والرضا والقناعة بالنعم الربانية دون أن ينخدع بمباهج الحياة الفانية وملذاتها الزائلة من مال وشهرة ومتعة لا تجدي نفعا وبعيدة كل البعد عن تحقيق السعادة الأبدية، فنجح "صلاح عطية" في فهمه للحياة، محسنا الغرس بالمتاجرة مع الله بعمل الخير والعطاء لأجل البسطاء والفقراء، فتابع "محمود" حديثه عن عمه أيقونة الخير والعطاء صلاح عطية، بأن سر نجاحه تمثل في "الشريك الأعظم"، مشيرا إلى أن بعد مرور يومين من التفكير والبحث عن الشريك العاشر، اجتمع الشركاء التسعة وأثناء كتابة عقود التأسيس والشراكة، ظل الشركاء يسألون عن الشريك العاشر الذي سينضم إليهم ويوقع معهم عقود الشراكة، أخبرهم "صلاح عطية" بأنهم سيوقعون العقود وأنه أحضر الشريك العاشر، فانتاب زملاؤه الفضول لمعرفة هوية الشريك العاشر إلا أنه رفض الإفصاح عنه وأخبرهم بأنهم سيعرفون هويته أثناء توقيع العقود، مشيرا إلى أن عند توقيع عقود الشركة، كل واحد منهم وقع على العقد الخاص به وظل رقم عشرة بدون تدوين في العقد، وعندما سألوا "صلاح عطية" عن هوية الشريك العاشر قال لهم "اكتبوا الله سبحانه وتعالى"، فاستغرب شركاؤه وأصيبوا بالدهشة والاستغراب وظنوا أنه يمزح معهم إلا أنه أكد عليهم بأن الله سبحانه وتعالى سيكون الشريك العاشر معهم، قائلا لهم "كل واحد مننا هيحصل على 10% من الأرباح والـ10% الخاصة بالشريك العاشر "ربنا" هيتم توزيعها على البسطاء والفقراء، عشان ربنا يحفظلنا المال ده ويزيده".

"سنة والتانية والتالتة وربنا فتح عليهم".. بهذه الكلمات تابع "محمود"، حديثه، فقال إن الشركاء التسعة نجحوا نجاحا باهرا في مشروعهم، واستطاعوا أن يحققوا أرباحا كبيرة عاما تلو الآخر، مشيرا إلى أن بعد مرور عدة سنوات قرر عدد من الشركاء الانفصال والاستقلال بمشاريع خاصة بهم، وظل "الصلاحان" صلاح عطية، وصلاح خضر ومعهما الشريك الثالث "الله" سبحانه وتعالى، وبالتالي ظل في المشروع ثلاثة شركاء فقط كل واحد منهم له ثلث الأرباح، مخصصين الثلث الخاص بالشريك الثالث "الله" لكفالة اليتامى والبسطاء، وبعد مرور عامين من الكفاح والعمل زاد نجاحهم وزادت أرباحهم فقرروا أن يزيدوا من نصيب الشريك الثالث "الله"، ففي ظل نجاحهم وتوسع تجارتهم لم ينسوا الخير والعطاء ولو للحظة واحدة وما عاهدوا الله عليه في أن يكون عملهم لخدمة الناس والوطن.

كان صلاح عطية رجلا عظيما وبفكرة أراد بها أن يتاجر مع الله وينفع بها أهله ووطنه زرع وأعطى كثيرا بالعطاء والخير وأثمر اجتهاده وكفاحه في الحياة عن مؤسسات تعليمية وتربوية وصحية واجتماعية نهضت بقريته ووفرت حياة كريمة لأبنائها أبد الدهر، لم ينجب أبناءا فكان طلابه بالمعاهد والكليات التي شيدها بعطائه وخيره وناسه وأهله في قريته هم أبنائه وسبب فرحته في الحياة، موضحا أن "صلاح عطية" عندما قرر في البداية أن يقدم شيئا لقريته ومسقط رأسه تفهنا الأشراف، فكر في إنشاء معهد ديني ابتدائي لتحفيظ القرآن الكريم، ومع مرور الوقت وسع الله تعالى من تجارتهم وزاد رزقهم فأصبحت القرية تنعم بست معاهد أزهرية لكافة المراحل التعليمية، قائلا: "لك أن تتخيل أن واحدا كصلاح عطية لم يرزقه الله بنعمة الأبناء، عندما يدخل لمعهد تحفيظ القرآن ويجد فيه ما يقرب من 150 طفل يحفظون القرآن الكريم، يناديه الأطفال بسعادة ولهفة "بابا صلاح جه"، مشيرا إلى أن صلاح عطية كان يقول لهم دوما "أنا عندي كلمة بابا صلاح دي بالدنيا كلها"، مشيرا إلى أن صلاح عطية كان بمثابة الأب الروحي لجميع أبناء القرية من صغيرهم لكبيرهم، أثر في جميع أبناء قريته وغير حياتهم للأفضل، فبمجرد ذكر اسمه في أي شارع أو حارة بالقرية تجد الجميع يقولون عنه "ياااااااااه.. صلاح عطية مكنش أخ أو أب لينا، كان لقمتنا وشربة الماية، كان رزقنا من عند ربنا".

رؤية غيرت حياة "تفهنا الأشراف" بالدقهلية وحولتها لقرية نموذجية

"من الحضانة إلى الجامعة".. رؤية ورسالة إصلاحية واضحة تبناها رجل الأعمال الراحل صلاح عطية، منذ أن أخذ على عاتقه إصلاح قريته وتطويرها والنهوض بأبنائها اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، حيث آمن أنه لا سبيل للنهوض بالوطن وبأبنائه إلا بالاهتمام بالتعليم، فاستطاع أن يجعل من "تفهنا الأشراف" إحدى القرى التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية قرية نموذجية مكتفية ذاتيا، تنعم بالحياة وتعيش أفضل تجارب التنمية والاستثمار، ومنارة للعلم والمعرفة يرتادها العلماء والمثقفون وأرباب الرأي والفكر والأدب، بعد أن أصبحت القرية الوحيدة في مصر التي تضم فرعا لجامعة الأزهر ومدينة جامعية وعدد من المعاهد الأزهرية، رافعا شعار "التعليم هو أقوى سلاح من الممكن استخدامه لتغيير العالم".

ساهم صلاح عطية، بنظرته المستقبلية ورؤيته الإصلاحية بعيدة المدى واضعا نصب عينيه الاهتمام بالتعليم الأزهري في قريته، أن يقضى على الفقر والأمية والبطالة، ويحقق نقلة نوعية هائلة في قريته "تفهنا الأشراف" فقد عاشت وأهلها بأعماله ومشاريعه الخيرية أفضل تجارب التنمية والاستثمار القائم على تكاتف الأهالي ووحدتهم وتضامنهم، فبإقامته لستة معاهد أزهرية لجميع المراحل التعليمية وأربع كليات ومدينة جامعية، تحولت القرية لمركز تجاري ينشط اقتصاديا ويربط القرى والمدن ببعضها البعض، بعد أن كانت المعاهد والكليات سببا في إنشاء محطة قطار في القرية تنقل الطلاب من وإلى القرية، وإنشاء العديد من المشروعات الخدمية التي وفرت فرص عمل لأهالي القرية والقرى المجاورة كتوفير وسائل مواصلات مختلفة لنقل الطلبة، ومحلات ومطاعم، ومكتبات، وسكن للطلبة، وورش للنجارة والحرف اليدوية ومشاغل لعمل أزياء الطلاب، ومطابخ لتقديم وجبات غذائية للطلاب، كذلك تدريب الفتيات والسيدات علي الخياطة لرفع المستوى المعيشي للأسر من خلال إعطاؤهن ماكينات خياطة وتكليفهن بتفصيل مرايل الحضانة، كما استفادت غالبية البيوت ببناء حجرات إضافية لتأجيرها للطلاب، فضلا عن العديد من المشروعات التنموية الأخرى التى خدمت العملية التعليمية والتربوية والصحية والاجتماعية وقضت على الفقر والأمية والبطالة بقريته ووفرت حياة كريمة لأبنائها أبد الدهر.

كان صلاح عطية صاحب نظرة مستقبلية ورؤية واضحة بعيدة المدى، ومن هنا كانت انطلاقته نحو تأسيس عدد من المعاهد الأزهرية والكليات التعليمية كأول مرة في قرية ريفية في مصر، فأشار "محمود" إلى أن صلاح عطية أراد أن يؤسس عدد من الكليات في قرية تفهنا الأشراف، فاجتمع بالشيخ جاد الحق شيخ الأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية سابقا، ليعرض عليه رغبته، وعند سماع الشيخ لما قاله صلاح عطية قال له "انت بتهزر يا صلاح، كليات إيه اللي انت عايز تعملها"؟!، فكان رد صلاح عطية عليه "أنا عايز أعمل كليات أزهرية في تفهنا الأشراف"، فرد عليه الشيخ جاد الحق "إزاي قرية صغيرة يتعمل فيها كليات؟!" فقال له "عطية" "أنا هعمل منظومة الأزهر الإسلامي كاملة في تفهنا الأشراف ومش عايز معونة من حد، كله هبة من عند ربنا"، وعندما سأله الشيخ جاد الحق عن كيفية حضور الطلبة إلى قرية تفهنا الأشراف في الوقت الذي لا يوجد فيه محطة قطار بالقرية، قال له صلاح عطية: "سنة واحدة وهيكون فيه محطة قطر في القرية"، وكانت محطة قطار "تفهنا الأشراف" الوحيدة من مدينة الزقازيق إلى مدينة ميت غمر يقف فيها الإكس والسريع وقطار الإسكندرية، مشيرا إلى أنه بدأ مباشرة في تنفيذ خطته التنموية بإنشاء الكليات في "تفهنا الأشراف"، وأصبحت أول قرية ريفية على مستوى مصر تضم منظومة الأزهر الشريف كاملة بداية من الكتاب وحتى الكلية، والقرية الوحيدة التي تضم 4 كليات تعليمية في مصر، مشيرا إلى أن قبل أن ينشئ صلاح عطية الكليات قام بإنشاء أكثر من 36 معهد ديني على مستوى الجمهورية، كان أولها في قرية "تفهنا الأشراف" ومن ثم أنشأ المعاهد الأخرى في مختلف القرى والمدن والمحافظات كالشرقية وزفتى والعريش وصعيد مصر والفيوم والغربية والمنوفية والدقهلية، "مكنش بيقول لحد لا".

مفجر الطاقة الخيرية في نفوس البسطاء

اجتمع الناس على حب صلاح عطية رجل الخير والإنسانية، فكان بالنسبة لهم الأب الروحي الذي يسمع لهم ولمشاكلهم، يرعاهم ويحسن من حياتهم، يوفر لهم كل ما يحتاجونه ويقدم لهم كل ما يعينهم في أمور حياتهم ويكفل لهم ولأبنائهم الحياة الكريمة من مؤسسات تعليمية وصحية وصناعية، كان إنسانا حكيما صاحب مبدأ في الحياة، عاش على تراب هذه الأرض الطيبة بين البسطاء، كحلم جميل احتضن أهله وشعر بهم وعمل على راحتهم واضعهم نصب عينيه كأب لهم، سخر كل الإمكانات ليعمل على نهضة الإنسان قبل البنيان، اهتم بالتعليم والصحة وتوفير وتوفير فرص عمل لهم، تعدت عطاياه لكل شبر في مصر، فكان حالة تفرد تاريخية جعلته في قلب كل فرد دون استثناء، كان ينزل بين الناس ويجتمع بهم يتحدث إليهم بتواضع وحكمة، يستمع لمشاكلهم بعمق ويشجعهم على الوحدة والتآزر والمشاركة المجتمعية في دفع عجلة التنمية في القرى، فيقول "محمود"، إن صلاح عطية كل يستقبل وفدا كل يوم جمعة من مختلف القرى والمدن، يستمع إلى طلباتهم واحتياجاتهم من مشاريع كبناء مسجد او معهد وغيرها، فيحدد لهم موعدا محددا لإقامة أمسية يجتمع فيها مع الأهالي برفقة عدد من كبار الشيوخ وخلالها يضع حجر أساس المشروع".

واستشهد ابن شقيق صلاح عطية، بما كان يقوله عمه في الأمسيات من كلمات تحفيزية للأهالي في القرى لاستكمال تشييد المشروع، "أنا خلصت جمع الفلوس.. عايزين خامات يا بلد، أول خامات هنبدأ بيها الطوب، فيطلع واحد ويقول انا عندي 5 آلاف طوبة، وشخص تاني يعرض المساهمة بـ3 آلاف طوبة، خلصنا الطوب يا بلد، عايزين الحديد"، وتستمر الأمسية حتى يساهم كل الحاضرين كل على حسب استطاعته لإنشاء المشروع، مضيفا "البلد اللي مكنتش بطلع الجنيه، الشيخ محمد متولي الشعراوي كان يقول لصلاح عطية، "انت جرابك فيه إيه؟! انت عامل زي الحاوي، طلع اللي في جرابك" فيرد عليه صلاح عطية ويقوله "أنا جرابي الله.. الله.. الله، الفلوس مش بتاعتي، الأرض اللي انا واقف عليها مش بتاعتي، اللقمة اللي أنا باكلها مش بتاعتي، أوعى تقول من عندك، قول من عند الله.. انت ومالك وأكلك وشربك وعيالك من عند الله".

"كان بيلم تمن المعهد وهو قاعد"، بهذه الكلمات تابع "محمود" حديثه، فقال إن المهندس صلاح عطية اعتاد على أن ينظم أمسيات في مختلف القرى برفقة كلا من فضيلة الشيخ رفيق النكلاوي، والشيخ عزت حرك، كان يجتمع بالأهالي ويدعوهم للوحدة والمشاركة في أن يكون لهم دور وبصمة في تأسيس المعاهد، مستذكرا كلماته التي كان يقولها للأهالي ليحفزهم ويشجعهم على المساهمة في إنشاء المعهد الخاص بقريتهم، "مهر البلد دي.. المعهد مهره 20 ألف جنيه.. معايا أهم نقدي، عايز أشوف البلد لو مقدرتش تدفع أد المهر بتاعي أنا هدفع الشبكة والمهر مرتين كمان عليهم"، مضيفا أن بكلماته المحفزة للناس كان يساهم كل فرد من القرية بما في مقدرته، فمنهم من كان يساهم بمائة ومنهم من كان يساهم بمائتين، وأكثر، ومنهم من كانت تقوم ببيع خاتم زواجها لتساهم بثمنه في بناء المعهد، وكان الأطفال يخلعون حلقانهم ويساهمون بها، قائلا إن في إحدى الأمسيات ذهبت إحدى السيدات الأرامل إلى صلاح عطية، والتي كانت تجاهد وتكافح في الحياة ببيع الدواجن لتتمكن من الإنفاق على أبنائها الأيتام، تخبره بأنها لا تمتلك من النقود ما يمكنها من المساهمة في بناء المعهد وأن كل ما تمتلكه هو ما تبيعه من دجاج وبط تنفق من خلالهم على نفسها وأبنائها، قائلة له "أنا معايا دكر بط دلوقتي تمنه خمسين جنيه، تقبلوه؟"، فرد عليها صلاح عطية قائلا: "نقبله.. يا حضرات الدكر البط ده إحنا هنعمل عليه مزاد، مين اللي بيحب ياكل بط؟ هندخل مزاد عليه"، مشيرا إلى أن المزاد استمر على البطة حتى وصل المزاد عليها لـ10 آلاف جنيه، وبعدها قام صلاح عطية بإرجاع البطة للسيدة وأخبرها بأنها هدية لها من كبار البلد وخصص لها معاشا شهريا من بيت مال المسلمين، ومن بعدها أنشئ المعهد الديني وتوالت المعاهد في مختلف المدن، قائلا: الناس كانوا يندهشون من مهارته الفائقة في إقناع الأهالي بالمشاركة والمساهمة في إنشاء المعاهد، قائلين له بعد انتهاء الأمسية: "إيه يا عم صلاح انت في ساعة لميت تمن المعهد!".

وتابع أن صلاح عطية قام بتأسيس عدد من اللجان المختصة برعاية مصالح الناس وحل مشاكلهم والاهتمام بهم، فقام بتأسيس لجنة تختص بالزراعة لبحث كيفية زيادة إنتاجية المحاصيل المزروعة، ولجنة للشباب تختص بفتح مجالات أنشطة مفيدة ونافعة لهم وتوفر فرص عمل مختلفة لهم كإمدادهم بالبضائع التي تعينهم على البدء في مشاريع خاصة تمكنهم من العمل وتوفير دخل لهم ولأسرهم، وتدريب الفتيات والسيدات علي الخياطة وإعطاؤهن ماكينات خياطة وتكليفهن بتفصيل مرايل الحضانة التي يتم توزيعها بالمجان فضمنت السيدات تسويق الإنتاج مما رفع من المستوي المعيشي لهن وتم حصر أصحاب الحرف بحيث تم شراء أدوات الحرفة لكل منهم للإنطلاق بعملهم الخاص، ولجنة أخرى للتعليم لرفع المستوي التعليمي بالقرية، ولجنة للصحة تعمل علي علاج المرضي بالمجان والتوعية الصحية ولجنة للزكاة وظيفتها تجميع أموال الزكاة وتوزيعها في مصارفها الشرعية، ولجنة للقانون، ولجنة أخرى للمصالحات كانت كمنهج إصلاح حاول من خلاله صلاح عطية أن ينهي الخصومات والخلافات في قريته، كما أنه خصص لجنة تهتم بتحقيق الترابط بين القرى المختلفة وتوطيد العلاقات بين الأهالي، كانت تقوم بنقل الأهالي ووفود من "تفهنا الأشراف" للقرى والمدن الأخرى لمشاركتهم في أحزانهم وأفراحهم.

رفض العمل السياسي ووهب حياته للعمل الخيري

اهتم صلاح عطية بإحداث نقلة اقتصادية هائلة في قريته حتى نجح في تحويلها لقرية نموذجية مكتفية ذاتيا اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا بمشاريع تنموية عديدة شملت كافة جوانب الحياة، نهضت بمجالات التعليم والصحة والصناعة والتجارة وغيرها، دون أن يبحث عن جاه أو مال أو سلطة، عاش مليارديرا في حب الخير والعطاء للناس والوطن، يبني ويعمر ويزرع بذور الخير بعيدا عن أضواء الشهرة، فقال "محمود"، إن ما أنشأه صلاح عطية من معاهد أزهرية وكليات يعتبر جانبا واحدا من إنجازاته ومشاريعه التنموية والخيرية، مشيرا إلى أن من ضمن البنود التي كان يهتم بها هي كفالة زواج الفتيات اليتامى داخل قريته وخارجها، كما أنه كان يهتم بالسبل والطرق التي توفر الراحة للفلاح في حياته وعمله، فعلى سبيل المثال من كان يحتاج لغنم يربيه ليعيش منه وأبناؤه كان يهتم بتوفير ما يحتاجه ليوفر له الحياة الكريمة، من كان يحتاج لمحل بقالة ينفق من خلاله على أسرته كان يهتم بمساندته ودعمه ليتمكن من إنشاء مشروعه الخاص، خاصة وأن معظم المحلات التي تم إنشائها كانت لخدمة طلبة المعاهد والكليات، كما كان يهتم بصحة الأهالي ولذلك قام ببناء مستشفى في قريته ورفض كتابة اسمه عليها مطلقا عليها "مستشفى البدر الخيري"، قام برصف الشوارع في قريته ما يقرب من ست مرات على نفقته الخاصة، وعندما قام بإنشاء أول مزرعة دواجن، كان يوزع نصف كمية الدواجن على أهل البلد، ورحل تاركا كل ما امتلكه من أموال وما شيده من مشاريع وشركات وقفا خيريا لله سبحانه وتعالى، واستطاع بمشاريعه أن يوفر العديد من فرص العمل للأهالي، فإحدى الشركات تنفق على ما يقرب من 3 آلاف بيت، فضلا عن المشاريع الأخرى كالمستشفيات والمزارع وغيرها من المشاريع التي استطاعت أن توفر فرص عمل لأهالي "تفهنا الأشراف" والقرى المحيطة، مؤكدا على أنه وضع في بنوده أن تكون الأولوية في التوظيف عمالة 50% من أهالي تفهنا الأشراف.

"عاش حياته كلها ومكنش معروف في الإعلام ولا في الجمهورية كلها، شرفنا وهو عايش وشرفنا بعد ما مات".. بهذه الكلمات تابع "محمود" حديثه، فأشار إلى أن صلاح عطية، رفض كتابة اسمه على أي من مشاريعه الخيرية حتى قبل وفاته أوصاهم بعدم كتابة اسمه على المقابر، وكان يرفض الظهور الإعلامي والشهرة، لم ينتمي إلى حزب أو جماعة معينة، رفض أن يكون له أي توجه سياسي أو أن يشغل منصب محدد بالرغم من علاقاته الوطيدة بكبار الشخصيات والمشايخ ومحبة الناس له، فلم يكن له علاقة بأي شيء سوى عمل الخير والكفاح والاجتهاد في سبيل التنمية والتطوير والاهتمام بحياة الناس وتعليمهم ومستقبلهم، فسلك طريقا واحدا فقط وهو عمل الخير في صمت بعيدا عن أضواء الشهرة، لم يتوقف عنه ولو للحظة واحدة وظل مستمرا فيه حتى في أوقات الصعوبات والأزمات بفكر محدد وهو أن "ديني هو مصحفي، إسلامي هو مصحفي، عايز أكون غني فبمصحفي"، قائلا قبل وفاته: "يارب اديني لحد ما أكمل مشاريعي وبعد كدة أجيلك، أنا جايلك وسايب مالك في الدنيا حافظ عليه.. حافظ على مالك".

وعن مواقفه الإنسانية التي لا يمكن نسيانها قال إن صلاح عطية عندما كان يزور قريته في العيد الأضحى، لم يكن ينسى بيتا واحدا في "تفهنا الاشراف" ويرسل له هديته، وعندما كان في شدة مرضه ويجري عملية جراحية في ألمانيا كان يتصل عليه ويقول له: "متنساش و.ن تديله كيلو لحمة ومصروف العيد"، كان يقول دوما: "أنا عايز أدبح عجل عند المصنع عشان أراضي عمال المصنع، أنا عايز أدبح عجل عند البيت عشان أراضي أهلي، مضيفا أن من مواقفه الإنسانية التي لا يمكن نسيانها أن مع بداية موسم الحصاد لأي نوع من الفواكه التي كان يزرعها في مزارعه كان يوزع منها ما يقرب من نصف طن على أفران الخبز في قريته تفهنا الأشراف، وكل من كان يذهب لشراء الخبز من أهالي القرية يحصل على كيس برتقال، مشيرا إلى أن صلاح عطية كان يهتم بأمر جميع الناس حتى من لم يكن يعرفهم، ففي يوم وأثناء سفرنا بعد العشاء من قرية تفهنا الأشراف كان هناك رجلا يقف بعربة كارو محملة بالدقيق عند كوبري قليوب، يضرب حصانه بقوة لتوقفه وعدم قدرته على الحركة وطلوع الكوبري من شدة الحمولة، فأوقف "عطية" سيارته وقام بربط العربة الكارو بعربته الملاكي وقام بسحب العربة الكارو حتى تمكن الحصان من طلوع الكوبري، في ظل اندهاش الجميع من تصرفه وإنسانيته وإحساسه بالآخرين.

وتابع حديثه، أن في يوم آخر في فصل الشتاء وأثناء عودته من إحدى الأمسيات فجرا بالقرب من مدينة طنطا، طلب من كان معه أن يتناولوا الطعام فأخبرهم بأنهم سيتناولون وجبة الإفطار أسفل كوبري الدائري، وعند وصولهم رفض أن يتناول معهم الفول كونه يعاني من الكبد، وأثناء انتظاره لاحظ أن حمار عربة الفول مقيدا بحبل بعيدا عن العربة والأمطار تتساقط عليه، فذهب إليه وأحضره وقام بربطه في عربة الفول ومن ثم قام بأحضار جوال الخيش وقام بتدفئته أعلى "قدرة الفول" ووضعه أعلى الحمار لتدفئته من برودة الطقس، فاندهش صاحب العربة فقال له صلاح عطية حينها "انت هتعرف من غيره تجيب عربية الفول هنا؟!، من غيره هتعرف تروح بيتك؟!، قاله لا، فرد عليه صلاح عطية وقاله، انت لازم يكون عندك دين وإسلام ورأفة بالحيوان"، مضيفا أن في إحدى أمسياته وأثناء تحركه بالسيارة، سمع عدد من الرجال يتحدثون عليه ويقولون، "شفت الناس اللي معاها عربيات وفلوس"، فعاد إليهم مجددا وسألهم: "انت شغال؟ قاله أيوة، انت متزوج؟ قاله أيوة، عندك أولاد؟ قاله أيوة، صحتك حلوة؟ قاله أيوة، فرد عليه صلاح عطية وقاله، هعمل معاك صفقة توافق عليها؟ وافق الرجل، فقال له صلاح عطية، هديك العربية ومالي وصحتي، وفي المقابل هاخد صحتك وعيالك ووظيفتك، موافق؟ قاله أيوة، فرد عليه صلاح عطية وقاله، استنى قبل ما توافق أنا راجل عندي الكبد والسكر والضغط، فرد عليك الراجل وقاله ربنا يشفيك ويجازيك خير باللي بتعمله، فقاله صلاح عطية، الفلوس مش كل حاجة، أهم حاجة بينك وبين ربنا إيه، خلي بينك وبين ربنا عمار، وقول الحمدلله على اللي ربنا كتبهولك".

وقال تامر عبد العظيم عطية ابن عم رجل الأعمال الراحل صلاح عطية وأحد أبناء شركائه الثمانية لـ"اليوم السابع"، إن صلاح عطية وشركائه وهبوا حياتهم لعمل الخير، عاشوا حياة صعبة، بدأووها بالكفاح والعمل من الصفر بعد تخرجهم من كلية الزراعة بمشروع دواجن يجمعهم مع بعضهم البعض، اختاروا أن يكون شريكهم العاشر هو "الله"، مخصصين جزءا من أرباح المشروع لعمل الخير ومساعدة البسطاء والمحتاجين، فكان التوفيق والنجاح حليفهم، ربحت تجارتهم مع الله، وزادت تجارتهم ورزقهم، مشيرا إلى أن صلاح عطية كان يضع الناس نصب عينيه، وكانت مصلحتهم ورعايتهم وخدمتهم كل ما يشغل تركيزه واهتمامه في الحياة، ويحاول بقدر المستطاع أن يساندهم ويدعمهم ويوفر لهم كل ما يحتاجونه، حيث كان يقول دوما "الناس.. لازم نكون مع الناس".

"الأقربون أولى بالمعروف".. اتخذ صلاح عطية ذلك مبدأ لعمل الخير في حياته، حيث اهتم بتنمية وتطوير قريته وتحسين حياة أهله اجتماعيا وعلميا واقتصاديا، بهذه الكلمات تابع "تامر" حديثه، مشيرا إلى إن قرية تفهنا الأشراف مسقط رأس صلاح عطية كانت قبل مشاريع صلاح عطية قرية فقيرة ضعيفة الخدمات، وأول ما قرر الراحل أن يخدم قريته وأهله، قام بتأسيس دار تحفيظ قرآن كريم، ومن بعدها أنشأ معهد ابتدائي أزهري، ثم معهد إعدادي أزهري بنين وبنات، ومن ثم معهد ثانوي أزهري بنين وبنات، ومن بعدها أنشأ أربع كليات، وساهم في إنشاء محطة قطارلخدمة الأهالي والقرية، مشيرا إلى أن الاستفادة الأولى كانت لأطفالها وشبابها وجميع أهلها.

وقال إنه كان يشجع ويحفز الأهالي في القرى والمدن الأخرى على المساهمة لإقامة مشاريع تنموية لديهم من مساجد ومعاهد ودار تحفيظ وغيرها، فكان يبدأ بنفسه ويساهم بمبلغ من المال مما يحفز الأهالي للمشاركة والمساهمة في عمل الخير لوجه الله تعالي وقريتهم كل على حسب إمكانياته واستطاعته، موضحا أنه صلاح عطية أفاد قريته بإتاحة منظومة تعليمية متكاملة تتيح للطالب التعلم من الحضانة حتى التعليم الجامعي، ووسائل مواصلات كان من أهمها محطة القطار، وغيرها من المشاريع الأخرى التي جعلت منها قرية نموذجية مكتملة الخدمات، كما أنه أفاد القرى الأخرى، فله في كل قرية أثر وبصمة بمشروع تنموي قد يكون مسجد أو معهد أو دار تحفيظ قرآن وغيرها، فأفاد مصر بأكملها بما خلده من مشاريع تنموية وخيرية هائلة، فكان محبا لوطنه عاشقا له يطمح في تطويره والمحافظة عليه بالبناء والتعمير وخدمة الناس التي كانت بالنسبة له سر سعادته في الحياة.

حارب الأمية والفقر بالعلم والعمل

عندما تقرأ سيرة هذا الرجل العظيم، تشعر وكأنه أمة كاملة، أسطورة ورمز للعمل الخيري والإنساني، سجل مجده بحروف من النجاح والطموح وعمل الخير للشعب والوطن، هازما الفقر والبطالة والأمية... بهذه الكلمات وصف توفيق أحمد أمين أحد خريجي كلية الشريعة والقانون سنة 2000 بقرية تفهنا الأشراف رجل الأعمال الراحل صلاح عطية، فقال إنهم شهدوا على ما قام به رجل الأعمال الراحل صلاح عطية من إنجازات في قريته منذ طفولتهم حينما كان في الـ45 من عمره، فقد أوجد نظام تعليم جديد في القرية وهو التعليم الأزهري والذي كان مقصورا فقط على مدينتي الزقازيق وميت غمر، وكان من الصعب جدا أن يلحق أحدا أبنائه فيه، وبمشاريع الراحل بدأنا نشعر بأن هناك حالة مختلفة وجديدة في البلد أوجدها رجل صاحب رؤية ورسالة، أراد أن يكون مجتمع جديد يبحث فيه عن الخلايا العلمية والإنتاجية، أراد أن يعرف الناس قيمة العلم والعمل وحب الخير، وتحقيق تنمية متكاملة منظمة حاول من خلالها أن يغير المجتمع، ومن هنا كان اهتمامه بإدخال التعليم الأزهري لـ"تفهنا الأشراف"، مشيرا إلى أنه أثقل فيهم حب العمل والعمل منذ الطفولة تدريجيا، فأدخلهم التعليم الأزهري ومن ثم شجعهم على العمل وفهم طبيعته بعد انتهاء العام الدراسي، "كان كل يوم لازم يعلمنا شيء، ويزرع جوانا قيمة، كان كل شيء عنده بدقة وبحساب".

وتابع أن بالرغم من انتقال صلاح عطية إلى القاهرة إلا انه كان يداوم على زيارتهم في القرية يوم الثلاثاء من كل أسبوع في طفولتهم، فكان قريب منهم ويهتم بهم، ينزل معهم ساحة المعهد، يلعب معهم، يصلي صلاة الضهر معنا، يجلس مع أهالي البلد، ويشاهدنا أثناء لعبنا لمباريات كرة القدم، مضيفا أنه كان يأخذهم في زيارات وقوافل للقرى المجاورة لهم بهدف نشر رؤيته وتجربته في قريته في القرى الأخرى، وبعد انتهاء دراستنا الثانوية كان يوجههم لاكتشاف ميولهم واتجاهاتهم، كان يجتمع بالأهالي بشكل دوري وأسبوعي، خصص يوم إفطار جماعي لجميع أهالي القرية يدعون فيه أصدقائهم وأحبابهم، يجتمعون ويفطرون سويا على مائدة واحدة، كل واحد منهم يحضر ما عنده وما يتوفر لديه من أطعمة، مؤكدا على أنه كان يهتم بحياة كل فرد في القرية وموجودا ومتدخلا بشكل أساسي في كل شيء في القرية.

وأوضح أن إنشاء محطة القطار في "تفهنا الأشراف" كان نتاجا لقرار إنشاء كلية الشريعة والقانون بالقرية، والتي تضم قسما للشريعة وقسما للقانون، وأربع مدرجات، ومكتبة ضخمة، ومركز للحاسب الآلي، فبعد تشييدها بدأوا يشعرون بالدور المجتمعي الهام الذي تقوم به، وبدأت تظهر عقليات وأفكار مختلفة وجديدة عليهم بدأت تغير منهم، ويحدث تقارب ثقافي بينهم وبين الطلاب الأجانب الذين حضروا للدراسة في الكلية، تغيرت رؤية الناس للحياة وبدأت تظهر أنشطة اقتصادية جديدة، فبدأ الناس تفتتح مشاريعا لها من محلات ومطاعم وغيرها، بدأ يبعض الأهالي بتخصيص غرف سكنية في منازلهم كسكن للطلبة، وبدأ يكون هناك أبحاث علمية، ويحدث تقارب واختلاط مع الطلبة الأجانب في المساجد والأسواق، تم تعيين عدد من طلاب القرية كمعيدين في الكلية، وبدأ يكون في القرية دكاترة وأساتذة جامعة، وبدأت تتغير نظرة الناس ويدركون أن التعليم مهم، مشيرا إلى أن القرية بدأت بعدها تجني ثمار الخير التي زرعها صلاح عطية برؤيته المستقبلية بعيدة المدى في بداية تطويره للقرية وما كان يطمح إلى تحقيقه في قريته والقرى الأخرى.

واستطرد أن صلاح عطية اهتم بالمجال العملي في القرية، بنشر تجارة الدواجن في المنطقة، نشأ المصانع، وغيرها من المشاريع التنموية الأخرى، مشيرا إلى أنه لم يكن متصدرا للموقف بمفرده، فكان يعطي كل من حوله المساحة للتفكير والإبداع والعمل، وكان يقول دوما "إحنا البلد  اللي من المفترض ميكونش فيها فقير، ميكونش فيها أمي، ميكونش فيها عاطل"، كما أن القرية كان يوجد بها "صلاحان" وليس صلاح واحد، وهما صلاح عطية رحمة الله عليه، وصلاح خضر أطال الله في عمره.

وأشار إلى أن صلاح عطية هو تاريخ وعلامة فارقة في المنطقة، بل في الفكر نفسه، فلم يكن مجرد شخص عادي أنفق أموالا في مشاريع فقط، بل رجل استطاع أن يغير مجتمع بأكمله من خلال شعاره الذي أطلقه عام 1984م وهو "من الحضانة إلى الجامعة"، أراد به أن يوفر في قريته تفهنا الأشراف مؤسسات علمية لجميع المراحل التعليمة، غير من فكر الشباب وطريقة تفكيرهم ورؤيتهم للحياة وشجعهم على الكفاح والعمل، صانعا من أهل "تفهنا الأشراف" أشخاصا عمليين يحبوا الكفاح والعمل والاجتهاد، ونجح في أن يكون فرق وخلايا عمل كل ما يشغل اهتمامها نهضة البلد بدون أي أغراض أخرى أو انتماءات، موضحا أن تفهنا الأشراف قبل صلاح عطية كانت بلا علم ولا مرافق ولا خدمات ولا عمل كانت حياة الناس فيها بسيطة يعيشون بلا كهرباء أو مياه أو خدمات، لم يكن هناك فكر أو توجه للتغيير والتطوير أو استعداد لبذل المجهود والتعلم، كل ما كانوا يمتلكونه مدرسة ابتدائية وحيدة ومسجد وحيد وكتاب لتعليم القرآن الكريم، وبعد صلاح عطية تم نقلهم لحياة أخرى تماما، فزودت القرية بالخدمات بكامل طاقاتها بداية من الصرف الصحي حتى الكهرباء بأعلى مستوى، خدمات بريدية، وحدات إنتاجية، تغير الفكر وبدأت الناس تفكر في طريقة رفع دخلها عن طريق الإنتاج، فكان يقول دوما للناس "علموا أولادكم الشغل، علموهم ازاي يواجهوا الحياة بالعلم والعمل والمثابرة والاجتهاد"، وكا يخبرهم بأنه تعلم الاقتصاد من والديه وأسرته في حياتهم اليومية وكيف كانوا يقومون بعد جمع المحصول باستخراج جزءا لله وعمل الخير، وجزءا يتم بيعه ليعينهم على المعيشة والحياة.

وأوضح أن صلاح عطية كان رمزا، أيقونة في العمل الخيري، ورجل اقتصاد من الدرجة الأولى، كان لديه نظريات اقتصادية فريدة، رحل تاركا لنا أعمالا وخيرا واسم وسمعة نعيش عليها لمليون سنة قادمة، الحياة كانت بالنسبة له "عمل ثم عمل ثم عمل"، مشيرا إلى أنه اهتم بتطوير البنية التحتية للمجال الزراعي من خلال توفيره للتقاوي والمعدات واعتماده على أساليب زراعة حديثة، وقام بتزويد الرقعة الزراعية  في القرية بشراء قطع أراضي وتوفير فرص عمل للناس والأهالي من خلال نقلهم للأراضي وحثهم على زراعتها، ومن بعدها بدأت القرية تصدر منتجاتها، وفي المجال الصناعي قام بنشر ثقافة تربية الدواجن وتربية الكتاكيت والأعلاف والأدوية البيطرية، وبعدما كانوا معتمدين على مصانع خارجية في الحصول على احتياجاتهم في مجال صناعة الدواجن، قام يتطوير البنية التحتية في القرية وأنشأ مصنعا مزود بأحدث المعدات وأفضل الخامات والتركيبات الحديثة، وعدد من الخبراء الأجانب، فضلا عما أوجده من معامل تختص بتحليل الأعلاف وتطورها، وغيرها.

وأشار إلى أنه قام بتوفير وحدة إنتاجية لكل سيدة وكل أسرة في القرية تساعدهم على العمل وتوفير حياة كريمة لهم وتوفر لهم كل ما يحتاجونه دون الحاجة للخروج خارج القرية، كما اهتم بتعليم سيدات القرية التطريز والخياطة وتربية الدواجن والمواشي لينطلقوا بعلمهم وخبرتهم نحو العمل، أول من أوجد في عام 1980م "الصدقة المنتجة"، وهي آلية أوجدها لتقديم المساعدات للناس عن طريق إكسابهم مهارات تساعدهم على العمل وليس عن طريق تقديم التبرعات المالية، ليتمكنوا من مواصلة المسيرة والحياة وتعلم غيرها نفس الأفكار والمبادئ الحياتية التي غرسها في نفوس الأهالي وأنشأهم عليها.

وقال إن صلاح عطية كان يضع تاريخ انتهاء وتسليم أي مشروع تنموي قبل أن يحدد تاريخ وضع حجر الأساس، مشيرا إلى أنه أنشأ كلية الشريعة والقانون قبل أن تحول لكلية التجارة في تسعة أشهر، أنشأ المحطة في خمسة أشهر، وبالرغم من رحيله إلا أن خيره مازال ممتد وقائم، فهو أول من أسس لجنة لفض المنازعات في القرى، وأول من أسس كفالات اليتيم بدون مسميات أو توجهات، كان يجبر بالخواطر يشارك الجميهع أحزانهم وأفراحهم، ويشجع من حوله من الناس على جبر الخواطر ومشاركة غيرهم في مناسباتهم المختلفة، ظل طوال مسيرة حياته يفكر في الناس وللناس، كان صاحب رؤية مستقبلية يفكر في مستقبل الأجيال القادمة وما ينقص القرية من وظائف وأعمال، كان متبنى رعاية طلاب العلم ويقدم لهم دعم شهري، قائلا لأهالي القرية "بلدكم ربنا اصطفاها للعلم.. والعمل"، مشيرا إلى أن القرية تعد منارة للعلم تستقطب الطلاب من كافة محافظات مصر والدول الأخرى، كما أن القرية كانت تنظم أكبر المسابقات على مستوى الأبحاث الدينية وعلوم الفيزياء والكيمياء، وإلى جانب كلية الشريعة والقانون، أنشأ كليات أخرى بقريته، ككلية التجارة للبنات، وكلية الدراسات الإنسانية للبنات، وكلية للتربية تضم أكثر من 20 قسم، مشيرا إلى أن من هنا كانت أسطورة رجل الأعمال الراحل صلاح عطية.

جنازة مهيبة في وداع مؤسس جامعة الأزهر في محافظة الدقهلية 

توفي صلاح عطية في 11 يناير 2016م بعد صراع مع مرض الكبد عن عمر يناهز 70 عاما وشيعت جنازته من المركز الإسلامي بقريته وشهد جنازته مئات الآلاف من المشيّعين مما جعلها من أكبر الجنائز في مصر، عاش حياته يعمل في صمت ورحل عن الحياة في صمت، موصيا أهله بألا يقام له عزاءا، وألا يحمل أحد نعشه، بل أراد أن تحمله سيارة الإسعاف حتى مثواه الأخير، فقال تامر عبد العظيم عطية ابن عم رجل الأعمال الراحل صلاح عطية وأحد أبناء شركائه الثمانية، إن صلاح عطية استمر في عمله وكفاحه للناس وللوطن دون أن يظهر عليه مظاهر التعب أو المرض، كان يحظى بقبول شديد، كلامه كان ملخص للحياة التي فهمها جيدا وفهم الغاية منها، مشيرا إلى أنه أوصاهم قبل وفاته أن يدفن بشكل طبيعي كأي شخص، وتقوم سيارة الإسعاف بنقل جثمانه من مكان وفاته أيا كان إلى المركز الإسلامي في قريته ومن هناك تشيع جنازته إلى المقابر، خوفا من أن يكون هناك شبهة رياء أو أن تدار الشائعات والخرافات حول جنازته، قائلا: " صلاح عطية فهم الدنيا صح، وكافح وعمل في صمت بإخلاص ونية صادقة، وكان ذلك سر نجاحه".

رجل الأعمال صلاح عطية حي لم يمت، وإن مات فالروح باقية في قريته "تفهنا الأشراف" وتحوم حول أهله وناسه وتغمرهم بالحب والخير، مشاريعه وأعماله خالدة لتكون مشاعل نور في طريق الأجيال القادمة، فقال محمود جودة ابن شقيقه: "صلاح عطية رجل راعى ضميره، وتاجر مع الله، وكان عطاؤه كله للناس، لو عندنا أربعة زي صلاح عطية بلدنا هتكون أحسن مما يكون، فلو كل واحد ربنا مديله من المال خاف على بلده وأهله وعطى لله وتاجر مع ربنا، البلد هتكون كويسة جدا".

الأب الروحي لقرية تفهنا الأشراف.. الأهالي يروون مواقفهم الإنسانية مع صلاح عطية 

بمجرد أن تطأ قدماك قرية "تفهنا الأشراف" التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وتبطئ في سيرك تجد الماضي حاضر بعبقه يحكي لك عن قصة القرية الباسلة التي دخلت المجد والتاريخ بسواعد أبنائها الشرفاء، حكايات عن النضال الشعبي تحمل أجمل معاني الفداء الوطني، كفاح وعزيمة يفوحان من كل مكان، وجوه مصرية أصيلة تبني بيديها وتملأ الأرض بالخير والبركة والعطاء، ابتسامة رضا ترتسم الوجوه وتغمر القلوب، وسواعد فتية تبني وتعمر ولا تبالي، تخرج باحثة عن رزقها بكل تفان وإخلاص بملامح النضال اليومي من أجل لقمة العيش، ترعى مصالحها ومصالح وطنها بحب وشغف، رافعين شعار "على العهد بالعلم والعمل مكملين".

حضانة روضة الأطفال.. المعهد الابتدائي بنين وبنات.. معهد الإعدادي ثانوي.. معهد القراءات بنين وبنات.. كلية الشريعة والقانون.. كلية التربية بنين.. كلية التجارة بنات.. كلية الدراسات الإنسانية بنات.. المدينة الجامعية بنين وبنات.. "من الحضانة إلى الجامعة".. لم تكن مجرد كلمات ترحيبية علقت في مدخل قرية "الشرفاء"، بل كانت تاريخ ومجد شعب عظيم جسد الوطنية في أسمى معانيها معلنا بالكفاح والتضحية، هنا عائلة الأشراف بلد الجهود والعطاء.. عائلة واحدة.

كل معاني البطولة والصمود تجسدت في هذا "الصلاح"، فقد كان إنسانا وفيا ومخلصا، رجلا وطنيا، سفيرا للخير والعطاء والفداء، عطوفا على البسطاء والفقراء، عاش حياته للناس يقدم المساعدات للمحتاجين في الخفاء، ولذلك سكن قلوب والوجدان وحزن الجميع على رحيله، وأصبحت سيرته العطرة وأعماله الخالدة أكثر شيء ملهم يحكي عنه الناس، فيقول عنه أحمد أبو الدهب محاسب من قرية ميت أبو خالد لـ"اليوم السابع"، إنه كان محبا للخير، سخر حياته لخدمة أهله وقريته، ووصل أثره وخيره للقرى والمدن الأخرى، كرس كامل ثروته لخدمة الناس وتنمية بلده، أول ما بدأ في رحلة التطوير والتنمية قام بإنشاء العديد من المعاهد الأزهرية في مختلف المحافظات، و4 كليات مختلفة في قريته في عهد شيخ الأزهر السابق جاد الحق علي جاد الحق، وبالتالي أصبحت "تفهنا الأشراق" بفضل مؤسساته التعليمية تضم منظومة الأزهر كاملة من الحضانة للجامعة، كما أنه نجح في نقل تجربته في قريته تفهنا الأشراف إلى القرى والمدن الأخرى، ووصل أثر خيره لمختلف القرى والمحافظات، فالمستشفى التي بناها في قرته مزودة بكافة الخدمات الصحية وتخدم جميع أهالي القرى المحيطة على مدار 24 ساعة، كما أنه كان يساعد الفقراء والبسطاء والأرامل ويكفل الأيتام، مشيرا إلى أنه نهض ببلده وأهله واستطاع أن يوجد بها مشاريع تنموية ضخمة لا توجد في المراكز والمدن، "لما بنمشي في تفهنا بنحس إننا ماشيين في مدينة مش قرية".

وقال المهندس الزراعي أحمد عبد الحميد أحد أبناء قرية تفهنا الأشراق، إن صلاح عطية كان جارهم في البيت والغيط، بدأ حياته من تحت الصفر، وكل ما قدمه في حياته كان خيرا لجميع الناس والقرى، عمل في بداية حياته في المقاومة وما كان يحصل عليه من نقود كان يساعد بيه بعض الأشخاص ليشجعهم على الصلاة والعمل، مشيرا إلى أنه قدم كل شيء لبلده، فقام بإنشاء ورش للنجارة لتوفير فرص عمل للأهالي وتصنيع ما تحتاجه المعاهد الأزهرية من كراس وطاولات، قام بإنشاء العديد من المساجد والمعاهد في مختلف محافظات الجمهورية، أنشأ ورش لتصنيع الأثاث لمساعدة المقبلين على الزواج، "كان في حاله لأبعد حد، لم يعرف إعلام أو سياسة أو شهرة، وفي حياته مكنش فيه في بلدنا عاطل واحد، واختفت في حياته الخلافات والخصومات والأزمات"، متابعا أنه عمل طيلة حياته على إسعاد جميع الناس في مختلف المدن والمحافظات، فكان ينظم أمسيات أسبوعية في مختلف القرى يجتمع بأهلها ويحفزهم ويشجعهم للمساهمة في إنشاء مشاريع تنموية في بلدهم، "كان قبل ما يمشي من الأمسية كان بيبقى باني الجامع، كان بيقول للناس في القرى اللي كان بيزورها اللي هتدفعوه أنا هدفع اده".

أما الحاج أحمد أمين أحد الفلاحين بالقرية، فقال إن أولى أعمال صلاح عطية في القرية، كانت إنشائه للمعهد الديني، فقام بشراء قطعة الأرض وطلب منهم أن يقفوا إلى جانبه، "وقفنا معاه، اللي عنده جدي ساهم بيه، واللي عنده عجل ساهم بيه"، مضيفا أنه أخبرهم بعدها عن رغبته في أن يوفر المراحل التعليمية كاملة في القرية حتى تخرج القرية طلابها بداية من الحضانة وحتى الجامعة، واستطاع بعدها أن يحقق هدفه فأنشأ المعهد الابتدائي 1984م ومن بعدها المعهد الإعدادي سنة 1986م، والمعهد الثانوي، فضلا عن الكلية في عام 1990م، مشيرا إلى أن أهل البلد تكاتفوا وكانوا على قلب رجل واحد، كل واحد منهم ساهم بما في استطاعته لينهض بقريته ووطنه، مضيفا أن رجل الأعمال صلاح عطية قدم الكثير لبلده فقد وصلت مشاريعه لمختلف القرى في مصر، فعند تسليمه لكليات تفهنا الأشراف، قال له أحمد عمر هاشم "عايزني استلم من الكليات؟، تشطبلي كلية الزقازيق"، مشيرا إلى أن كلية الزقازيق ظلت لما يقرب من عشر سنوات تحت الإنشاء واستطاع صلاح عطية أن ينهي تشطيبها ويؤسسها ويسلمها ومن بعدها سلم كليات تفهنا الأشراف، وغيرها من المشاريع الأخرى من مساجد ومستشفيات ومصانع، "عمر ما هييجي حد زيه".

"رجل ولا كل الرجال".. بهذه الكلمات وصفت نجلاء محمد محمد عمر إحدى مواطنات قرية تفهنا الأشراف الراحل صلاح عطية، فقالت إنه قدم الكثير لأهله وبلده، فقام بإنشاء المعاهد والكليات والمستشفيات، وتكفل بالأرامل والأيتام، وخصص مبالغ مالية تدفع شهريا للبسطاء، "عمل كل حاجة حلوة في البلد، وعامل شهريات للبسطاء، ولو بنجوز عيل بيساعدونا"، مضيفة أنه أتاح بمشاريعه فرص عمل لجميع أبناء القرية، فسيدات القرية يعملن في المستشفى التي أسسها لخدمة تفهنا الأشراف وجميع القرى المحيطة، مشيرة إلى أن القرية قبل صلاح عطية كانت عبارة عن عشش، ومن بعد مشاريعه تغيرت حياة الناس في القرية بما أتاحه من فرص عمل لجميع أبنائها وأهلها.

أما رضا فؤاد محمد أحد أبناء قرية تفهنا الأشراف، فقال إن صلاح عطية عندما قرر أن يطور من قريته ويحسن من حياة أهلها اهتم بالتعليم والصحة، وسلط تركيزه على أطفال وشباب القرية في البناء والتنمية والتعمير كونهم من سيواصلون المسيرة من بعده ويحافظون على ما قدمه من مشاريع تنموية في كافة مناحي الحياة، "الطلبة موجودين، والمحلات مفتوحة، والمصانع مفتوحة ومشغلة ناس من كل المحافظات، صلاح عطية راجل فاتح بيوت ناس كتير، الوحيد اللي عمره مرفض طلب لحد أو خذل حد، عمل كل حاجة في حياته لوجه الله وقدم الخير للناس كلها".

وتابع أن صلاح عطية، كان يخصص يوم الثلاثاء من كل أسبوع للأطفال، فكان يأتي للحضانة ويجلس مع الأطفال، يقرأ معهم القرآن الكريم ويشجعهم ويحفزهم للحفظ والتسميع، قدم الكثير لبلده فأنشأ المعاهد والكليات والمصانع والمساجد والمستشفيات، كما أنه أسس معهد المتفوقين والذي يستقبل الأوائل على مستوى الجمهورية ويقدم لهم كل ما يحتاجونه من احتياجات وإقامة شاملة حتى انتهاء فترة الدراسة، مشيرا إلى أن بالرغم من رحيله إلا أن خيره مازال مستمر ويخدم العديد من الأسر في مختلف المحافظات، فما غرسه في القرية من مبادئ يعد القوة الأساسية للقرية، مؤكدا على أنهم لايزالون يحافظون على نهجه، "كان الله يرحمه فلتة من فلتات الزمن". 

وقال ماهر العشري أحد خريجي كلية التربية بقرية تفهنا الأشراف، إن صلاح عطية حكاية كبيرة وأسطورة، رحل عن الحياة تاركا بصمة كبيرة في كل قرية ومدينة، مشيرا أن على مستوى الجانب العلمي، أوجد صلاح عطية منظومة التعليم الأزهري كاملة في القرية من الحضانة إلى الكلية، فتضم "تفهنا الأشراف" اليوم أكثر من 30 ألف طالب وطالبة يدرسون ويتعلمون في المعاهد والكليات التي شيدها رجل الخير صلاح عطية، وعلى الجانب المادي فالقرية اليوم تضم العديد من المشاريع والمحال التجارية ومختلف وسائل المواصلات التي جعلت من القرية مركزا يستقبل الجميع من مختلف الدول والمدن والمحافظات، مشيرا إلى أن سيارات الأجرة عندما تصل إلى تفهنا وينزل من فيها من طلبة علم وزائرين، منهم من يدخل إلى القرية ليشتري من محالها التجارية، ومنهم من يدرس في معاهدها وكلياتها، ومنهم من يعمل في المستشفى والمصانع والورش وغيرها، حيث ساهم ذلك في تنشيط الحركة التجارية في القرية وجذب المستثمرين لها وبالتالي التأثير بالإيجاب على حياة كل فرد في القرية من الأطفال والرجال والسيدات والعمال والفلاحين الذين استطاعوا أن يروجوا لمنتجاتهم ويحسنوا من حياتهم.

وأشار إلى أن صلاح عطية، استطاع أن يؤثر في الجانب المادي والاقتصادي للقرية وأهلها باهتمامه بالجانب التعليمي والصحي، مشيرا إلى أن إنشاء المعاهد والكليات لحقه إنشاء المحال التجارية والمطاعم والمصانع والمشاريع التجارية المختلفة وغيرها، وخلق جيلا مثقفا ومتعلما قادرا على التنمية والتطوير، "صلاح عطية ممتش لإنه سايب بصمة كبيرة بنلمسها في كل مكان بنروحه".

وتابع أن صلاح عطية نجح فيما اتخذه من شعار إصلاحي في بداية حياته ألا وهو "من الحضانة إلى الجامعة"، مشيرا إلى أن ذلك الشعار ينطبق عليه، فقد التحق بالحضانة التي أسسها صلاح عطية حتى حفظ القرآن الكريم، ومن بعدها واصل مسيرته التعليمية بالتحاقه بالمعهد الإبتدائي ومن ثم الإعدادي ومن بعده الثانوي حتى التحاقه بكلية تربية تفهنا الأشراف وتخرجه منها بتفوق، مشيرا إلى أنه حصل على تعليمه كاملا في قرية تفهنا الأشراف.

وأوضح أن صلاح عطية اهتم بالناس، وكان شديد التقرب منهم ومن حياتهم ومشاكلهم، فكان يجتمع بشكل دوري بأبناء القرية، يستمع إلى مشاكلهم، ويوجههم ويرشدهم للعمل، ويساعد غير القادرين على إيجاد فرصة عمل، "كان دايما يقول لازم أبناء تفهنا الأشراف هما اللي يشتغلوا ويقفوا على مشاريعهم ويشيدوها لحد ما يتم افتتاحها على إيديهم".

وأشار إلى أن صلاح عطية، كان يجتمع بالناس ويشجعهم ويحفزهم على المشاركة الاجتماعية والمساهمة في إنشاء المشاريع التنموية من معاهد ومساجد والحفاظ على ما قدمه من خدمات ومشاريع مختلفة، بكلماته معهم، "كان يجتمع بالناس في أمسيات دورية، وفي أمسية من الأمسيات التي نظمها لإنشاء معهد في إحدى القرى، قال للناس "مين هيكرم أهل القرآن؟!، مين اللي هيقعد حفظة العلم واللي هيعلم ولادنا القرآن؟!، ويظل يشجع الجميع بكلماته التحفيزية حتى يتم تجميع كل ما يحتاجه المعهد من إمكانات مادية لتشييده"، مضيفا، "كان فيه ميزة، كان دايما يقول للناس حط إيدك وأنا هحط معاك، أنا هجيب أسمنت وحديد وأساسات المشروع وانت عليك تصرف على المشروع عشان تقدر تحافظ عليه".  

وأكد على أنه كان إنسانا متواضعا وبسيطا في حياته ومماته، ظل بعيدا عن المظاهر والوجاهة الاجتماعية، رافضا المناصب السياسية، "كان منصبه إنه يخدم الناس لوجه الله. وكان دايما يقول أنا عايز أكون قاعد في القبر وتجيلي الملائكة بطبق هدية ويقولولي إن هذه هديتك لأنك ساهمت في زواج فلان، وعلمت فلان، وساهمت في إنشاء المسجد للناس للصلاة فيه"، مضيفا، "صلاح عطية أسطورة ياريت تتكرر تاني".

"صلاح عطية مؤسسة محترمة، لو عدى مليون سنة الناس لا يمكن تنساه".. بهذه الكلمات تحدث رضا عبد الله مالك أحد محال البقالة في قرية تفهنا الأشراف، عن رجل الأعمال الراحل صلاح عطية، فقال عنه "يكفي أنه جعل من "تفهنا الأشراف" قرية نموذجية متكاملة الخدمات ومنارة للعلم والعلماء تستقبل يوميا ما يقرب من 25 ألف طالب، مما أثر على اقتصاد البلد، ورفع من المستوى المعيشي للناس من الناحية المادية والاجتماعية، فيزور القرية اليوم أشخاص من مختلف الدول والقرى والمدن والمحافظات الأخرى، أصبح هناك تقارب في الثقافات"، مشيرا إلى أن البنية التحتية في قرية تفهنا الأشراف على أعلى مستوى وأفضل من المدينة، فيوجد بها مستشفى خيري تقدم الرعاية الصحية في مختلف التخصصات بأجر رمزي ويأتيها أشخاص من مختلف القرى المجاورة، كما استطاع بما أنشأه من معاهد وكليات ومصانع ومزارع في مختلف القرى والمدن أن يوجد فرص عمل لأهالي القرية وأبناء القرى الأخرى، واًصبحت القرية بفضل مشاريعه خالية من البطالة.

"أنا وأساتذة كلية التربية الأستاذ الدكتور سعيد جمال، والأستاذ الدكتور أحمد أبو هشيمة، كنا راييحن عزاء الحاج صلاح عطية، وصادف جلوسنا أمام صلاح خضر، شريك رجل الأعمال الراحل صلاح عطية، وجدناه يبكي عليه بشدة ويقول: "كل اما اجي أقوله كفاية كدة يا حاج مشاريع، يرد عليه صلاح عطية ويقوله"يمكن دي اللي تكون سبب في دخولنا الجنة"... صلاح محمد متولي أحد أبناء قرية تفهنا الأشراف.

قد مات قوم وما ماتت فضائلهم وعاش قوم  وهم في الناس أموات".. تمر الأيام والسنين ويظل رجل الخير صلاح عطية هو حكاية العصر والزمان، رحل بجسده وظلت روحه المعطاءة في مكانها بين أهلها وناسها، ترسم الابتسامات، وتزرع بذور الخير بالبذل والعطاء، تستمع لهموم الناس وتقترب لمشاكلهم وتراعي أحوالهم، فهو رجل وطن كرس حياته لخدمة قضايا قريته وأمته فأصبح أسطورة وطنية رائدة في بناء الأوطان وحكاية مجد تروى للأجيال، عاش حياته رجلا صلبا وقائدا فريدا برؤية ورسالة إصلاحية واضحة سعى لأجلها وكرس وقته لأجلها، فأحب وطنه وشعبه وبادلهم الحب والوفاء والعطاء حتى سكن الوجدان والخواطر بسجل حافل بالعطاء والخير للوطن دون مقابل، وبنى مجدا شامخا، فكان نموذجا في البساطة والتواضع والوفاء والتضحية في عصر ندر أمثاله، وعنوانا للعزة والكرامة والإنسانية، وبالرغم من رحيله إلا أن روحه تحوم حول أهله وناسه وتغمرهم بالحب والعطاء والخير، ومشاريعه وأعماله خالدة وكأنها مشاعل نور في طريق الأجيال القادمة.

 

 

 


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع