قرية "حسن فتحي" التاريخية بالأقصر تنطلق فى رحلة العودة للحياة.. خلية نحل لإنقاذ منزل المهندس العالمى والمسرح والخان والسوق والمسجد.. المشروع يشرف عليه منظمة اليونيسكو والجامعة الأمريكية والمحافظة.. فيديو


الأقصر – أحمد مرعى

"إن الله قد خلق فى كل بيئة ما يقاوم مشكلاتها من مواد، وذكاء المعمارى هو فى التعامل مع المواد الموجودة تحت قدميه لأنها المواد التى تقاوم قسوة بيئة المكان".. تلك المقولة الشهيرة للمهندس المعمارى العظيم "حسن فتحي" والذى شهدت قريته بمدينة القرنة بالبر الغربى فى محافظة الأقصر رحلة العودة للحياة وإعادة ترميمها بالكامل، وذلك بالتعاون بين محافظة الأقصر وجهاز التنسيق الحضارى بوزارة الثقافة ومنظمة اليونيسكو والجامعة الأمريكية.

قرية
قرية "حسن فتحي" التاريخية تبدأ رحلة العودة للحياة من جديد

ونرصد فيما يلى تفاصيل العمل وتاريخ قرية حسن فتحى بمدينة القرنة التاريخية، والتى تم العمل فيها على قدم وساق لإنقاذ ما تبقى منها بعد تعرضها للدمار والإهمال فى السنوات الماضية، حيث إنطلق العمال فى خلية نحل كبرى لإنقاذ القرية التى تشمل حالياً "منزل المهندس العالمى والمسرح والخان والسوق والمسجد"، حيث إحتفلت وزارة الثقافة ممثلة فى جهاز التنسيق الحضارى، بأعمال إعادة ترميم وإحياء قرية المهندس الشهير الراحل حسن فتحى، وذلك فى مقر الجهاز بالقلعة بحضور حشد كبير من المسئولين والشخصيات العامة والمعماريين والاعلاميين.

خلية نحل من العمال ينطلقون فى إنقاذ منزل المهندس العالمى والمسرح والخان والسوق والمسجد
خلية نحل من العمال ينطلقون فى إنقاذ منزل المهندس العالمى والمسرح والخان والسوق والمسجد

ومن جانبه يقول محمد بدر محافظ الأقصر، أن القرية طالما تعرضت للدمار والتأثر بعوامل الزمن مؤخراً، ولذلك إنطلقت أعمال الترميم فى الفترة الماضية بالتنسيق بين منظمة اليونيسكو وجهاز التنسيق الحضارى بوزارة الثقافة والجامعة الأمريكية، وذلك لحرص الدولة على الحفاظ على التراث المعمارى وتجديد وتجميل المبانى التاريخية فى كل أنحاء مصر.

القرية بنيت بنظام فريد للغاية فى القرن الماضي
القرية بنيت بنظام فريد للغاية فى القرن الماضي

وأضاف محافظ الأقصر لـ"اليوم السابع"، أن جهاز التنسيق الحضارى بوزارة الثقافة وضع شروطا على المبانى التى ستقام بجوار قرية حسن فتحى، حتى تناسب تصميم القرية لتخلق شكلا جماليا أنيقا، مضيفا أن الجهاز سيعمل على بناء مدرسة بالقرية لتعليم فنون العمارة التى أبدعها حسن فتحى، إضافة إلى أن هذه المدرسة ستصبح مكانا للتدريب ولإقامة الورش الفنية، حيث تمت مناقشة كافة المشاكل والتصدعات التى لحقت بالقرية والجهود الهندسية والفنية التى بذلتها مصر بالتعاون مع اليونسكو والجامعة الأمريكية من أجل اتمام عملية البناء والتطوير واستعادة الشكل الجمالى والتاريخى على الوجه الذى صممه المعمارى الراحل حسن فتحى.

العمال خلال اعادة الحياة لقرية حسن فتحى بالقرنة
العمال خلال اعادة الحياة لقرية حسن فتحى بالقرنة

وأوضح محمد بدر أنه إستقبل الشهر الماضى وفداً من اليونسكو لمناقشة مشروع إعادة تأهيل المبانى الرئيسية لقرية حسن فتحى الشهيرة بالبر الغربى بالأقصر، حيث أوضح مسئولى الوفد أنه تم البدء فى العمل بالقرية، ومن المقرر أن يتم تقسيم العمل فى تطوير وترميم قرية المهندس حسن فتحى، إلى ثلاث مراحل تتضمن المرحلة الأولى إعادة تأهيل مبنى الخان والجامع ويستمر العمل بهما لمدة سنة، وتشمل المرحلة الثانية تطوير منزل حسن فتحى ومبنى المسرح، كما تضم المرحلة الثالثة والأخيرة ترميم البيوت الموجودة بالقرية، حيث يهدف المشروع إلى معالجة المشكلات الإنشائية الحالية بالقرية وإرجاع الشئ لأصله.

مشروع ترميم القرية يشرف عليه منظمة اليونيسكو والجامعة الأمريكية والتنسيق الحضارى ومحافظة الأقصر على 3 مراحل
مشروع ترميم القرية يشرف عليه منظمة اليونيسكو والجامعة الأمريكية والتنسيق الحضارى ومحافظة الأقصر على 3 مراحل

السيرة الذاتية للمهندس حسن فتحى أشهر مهندس معمارى بمصر

ولد المهندس المعمارى (حسن فتحى) فى 23 مارس عام 1900، بمحافظة الإسكندرية، لأسرة مصرية ثرية، وانتقل فى الثامنة من عمره مع أسرته للإقامة بحلوان جنوب القاهرة، وعاش طول حياته فى منزل بدرب اللبانة بحى القلعة بمدينة القاهرة.

وتأثر المهندس حسن فتحى بالريف وبحالة الفلاحين أثناء زيارته له وهو فى سن الثامنة عشر، وكان يود أن يكون مهندس زراعى، لكنه لم يستطع الإجابة فى امتحان القبول، فحصل على دبلوم العمارة من المهندس خانة - كلية الهندسة حالياً - بجامعة الملك فؤاد الأول - جامعة القاهرة حاليا - فى عام 1926، وعمل بعد تخرجه مهندسًا بالإدارة العامة للمدارس بالمجالس البلدية (المجالس المحلية حالياً)، وكان أول أعماله مدرسة طلخا الابتدائية بريف مصر ومنها أتى اهتمامه بالعمارة الريفية أو كما كان يسميها عمارة الفقرا، ثم كُلّف بتصميم دار للمسنين بمحافظة المنيا بجنوب مصر، وأمره رئيسه بأن يكون التصميم كلاسيكيًا، فلم يقبل فتحى تدخله واستقال من العمل فى عام 1930.

جانب من بنايات القرية بالقباب التاريخية
جانب من بنايات القرية بالقباب التاريخية

وعاد إلى القاهرة وقابل ناظر مدرسة الفنون الجميلة -كان فرنسى الجنسية- فقبله كأول عضو مصرى فى هيئة التدريس، ولم يقم بتدريس العمارة الريفية طوال فترة تدريسه نظراً لانتشار العمارة الكلاسيكية فى هذا الوقت حتى عام 1946، ثم كُلّف بوضع تصميم لمشروع قرية القرنة بالأقصر، عام 1946، وتم تعيين المهندس حسن فتحى رئيس إدارة المبانى المدرسية بوزارة المعارف (وزارةالتربية والتعليم حاليًا) من عام 1949 حتى 1952، فى أثناء هذه الفترة عمل كخبير لدى منظمة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين، ثم عاد للعمل بمدرسة الفنون الجميلة من عام 1935 إلى غاية عام 1957 الذى تزوج فيه من السيدة عزيزة حسنين شقيقة أحمد حسنين باشا الرحالة والمستكشف المصرى، وغادر مصر عام 1959 للعمل لدى مؤسسة دوكسياريس للتصميم والإنشاء بأثينا، اليونان، لمدة عامين ثم عاد لمصر مرة أخرى.

جانب من العمل فى ترميم قرية حسن فتحى بالأقصر
جانب من العمل فى ترميم قرية حسن فتحى بالأقصر

وكان سبب ترك المهندس حسن فتحى لمصر روتين النظام الحكومى وفشله فى إقامة العديد من المشروعات، ترأس فى الفترة المُمتدة ما بين عامى 1963 و1965 مشروعًا تجريبيًا لإسكان الشباب تابع لوزارة البحث العلمى المصرية، فى 1966 عمل كخبير لدى منظمة الأمم المتحدة فى مشروعات التنمية بالمملكة العربية السعودية، عمل كخبير بمعهد أدلاى أستفسون بجامعة شيكاغو بين عامى 1975 و1977، توفى حسن فتحى وهو فى 89 من عمره فى 30 نوفمبر 1989.

ومن أشهر مقولات المهندس المعمارى التاريخى "حسن فتحي": "هناك 800 مليون نسمة من فقراء العالم الثالث محكوم عليهم بالموت المبكر بسبب سوء السكن، هؤلاء هم زبائنى، وأنا كمهندس، طالما أملك القدرة والوسيلة لإراحة الناس فإن الله لن يغفر لى مطلقًا أن أرفع الحرارة داخل البيت 17 درجة مئوية متعمداً".

قرية ومسجد حسن فتحى تستعد للعودة للحياة مجدداً
قرية ومسجد حسن فتحى تستعد للعودة للحياة مجدداً

تاريخ قرية حسن فتحى بالقرنة

 

بدأ المهندس حسن فتحى العمل فى بناء تلك القرية التاريخية عام 1946م، وكانت لقرية القرنة شهرة عالمية بسبب كتاب عمارة الفقراء، الذى يسرد فيه قصة بنائها، وأنشئت القرية لاستيعاب المهجرين من مناطق المقابر الفرعونية بالبر الغربى لإنقاذها من السرقات والتعديات عليها، وخصوصًا بعد أن اكتشف المختصون وعلماء الآثار سرقة نقش صخرى بالكامل من أحد القبور الملكية، فصدر قرار بتهجيرهم من المقابر، وإقامة مساكن بديلة لهم، وخصّصت الدولة ميزانية قدرها مليون جنيه لبناء القرية الجديدة، وتم اختيار الموقع ليكون بعيدًا عن المناطق الأثرية وقريبًا من السكك الحديدية والأراضى الزراعية.

مسجد القرية وسحر الطبيعة خلفه بالقرنة
مسجد القرية وسحر الطبيعة خلفه بالقرنة

وبدأ حسن فتحى المرحلة الأولى من مشروع بناء القرية ببناء 70 منزلًا، بحيث يكون لكل منزل صفة مميزة عن الآخرين حتى لا يختلط الأمر على السكان، وأعتمد فى تصميم المنازل على الخامات والمواد المحلية، وظهر تأثّره بالعمارة الإسلامية، وكانت للقباب تصميمها الفريد والتى استخدمت بدلا من الأسقف التى تعتمد على الألواح الخشبية أو الأسياخ الحديدية المعتادة، وتم تخصيص باب إضافى فى المنازل للماشية، التى يقتنيها سكان المنطقة، كنوع من أنواع العزل الصحى، حفاظًا على سلامة الأفراد.

جانب من اعمال الترميم داخل قرية حسن فتحي
جانب من اعمال الترميم داخل قرية حسن فتحي

وشيدت ثلاث مدارس بالقرية الأولى للأولاد والثانية للبنات، أما الثالثة فكانت مدرسة لتعليم الحرف اليدوية التى اشتهرت بها منطقة القرنة، مثل الألباستر والغزل والنسيج وصناعة منتجات النخيل، كما حاول من خلال هذه المدرسة الحفاظ على روح الإبداع الفرعونية فى الأجيال الجديدة، ومثلما اهتم فتحى بالجانب التعليمى لم يغفل الجانب الدينى الذى يميز أهل القرية، أو الجانب الترفيهى لتعويضهم عن منازلهم التى تم تهجيرهم منها عنوة، حيث عمل فتحى على إنشاء مسجد كبير فى مدخل القرية حمل أجمل النقوش المعمارية فى تصميمه، حيث تأثر فيه بالفن المعمارى الطولونى ممتزجا مع الفن الإسلامى فى العهد الفاطمى، وفيما يخص الجانب الترفيهى قام فتحى بإنشاء قصر ثقافة حمل اسمه، ومسرح مبنى على الطراز الرومانى، إلى جانب حمام سباحة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع