نهاية داعش" الحلقة الثانية".. التائهون فى الأرض بحثا عن "وهم الخلافة" ..ما بعد الدواعش أخطر وأكثر رعبا..داعش نقلت أسلوبها فى التجنيد إلى الإنترنت وخلقت ذعرا كبيرا فى أوروبا


كتب - محمد سالمان - محمود حسن

فى الجزء السابق من هذه الحلقات التى حملت عنوان «التائهون فى الأرض»، تناولنا كيف بدأ هؤلاء الـ«تائهون» البحث عن وهم الخلافة، وكيف بدأ حسن البنا نشاطه بالطواف على المقاهى، ولم يلق استجابة سوى من غير المتعلمين، وتكونت جماعته فى البداية من عجلاتى، وحلاق، وجناينى، ومكوجى، وميكانيكى، ثم تحولت هذه الجماعة إلى واحدة من أكثر الأخطار وأخطر الجماعات التى مرت بمصر، عندما شكلت تنظيمها المسلح.

 

 وعرضنا بداية انطلاق منهج تكفير المجتمع الذى تتبعه معظم الجماعات الإرهابية وكيف نبت من فكر «سيد قطب»، الذى تساءل فى عهد عبد الناصر عن سبب انتكاسة جماعة الإخوان، فخرج بفكرة أن «المجتمع جاهلى» وغير جاهز للتغيير، وأنه لا بد من نشر الدعوة من جديد باستخدام قوة مسلحة تحمى هذا التنظيم.

 

ورغم أن سيد قطب انتهت حياته معلقا على حبل المشنقة، فإن أفكاره لم تمت وتلقفها آخرون شكلوا العديد من الجماعات المسلحة فى مصر، ثم انتقل هذا الفكر مع الحرب الأفغانية السوفيتية، ليصبح فكرا دوليا عبر تنظيم القاعدة.

 

وما لبث أن انهار تنظيم القاعدة ليرثه تنظيم إرهابى دموى جديد وهو تنظيم «داعش»، الذى تمكن لأول مرة من وضع يده على «قطعة أرض» زعم أنه سينطلق منها لإقامة خلافته المزعومة، وأصبح هذا التنظيم واحدا من أغنى وأقوى التنظيمات الإرهابية، قبل أن ينهار ويخسر 80% من قوته مؤخرا.

 

 

لكن السؤال الذى يطرح نفسه اليوم: إلى أين سيذهب بقايا هذا التنظيم، وأين سينتشر الفارون من أعضائه، وكيف سيكون تأثيرهم فى المجتمعات التى يذهبون إليها.

 

كما نتناول فى هذا الجزء الخطر الجديد القادم من أفريقيا، وهو تنظيم بوكو حرام الذى يقوم مقاتلوه بارتكاب أفعال إجرامية لا تقل عن جرائم داعش، بل تتفوق عليهم وتهدد العالم.

 

 -أطفالهم أبرياء أم قنابل موقوتة على وشك الانفجار

-القوات العراقية ألقت القبض على مسؤول داعش للخلايا النائمة واكتشفت اتصالات واسعة بعناصر التنظيم فى الخارج

ضربات قوية تلقاها تنظيم داعش، مؤخرا، وخسر فيها مساحات كبيرة من الأراضى التى استولى عليها، وآخرها الرقة ودير الزور بسوريا، ولكن حتى مع تحرير الأرض من قبضة هذا التنظيم الإرهابى ستظل آثاره وأفكاره المتشددة قائمة لفترة طويلة، سواء فى عقول مقاتيله الفارين، أو الموجودين فى السجون بسوريا والعراق أو خارجها، والذين ربما يشكلون خلايا نائمة تعمل على ترويج هذه الأفكار، على أمل إعادة إحياء التنظيم البائد، أو من خلال أطفالهم الذين ولدوا وسط هذه الأجواء المتطرفة، ومن هنا يمكن القول بأن خطر هؤلاء لا يزال قائما.


الدواعش عائدون!

 

وشهدت الفترة الماضية الإعلان عن عودة مقاتلين أجانب فى صفوف داعش إلى موطنهم الأصلى، وهو ما حذرت منه أجهزة أمنية، منها ما أوردته «شبكة سكاى نيوز» فى 4 إبريل 2017 فى تقرير لها تحت عنوان «جنوب الفلبين.. وجهة مفضلة لمسلحى داعش».

 

وتناول التقرير تحذير خبراء خلال مؤتمر أمنى فى سنغافورة من أن مقاتلى تنظيم داعش المنحدرين من دول جنوب شرق آسيا والعائدين من الشرق الأوسط بعد النكسات التى أصابت التنظيم، قد يتخذون من جنوب الفلبين قاعدة لهم.

 

هذا بالنسبة لقارة آسيا أمّا على الصعيد الأوروبى، فكشفت مصادر أمنية بريطانية لـ«سكاى نيوز» فى 27 مارس الماضى عن عودة 400 متطرف من مناطق القتال فى سوريا والعراق، معتبرة أن هؤلاء يشكلون خطرا محدقا على أمن البلاد، إذ قد يشنون هجمات كبيرة مثل تلك التى وقعت فى فرنسا وبلجيكا.

 

كما حذرت منظمات دولية ومنها الأمم المتحدة بشكل صريح فى 20 مايو الماضى من عودة الدواعش، وذلك على لسان جان بول لابورد، رئيس لجنة مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، الذى قال، إن أوروبا ستواجه هذا العام تدفقا لمقاتلى داعش الذين انهزموا فى سوريا والعراق، مؤكدا أنهم أكثر خطورة من العائدين السابقين وأكثر خبرة بالحروب والمعارك.

 

وقال رئيس لجنة مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، خلال حديثه إلى الصحفيين عقب اجتماع مع مسؤولين بالاتحاد الأوروبى، إن معدلات تدفق المقاتلين العائدين من مناطق النزاعات إلى الدول الأوربية ازدادت بنسبة الثلث خلال العام الأخير.

 

وأضاف، خلال التصريحات التى نقلتها جريدة الشرق الأوسط، أنه رغم قيود السفر سيبقى لدى أوروبا عدد من الإرهابيين الذين سيتسللون عبر الحدود فى ظل تعاون شبكات التهريب، مشيرًا إلى أن الأمم المتحدة تقول طبقا لتقديرات حكومية، إن ما بين 40 و50% من أصل 30 ألف مقاتل أجنبى، ليس جميعهم من أوروبا، غادروا بالفعل أراضى خاضعة لسيطرة «داعش».

 

ولا تقتصر المخاوف من عودة الدواعش على أوروبا وآسيا وأمريكا فقط، ولكنها تمتد إلى دول الشرق الأوسط على رأسها مصر وتونس والجزائر، فى ظل لجوء الدواعش الفارين إلى ليبيا، وهذا ما حذر منه مسؤولون أمريكيون، وفقا لما أوردته وكالة رويترز بأن الدواعش يستغلون الصراع المسلح فى ليبيا، من أجل الاستقرار بها بعد الضربات التى تلقاها التنظيم.


الخلايا النائمة

 

جزئية أخرى يجب أخذها فى الاعتبار داخل الأراضى المحررة من قبضة تنظيم داعش، وهى وجود عناصر داعشية غير معروفة أو كما يقال «خلايا داعش النائمة».

 

ففى 24 أكتوبر الجارى ذكرت وكالة أنباء الإعلام العراقى «واع»، أن قوة من جهاز مكافحة الإرهاب تمكنت بناء على معلومات استخبارية، من القبض على قيادى بارز فى داعش يدعى أبو لقمان العراقى، وهو مسؤول عن الاتصالات والتنسيق بين الخلايا النائمة، وأوضحت الوكالة أن أبو لقمان العراقى اعترف بارتباطه بعدد من خلايا داعش فى عدة مدن، وضبطت فى حوزته أجهزة اتصالات حديثة وهواتف نقالة.

 

وقياساً على نموذج منسق خلايا داعش النائمة، الذى بات فى قبضة الأمن العراقى، يمكن تخيل عدد الخلايا النائمة لهذا التنظيم الذى تمكن من السيطرة الكاملة على مدن بحجم الموصل فى العراق والرقة بسوريا لفترة زمنية ليست بالقليلة، مما يعنى أن خلايا داعش هى خطر كبير قادم داخل الأراضى المحررة.


كيف نتعامل مع نسل داعش؟

أمر آخر غاية فى الخطورة بعد هزيمة داعش، وهو أبناء وأطفال أعضاء هذا التنظيم الإرهابى الذين لم يرتكبوا أى ذنب لكنهم ولدوا ليجدوا أنفسهم وسط هذا العالم المتطرف، وفى السنوات الماضية تناقلت وسائل الإعلام الكثير من الفظائع التى ارتكبها هؤلاء المتشددون فى حق الطفولة، ومنها الفيديو الذى نشره داعشى فى 21 ديسمبر 2016، لطفلتيه قبل إرسالهما لتنفيذ عملية انتحارية فى قسم شرطة الميدان بالعاصمة السورية دمشق، لتقوم واحدة منهما بتفجير نفسها، بينما عادت شقيقتها لأن الشرطة لم تسمح لها بدخول المركز.

 

الصادم فى هذه الواقعة أن الأم تفاخرت بتصرف الابنة، ووصفت ما حدث بـ«غزوة دمشق»!

 

وفى يوم 22 ديسمبر 2016 أى بعد يوم من واحد من تفجير دمشق، قامت طفلة «6 سنوات» بتفجير نفسها وسط نازحين فى الساحل الأيسر لمحافظة نينوى، وهذا ما علقت عليه وكالة الأنباء العراقية قائلة: «داعش دفع بأصغر طفلة من كتيبة الخنساء النسائية»، هذا بخلاف ما كان ينشر من وقت لآخر حول تدريب الأطفال على حمل السلاح وقيام بعضهم بتنفيذ عمليات إعدام فى حق سجناء لدى التنظيم.

 

الخلاصة من الوقائع السابقة أن عالم داعش اغتال براءة الطفولة، لكن بعد تحرير عدة مدن من سيطرة هذا التنظيم الدموى كيف يمكن التعامل مع أطفال أعضائه؟

 

 هذا السؤال الذى لا يقل خطورة عن الألغام والسيارات المفخخة التى تركها التنظيم خلفه!، خاصة أن أغلب هؤلاء الأطفال يتامى تم قتل آبائهم فى الحرب على الإرهاب، كما لا يوجد أى حصر بأعدادهم.

 

لاجئين
 

 

وتسيطر حالة من الحيرة على المجتمع العراقى، وفقا لما أكده باحثون عراقيون فى مسألة التعامل مع أطفال الدواعش، وكيفية التصرف معهم، فهم أطفال لهم حقوق ولا يمكن محاسبتهم على أى شىء فعلوه رغمًا عنهم أو بغير علم، بالإضافة إلى اعتبارهم قنابل موقوتة ومتفرقة تهدد الأمن القومى طبقا لرأى بعض الخبراء الأمنيين. ومن هنا طالب البعض بإيداعهم مصحات لإعادة تأهيلهم نفسيًا وتخليصهم من الأفكار الظلامية التى تربوا عليها.

 

اطفال-داعش
 

هل يصبح اللاجئون فرائس سهلة للأفكار المتطرفة؟

تركيا تعيد آلاف اللاجئين بصورة غير قانونية إلى سوريا.. ومسؤولون بالأمم المتحدة يحذرون الدول الأوروبية من تدفق دواعش بين النازحين

منذ بداية ثورات الربيع العربى فى 2011، تزايدت أعداد اللاجئين والنازحين قسراً بشكل كبير، خاصة المتدفقين من العراق وسوريا اللتين سيطر تنظيم داعش الإرهابى على أجزاء كبير منهما فى فترة زمنية سابقة.

 

 وبعد رحلات الأهوال التى خاضها هؤلاء اللاجئون عبر البحر المتوسط إذا كان المقصد أوروبا، أو من خلال الحدود إذا كان المقصد إحدى دول الجوار، وصل بعضهم إلى مناطق تحميهم من الحرب والدمار، لكن الهدوء النسبى سرعان ما تحول إلى قلق عارم بشأن مستقبل غامض ما بين إقامة مهددة وعودة قسرية، وما سيتبعه من عواقب غير محسوبة المخاطر لهؤلاء.

 

وذكر تقرير مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة المنشور عبر موقع الأمم المتحدة، النسخة العربية فى 19 يونيو الماضى، أن عدد اللاجئين والنازحين قسرًا فى العالم حتى أواخر عام 2016 بلغ 65.6 مليون شخص، أى بزيادة تبلغ 300 ألف شخص مقارنة بالعام السابق.

وأوضح التقرير أن هذ الرقم يشمل عدة عناصر مهمة، أبرزها عدد اللاجئين البالغ 22.5 مليون شخص، وهو الأعلى الذى يُسجل على الإطلاق، ومن بين هؤلاء، يوجد 17.2 مليون شخص يقعون تحت ولاية المفوضية، أما الباقون فهم لاجئون فلسطينيون مسجلون لدى منظمة الأونروا، ويُشير التقرير إلى أن النزاع السورى ما زال أكبر منتج للاجئين فى العالم بعدد 5.5 مليون شخص، إلا أن جنوب السودان شكلت العامل الأكبر الجديد فى عام 2016.


مأساة وتعاطف يختفى

الأرقام السابقة تكشف حجم مأساة اللاجئين فى العالم، خاصة القادمين من سوريا والعراق، والشىء المؤسف أن كثيرا من الدول التى تستضيفهم باتت تضيق ذرعًا بوجودهم على أرضها، وعلى رأسها لبنان وتركيا وذلك لأسباب اقتصادية، وفقًا لما أعلن عنه مسؤولون حكوميون، إضافة إلى عدد كبير من دول أوروبا والولايات المتحدة التى ترى أن اللاجئين خطر على الاقتصاد وعلى الأمن القومى.

 

وجاءت حالة التعاطف الدولية تجاه اللاجئين بسبب أهوال رحلات الهجرة، التى أودت بحياة المئات منهم فى عرض البحر، فمن ينسى صورة الطفل إيلان ميتًا على سواحل تركيا؟ ومن يتجاهل أنباء بيع النساء والأطفال لأجسادهم مقابل حفنة قليلة من الأموال لتدبير قوت يومهم فى معسكرات اللاجئين بتركيا واليونان ودول أوروبية؟ كل هذا وأكثر أوجد أعدادا من المرحبين بفتح أبوابهم فى العالم لاستقبال الفارين من هذا الجحيم لكن الحال بدأ يتبدل بمرور الأيام.

 

اردوغان
 

 

وبدأت حالة التعاطف الدولى تجاه اللاجئين تقل رويدًا، وحاولت كل دولة إيجاد مبرر لنفسها لاتخاذ إجراءات أكثر تشددًا تجاههم، فعلى سبيل المثال فى 3 أغسطس 2016، قال وزير العدل الإيطالى أندريا أورلاندو إن بلاده تحقق فى احتمال ضلوع تنظيم داعش الإرهابى فى تنظيم تدفق عشرات الآلاف من المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.

 

وكشفت وكالة رويترز أن تصريحات الوزير أورلاندو أمام لجنة برلمانية خصصت جلسة استماع بشأن موضوعات الهجرة واتفاق شنجن للحدود المفتوحة ونشاط منظمة الشرطة الأوروبية «يوروبول»، وأن هناك تحقيقا حول ما إذا كان لتنظيم داعش دور فى عملية تدفق المهاجرين إلى إيطاليا، مضيفا أن المخاطر التى يجب علينا مواجهتها كبيرة.

 

وعندما يتحدث مسؤول رسمى فى دولة أوروبية مثل إيطاليا عن وجود مخاوف من تورط داعش فى تدفق مهاجرين وضرورة الاستعداد للمخاطر القادمة، فهذا يعنى أن الأمور اتجهت بالفعل للأسوأ بالنسبة للاجئين فى القارة العجوز والولايات المتحدة، وأن الأصوات المعادية للمهاجرين والمسلمين بدأت تجد صدى واسعًا لها، لكن ما الأسباب؟


ندين أنفسنا بأنفسنا

الشىء الذى زاد أوضاع اللاجئين سوءًا، هو تقارير إعلامية تحدثت عن أنهم ضحايا أفعال بعضهم وذلك لأن بعضهم تورط فى تفجيرات دموية هزت أوروبا، أبرزها تفجيرات باريس فى 4 نوفمبر 2015 والتى أسفرت عن وقوع أكثر من 120 قتيلا ونحو 200 مصاب، وكذلك تفجيرات بروكسل فى 22 مارس عام 2016 التى أودت بحياة 21 شخصًا وتسببت فى إصابة العشرات، كما تعرضت ألمانيا خلال أسبوع واحد فى يوليو 2016 لأربع هجمات، لم تؤد إلى وقوع قتلى لكن جرحى فقط، إلا أن الوقائع أعادت طرح قضية اللاجئين وفقا لموقع «سكاى نيوز» بسبب اتهام لاجئين أو مواطنين ألمان من أصول مهاجرة فى ثلاث هجمات منها، رغم أنه تم توجيه الاتهام بالتورط فى الإرهاب إلى واحد منها فقط.

 

صور داعش

لا مفر من العودة

ما سبق من أمثلة تفجيرات إرهابية تم اتهام لاجئين بالتورط فى تنفيذها، إضافة إلى المحاولات الدائمة من الأحزاب المتشددة فى أوروبا وأمريكا لإبراز بعض التصرفات الفردية كالتحرش بالنساء وعمليات السرقة من قبل لاجئين، على أنها سلوك عام، كل هذا بعيدًا عن العنصر الاقتصادى البحت الذى اشتكت منه دول علنًا مثل تركيا فى ظل تجاوز أعداد اللاجئين بها 3 ملايين وفقًا لمنظمة اليونيسيف ولبنان التى تستضيف أكثر من مليون لاجئ وتعانى موازنتها من أزمة اقتصادية، دفعت بعض المسؤولين بها للمطالبة بطرد اللاجئين وإغلاق الحدود أو تدبير مليارى دولار عام 2017 لسد احتياجاتهم، وفقا لما أشارت إليه تقارير إعلامية، وهنا يبرز تساؤل: هل تعيد هذه الدول اللاجئين قسراً إلى بلادهم؟، وبالفعل أجابت تركيا عن السؤال وقامت بترحيل عدد منهم فى 1 إبريل عام 2016.

 

وطبقاً لما أوردته وكالة روسيا اليوم، أعلنت منظمة العفو الدولية أن تركيا أعادت بصورة غير قانونية فى الأشهر القليلة الماضية آلاف اللاجئين السوريين إلى بلدهم، مؤكدة أن بضعة آلاف من اللاجئين أعيدوا على الأرجح إلى سوريا أفواجا خلال الـ7-9 أسابيع الماضية فى انتهاك صريح للقوانين التركية والدولية وقوانين الاتحاد الأوروبى.

 

إعادة اللاجئين لأوطانهم قد يكون أمرًا واردًا بقوة خلال السنوات القادمة فى ظل الانتصارات المتتالية على تنظيم داعش فى سوريا والعراق، إضافة إلى تنامى أصوات اليمين المتطرفة تجاه المهاجرين فى الغرب عموماً.

 

وفى قصة عودة اللاجئين هناك عنصر لا يجب إغفاله متعلق بأنها لن تكون كلها قسرية، بل إن هناك أعدادا اختارت بالفعل العودة طوعاً لما وجدوه من ظروف معيشية صعبة فى البلاد التى نزحوا إليها، وهذا يكشف عن مدى سوء الأوضاع فيها، فما الذى يدفع فردا للعودة إلى الحرب والدمار طوعا!.

 

 وعلى سبيل المثال فى 13 أكتوبر 2015، أوردت شبكة «بى بى سى» تقريرًا يستند على معلومات مستقاة من الأمم المتحدة حول عودة 3 آلاف لاجئ سورى بالأردن إلى وطنهم فى سبتمبر 2015، وذلك رغم ظروف الحرب السورية، وأشار التقرير إلى أن أوضاعهم بالأردن كانت أسوأ بكثير من ويلات الحرب من وجهة نظرهم.


الفرائس السهلة!

وعلى نهج لاجئى الأردن سار آخرون، لاسيما بعد الانتصارات المتتالية على تنظيم داعش، لكن ماذا بعد العودة إذا كانت قسرًا أو طوعاً؟.. ما الحالة النفسية التى سيكون عليها العائدون إلى ديارهم التى تحولت إلى ركام مشوه بآثار الحرب والدمار، وكيف ستكون الحالة النفسية للشباب، الذين رأوا الظلم متجسدًا أمام أعينهم هل سيكونون فريسة سهلة لأى أفكار متطرفة للانتقام من هذا العالم المحيط الذى أجبرهم على الهجرة من ديارهم رغمًا عنهم وأعادهم إليه رغمًا عنهم سواء كان بسبب قرار سياسى أو ظروف صعبة؟!.


«بوكو حرام».. الرعب القادم من أفريقيا

 

- ظلت تعمل بشكل سلمى 7 سنوات واستطاعت تجنيد أعداد ضخمة من الفقراء والمهمشين
- خطفت 2000 سيدة وبقرت بطون الحوامل وفخخت أطفالاً رُضّعاً

 

إن كانت داعش تمثل «رعبا»، فإن «بوكو حرام» تعتبر «الأكثر رعبا»، وإذا كان السؤال عن أرض الخلافة الجديدة، فبوكو حرام فرصة خصبة لهؤلاء التائهين بعد هزيمة داعش.

 

«بوكو حرام» تعنى دماء أكثر، ووحشية أفظع، وأرض خلافة واسعة لا تمتد عبر دولتين، كما فى حالة داعش، بل إلى 6 دول كاملة، كما تحظى بحدود تجعلها تهدد بالوصول إلى العالم كله، رغم عدم الانتباه لخطورتها بالقدر الكافى.

 

وكانت بدايتها فى عام 2002، حين أسس شخص يدعى محمد يوسف تنظيما فى شمال شرق نيجيريا، وتحديدا فى ولاية بورنو أسماه بـ«قاعدة الجماعة».

 

لم يأخذ الكثيرون هذا التنظيم الجديد على محمل الخطورة والجدية، حيث كان الرجل يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وتغيير نظام التعليم، وأسس مجمعا دينيا ومدرسة إسلامية، واجتذب خطابه الثورى الشباب والفقراء، وظلت الجماعة فى مكانها تمارس نشر فكرها بشكل عادى وسلمى فى منطقة نائية ومهجورة من الحكومة.

 

كانت أفكار الجماعة متطرفة وحملت بشكل واضح اسم «بوكو حرام» أى التعليم الغربى حرام، الغريب أن أحدا لم يلتفت إلى هذا الخطر المتصاعد بل إن الكثيرين من السياسيين كانوا يدعمون بوكو حرام بالأموال طمعا فى اجتذاب ثقة المجتمع المحلى فى الانتخابات.

 

و فى عام 2009 انتبهت الشرطة إلى أن بوكو حرام تفعل شيئا ما يجب التحرى عنه، ففى هجمة أمنية روتينية اكتشفت الشرطة وجود أسلحة مع أعضاء بوكو حرام، وبدأت المصادمات بين الشرطة والجيش من ناحية وأفراد بوكو حرام من ناحية أخرى، واندلعت أعمال شغب واسعة اعتراضا على العملية العسكرية واعتقال محمد يوسف.

 

و منذ إلقاء القبض على يوسف الذى مات فى محبسه، لا يعرف أحد حتى اليوم العدد الفعلى لمن ماتوا فى هذه المواجهات، لكن التقديرات تشير إلى أنها قد تتجاوز 1500 قتيل، وبعد أسبوع من العملية العسكرية اعتقد الأمن أنه بوفاة يوسف انتهت الجماعة، لكن كان هذا بداية الحرب.

ومع بداية عام 2010 بدأت بوكو حرام تشن هجمات ناجحة على السجون تحت قيادة زعيمها الجديد أبو بكر شيكاو، والذى طور من قدرات جماعته لتشن عمليات خطف وذبح لرجال الشرطة، لكن ما حدث فى عام 2014 نبه العالم إلى الكارثة التى تدور فى نيجيريا.

صور ابو بكر البغدادى

 

ففى إبريل من عام 2014 اختطفت بوكو حرام أكثر من 276 طالبة من مدرسة تشيبوك، وأعلنت أنها ستبيعهن فى سوق العبودية، وكان الحادث مرعبا للعالم كله، ونتج عنه تدشين حملة «أعيدوا لنا بناتنا» وشاركت فيها زوجة الرئيس الأمريكى ميشيل أوباما، ورغم مرور سنوات فإن العديد من هؤلاء الفتيات ما زال مصيرهن مجهولا، وعلى الأرجح فقد تزوجن من أفراد التنظيم، لكن الأكثر رعبا لم يأت بعد.

وبدأت بوكو حرام عملية غزو فعلى لأراضى الشمال، وتوسعت حتى وصلت إلى الكاميرون، ثم أعلن «شيكاو» أن شمال نيجيريا أصبح تابعا لدولة الخلافة، وبدأت الجماعة فى فرض التجنيد على الرجال والأطفال، وتتبعت الذين يحاولون الهروب من مناطق نفوذها وقتلتهم، بل وأحرقت قرى بالكامل لإجبار السكان على الانضمام إلى منطقة نفوذها، وفى عام 2015 هاجمت بوكو حرام منطقة باغا ووصل عدد قتلى الهجوم إلى 2000 قتيل.

 

ومع عام 2015 بدأت بوكو حرام توسع أنشطتها يمينا ويسارا، فوصلت إلى كل من النيجر، تشاد، الكاميرون، وأعلن أبو بكر شيكاو الولاء لتنظيم داعش، وهو الولاء الذى أعلن «داعش» على لسان أبو محمد العدنانى المتحدث باسمه ترحيبه به، وتوسعت حتى استولت على كل أراضى ولاية بورنو وأدامو.

 

وفى الأشهر الثلاثة الأولى فجر 27 طفلا أنفسهم فى كل من نيجيريا والكاميرون وتشاد، فالأطفال الذين تختطفهم بوكو حرام يعودون من جديد حاملين أحزمة ناسفة يفجرونها فى الأسواق والمطاعم.

 

وهذه الجماعة لا مشكلة لديها فى التمويل، حيث تقوم بخطف الضحايا الغربيين وتطلب فديات باهظة، ومنها الأسرة الفرنسية التى خُطفت فى الكاميرون، وأفرج عنها مقابل فدية 3.1 مليون دولار، بل الأكثر أن الجماعة تسيطر بشكل كبير على طرق تجارة المخدرات والكوكايين القادم من أمريكا الجنوبية، والسلاح أيضا عبر طريق طويل يمر تحت سيطرتها.

 

وخلال الخمسة أشهر الماضية من عام 2017، وحسب منظمة العفو الدولية وقع حوالى 400 قتيل مدنى ضحية لبوكو حرام، وقالت المنظمة، إن هذا العدد ربما ليس دقيقا لأن الحكومة النيجيرية لا تنشر الأرقام الحقيقية للضحايا، وتتوقع المنظمة أن تكون بوكو حرام قد قتلت 20 ألف شخص، واختطفت 2000 شخص آخرين أغلبهم من السيدات، وأعاقت وصول خدمات الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات العامة.

 

وأفرطت بوكو حرام فى استخدام أعمال القسوة والانتهاك، حيث بقرت بطون النساء الحوامل المسيحيات، وقامت بتعرية النساء المخطوفات بالكامل حتى لا يستطعن الهرب، ونشرت الألغام فى كل مكان، وأحرقت الأطفال أحياء لمجرد أنهم مسيحيون، أما الأطفال المسلمون فاستخدمتهم كانتحاريين، ووصل الأمر إلى أن فخخت هذه الجماعة طفلا رضيعا وفجرته أوائل العام الحالى.

 

وأكدت الأمم المتحدة أن 3 ملايين طالب فى منطقة نفوذ بوكو حرام لا يتلقون تعليمهم، أما المدرسون فهم ضحايا للمنظمة التى تفتى بأن التعليم حرام، حيث قتلت بوكو حرام 2295 معلما، وأحرقت نصف المنازل، فيما يعانى نصف مليون طفل من سوء التغذية بسبب هذا النزاع.

 

وإذا كانت داعش انتشرت على حدود دولتين هما سوريا والعراق، فتنظيم بوكو حرام ينتشر فى 5 دول على الأقل، فى منطقة حدودية لا يمكن السيطرة عليها بشكل واضح، وتتميز بالسيولة، ويحدها من الشمال صحراء واسعة، ودولة مفككة هى ليبيا يمكن أن تكون منفذا إلى الشرق فى مصر، أو إلى الغرب فى تونس والجزائر والمغرب، وإلى الشمال نحو أوربا.

 

هذه الجماعة الإرهابية التى تفوقت على خسة وحقارة ودموية داعش، ربما تكون الخطر الجديد، وقد تجذب المقاتلين من فلول تنظيم داعش والهاربين من الجحيم فى سوريا والعراق، ليستمر وهم البحث عن الخلافة المستمر لما يقرب من 90 عاما، ليملأ العالم بالدماء والرصاص والدمار، فيا ترى متى ينتهى؟ وكيف يمكن القضاء على التائهين؟

 

 

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع